المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بصيرة فى التوبة - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - جـ ٢

[الفيروزآبادي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الألف

- ‌بصيرة فى الألف

- ‌بصيرة فى.. الله

- ‌بصيرة فى الانسان

- ‌بصيرة فى الاضافة

- ‌بصيرة فى الأمر

- ‌بصيرة فى الاتيان

- ‌بصيرة فى أفمن

- ‌بصيرة فى الانزال

- ‌بصيرة فى الأرض

- ‌بصيرة فى الاتخاذ

- ‌بصيرة الامرأة

- ‌بصيرة فى الآيات

- ‌بصيرة فى الاحسان

- ‌بصيرة فى اذا واذا واذن والاذى

- ‌بصيرة فى الاسم

- ‌بصيرة فى الأمة

- ‌بصيرة فى الأكل

- ‌بصيرة فى الأهل

- ‌بصيرة فى الأول والأولى

- ‌بصيرة فى الآخرة والآخر والأخرى

- ‌بصيرة فى الأحد

- ‌بصيرة فى الاثنين

- ‌بصيرة فى الأربع والأربعين

- ‌بصيرة فى الارسال

- ‌بصيرة فى الاتباع

- ‌بصيرة فى الافك

- ‌بصيرة فى الامساك

- ‌بصيرة فى الأخذ

- ‌بصيرة فى الاسراف

- ‌بصيرة فى الاستواء

- ‌بصيرة فى الأجل

- ‌بصيرة فى الامام

- ‌بصيرة فى الأم

- ‌بصيرة فى الأب

- ‌بصيرة فى الاتقاء

- ‌بصيرة فى ان وان وانا

- ‌بصيرة فى أن وأن وأنى

- ‌بصيرة فى أى

- ‌بصيرة فى أو

- ‌بصيرة فى الاسفار

- ‌بصيرة فى الأشعار

- ‌بصيرة فى الاحاطة

- ‌بصيرة فى الاحصاء

- ‌بصيرة فى الادرااك

- ‌بصيرة فى الاجر

- ‌بصيرة فى الأبيض

- ‌بصيرة فى الأسود

- ‌بصيرة فى االأخضر

- ‌بصيرة فى الأصفر

- ‌بصيرة فى الأمسح

- ‌بصيرة فى الاختيار

- ‌بصيرة فى الاستقامة

- ‌بصيرة فى الاصحاب

- ‌بصيرة فى الأذان

- ‌بصيرة فى الايمان

- ‌بصيرة فى الأمانة

- ‌بصيرة فى الاحساس

- ‌بصيرة فى الاستحياء

- ‌بصيرة فى الأعلى

- ‌بصيرة فى الأسفل

- ‌بصيرة فى الأمى

- ‌بصيرة فى الاتمام

- ‌بصيرة فى الاكنة

- ‌بصيرة فى الآل

- ‌بصيرة فى الانشاء

- ‌بصيرة فى الاطمئنان

- ‌بصيرة فى الاستغفار

- ‌بصيرة فى الأولى

- ‌بصيرة فى االافواه

- ‌بصيرة فى الارادة

- ‌بصيرة فى الاخلاص

- ‌بصيرة فى أولو

- ‌بصيرة فى الأبد

- ‌بصيرة فى الاصطفاء

- ‌بصيرة فى الادنى

- ‌بصيرة فى أفلح

- ‌بصيرة فى الاسلام

- ‌بصيرة فى الأسف

- ‌بصيرة فى الاقامة

- ‌بصيرة فى الاستطاعة

- ‌الباب الثالث - فى الكلمات المفتتحة بحرف الباء

- ‌بصيرة فى الباء

- ‌بصيرة فى البيت

- ‌بصيرة فى الباب

- ‌بصيرة فى البشارة

- ‌بصيرة فى البشر

- ‌بصيرة فى البشير، والبشرى، والمبشر

- ‌بصيرة فى البركات

- ‌بصيرة فى البر، والبر

- ‌بصيرة فى البعث

- ‌بصيرة فى البدل

- ‌بصيرة فى البسط

- ‌بصيرة فى البقية

- ‌بصيرة فى البصيرة

- ‌بصيرة فى البحر (والبحيرة)

