الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَبلُ وَلَا بَعدُ، يَعنِي: جِبرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عليهما السلام.
وفي رواية: يُقَاتِلَانِ عَنهُ كَأَشَدِّ القِتَالِ، مَا رَأَيتُهُمَا قَبلُ وَلَا بَعدُ.
رواه أحمد (1/ 171)، والبخاريُّ (4054)، ومسلم (2306)(46 و 47).
* * *
(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا
[2221]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجوَدَ النَّاسِ
ــ
- صلَّى الله عليهما وسلم -. رؤية سعد رضي الله عنه لهذين الملكين في ذلك اليوم: كرامة من الله تعالى خصَّه بها، كما قد خصَّ عمران بن حصين بتسليم الملائكة عليه، وأسيد بن حضير برؤية الملائكة الذين تنزلوا لقراءة القرآن، وقتال الملائكة للكفار يوم بدر، ويوم أحد لم يخرج عن عادة القتال المعتاد بين الناس، ولو أذن الله تعالى لملك من أولئك الملائكة بأن يصيح صيحة واحدة في عسكر العدو لهلكوا في لحظة واحدة، أو لخسف بهم موضعهم، أو أسقط عليهم قطعة من الجبل المطل عليهم، لكن لو كان ذلك: لصار الخبر عيانًا، والإيمان بالغيب مشاهدة، فيبطل سر التكليف، فلا يتوجَّه لوم، ولا تعنيف، كما قد صرَّح الله تعالى بذلك قولًا وذكرًا، إذ قال:{يَومَ يَأتِي بَعضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفسًا إِيمَانُهَا لَم تَكُن آمَنَت مِن قَبلُ أَو كَسَبَت فِي إِيمَانِهَا خَيرًا}
و(قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس) أي: أكثرهم جودًا وسخاءً.
بِالخَيرِ، وَكَانَ أَجوَدَ مَا يَكُونُ فِي شَهرِ رَمَضَانَ، إِنَّ جِبرِيلَ عليه السلام كَانَ يَلقَاهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنسَلِخَ، فَيَعرِضُ عَلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
هذا هو المعلوم من خُلُقِه؟ فإنَّه ما سئل شيئًا فمنعه إذا كان مما يصح بذله وإعطاؤه.
و(قوله: وكان أجود ما يكون في رمضان) إنما كان ذلك لأوجه:
أحدها: رغبة في ثواب شهر رمضان، فإنَّ أعمال الخير فيه مضاعفة الأجر، وليعين الصائمين على صومهم، وليفطرهم، فيحصل له مثل أجورهم كما قال، ولأنه كان يلقى فيه جبريل لمدارسة القرآن، فكان يتجدد إيمانه، ويقينه، وتعلو مقاماته، وتظهر عليه بركاته، فيا له من لقاء ما أكرمه، ومن مشهد ما أعظمه! وقيل: إنما كانت عطاياه تكثر في رمضان، لأنَّه كان يقدَّم الصدقات بين يدي مناجاة الرسول (1) لقوله تعالى:{إِذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَينَ يَدَي نَجوَاكُم صَدَقَةً} وفيه بُعد، لأنه قد كان نسخ ذلك، ولاستبعاد دخول النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ولبُعد دخول جبريل في قوله تعالى: {إِذَا نَاجَيتُمُ الرَّسُولَ}
وأجود: قيل بالنصب على أنه خبر كان، وفيه بُعد، لأنَّه يلزم منه: أن يكون خبرها هو اسمها، وذلك: لا يصح إلا بتأويل بعيد، والرفع أولى، لأنَّه يكون مبتدأ مضافًا إلى المصدر، وخبره: في رمضان، وتقديره: أجود أكوانه في رمضان، ويعني بالأكوان: الأحوال، والله أعلم.
و(قوله: إن جبريل صلى الله عليه وسلم كان يلقاه في كل سنة في رمضان) يصلح الكسر في إن على الابتداء، والفتح فيه (2) أولى، فيكون تعليلًا لجود النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وكان هذا الوجه أولى. والله أعلم. ولا أذكر الآن كيف قيَّدتها على من قرأتُه عليه.
