الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) باب فضائل الحسن والحسين
[2330]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ لِحَسَنٍ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحبِب مَن يُحِبُّهُ.
رواه أحمد (2/ 249)، ومسلم (2421)(56)، وابن ماجه (142).
ــ
(41)
ومن باب: فضائل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
وأمهما: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُكنى الحسن: أبا محمد، والحسين: أبا عبد الله. ولد الحسن في النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة. هذا أصحُّ ما قيل في ذلك، وولد الحسين لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة. وقيل: سنة ثلاث، هذا قول الواقدي. وقال: علقت به فاطمة رضي الله عنها بعد مولد الحسن بخمسين ليلة، ومات الحسن مسمومًا في ربيع الأول من سنة خمسين بعدما مضى من خلافة معاوية عشر سنين. وقيل: بل مات سنة إحدى وخمسين، ودفن ببقيع الغرقد إلى جانب قبر أمه، وصلَّى عليه سعيد بن العاص، وكان أمير المدينة، قدَّمه الحسين، وقال: لولا أنَّها سُنَّة لما قدَّمتك، وقد كان وصى أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أذنت في ذلك عائشة فأذنت في ذلك، ومنع من ذلك مروان، وبنو أمية.
وروى أبو عمر بإسناده إلى علي رضي الله عنه قال: لما ولد الحسن جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربًا. قال: بل هو: حسن، فلما ولد الحسين، قال: أروني ابني، ما سميتموه؟ ، قلت: حربًا، قال: بل هو: حسين، فلما ولد الثالث، قال: أروني ابني، ما سميتموه؟ قلت: حربًا، قال: بل هو: محسِّن (1).
وعقَّ
(1) رواه أحمد (1/ 98 و 118)، والبزار (1997)، والحاكم (3/ 165)، وابن حبان (6958).
[2331]
وعنه قَالَ: خَرَجتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِن
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم عن كل واحدٍ من الحسن والحسين يوم سابعه بكبش كبش، وأمر أن يحلق كل واحد منهما، وأن يتصدَّق بوزن شعرهما فضة (1). وقال علي رضي الله عنه: كان الحسين رضي الله عنه أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسن أشبه الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك (2). وتواردت الآثار الصِّحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن: إن ابني هذا سيِّد، وعسى الله أن يبقيه حتى يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (3). ولا أسود ممن سوَّده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له بذلك، وكان حليمًا، ورِعًا، فاضلًا، دعاه ورعه وفضله إلى أن ترك المُلك والدنيا رغبة فيما عند الله. ومما يدلّ على صحة ذلك وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وصحة نبوته ما قد اشتهر من حال الحسن، وتواتر من قضيَّة خلافته، وإصلاحه بين المسلمين، وذلك: أنه لما قُتِل علي رضي الله عنه بايعه أكثر من أربعين ألفًا، وكثير ممن تخلَّف عن أبيه، وممن نكث بيعته، فبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق، وما وراءها من خراسان، ثم سار إلى معاوية في أهل الحجاز والعراق، وما وراءها من خراسان، ثم سار إليه معاوية في أهل الشام، فلما تراءى الجمعان بموضع يقال له: مَسكَن، من أرض السواد بناحية الأنبار، كره الحسن القتال لعلمه أن إحدى الطائفتين لا تغلب حتى يهلكَ أكثر الأخرى، فيهلك المسلمون، فسلَّم الأمر لمعاوية على شروط شرطها عليه، منها: أن يكون الأمر له من بعد معاوية، فالتزم كل ذلك معاوية، واجتمع الناس على بيعته في النصف من جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين. هذا أصح ما قيل في ذلك، ولما فعل ذلك الحسن عتب عليه أصحابه، ولاموه على ذلك، حتى قال له بعض أصحابه: يا عار
(1) رواه الحاكم (4/ 237)، والبيهقي (9/ 299 - 300)، وأبو يعلى (4521).
(2)
رواه الترمذي (3779).