- ‌بصيرة فى البخل

- ‌بصيرة فى البخس

- ‌بصيرة فى البخع

- ‌بصيرة فى البدار

- ‌بصيرة فى البديع

- ‌بصيرة فى البدن

- ‌بصيرة فى البرج

- ‌بصيرة فى البراح

- ‌بصيرة فى البروز

- ‌بصيرة فى البرزخ

- ‌بصيرة فى البرق

- ‌بصيرة فى البرهان

- ‌بصيرة فى الابرام

- ‌بصيرة فى البزوغ

- ‌بصيرة فى البس

- ‌بصيرة فى بسر

- ‌بصيرة فى البسوق

- ‌بصيرة فى البسل

- ‌بصيرة فى البسم

- ‌بصيرة فى البضاعة

- ‌بصيرة فى الباطل

- ‌بصيرة فى البطن

- ‌بصيرة فى البطء

- ‌بصيرة فى البعد

- ‌بصيرة فى بعض

- ‌بصيرة فى البعل

- ‌بصيرة فى بعثر

- ‌بصيرة فى البغى

- ‌بصيرة فى البقاء

- ‌بصيرة فى البك

- ‌بصيرة فى البكم

- ‌بصيرة فى البكاء

- ‌بصيرة فى بل

- ‌بصيرة فى البلد

- ‌بصيرة فى البلاء (وبلى)

- ‌بصيرة فى البنان

- ‌بصيرة فى البنيان

- ‌بصيرة فى الباب

- ‌بصيرة فى البياض

- ‌بصيرة فى البيع

- ‌بصيرة فى البال

- ‌بصيرة فى البواء

- ‌الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء

- ‌بصيرة فى التاء

- ‌بصيرة فى التسبيح

- ‌بصيرة فى التابوت

- ‌بصيرة فى التأويل

- ‌بصيرة فى التب

- ‌بصيرة فى التبر

- ‌بصيرة فى التبع

- ‌بصيرة فى تبارك

- ‌بصيرة فى تترى

- ‌بصيرة فى التجارة

- ‌بصيرة فى التراب

- ‌بصيرة فى الترك

- ‌بصيرة فى التقوى

- ‌بصيرة فى التوبة

- ‌بصيرة فى التوكل

- ‌بصيرة فى التذكر والتفكر

- ‌بصيرة فى التبتل

- ‌بصيرة فى التفويض

- ‌بصيرة فى التسليم

- ‌بصيرة فى التربص

- ‌بصيرة فى التفصيل

- ‌الباب الخامس - وهو باب الثاء

- ‌بصيرة فى الثاء

- ‌بصيرة فى الثقل

- ‌بصيرة فى الثياب والثواب

- ‌بصيرة فى الثمرات

- ‌بصيرة فى الثلاث والثلاثة والثلاث وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى ثم