(1) أي: مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم جبريلَ عليه السلام.
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
القُرآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجوَدَ بِالخَيرِ مِن الرِّيحِ المُرسَلَةِ.
رواه أحمد (1/ 363)، والبخاريُّ (1902)، ومسلم (2308)(2308).
[2222]
وعَن أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَخَذَ أَبُو طَلحَةَ بِيَدِي، فَانطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَليَخدُمكَ، قَالَ: فَخَدَمتُهُ فِي السَّفَرِ وَالحَضَرِ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي لِشَيءٍ صَنَعتُهُ: لِمَ صَنَعتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلَا لِشَيءٍ لَم أَصنَعهُ: لِمَ لَم تَصنَع هَذَا هَكَذَا؟ .
وفي رواية: وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ، ولا عاب علي شيئا قط.
رواه أحمد (3/ 195)، والبخاري (6058)، ومسلم (2309)(51 - 53)، وأبو داود (4774).
[2223]
وعنه، قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن أَحسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرسَلَنِي يَومًا لِحَاجَةٍ فَقُلتُ: وَاللَّهِ لَا أَذهَبُ وَفِي نَفسِي أَن أَذهَبَ لِمَا
ــ
و(قوله: كان أجود من الريح المرسلة) أي: بالمطر، وفيه جواز المبالغة، والإغياء في الكلام.
وأف كلمة ذم وتحقير واستقذار، وأصل الأفِّ والتفِّ: وسخ الأظفار، وفيها عشر لغات: أفّ بغير تنوين بالفتح والضم والكسر، وبالتنوين للتنكير مع الأوجه الثلاثة، وبكسر الهمزة وفتحها، ويقال: أُفِّي وأُفِّه. وفي الصحاح، يقال: كان ذلك على إفّ ذلك، وإفَّانِه - بكسرها - أي: في حينه وأوانه.
و(قول أنس: والله لا أذهب! وفي نفسي أن أذهب) هذا القول: صدر عن
أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبيَانٍ وَهُم يَلعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد قَبَضَ بِقَفَايَ مِن وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرتُ إِلَيهِ وَهُوَ يَضحَكُ، فَقَالَ: يَا أُنَيسُ ذَهَبتَ حَيثُ أَمَرتُكَ؟ قَالَ قُلتُ: نَعَم أَنَا أَذهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَد خَدَمتُهُ تِسعَ سِنِينَ مَا عَلِمتُهُ قَالَ لِشَيءٍ صَنَعتُهُ: لِمَ فَعَلتَ كَذَا وَكَذَا، أَو لِشَيءٍ تَرَكتُهُ: هَلَّا فَعَلتَ كَذَا وَكَذَا.
وفي رواية: قال أنس: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين.
رواه مسلم (2309 و 2310)(54).
* * *
ــ
أنس في حال صغره، وعدم كمال تمييزه، إذ لا يصدر مثله ممن كمل تمييزه. وذلك: أنه حلف بالله على الامتناع من فعل ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة، وهو عازمٌ على فعله، فجمع بين مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الإخبار بامتناعه، والحلف بالله على نفي ذلك مع العزم على أنه كان يفعله، وفيه ما فيه، ومع ذلك فلم يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من ذلك، ولا عرَّج عليه، ولا أدبه. بل داعبه، وأخذ بقفاه، وهو يضحك رفقًا به، واستلطافًا له، ثم قال: يا أنيس! اذهب حيث أمرتك، فقال له: أنا أذهب. وهذا كله مقتضى خلقه الكريم، وحلمه العظيم.
وقد اختلفت الروايات في خدمة أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: عشر. وقيل: تسع، وذلك بحسب اختلافهم في سَنَةِ مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة. فقال الزهري: عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة (1).
قلت: فعلى هذا خدمه عشر سنين، إن قلنا: أنه خدمه من أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ويحتمل أن تكون تأخرت خدمته عن ذلك سنة فتكون مدة
(1) رواه الحاكم (3/ 573).