الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد
[2565]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهلُ السَّمَاءِ.
ــ
(41)
ومن باب: إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد مجندة، والمرء مع من أحب
قد تقدَّم أن معنى محبة الله للعبد: إرادة إكرامه وإثابته. ولأعمال العباد: إثابتهم عليها، وأن محبة الله تعالى منزهة عن أن تكون ميلا للمحبوب، أو شهوة؛ إذ كل ذلك من صفاتنا، وهي دليل حدوثنا، والله تعالى منزه عن كل ذلك.
وأما محبة الملك فلا بُعد في أن تكون على حقيقتها المعقولة في حقوقنا، ولا إحالة في شيء من ذلك. وإعلام الله تعالى جبريل، وإعلام جبريل الملائكة بمحبة العبد المذكور تنويه به، وتشريف له في ذلك الملأ الكريم، وليحصل من المنزلة المنيفة على الحظ العظيم، وهذا من نحو قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى حيث قال: أنا مع عبدي إذا ذكرني؛ إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم (1). ويجوز أن يراد بمحبة الملائكة: ثناؤهم عليه واستغفارهم له، وإكرامهم له عند لقائه إياهم.
(1) رواه أحمد (2/ 251 و 413)، والبخاري (7405)، ومسلم (2675)(21)، والترمذي (3603)، وابن ماجه (3822).
قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرضِ، وَإِذَا أَبغَضَ عَبدًا دَعَا جِبرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبغِضُ فُلَانًا فَأَبغِضهُ. قَالَ: فَيُبغِضُهُ جِبرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبغِضُ فُلَانًا فَأَبغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبغِضُونَهُ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ البَغضَاءُ فِي الأَرضِ.
رواه أحمد (2/ 514)، والبخاري (3209)، ومسلم (2637)(157)، والترمذي (3161).
[2566]
وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الأَروَاحُ أَجنَادٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنهَا ائتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنهَا اختَلَفَ.
ــ
و(قوله: ثم يوضع له القبول في الأرض) يعني بالقبول: محبة قلوب أهل الدين والخير له، والرضا به، والسرور بلقائه، واستطابة ذكره في حال غيبته، كما أجرى الله تعالى عادته بذلك في حق الصالحين من سلف هذه الأمة ومشاهير الأئمة. والقول في البغض على النقيض من القول في الحب.
و(قوله: الأرواح أجناد مجندة). قد تقدَّم القول في الروح والنفس في كتاب الطهارة. ومعنى أجناد مجندة: أصناف مصنفة. وقيل: أجناس مختلفة. ويعني بذلك أن الأرواح وإن اتفقت في كونها أرواحا؛ فإنَّها تتمايز (1) بأمور وأحوال مختلفة تتنوع بها فتتشاكل أشخاص النوع الواحد، وتتناسب بسبب ما اجتمعت فيه من المعنى الخاص لذلك النوع للمناسبة، ولذلك نشاهد (2) أشخاص كل نوع تألف نوعها، وتنفر من مخالفها، ثمَّ إنا نجد بعض أشخاص النوع الواحد تتآلف، وبعضها تتنافر، وذلك بحسب أمور تتشاكل فيها، وأمور تتباعد فيها،
(1) في (ز): تتباين.
(2)
في (م 4): نجد.
وفي رواية: النَّاسُ مَعَادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، خِيَارُهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم فِي الإِسلَامِ إِذَا فَقُهُوا، وَالأَروَاحُ جُنُودٌ
…
وذكره.
رواه أحمد (2/ 295)، ومسلم (2638)(159 و 160)، وأبو داود (4834).
* * *
ــ
كالأرواح المجبولة على الخير والرحمة والشفقة والعدل، فتجد مَن جُبل على الرحمة يميل بطبعه لكل من كان فيه ذلك المعنى، ويألفه، ويسكن إليه، وينفر ممن اتصف بنقيضه، وهكذا في الجفاء والقسوة، ولذلك قد شاع في كلام الناس قولهم (1): المناسبة تؤلف بين الأشخاص، والشكل يألف شكله، والمثل يجذب مثله.
وهذا المعنى هو أحد ما حُمل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف وعلى هذا فيكون معنى تعارف: تناسب. وقيل: إن معنى ذلك هو ما تعرف الله به إليها من صفاته، ودلها عليه من لطفه وأفعاله، فكل روح عرف من الآخر أنه تعرف إلى الله بمثل ما تعرف هو به إليه. وقال الخطابي: هو ما خلقها الله تعالى عليه من السعادة والشقاوة في المبدأ الأول.
قلت: وهذان القولان راجعان إلى القول الأول، فتدبرهما.
ويستفاد من هذا الحديث أن الإنسان إذا وجد من نفسه نفرة ممن له فضيلة أو صلاح فتش على الموجب لتلك النفرة، وبحث عنه بنور العلم؛ فإنَّه ينكشف له، فيتعين عليه أن يسعى في إزالة ذلك، أو في تضعيفه بالرياضة السياسية، والمشاهدة (2) الشرعية حتى يتخلص من ذلك الوصف المذموم، فيميل لأهل
(1) ليست في (ز).
(2)
في (ز): المجاهرة.