- ‌بصيرة فى الثنى والاثنين

- ‌بصيرة فى الثقف

- ‌بصيرة فى الثبات

- ‌بصيرة فى الثبى

- ‌بصيرة فى الثرب

- ‌بصيرة فى الثمن

- ‌الباب السادس - فى وجوه الكلمات المفتتحة بالجيم

- ‌بصيرة فى الجيم

- ‌بصيرة فى الجنة

- ‌بصيرة فى الجرم وما من مادته

- ‌بصيرة فى الجار

- ‌بصيرة فى الجب

- ‌بصيرة فى الجبت

- ‌بصيرة فى الجبار والجبر

- ‌بصيرة فى الجبل

- ‌بصيرة فى الجبين

- ‌بصيرة فى الجبهة

- ‌بصيرة فى الجبى

- ‌بصيرة فى الجث

- ‌بصيرة فى الجثى

- ‌بصيرة فى الجثم

- ‌بصيرة فى الجحد

- ‌بصيرة فى الجحم

- ‌بصيرة فى الجد

- ‌بصيرة فى الجدر

- ‌بصيرة فى الجدال

- ‌بصيرة فى الجذ

- ‌بصيرة فى الجذع

- ‌بصيرة فى الجذوة

- ‌بصيرة فى الجرح

- ‌بصيرة فى الجراد

- ‌بصيرة فى الجرز

- ‌بصيرة فى الجرف

- ‌بصيرة فى الجرى

- ‌بصيرة فى الجزء

- ‌بصيرة فى الجزاء

- ‌بصيرة فى الجس

- ‌بصيرة فى الجسد

- ‌بصيرة فى الجعل

- ‌بصيرة فى الجفن

- ‌بصيرة فى الجفاء

- ‌بصيرة فى الجلال والجليل والجلالة

- ‌بصيرة فى الجلب

- ‌بصيرة فى الجلد

- ‌بصيرة فى الجلس

- ‌بصيرة فى الجلاء والتجلى

- ‌بصيرة فى الجم

- ‌بصيرة فى الجمع

- ‌بصيرة فى الجمال

- ‌بصيرة فى الجنب

- ‌بصيرة فى الجنح

- ‌بصيرة فى الجند

- ‌بصيرة فى الجهد بالفتح والضم

- ‌بصيرة فى الجهر

- ‌بصيرة فى الجل

- ‌بصيرة فى الجهم

- ‌بصيرة فى الجوب

- ‌بصيرة فى الجار والجأر والجارى

- ‌بصيرة فى الجواز

- ‌بصيرة فى الجوس

- ‌بصيرة فى المجيء والجيئة

- ‌الباب السابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الحاء

- ‌بصيرة فى الحاء

- ‌بصيرة فى الحب والمحبة

- ‌بصيرة فى الحبر

- ‌بصيرة فى الحبط

- ‌بصيرة فى الحبك

- ‌بصيرة فى الحبل

- ‌بصيرة فى حتى

- ‌بصيرة فى الحجة

- ‌بصيرة فى الحجاب

- ‌بصيرة فى الحجر بالكسر

- ‌بصيرة فى الحجارة

- ‌بصيرة فى الحجز

- ‌بصيرة فى الحدود والحديد

- ‌بصيرة فى الحديث

- ‌بصيرة فى الحذر

- ‌بصيرة فى الحر وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى الحرب

- ‌بصيرة فى الحرث

- ‌بصيرة فى الحرج

- ‌بصيرة فى الحرد

- ‌بصيرة فى الحرس

- ‌بصيرة فى الحرص

- ‌بصيرة فى الحرض

- ‌بصيرة فى الحرف

- ‌بصيرة فى الحرق

- ‌بصيرة فى الحرام

- ‌بصيرة فى الحزب

- ‌بصيرة فى الحزن

- ‌بصيرة فى الحس

- ‌بصيرة فى الحساب

- ‌بصيرة فى الحسن

- ‌بصيرة فى الحشر

- ‌بصيرة فى الحصر

- ‌بصيرة فى الحصن

- ‌بصيرة فى الحصى

- ‌بصيرة فى الحضر

- ‌بصيرة فى الحطب

- ‌بصيرة فى الحلف

- ‌بصيرة فى الحفر

- ‌بصيرة فى الحفظ

- ‌بصيرة فى الحفا

- ‌بصيرة فى الحق

- ‌بصيرة فى الحكم والحكمة

- ‌بصيرة فى الحل

- ‌بصيرة فى الحلم والحليم

- ‌بصيرة فى الحميم

- ‌بصيرة فى الحمد والحميد

- ‌بصيرة فى الحمل

- ‌بصيرة فى الحمى والحن

- ‌بصيرة فى الحول

- ‌بصيرة فى الحين

- ‌بصيرة فى الحى

- ‌بصيرة فى الحياء

- ‌الباب الثامن - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الخاء

- ‌بصيرة فى الخاء

- ‌بصيرة فى الخبت

- ‌بصيرة فى الخبث

- ‌بصيرة فى الخبر والخبر

- ‌بصيرة فى الخبط والخبل والخبء واالختر

- ‌بصيرة فى الختم

- ‌بصيرة فى الخداع

- ‌بصيرة فى الخدن والخذل والخرور

