الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى التقوى
وهى مشتقَّة من الوِقَايَة، وهى حفظ الشئِ ممّا يؤذيه، ويضرّه. يقال: وقاه وَقْياً ووِقاية وواقية: صانه. والتَّوقية: الكلاءَة، والحفظ. وقيل: الأَصل فيها وِقاية النِّساءِ الَّتى تستُر المرأَةُ بها رأْسها، تقيها من غبار، وحرّ، وبرد. والوِقاية: ما وقيت به شيئاً. ومن ذلك فرس واق: إِذا كان يَهاب المشىَ من وجَعٍ يجده فى حافره. فأَصل تقوى: وَقَوى، أَبدلت الواو تاءً؛ كتراث، وتجاه. وكذلك اتَّقى يتَّقى أَصله: اوتقى، على افتعل. فقلبت الواو يَاءً، لانكسار ما قبلها، وأُبدلت منها التَّاءُ، وأُدغمت. فلمّا كثر استعماله على لفظ الافتعال توهَّموا أَنَّ التَّاءَ من نفس الكلمة، فجعلوه تَقَى يَتَقى، بفتح التَّاءِ فيها. ثمّ لم يجدوا له مثالاً فى كلامهم يلحقونه به، فقالوا: تَقَى يَتْقِى مثل قضى يقضى. وتقول فى الأَمر: تَقِ، و (فى المؤنَّث) تَقِى. ومنه قوله:
زيادَتنا نعمانُ لا تقطعنها
…
تق الله فينا والكتاب الذى تتلو
بنى الأَمر على المخفَّف، فاستغنى عن الأَلف فيه بحركة الحرف الثانى فى المستقبل.
والتَّقوى والتُّقى واحد. والتُّقَاةُ: التقِيّة. يقال: اتَّقى تقِيّة، وتُقَاةً. قال الله - تعالى -:{إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} .
والتَّقِىّ: المتَّقى، وهو مَن جعل بينه وبين المعاصى وِقاية تحول بينه وبينها: من قوّة عزمه على تركها، وتوطين قلبه على ذلك. فلذلك قيل له: متَّقٍ.
والتَّقوى البالغة الجامعة: اجتنابُ كلّ ما فيه ضرر لأَمر الدين، وهو المعصية، والفضول. فعلى ذلك ينقسم على فرض، ونفل.
وقد ورد فى القرآن بخمسة معانٍ:
الأَوّل: بمعنى الخوف والخشية: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ} ، وقال:{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} ولهذا نظائر.
الثانى: بمعنى الطَّاعة، والعبادة:{أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} .
الثالث: بمعنى ترك المعصية، والزَلَّة:{وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا واتقوا الله} أَى اتركوا خلاف أَمره.
الرّابع: بمعنى التَّوحيد والشَّهادة: {اتقوا الله وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} .
الخامس: بمعنى الإِخلاص، والمعرفة:{أولائك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} .
وأَمّا البِشَارَات الَّتى بشَّر الله تعالى بها الْمُتَّقِين فى القرآن فالأَوّل: البشرى بالكرامات: {الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ البشرى} .
الثانى: البشرى بالعون والنّصرة: {إِنَّ الله مَعَ الذين اتقوا} .
الثَّالث: بالعلم والحكمة: {إِن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} .
الرّابع: بكفَّارة الذّنوب وتعظيمه: {وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} .
السّادس: بالمغفرة: {واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
السّابع: اليُسْر والسّهولة فى الأَمر: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} .
الثَّامن: الخروج من الغمّ والمِحنةِ: {وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} .
التَّاسع: رزق واسع، بأَمن وفراغ:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} .
العاشر: النَّجاة من العذاب، والعقوبة:{ثُمَّ نُنَجِّي الذين اتقوا} .
الحادى عشر: الفوز بالمراد: {وَيُنَجِّي الله الذين اتقوا بِمَفَازَتِهِمْ} {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} .
الثانى عشر: التَّوفيق والعصمة: {ولاكن البر مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} إِلى قوله: {وأُولَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} .
الثالث عشر: الشهادة لهم بالصدق: {أولائك الذين صَدَقُواْ وأولائك هُمُ المتقون} .
الرابع عشر: بشارة الكرامة والأَكرمية: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} .
الخامس عشر: بشارة المحبّ: {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} .
السّادس عشر: الفلاح: {واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .
السّابع عشر: نيل الوصال، والقُربة:{ولاكن يَنَالُهُ التقوى مِنكُمْ} .
الثامن عشر: نيل الجزاء بالممحنة: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين} .
التَّاسع عشر: قبول الصّدقة: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} .
العشرون: الصّفاء والصّفوة: {فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} .
الحادى والعشرون: كمال العبودية: {اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ} .
الثانى والعشرون: الجنَّات والعيون: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} .
الثالث والعشرون: الأَمْن من البليّة: {إِنَّ المتقين فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} .
الرابع والعشرون: عزّ الفوقيْة على الخَلْق: {والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} .
الخامس والعشرون: زوال الخوف والحزن من العقوبة: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
السادس والعشرون: الأَزواج الموافِقة: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} إِلى قوله: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} .
السّابع والعشرون: قُرب الحضرة، واللِّقاءِ والرّؤية:{إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} .
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سواء العذاب يَوْمَ القيامة} تنبيهٌ على شدّة ما ينالهم وأَن أَجدرَ شئ يتَّقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم. فصار ذلك: كقوله. وقوله تعالى: {هُوَ أَهْلُ التقوى} أَى أَهل أَن يُتَّقى عقابُه. ورجل تقِىّ من أَتقياء وتُقَواء.