(3)
رواه أحمد (5/ 49)، والبزار (2639)، والطبراني (2591)، وابن حبان (6964).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المؤمنين! فقال: العار خير من النار. وقال له شيخ من أهل الكوفة يكنى أبا عامر لما قدمها: السلام عليك يا مُذِل المؤمنين، فقال له: لا تقل ذلك يا أبا عامر! فإني لم أذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب الملك، فقد ظهر ما قاله سيد المرسلين من أن الحسن سيِّد، وأن الله أصلح به بين فئتين من المسلمين، لكن خُشي من طول عمره فسُمَّ فمات من فوره، ونقل الثقات: أنه لما سُمَّ لفظ قطعًا من كبده، وحينئذ قال: لقد سُقيتُ السُّمَّ ثلاث مرات لم أسق مثل هذه المرة، فقال له الحسين: يا أخي من سقاك؟ قال: وما تريد إليه؟ أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: لئن كان الذي أظن، فالله أشد نقمة، ولئن كان غيره فما أحب أن يقتل بي بريء. ولما ورد البريد بموته على معاوية قال: يا عجبًا من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه.
وأما الحسين رضي الله عنه، فكان فاضلًا، ديِّنًا، كثير الصوم، والصلاة، والحج، قال مصعب الزبيري: حجَّ الحسين خمسًا وعشرين حجَّة ماشيًا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي الحسن: إنهما سيِّدا شباب أهل الجنة (1). وقال: هما ريحانتاي من الدنيا (2). وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهما هشَّ لهما، وربما أخذهما، كما روى أبو داود: أنهما دخلا المسجد وهو يخطب فقطع خطبته ونزل فأخذهما، وصعد بهما، وقال: رأيت هذين، فلم أصبر (3). وكان يقول فيهما: اللهم إني أحبهما فأحبهما، وأحِبَّ من يحبهما (4). وقتل رحمه الله، ولا رحم قاتله يوم الجمعة لعشر خلون من محرم سنة إحدى وستين بموضع يقال له: كربلاء، بقرب موضع يقال له: الطفُّ بقرب من الكوفة. قال أهلُ التواريخ: لما مات معاوية،
(1) رواه أحمد (3/ 3)، والترمذي (3768).
(2)
رواه أحمد (2/ 85)، والبخاري (3753)، والترمذي (3770).
(3)
رواه أبو داود (1109).
(4)
رواه الترمذي (3769).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأفضت الخلافة إلى يزيد، وذلك في سنة ستين، وردت بيعته على الوليد بن عتبة بالمدينة ليأخذ البيعة على أهلها، أرسل إلى الحسين بن علي، وإلى عبد الله بن الزبير ليلًا فأُتي بهما فقال: بايعا. فقالا: مثلنا لا يبايع سرًّا، ولكنا نبايع على رؤوس الناس إذا أصبحنا، فرجعا إلى بيوتهما، وخرجا من ليلتهما إلى مكة، وذلك ليلة الأحد لليلتين بقيتا من رجب، فأقام الحسين بمكة شعبان ورمضان وشوال وذا القعدة، ثم خرج يوم التروية يريد الكوفة، فبعث عبيد الله بن زياد خيلًا لقتل الحسين، وأمَّر عليهم عمر بن سعد، فأدركه بكربلاء فقتل الحسين، وقتل معه من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاثة وعشرون رجلًا، وسبي نساؤه، وذلك في يوم عاشوراء من السنة المذكورة. وكان من قضاء الله تعالى وتعجيل عقوبته لعبيد الله بن زياد: أن قتل يوم عاشوراء سنة سبع وستين. قتله إبراهيم بن الأشتر في الحرب، وبعث برأسه إلى المختار، وبعث به المختار إلى ابن الزبير، فبعث به إلى علي بن حسين.
واختلف في سن الحسين يوم قتل. فقيل: سبع وخمسون. وقيل: ثمان. وقيل: أربع. وقال جعفر بن محمد: توفي علي بن أبي طالب وهو ابن ثمان وخمسين. وقتل الحسين وهو ابن ثمان وخمسين، وتوفي علي بن الحسين، وهو ابن ثمان وخمسين، وتوفي محمد بن علي، وهو ابن ثمان وخمسين. قال سفيان: قال لي جعفر بن محمد، وأنا بهذه السنة في ثمان وخمسين، وتوفي فيها، رحمة الله عليهم أجمعين.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم نصف النهار، وهو قائم أشعث، أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين، لم أزل ألقطه منذ اليوم، فوجد قد قتل في ذلك اليوم. وأما الحسن فكان سنَّه يوم مات ستًّا وأربعين سنة، وقيل: سبعًا وأربعين سنة (1). وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم[حديث
(1) انظره في "ذخائر العقبى" للطبري ص (148).
النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ، حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَينُقَاعَ، ثُمَّ انصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ فَقَالَ: أَثَمَّ لُكَعُ؟ أَثَمَّ لُكَعُ؟ حتى جاء - يَعنِي حَسَنًا -
ــ
الدعاء في القنوت.