- ‌بصيرة فى الخرب والخروج

- ‌بصيرة فى الخرص والخرق

- ‌بصيرة فى الخزن والخزى

- ‌بصيرة فى الخسر

- ‌بصيرة فى الخسف والخسأ والخشب

- ‌بصيرة فى الخشع

- ‌بصيرة فى الخشية

- ‌بصيرة فى الخصوص والخصف والخصم

- ‌بصيرة فى الخضد والخضر

- ‌بصيرة فى الخضوع والخط والخطب

- ‌بصيرة فى الخطف والخطأ

- ‌بصيرة فى الخفيف والخفض والخفى

- ‌بصيرة فى الخلل

- ‌بصيرة فى الخلود والخلوص والخلط والخلع

- ‌بصيرة فى الخلف والخلق

- ‌بصيرة فى الخلق

- ‌بصيرة فى الخلد والخمود والخمر

- ‌بصيرة فى الخير

- ‌بصيرة فى الخوف

- ‌بصيرة فى الخيل والخول

- ‌بصيرة فى الخون

- ‌الباب التاسع - فى الكلمات المفتتحة بحرف الدال

- ‌بصيرة فى الدال

- ‌بصيرة فى الدب

- ‌بصيرة فى الدبر

- ‌بصيرة فى الدثر والدخر والدحض والدحر

- ‌بصيرة فى الدخل

- ‌بصيرة فى الدر

- ‌بصيرة فى الدرج

- ‌بصيرة فى الدرس والدرك

- ‌بصيرة فى الدرى والدرء

- ‌بصيرة فى الدس والدسر والدسى

- ‌بصيرة فى الدعاء والدفع والدفق

- ‌بصيرة فى الدفع والدفق والدفء والدك

- ‌بصيرة فى الدل والدلو والدلك والدم والدمر

- ‌بصيرة فى الدمع والدمغ والدنو والدهر

- ‌بصيرة فى الدهر

- ‌بصيرة فى الدهق والدهم والدهن

- ‌بصيرة فى الدأب والدور والدول

- ‌بصيرة فى الدون والدين

الفصل: ‌بصيرة فى التوبة

‌بصيرة فى التوبة

تاب إِلى الله تَوْباً، وتوبة، ومَتَاباً، وتابةً، وتَتْوِبةً: رجع عن المعصية، وهو تائب، وتوّاب. وتاب الله عليه: وفَّقه للتوبة، أَو رجع به من التَّشديد إِلى التخفيف، أَو رجع عليه بفضله، وقبوله. وهو توّاب على عباده. واستتابه: سأَله أَن يتوب.

والتوبة من أَفضل مقامات السّالكين؛ لأَنَّها أَوّل المنازل، وأَوسطها، وآخرها، فلا يفارقها العبد أَبداً، ولا يزال فيها إِلى الممات. وإِن ارتحل السّالك منها إِلى منزل آخر ارتحل به، ونزل به. فهى بداية العبد، ونهايته. وحاجته إِليها فى النِّهاية ضروريّة؛ كما حاجتُه إِليها فى البداية كذلك.

وقد قال تعالى: {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً أَيُّهَ المؤمنون لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وهذه الآية فى سورة مدنيّة، خاطب الله تعالى بها أهل الإِيمان، وخيار خَلْقه أَن يتوبوا إِليه بعد إِيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثمّ علَّق الفلاح بالتوبة تعلُّق المسبّب بسببه، وأَتى بأَداة (لعلّ) المشعرِ بالتَّرجّى؛ إِيذاناً بأَنَّكم إِذا تبتم كنتم على رجاءِ الفلاح، فلا يَرْجوا الفلاحَ إِلَاّ التائبون، جعلنا الله منهم. وقد قال - تعالى -:{وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولائك هُمُ الظالمون} قسّم العباد إِلى تائبٍ، وظالم. وما قِسْم ثالث البتَّة، وأَوقع

ص: 304

الظُّلم على مَن لم يتُبْ، ولا أَظلم منه بجهله بربّه، وبحقِّه، وبعيب نفسه، وبآفات أَعماله. وفى الصّحيح:"يا أَيُّها النَّاسُ توبوا إِلى الله؛ فإِنى أَتوب إِليه فى اليوم أَكثر من سبعين مرّة"، وكان أَصحابه يَعُدّون له فى المجلس الواحد قبل أَن يقوم:(ربّ اغفر لى وتُبْ علىّ إِنَّك أَنت التَّواب الرّحيم) مائة مرّة، وما صلَّى قطُّ بعد نزول سورة النَّصر إلا قال فى صلاته: سبحانك اللَّهمّ ربّنا وبحمدك، اللَّهمّ اغفر لى.

وقوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ} يريد بالتَّوبة تمييز البقيّة من العزَّة: بأَن يكون المقصود من التَّوبة تقوى الله، وهو خوفه، وخشيته، والقيام بأَمره، واجتناب نهيه، فيعمل بطاعته على نور من الله، يرجو ثواب الله، ويترك معصية الله على نور من الله، يخاف عقاب الله، لا يريد بذلك عِزّ الطَّاعة؛ فإِنَّ للطَّاعة والتَّوبة عزّاً ظاهراً وباطناً، فلا يكون مقصوده العزَّة، وإِن علم أَنها تحصل له بالطَّاعة، والتَّوبة. فمن تاب لأَجل أَمر فتوبتُه مدخولةٌ.

وسرائر التوبة ثلاثة أَشياءَ هذا أَحدها، والثانى نسيان الجِناية. والثالث التَّوبة من الإِسلام والإِيمان. قلنا المراد منه التَّوبة من رؤية التَّوبة

ص: 305

وأَنها إِنَّما حصلت له بتوفيق الله، ومشيئته؛ ولو خُلِّى ونفسه لم يسمح بها البتَّة. فإِذا رآها من نفسه، وغفل عن مِنَّة الله عليه، تاب من هذه الرّؤية، والغفلة. ولكن هذه الرّؤية ليست التَّوبة ولا جُزْأَها، ولا شرطها، بل جناية أُخرى حصلت له بعد التوبة، فيتوب من هذه الجناية؛ كما تاب من الجناية الأُولى. فما تاب إِلَاّ من ذنب أَوّلاً، وآخراً. والمراد التَّوبة من نُقْصان التوبة وعدم توفيتها حقَّها.

ووجهٌ ثالثٌ لطيف. وهو أَنَّه منْ حصل له مقام الأُنْس بالله - تعالى - وصفاءُ وقته مع الله - تعالى - بحيث يكون إِقباله على الله، واشتغاله بذكر آلائه وأَسمائه وصفاته، أَنفع شئٍ له، مَتى نزل عن هذا الحال اشتغل بالتَّوبة من جناية سالفة، قد تاب منها، وطالع الجناية، واشتغل بها عن الله تعالى، فهذا نقص ينبغى أَن يتوب إِلى الله منه. وهى توبة من هذه التَّوبة، لأَنَّه نزول من الصّفاءِ إِلى الجفاءِ. فالتَّوبة من التوبة إِنما تُعْقل على أَحد هذه الوجوه الثلاثة. والله أَعلم.

واعلم أَنَّ صاحب البصيرة إِذا صدرت منه الخطيئة فله فى توبته نظر إِلى أُمور. أَحدها النظر إِلى الوعد والوعيد فيُحدث له ذلك خوفا، وخشيةً تحمله على التوبة.

الثانى: أَن ينظر إِلى أَمره تعالى ونهيه فيحدث له ذلك الاعتراف بكونها خطيئة، والإقرار على نفسه بالذنب.

الثالث: أَن ينظر إِلى تمكين الله تعالى إِيّاه منها، وتخليته بينه وبينها،

ص: 306

وتقديرها عليه، وأَنَّه لو شاءَ لعصمه منها، فيحدث له ذلك أَنواعاً من المعرفة بالله، وأَسمائه وصفاته، وحكمته، ورحمته، ومغفرته، وعفوه، وحلمه، وكرمه، وتوجب له هذه المعرفة عبوديّةً بهذه الأَسماء، لا تحصل بدون لوازمها، ويعلم ارتباط الخَلْق، والأَمر، والجزاءِ. بالوعد والوعيد بأَسمائه، وصفاته، وأَنَّ ذلك موجَب الأَسماء، والصفات، وأَثرها فى الوجود، وأَنَّ كلّ اسم مُفيضٌ لأَثره. وهذا المَشْهد يُطْلعه على رياض مؤنقة المعارف، والإِيمان، وأَسرار القدر، والحكمة يضيق عن التعبير [عنها] نطاق الكلم والنَّظر.

