الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الاتيان
هو مجىءٌ بسهولة. ومنه قيل للسّيل المارّ على وجهه: أَتِىُّ، وأَتاوىٌّ. وبه شُبّه الغريبُ، فقيل: أَتاوىّ. والإِتيان قد يقال للمجىءِ بالذات، وبالأَمر، والتدبير. ويقال فى الخير، وفى الشرّ، وفى الأَعيان، وفى الأَعراض، كقوله تعالى:{أَتَى أَمرُ اللهِ} {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد} {أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} وعلى هذا النحو قول الشاعر:
أَتيت المروءَة من بابها
وقول الصاحب:
أَتتنِىَ بالأَمس إِتيانةً
…
تُعَلِّل رُوحى برَوْح الجبان
كعهد الصِّبا ونسيم الصَّبا
…
وظلّ الأَمان، ونيل الأَمانى
فلو أَنَّ أَلفاظه جُسّمت
…
لكانت عقود نُحور الغوانى
وقوله تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصلاة إِلَاّ وَهُمْ كسالى} أَى لا يتعاطَوْن وقوله: {يَأْتِينَ الفاحشة} فاستعمال الإِتيان هنا كاستعمال المجئ فى
{لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} يقال: أَتيته، وأَتَوْتُهُ، ويقال للسّقاءِ إِذا مُخِض وجاءَ زُبْدُه: قد جاءَ أَتْوهُ. وتحقيقه: جاءَ ما مِن شأْنه أَن يأْتى منه. فهو مصدر فى معنى الفاعل. وأَرض كثيرة الإِتاءِ - بالمدّ - أَى الرَّيْع. وقوله: {مَأْتِيّاً} مفعول من أَتيته (وقيل معناه آتيا فجعل المفعول فاعلا. وليس كذلك، بل يقال: أَتيت الأَمر وأَتانى الأَمر. ويقال: أَتيته بكذا وآتيته) كذا. قال تعالى: {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَاّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} {وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً} .
وكلّ موضع ذكر فى وصف الكتاب: (آتينا) ، فهو أَبلغ من كلّ موضع ذُكِر فيه (أُوتوا) ، لأَنَّ (أُوتوا) قد يقال إِذا أُوتى مَنْ لم يكن منه قَبُول، و (آتينا) يقال فيمن كان منه قبول.
والإِتيان جاءَ فى القرآن على ستَّةَ عشرَ وجهاً:
الأَوّل: بمعنى القُرْب الزَّمانى: {أَتى أَمْرُ الله} أَى قَرُب وقتهُ.
الثَّانى: بمعنى وصول شىءٍ بشىءٍ {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله} أَى أَصابكم.
الثالث: بمعنى القَلْع وخراب البناءِ: {فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد} أَى قلعها وخرَّبها.
الرّابع: بمعنى العذاب والعقوبة: {فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} أَى عذَّبهم.
الخامس: بمعنى سَوْق الرِّزق {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ} أَى يسوقه الله.
السّادس: بمعنى الصّحبة وقضاءِ الشَّهوة: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء} .
السّابع: بمعنى الخَوضْ فى المنكَرات من الأَعمال: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} أَى تخوضُون فيه.
الثامن: بمعنى الانقياد والطاعة: {إِلَاّ آتِي الرحمان عَبْداً} أَى إِلَاّ وينقاد للرحمن.
التَّاسع: بمعنى الإِيجاد والخَلْق {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أَى يخلق ويوجِد.
العاشر: بمعنى حقيقة الإِتيان والمجئ: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} أَى جاءَت.
الحادى عشر: بمعنى الظهور والخروج: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسمه أَحْمَدُ} أَى يظهر ويخرج.
الثانى عشر: بمعنى الدّخول: {وَأْتُواْ البيوت مِنْ أَبْوَابِهَا} أَى وادخلوها.
الثالث عشر: بمعنى المرور والمضىّ {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ} أَى مَضَوْا.
الرابع عشر: بمعنى إِرسال الآيات، وإِنزال الكتاب، {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} أَى أَرسلنا وأَنزلنا.
الخامس عشر: بمعنى التعجيل والمفاجأَة: {أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً} أَى فاجأَها.
السّادس عشر: بمعنى الحلول والنُّزول: {وَيَأْتِيهِ الموت مِن كُلِّ مَكَانٍ} أَى يحِلّ بهِ.
قوله: {آتُونِي زُبَرَ الحديد} قرأَها حمزة موصولة أَى جيئونى. والإِيتاءِ: الإِعطاءِ. وخصّ دفع الصّدقة فى القرآن بالإِيتاءِ نحو {آتُوا الزَّكاةَ} .