الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الحساب
وهو استعمال العدد. يقال حَسَبت أَحْسُب ككتبت أَكتب حِسَاباً وحُسْبَاناً وحِسَابَه وَحِسْبَةً وَحَسْباً. قال عمر رضى الله عنه: حاسبوا أَنفسكم قبل أَن تحاسبوا، وزِنُوها قبل أَن توزنوا. قال:
وكنت حسبت فلما حَسِبْـ
…
تُ زاد الحساب على المحسبَهْ
وقد خِلتُها مَرْتَعا مُمْرِعا
…
فصادفتها دِمْنَةً مُعْشبه
وقال:
فإِن تَزُرْنِى أَزُورْكَ أَوْ إِنْ
…
تقفْ ببابى أَقفْ ببابكْ
والله لا كنتَ فى حسابى
…
إِلا إِذ كنتُ فى حسابك
وقد ورد الحساب فى التنزيل على عشرة أَوجهٍ:
الأَوّل: بمعنى الكثرة {عَطَآءً حِسَاباً} أَى كثِيراً.
الثانى: بمعنى الأَجر والثواب {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَاّ على رَبِّي} أَى أَجرهم.
الثالث: بمعنى العقوبة والعذاب {إِنَّهُمْ كَانُواْ لَا يَرْجُونَ حِسَاباً} أَى لا يخافون عذاباً.
الرّابع: الحَسِيب بمعنى الحفيظ {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} أَى حفيظاً.
الخامس: الحسِيب بمعنى الشاهد الحاضر {كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً} أَى شهيداً.
السّادس: الحساب بمعنى العَرْض على الملِك الأَكبر {يَوْمَ يَقُومُ الحساب} أَى الْعَرْض على الرّحمن.
السّابع: بمعنى العدد {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب} أَى عدد الأَيام.
الثامن: بمعنى المنَّة {يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَى بغير مِنَّة عليهم ولا تقتير.
التَّاسع: الحُسْبان بمعنى دوران الكواكب فى الفَلَك {الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ} أَى يدوران حول القُطْب كدوران الرّحى.
العاشر: الحِسْبان بالكسر بمعنى الظن {وَلَا تَحْسَبَنَّ الذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتاً} {وَلَا تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً} وله نظائر.
وأَمّا قوله تعالى {وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السمآء} فقيل معناه ناراً وعذاباً، وإِنما هو فى الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحَسَبه. وفى الحديث أَنَّه قال فى الريح:"اللهمّ لا تجعلها عذاباً ولا حسَاباً".
وذكر بعضهم فى قوله تعالى {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أَوجها:
الأَول: يعطيه أَكثر مما يستَحِقه.
الثانى: يعطيه ولا يأْخذ منه.
الثالث: يعطيه عَطاءَ لا يمكنُ إِحصاؤه كَثْرةً.
الرابع: يعطيه بلا مضايقة، من قولهم: حاسبته إِذا ضايقته.
الخامس: أَكثر ممّا يحسُبُه.
السّادس: أَنه يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحة لا على حَسَب حسابهم. وذلك نحو ما نبّه عليه بقوله {وَلَوْلَا أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمان} الآية.
السابع: يعطى المؤمن ولا يحاسبه عليه. ووجه ذلك أَن المؤمن لا يأْخذ من الدّنيا إِلَاّ قدر ما يجب وكما يجب فى وقت ما يجب، ولا ينفق إِلَاّ كذلك، ويحاسب نفسه فلا يحاسبه الله تعالى حسابا يضرّه، كما روى: مَنْ حاسب نفسه لم يحاسبه الله يوم القيامة.
الثامن: يقابل المؤمنين يوم القامة لا بقدر استحقاقهم بل بأَكثر منه كما قال {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ} ، وعلى هذه الأَوجه قوله تعالى:{يَدْخُلُونَ الجنة يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله تعالى: {فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} . قيل: تصرّفْ فيه تصرفَ من لا يحاسَب، أَو تناولْ كما يجب فى وقت ما يجب وعلى ما يجب وأَنفقه كذلك.
و"حَسْب" يستعمل فى معنى الكفاية {حَسْبُنَا الله} أَى كافينا {وكفى
بالله حَسِيباً} أَى رقيباً يحاسبهم عليه. وقوله تعالى: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} نحو قوله: {لَا يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم} وقيل معناه: ما كفايتهم عليك بل الله يكفيهم وإِيّاك، من قوله تعالى:{عَطَاءً حساباً} أَى كافياً، من قولهم حسبى كذا. وقيل: أَراد من عملهم فسمّاه بالحساب الَّذى هو منتهى الأَعمال. وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة} مصدره الحِسْبَان، وهو أَن يحكم لأَحد النقيضين من غير أَن يَخْطِر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإِصبع ويكون فى معرِض أَن يعتريه فيه شكٌّ. ويقارب ذلك الظنّ، لكن الظنّ أَن يخطِر النَّقيضُ بباله فيغلبَ أَحدهما على الآخر.