الرّابع: نظره إِلى الآمر له بالمعصية، وهو شيطانه الموكَّل به، فيفيده النظر إِليه اتخاذه عدوَّا، وكمال الاحتراز منه، والتَّحفُّظ والتَّيقُّظ لما يريده منه عدوُّه، وهو لا يشعر؛ فإِنَّه يريد أَن يظفر به فى عَقبة من سبع عقبات بعضُها أَصعب من بعض: عقبة الكفر بالله، ودينه، ولقائه، ثمّ عَقَبة البِدْعة، إِمّا باعتقاده خلافَ الحقّ، وإِمّا بالتَّعبّد بما لم يأْذن به الله من الرّسوم المحدثة. قال بعض مشايخنا: تزوّجت الحقيقةُ الكافرةُ، بالبِدْعة الفاجرة، فولد بينهما خسران الدّنيا والآخرة، ثمّ عقبة الكبائر (يزينها له وأَن الإِيمان فيه الكفاية. ثم عَقَبة الصغائر بأَنها مغفورة ما اجتُنبت الكبائر) ولا يزال يجنيها حتى يصرّ عليها، ثمّ عقبة المباحات، فيشغله بها عن الاستكثار من الطَّاعات. وأَقلُّ ما يناله منه تفويت الأَرباح العظيمة،

ص: 307

ثمّ عقبة الأَعمال المرجوحة، المفضولة يُزيّنها له، ويَشْغله بها عمّا هو أَفضل وأَعظم ربحاً. ولكن أَين أَصحاب هذه العقبة! فهم الأَفراد فى العالم. والأَكثرون قد ظفِر بهم فى العقبة الأُولى. فإِن عَجَز عنه فى هذه العقبات جاءَ فى عقَبَة تسليط جُنده عليه بأَنواع الأَذى، على حسب مرتبته فى الخير. وهذه نبذة من لطائف أَسرار التَّوبة رزقنا الله تعالى [إِيّاها] بمنِّه وفضله إِنَّه حقيق بذلك.

وورد التَّوبة فى القرآن على ثلاثة أَوجهٍ:

الأَوّل: بمعنى التجاوز والعفو. وهذا مقيّد بعلى: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} ، {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} ، {وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ} .

الثَّانى: بمعنى الرّجوع، والإِنابة. وهذا مقيّد بإِلى:{تُبْتُ إِلَيْكَ} ، {توبوا إِلَى الله} ، {فتوبوا إلى بَارِئِكُمْ} .

الثالث: بمعنى النَّدامة على الزَلَّة، وهذا غير مقيّد لا بإِلى، ولا بعلى:{إِلَاّ الذين تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ} ، {فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} .

ويقال: إِن التَّوبة من طريق المعنى على ثلاثة أَنواع، ومن طريق اللَّفظ وسبيل اللُّطف على ثلاثة وثلاثين درجة:

أَمّا المعنى فالأَوّل: التَّوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الرّب. وهذا يكون بندامة الجَنَان، واستغفار اللسان.

ص: 308

والثانى: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين طاعة الرّب. وهذا يكون بجبْر النقصان الواقع فيها.

الثالث: التوبة من ذنب يكون بين العبد وبين الخَلْق. وهذه تكون بإِرضاءِ الخصوم بأَىّ وجه أَمكن.

وأَمّا درجات اللطف فالأُولى: أَنَّ الله أَمر الخَلْق بالتَّوبة، وأَشار بأَيُّها الَّتى تليق بحال المؤمن {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤمِنُونَ} .

الثانية: لا تكون التَّوبة مثمِرة حتى يتمّ أَمرها {توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً} .

الثالثة: لا تنظر أَنَّك فريد فى طريق التَّوبة؛ فإِنَّ أَباك آدم كان مقدّم التَّائبين: {فتلقىءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} ، والكليم موسى لم يكن له لمّا عَلَا على الطُّور تحفة غير التَّوبة {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} .

