الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله
[2199]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: غَزَونَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزوَةً قِبَلَ نَجدٍ، فَأَدرَكَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَادٍ كَثِيرِ العِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
(3)
ومن باب عصمة النبي صلى الله عليه وسلم مِمَّن يريد قتله
(قوله: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة قبل نجد)، النجد: المرتفع من الأرض، والغور: المنخفض منها، هذا أصلها، ثم قد صارا بحكم العرف اسمين لجهتين مخصوصتين معروفتين. وصحيح الرواية ومشهورها: نجد، ووقع للعذري: أحد.
و(قوله: فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وادي كثير العضاه) هذا اللفظ ذكري فيه: أدركَنَا - بفتح الكاف - رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالرفع على الفاعل، وعليه فيكونون قد تقدموه للوادي لمصلحة من مصالحهم ككونهم طليعة، أو صيانة للنبي صلى الله عليه وسلم مما يخشى عليه، وغير ذلك. ويحتمل أن يقيد: فأدركنَا رسولَ اللهِ - بسكون الكاف، ونصب رسول على المفعول، فيكون فيه ما يدلُّ على شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون كنحو ما اتفق له لما وقع الفزع بالمدينة، فركب فرسًا، فسبقهم، فاستبرأ الخبر، ثم رجع، فلقي أصحابه خروجًا، فقال لهم: لم تراعوا (1).
والعضاه: كل شجر من شجر البادية له شوك.
(1) رواه أحمد (3/ 171 و 180)، والبخاري (2627 و 2820)، ومسلم (2307)(49)، وأبو داود (4988)، والترمذي (1685).
تَحتَ شَجَرَةٍ، فَعَلَّقَ سَيفَهُ بِغُصنٍ مِن أَغصَانِهَا، قَالَ: وَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الوَادِي يَستَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ رَجُلًا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ فَأَخَذَ السَّيفَ، فَاستَيقَظتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأسِي، فَلَم أَشعُر إِلَّا وَالسَّيفُ صَلتً فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلتُ: اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ فِي
ــ
و(قوله: فتفرَّق الناس في الوادي يستظلُّون) فيه جواز افتراق العسكر في النزول إذا أمنوا على أنفسهم، وكأنهم قد أجهدهم التعب والحر، فقالوا (1) مستظلين بالشجر.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: إن رجلًا أتاني وأنا نائم فأخذ السَّيف) هذا يدلّ: على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في هذا الوقت لا يحرسه أحدٌ من الناس، بخلاف ما كان عليه في أول أمره، فإنَّه كان يُحرس حتى أنزل الله تعالى عليه:{وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ، فقال لمن كان يحرسه [من الناس] (2): اذهبوا فإنَّ الله قد عصمني من الناس (3). فمن ذلك الوقت لم يحرسه أحدٌ منهم، ثقة منه بوعد الله، وتوكلًا عليه.
وفيه: جواز نوم المسافر إذا أمن على نفسه، وأما مع الخوف، فالواجب: التحرز والحذر.
و(قوله: فاستيقظت وهو قائمٌ على رأسي والسيف صَلتٌ في يده) روي برفع صلت ونصبه. فمن رفعه جعله خبر المبتدأ، الذي هو السيف، وفي يده متعلّق به. ومن نصبه، جعل الخبر في المجرور، ونصبت صَلتًا على الحال، أي: مُصلتًا. وهو المجرَّد من غمده. والمشهور بفتح الصاد (4) من: صَلَتَ. وذكر القتبي: أنها تكسر في لغة.
و(قول الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: من يمنعك مني؟ ) استفهام مشرب بالنفي، كأنه
(1) من القيلولة.
(2)
ما بين حاصرتين زيادة من (ج 2).
(3)
رواه الترمذي (3046) وقال: غريب.
(4)
في (ع) و (ز) و (م 2) و (م 3): اللام، والمثبت من (ج 2).
الثَّانِيَةِ: مَن يَمنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: قُلتُ: اللَّهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ. ثُمَّ لَم يَعرِض لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (3/ 311)، والبخاريُّ (2910)، ومسلم (843) في الفضائل (13).
* * *
ــ
قال: لا مانع لك مني! فلم يبال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، ولا عرَّج عليه، ثقة منه بوعد الله وتوكلًا عليه، وعلمًا منه بأنه ليس في الوجود فعل إلا لله تعالى، فإنَّه أعلم الناس بالله تعالى وأشدُّهم له خشية. فأجابه بقوله: الله! ثانية، وثالثة، فلما سمع الرَّجُل ذلك، وشاهد تلك القوة التي فارق بها عادة الناس في مثل تلك الحال، تحقق صدقه، وعلم: أنه لا يصل إليه بضرر.
وهذا من أعظم الخوارق للعادة، فإنَّه عدوٌّ، متمكِّن، بيده سيفٌ شاهرٌ، وموتٌ حاضرٌ، ولا حال تغيّرت، ولا روعة حصلت. هذا محال في العادات، فوقوعه من أبلغ الكرامات، ومع اقتران التحدِّي به يكون من أوضح المعجزات.
و(قوله: فشام السَّيف) أي: أغمده [هنا، وهو من الأضداد. يقال: شام السيف: جرَّده، وشامه: أغمده](1).
و(قوله: فها هو ذا جالس) هكذا وجدته [بخط شيخنا أبي الصَّبر أيوب في نسخته، ووجدته](2) في نسخة أخرى: فشام السيف، ها هو ذا هو جالس بإسقاط الفاء، وزيادة هو، والأول أحسن، لأنَّ الفاء رابطة، وهو لا يحتاج إليها، فهي زائدة. ومعنى هذا الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم نبَّه على ذلك الرجل، وأخبر عنه، وأشار
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).