الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الدرس والدرك
الدّرس: دَرَسَ الشئ معناه بقى أَثره. ومنه دَرَس الكتاب ودرست العلم أَى تناولْت أَثره بالحفظ. ولمَّا كان تناول ذلك بمداومة القرآن عُبِّر عن إِدامة القرآن بالدّرس. وقوله تعالى: {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} أَى: جاريت أَهل الكتاب فى القراءَة. وقيل: {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} تَركوا العمل به، من قولهم: درس القومُ المكان أَى أَبلَوْا أَثره، ودرسَتِ المرأَة كناية عن حاضت. ودرس البعيرُ: صار فيه أَثَرُ الجرب.
والدّرَك: اسم فى مقابلة الدَّرَج بمعنى: أَنَّ الدّرج مراتب اعتباراً بالصّعود، والدّرك مراتب اعتباراً بالهبوط. ولهذا عبّروا عن منازل الجنِّة بالدّرجات، وعن منازل جهنَّم بالدّركات. وكذلك بتصوّر الحُدُور فى النَّار سمّيت هاوية. والدَّرْك أَقصى قَعْرِ البحر. ويقال للحَبْل الَّذى (يوصل به حبل آخر) ليدرِك الماءَ: دَرَكٌ، ولِمَا يلحق الإِنسان من تَبعة: دَرَك كالَّذى فى البيع. قال تعالى: {لَاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تخشى} . وأَدرك:
بلغ عِلمُه أَقصى الشئ. ومنه المدرِكات الخمس والمدارك الخمس يعنى الحواسّ كالسّمع والبصر والشمّ والذّوق واللَّمس. وأَدرك الصّبىُّ: بلغ أَقصى غاية الصبا وذلك حين البلوغ. والتدارك: إِدراك الغائب، والاستدراك: إِصلاح الخطأ، قال:
تداركنى من عَثْرة الدّهر قاسمٌ
…
بما شاءَ من معروفِهِ المتدارك
وقال تعالى: {لَاّ تُدْرِكُهُ الأبصار} منهم من حمل ذلك على البصر الَّّذى هو الجارحة، ومنهم من حمله على البصيرة منبّها على قول الصّديق: يا من غايةُ معرفته القصور عن معرفته، إِذ كان غاية معرفته تعالى أَن تعرف الأَشياءَ فتعلم أَنَّه ليس بشيءٍ منه ولا بمثله بل هو موجِد كلّ ما أَدركته. والتدارك فى الإِغاثة والنِّعمة أَكثر.
وقوله تعالى: {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} أَى لحِق كلٌّ بالآخر. وقال: {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ} أَى تدارك، فأُدغمت الدّال فى التَّاءِ وتُوصِّل إِلى السّكون بأَلف الوصل. وقرئ {بَلْ أَدْرَكَ علمهم} قال الحسن: معناه جهلوا أَمر الآخرة، وحقيقته: انتهى علمهم فى لحوق الآخرة فجهلوها. وقيل: معناه بل يُدْرِكُ علمُهم ذلك فى الآخرة، أَى إِذا حصلوا فى الآخرة؛ لأَنَّ ما يكون ظنونا فى الدّنيا فهو فى الآخرة يقين.
وقد ورد الإِدراك فى القرآن على وجوه. كقوله تعالى لموسى عليه السّلام
{لَاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تخشى} {قَالَ أَصْحَابُ موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} وبلوغ فرعون الغرق {حتى إِذَآ أَدْرَكَهُ الغرق} وبمعنى منازل أَهل النَّار {إِنَّ المنافقين فِي الدرك الأسفل مِنَ النار} وبمعنى أَنَّ الكفَّار كانوا فى تشارك الشَّكِّ ولم يكن لعلمهم رسوخ بتحقُّق القيامة {بَلِ ادارك عِلْمُهُمْ فِي الآخرة} وبمعنى أَنَّهم فى دخول النَّار يلحق آخرهم أَولَهم {حتى إِذَا اداركوا فِيهَا جَمِيعاً} وبمعنى أَنَّ الأَفهام والأَوهام والأَبصار والبصائر لا تطَّلع على حقيقة الذَّات المقدّسة، تعالى عن ذلك.