الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى البلاء (وبلى)
قد ورد فى القرآن على ثلاثة أَوجه:
الأَوّل: بمعنى النعمة: {وَلِيُبْلِيَ المؤمنين مِنْهُ بلاء حَسَناً} أَىْ وليُنْعِم.
الثانى: بمعنى الاختبار والامتحان: {هُنَالِكَ ابتلي المؤمنون} ، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .
الثالث: بمعنى المكروه: {وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} أَى مِحْنة.
والمادّة موضوعة لضدّ الجِدَّة: بَلِى الثَّوب بِلاً، وبَلاءً: خَلُق. وقولهم: بلوته: اختبرته، كأَنى أَخلقْتَهُ من كثرة اختبارى. وقرئ {هُنَالِكَ تَبْلوا كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ} أَى تعرِف حقيقة ما عملت.
وسُمّى الغمّ بلاءً؛ من حيث إِنَّه يُبلىِ الجسم. وسُمّى التكليف بلاءً؛ لأَنَّ التكاليف مَشَاقُّ على الأَبدان، أَوْ لأَنَّها اختبارات. ولهذا قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ} وقيل: اختبار الله تعالى لعباده تارة بالمسارّ ليشكروا، وتارة بالمضارّ ليصبروا. فصار المِنحة والمحنة جميعاً بلاءً. فالمِحْنة مقتَضِية للصّبر، والمِنحة مقتضية للشكر، والقيامُ بحقوق الصّبر أَيسر من القيام بحقوق الشكر. فصارت المِنْحة أَعظم البلاءَين.
لهذا قال عمر - رضى الله عنه - بُلينا بالضَّرّاءِ فصبرنا، وبلينا بالسَّراءِ فلم نصبر. وقال علىّ - رضى الله عنه -: من وُسّع عليه دنياه، فلم يعلم أَنه قد مُكِر به، فهو مخدوع عن عقله. وقال - تعالى -:{وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً} . وقوله: {بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} راجع إِلى المحنة التى فى قوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} ، وإِلى المنحة الَّتى أَنجاهم. وإِذا قيل: بَلَا الله كذا، وابتلاه، فليس المراد إِلَاّ ظهور جودته ورداءَته، دون التعرّف لحاله، والوقوف على ما يُجهل منه، إِذ كان الله تعالى علَاّم الغيوب، وعلى هذا قوله - تعالى -:{وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} وأَبلاه: أَحْلفه و [أَبلى] حلف له، لازم متعدّ.
وبَلَى: رَدّ للنفى: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النار إِلَاّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً} إِلى قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} أَو جوابٌ لاستفهام مقترن بنفى؛ نحو {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى} ونعم يقال فى الاستفهام المجرّد؛ نحو {هَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ} ، ولا يقال ههنا: بلى. فإِذا قيل: ما [عندى] شئٌ فقلت: بلى كان ذلك ردّاً لكلامه. فإِذا قلت: نعم كان إِقرارا منك.