ثمّ إِنَّه بشَّر النَّاس بالتَّمتع من الأَعمار، واستحقاق فضل الرّءُوف الغفَّار:{ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً} . وأَشار صالح على قومه بالتَّوبة، وبشَّرهم بالقُرْبة والإِجابة:{ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} . وسيّد المرسلين مع الأَنصار والمهاجرين سلكوا طريق الناس: {لَقَدْ تَابَ الله على النبي والمهاجرين} . والصّدّيق الأَكبر اقتدى فى التَّوبة بسائر النَّبيّين: {تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المسلمين} .

ص: 309

أَصحاب النبىّ ما نالوا التوبة إِلَاّ بتوفيق الله. {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ليتوبوا} تحرُّزاً من انتشار العصمة أُمِرنَ بالتَّوبة {إِن تَتُوبَآ إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ومن توقَّف عن سلوك طريق الناس وُسِمَ جبين حاله بميسم الخائبين: {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولائك هُمُ الظالمون} الأَزواج اللائقة بخاتم النَّبيّين تعيّنّ بالتَّوبة: {قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ} .

الرّجال لا يُقعدهم على سرير السّرور إِلَاّ التَّوبة: {التائبون العابدون} ولا يظنّ التوَّاب اختصاص النَّعت به (فإِنَّا جعلنا) هذا الوصف من جملة صفات العَلِى: {إِنَّ الله كَانَ تَوَّاباً} وإِذا وفَّقنا العبد للتَّوبة تارة قربناه بالحكمة {وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ} وإِذا قبلنا منه التَّوبة قرّبناه بالرّحمة: {وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} . والمؤمن إِذا تاب أَقبلنا عليه بالقبول، وتكفَّلنا له بنيل المأْمول:{وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات} .

وإِن أَردت أَن تكون فى أَمان الإِيمان، مصاحباً لسلاح الصّلاح، فعليك بالتَّوبة:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً} {إِلَاّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} {وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً} وإِذا أَقبل العبد على باب التَّوبة استحكم عَقْد أُخُوّته، مع أَهل الإِسلام: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ

ص: 310

الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدين} . ومن تاب، وقصد الباب، حصل له الفرج بأَفضل الأَسباب:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَآتَوُاْ الزكاة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} ومن أَثار غبار المعاصى، وأَتبعه برشاش النَّدم، غلَّبت حكمتنا الطَّاعة على المعصية، وسُترت الزَّلَّة بالرّحمة:{خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} .

السّارق المارق إِذا لاذ وتحرّم بالتَّوبة قبل القدرة عليه، فلا سبيل للإِيذاءِ إِليه:{إِلَاّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} . وإِذا أَردت التَّوبة فأَنا المريد لتوبتك قبلُ: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} وإِذا تبت بتوبتى عليك، وتوفيقى لك، جازيت بالمحبّة:{إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين} . وإِنا لا نقبل توبةَ مَن يؤخِّر توبتَه إِلى آخر الوقت: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} . وإِنَّما يتقبّل توبة مَن تتَّصل توبتُه بزَلَّته، وتقترن بمعصيته:{إِنَّمَا التوبة عَلَى الله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السواء بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} . أَعظم الذنوب قتل النفس وإِذا حصل خَطَأً من غير عمدٍ فبِالتوبة والصّيام كفِّر: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ الله} . نَهَينَا سيّد المرسلين عن التحكُّم على عبادنا؛ فإِنَّ ذلك إِلينا. ونحن نتوب عليهم لو نشاءُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ

ص: 311

أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} لا تفرّ من التوبة؛ فإِنها خير لك فى الدّارين: {فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ} ، {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلكم خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ} ومن رَمَى بنفسه فى هُوّة الكفر فلا توبة له {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أَيظنون أَنا لا نقبل توبة المخلص من عبادنا:{أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} نحن نأْخذ بيد المذنب، ونقبل باللُّطف توبته:{غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب شَدِيدِ العقاب} ، {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ} .

ولهذا قيل: التَّوبة قَصّار المذنبين، وغسّال المجرمين، وقائد المحسنين، وعَطَّار المريدين، وأَنيس المشتاقين، وسائق إِلى ربّ العالمين.

ص: 312