و(قوله: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة (1). وروى الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم] (2): من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (3).
وقوله صلى الله عليه وسلم في ابن صائد: اختلفتم وأنا بين أظهركم؟ فأنتم بعدي أشدُّ اختلافًا.
و(قوله: حتى أتى خباء فاطمة) أي: بيتها، وأصل الخباء: ما يخبأ فيه، وقد صار بحكم العرف العربي عبارة عن بيوت الأعراب.
و(قوله صلى الله عليه وسلم للحسن: أثمَّ لُكَع؟ ) يعني به: الصغير، وهي لغة بني تميم، وسئل ابن جرير عن اللكع، فقال: هو الصغير في لغتنا، وأصل هذه الكلمة: أنها تستعمل للتحقير، والتجهيل، واللكع: العبد الوغد، والقليل العقل، ويقال للأنثى: لكعاء، ويعدل به في النداء إلى لكاع، وقد تقدم القول فيه. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مُمازحًا بذلك اللفظ، ومؤنسًا كما يقول الرجل لابنه الصغير: تعال يا كُليب، وكما قالت العربية لابنها وهي تُرَقِّصه: حُزُقَّة عين بقَّة (4).
والسِّخاب: خيط فيه خرز ينظم، ويجعل في عنق الصبيان، والسِّخاب مأخوذ من السَّخَب، وهو اختلاط الأصوات، وارتفاعها، وكأن هذه الخرزات لها أصوات مختلفة عند احتكاك بعضها مع البعض، وقيل: السِّخاب من القلائد: ما اتخذ من القرنفل، والمسك، والعود وشبهه، دون الجوهر.
وفيه من الفقه: المحافظة على النظافة، وعلى تحسين الصغار، وتزيينهم، وخصوصًا عند لقاء من يُعظم ويحترم.
(1) رواه عبد الرزاق (4984)، والطبراني (2708)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 264).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(3)
رواه الترمذي (2317)، ومالك في الموطأ (2/ 903).
(4)
في اللسان مادة (حزق). وفي كلامهم: (حُزُقَّةُ، حُزُفَّةْ، تَرَقَّ عين بَقَّهْ). الحزقة: الضعيف يقارب خطوه. تَرَقّ: بمعنى اصعد. عَيْنُ بَقَّة: كناية عن صغر العين.
فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحبِسُهُ أُمُّهُ لِأَن تُغَسِّلَهُ وَتُلبِسَهُ سِخَابًا، فَلَم يَلبَث أَن جَاءَ يَسعَى، حَتَّى اعتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحب مَن يُحِبُّهُ.
رواه أحمد (2/ 331)، والبخاريُّ (2122)، ومسلم (2421)(57)، وابن ماجه (143).
[2332]
وعَن البَرَاءِ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعًا الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ.
رواه أحمد (4/ 283 - 284) و (4/ 292)، والبخاريُّ (3749)، ومسلم (2422)(59)، والترمذي (3783).
ــ
و(قوله: حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه) فيه ما يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته بالصغار، وإكرامه ومحبَّته للحسن، ولا خلاف - فيما أحسب - في جواز عناق الصِّغار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّما اختلف في عناق الكبير في حالة السلام، وكرهه مالك، وأجازه سفيان بن عيينة، وغيره، واحتج سفيان على مالك في ذلك بعناق النبي صلى الله عليه وسلم جعفرًا لما قَدِم عليه، فقال مالك: ذلك مخصوصٌ بجعفر. وقال سفيان: ما يخص جعفرًا يعمَّنا، فسكت مالك، ويدل سكوت مالك على أنه ظهر له ما قاله سفيان من جواز ذلك. قال القاضي عياض: وهو الحق حتى يدلّ دليل على تخصيص جعفر بذلك.
والعاتق: ما بين المنكب إلى العنق، وقيل: هو موضع الرداء من المنكب.
وفيه من الفقه ما يدل على: جواز حمل الصِّبيان، وترك التعمُّق في التحفظ مما يكون منهم من المخاط والبول، وغير ذلك، فلا يجتنب من ذلك إلا ما ظهرت عينه، أو تحقق، أو تفاحش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعملون على مقتضى الحنيفية السَّمحة، فيمشون حفاة في الطِّين، ويجلسون بالأرض، وتكون عليهم الثياب الوسخة التي ليست بنجسة،