المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

[2266]

عن عَبدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيرِ أَنَّ رَجُلًا مِن الأَنصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيرَ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ الَّتِي يَسقُونَ بِهَا النَّخلَ، فَقَالَ الأَنصَارِيُّ: سَرِّح المَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيهِم فَاختَصَمُوا عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

في جميع الأمور، فإنَّ دين الله يسر، وهو: الحنيفية السَّمحة، فإنَّ الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه.

وحاصل الأمر: أن الواجب التمسك بالاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فما شدَّد فيه التزمناه على شدَّته، وفعلناه على مشقته، وما ترخص فيه أخذنا برخصته، وشكرنا الله تعالى على تخفيفه ونعمته، ومن رغب عن هذا، فليس على سُنَّته، ولا على منهاج شريعته.

وفيه حجَّة على القول بمشروعية الاقتداء به في جميع أفعاله، كما نقوله في جميع أحواله، إلا ما دلَّ دليل على أنه من خصوصياته، وقد أوضحنا هذا في الأصول.

(24)

ومن باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم

(قوله: إن رجلًا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرَّة) قيل: إن هذا الرَّجل كان من الأنصار نسبًا، ولم يكن منهم نصرة ودينًا، بل كان منافقًا، لما صدر عنه من تهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجوَّر في الأحكام لأجل قرابته، ولأنه لم يرض بحكمه، ولأن الله تعالى قد أنزل فيه:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم} الآية. هذا هو الظاهر من حاله، ويحتمل: أنه لم يكن منافقًا، ولكن أصدرَ ذلك منه بادرةُ نفس، وزلَّةُ شيطان، كما قد اتَّفق لحاطب بن أبي بلتعة، ولحسَّان، ومسطح، وحَمنَة في قضية الإفك، وغيرهم مِمَّن

ص: 153

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيرِ: اسقِ يَا زُبَيرُ ثُمَّ أَرسِل المَاءَ إِلَى جَارِكَ فَغَضِبَ الأَنصَارِيُّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَن كَانَ ابنَ عَمَّتِكَ فَتَلَوَّنَ وَجهُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: يَا زُبَيرُ اسقِ ثُمَّ احبِس المَاءَ حَتَّى يَرجِعَ إِلَى

ــ

بدرت منهم بوادر شيطانية، وأهواء نفسانية، لكن لطف بهم حتى رجعوا عن الزَّلة، وصحَّت لهم التوبة، ولم يؤاخذوا بالحوبة.

والشِّراج بالشين والجيم المعجمتين، جمع شَرِجَة، وهي مسيل الماء إلى النخل والشجر. وإضافتها إلى الحرَّة لكونها فيها.

والمخاصمة إنما كانت في السَّقي بالماء الذي يسيل فيها، وكان الزبير يتقدم شربه على شرب الأنصاري، فكان الزبير يمسك الماء لحاجته، فطلب الأنصاري أن يسرحه له قبل استيفاء حاجته، فلما ترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم سلك النبي صلى الله عليه وسلم معهما مسلك الصُّلح، فقال له: اسق يا زبير! ثمَّ أرسل الماء إلى جارك، أي: تساهل في سقيك، وعجل في إرسال الماء إلى جارك، يحضه على المسامحة والتيسير. فلما سمع الأنصاري بهذا لم يرض بذلك، وغضب لأنه كان يريد ألا يمسك الماء أصلًا، وعند ذلك نطق بالكلمة الجائرة المهلكة الفاقرة، فقال: آن كان ابن عمتك؟ ! بمدِّ همزة أن المفتوحة، لأنَّه استفهام على جهة الإنكار، أي: أتحكم له علي لأجل أنَّه قرابتك؟ ! وعند ذلك تلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا عليه وتألُّمًا من كلمته. ثمَّ إنَّه بعد ذلك حكم للزبير باستيفاء حقه، فقال: اسق يا زبير، ثم أمسك (1) الماء حتى يرجع إلى الجدر. وفي غير هذه الرواية: فاستوعى للزبير حقَّه (2).

(1) كذا في الأصول، وفي التلخيص وصحيح مسلم وغيره: احبسْ.

(2)

هي في البخاري (2362).

ص: 154

الجَدرِ، فَقَالَ الزُّبَيرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَت فِي ذَلِكَ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ}

ــ

والجَدر بفتح الجيم وسكون الدال هي روايتي، ويجمع: جُدورًا. وهو الأصل، ويعني به: حتى يصل الماء إلى أصول النَّخل والشجر، وتأخذ منه حقها. وفي بعض طرقه: حتى يبلغ الماء إلى الكعبين (1) فيعني به- والله أعلم-: حتى يجتمع الماء في الشَّرِبات، وهي الحفر التي تحفر في أصول النخل والشجر إلى أن تصل من الواقف فيها إلى الكعبين.

وقد روي الِجدر بكسر الجيم، وهو الجدار، ويجمع على جدر ويعني به: جدران الشَّربات، فإنَّها تُرفع حتى تكون تشبه الجدار. فإنَّ قيل: كيف كان حكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير على الأنصاري في حال غضبه وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يقضي القاضي وهو غضبان؟ (2)

فالجواب: أنا قدَّمنا أن هذا النهي معلَّل بما يخاف على القاضي من التشويش المؤدي به إلى الغلط في الحكم، والخطأ فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ في التبليغ والأحكام، بدليل العقل الدَّالِّ على صدقه فيما يبلغه عن الله تعالى وفي أحكامه، ولذلك قالوا: أنكتب عنك في الرضا والغضب؟ قال: نعم (3). فدلَّ ذلك: على أن المراد بالحديث: من يجوز عليه الخطأ من القضاة، فلم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك العموم.

و(قوله: والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم} ، هذا أحدُ ما قيل في سبب نزول هذه الآية.

(1) هي في البخاري (2362)، وأبو داود (3639).

(2)

رواه أحمد (1/ 150)، وأبو داود (3582)، وابن ماجه (2310).

(3)

رواه أحمد (2/ 162 و 192 و 207 و 215).

ص: 155

رواه أحمد (4/ 4 - 5)، والبخاريُّ (2359)، ومسلم (2357)، وأبو داود (3637)، والترمذيُّ (1363)، والنسائي (8/ 245)، وابن ماجه (15 و 2480).

ــ

وقيل: نزلت في رجلين تحاكما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم على أحدهما فقال له (1): ارفعني إلى عمر بن الخطاب، وقيل: إلى أبي بكر، وقيل: حكم النبي صلى الله عليه وسلم ليهودي على منافق، فلم يرض المنافق، وأتيا عمر بن الخطاب فأخبراه، فقال: أمهلاني حتى أدخل بيتي، فدخل بيته فأخرج السيف، فقتل المنافق، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه ردَّ حكمك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرَّقت بين الحق والباطل (2). وقال مجاهد نحوه، غير أنه قال: إن المنافق طلب أن يردَّ إلى حكم الكاهن، ولم يذكر قضية قتل عمر بن الخطاب المنافق، وقال الطبري: لا ينكر أن تكون الآية نزلت في الجميع، والله تعالى أعلم.

وفي هذا الحديث أبواب من الفقه، فمنها: الاكتفاء من الخصوم بما يفهم عنه مقصودهم، وألا يكلَّفوا النص على الدعاوي، ولا تحديد المدعى فيه، ولا حصره بجميع صفاته، كما قد تنطَّع في ذلك قضاة الشافعية.

ومنها: إرشاد الحاكم إلى الإصلاح بين الخصوم، فإنَّ اصطلحوا، وإلا استوفي لذي الحق حقه، وبتَّ الحكم.

ومنها: أن الأولى بالماء الجاري: الأول فالأول حتى يستوفي حاجته. وهذا ما لم يكن أصله ملكًا للأسفل مختصًا به، فليس للأعلى أن يشرب منه شيئًا، وإن كان يمرُّ عليه.

ومنها: عن جفاء الخصوم ما لم يؤد إلى هتك حرمة الشرع، والاستهانة بالأحكام، فإنَّ كان ذلك فالأدب، وهذا الذي صدر من خصم

(1) ورد في (ز) و (م 3): (له الآخر) ولا نرى مبررًا لوجود كلمة (الآخر) لأنَّ المعترض هو الذي حكم عليه، وليس الآخر.

(2)

رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه، كما في (الدر المنثور 2/ 585)، وذكر السيوطي رواية أخرى رواها الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول".

ص: 156

[2267]

وعن أبي هُرَيرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَافعَلُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم فَإِنَّمَا أَهلَكَ الَّذِينَ مِن قَبلِكُم كَثرَةُ مَسَائِلِهِم، وَاختِلَافُهُم عَلَى أَنبِيَائِهِم.

وفي رواية: ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُم فَإِنَّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم لِكَثرَةِ مسَائلِهِم

الحديث.

رواه أحمد (2/ 247)، ومسلم (1337)(130 و 131)، والترمذيُّ (2679)، والنسائي (5/ 110 - 111)، وابن ماجه (1 و 2).

* * *

ــ

الزبير أذى للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لما قدَّمناه من عظم حلمه وصفحه، ولئلا يكون قتله منفرًا لغيره عن الدخول في دين الإسلام، فلو صدر اليوم مثل هذا من أحد في حق النبي صلى الله عليه وسلم لقتل قتلة زنديق، وقد أشبعنا القول في ذلك.

ومنها: أن القَدر الذي يستحق الأعلى من الماء: كفايته، وغاية ذلك: أن يبلغ الماء إلى الكعبين، فقيل: في الشَّرَبَة (1)، كما قلنا، وقيل: في أرض الحائط، وفيه بُعد.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) أي: لا تقدموا على فعل شيء من المنهي عنه، وإن قلَّ، لأنَّه تحصل بذلك المخالفة، لأنَّ النهي: طلب الانكفاف المطلق، والأمر المطلق على النقيض من ذلك، لأنَّه يحصل الامتثال بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم المأمور به على أي وجه فعل، وفي أي زمان فعل، ويكفيك من ذلك مثال بقرة بني إسرائيل، فإنَّهم لما أمروا بذبح بقرة، فلو بادروا وذبحوا بقرة - أي بقرة كانت - لحصل لهم الامتثال، لكنهم كثَّروا الأسئلة فكثرت أجوبتهم، فقل الموصوف، فعظم الامتحان عليهم، فهلكوا، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن أن يقعوا في

(1)"الشَّرَبَةُ": حُويْض يُحفر حول النخلة والشجرة يُملأ ماء، فيكون ريَّها.

ص: 157