الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الخلل
وهو ضِدّ الفُرْجة بين الشَّيْئين، وجمعه خِلَال. نحو خلل الدّار والسّحاب وغيره.
وقوله تعالى: {فَجَاسُواْ خِلَالَ الديار} وقوله {ولأَوْضَعُواْ خِلَالَكُمْ} أَى سَعَوا نحوكم [و] وسطكم بالنميمة والفساد. والخَلَلُ فى الأَمر كالوَهْن تشبيهاً بخَلَل الدِّيار. والخَلَّة - بالفتح - الحاجة والخَصْلة والفقر والخَصَاصَة. خَلَّ الرّجلُ وأُخِلَّ به. احتاج. ورجل مُخلٌّ ومختلٌّ وخليل وأخَل: مُعْدِم فقير. واختلَّ إِليه: احتاج. والخُلَّة - بالضمّ -: الصّداقة المختصّة الَّتى لا خلل فيها تكون فى عفاف الحبّ ودَعَارته. والجمع خِلَال. وهى الخلالة أَيضاً - بتثليث الخَاءِ - والخُلولة أَيضاً بالضمَّ. وقد خالَّه مُخَالَّة وخِلالاً، وإِنه لكريم الخِلِّ والخِلَّة - بكسرهما - أَى المصادقة والإِخاء. والخَلُّ - بالكسر والضَّمّ -: الصَّديق المختصّ، والجمع أَخلال. والخليل: مَن أَصفى المودّة وأَصَحّها، وهى بهاءٍ، جمعها خليلات.
وقوله تعالى: {واتخذ الله إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} قيل سَمَّاه بذلك لافتقاره إِليه تعالى فى كلِّ حال، وهو الافتقار المعنىّ بقوله {إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ
مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} وعلى هذا الوجه قيل: اللهمّ أَغْننى بالافتقار إِليك، ولا تُفقرنى بالاستغناء عنك. قال أَبو القاسم، هو من الخَلَّة لا من الخُلَّة. قال: ومَنْ قَاسَهُ بالحبيب فقد أَخطأَ لأَنَّ الله تعالى يجوز أَن يحبّ عبده فإِنَّ المحبّة منه الثناء ولا يجوز أَن يُخَالَّهْ. وهذا القول منه تَشَهٍّ ليس بشئ، والصّواب الَّذى لا محِيد عنه إِن شاءَ الله أَنَّه من الخُلَّة وهى المحبّة التى قد تخلَّلت رُوح المحبّ وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه، كما قيل:
قد تخلَّلتِ مسلك الروح منى
…
وبذا سمّى الخليل خليلا
وهذا هو السّر الذى لأَجله - والله أَعلم - أُمر الخليلُ بذبح ولده وثمرة فؤاده وفِلْذَةَ كبده، لأَنَّه لمّا سأَل من الله الولد وأَعطاه تعلَّقت به شُعْبَة من قلبه، والخُلَّة منصب لا يقبل الشركة والقِسمة، فغار الخليلُ على خليله أَن يكون فى قلبه موضع لغيره، فأَمره بذبح الولد ليُخرج المُزاحم من قلبه، فلمّا وطَّن نفسه على ذلك وعزم عليه عزماً جازما حصل مقصود الآمر، فلم يبق فى ذبح الولد مصلحة، فحال بينه وبينه وفداه بالذِّبح العظيم، وقيل له:{ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} أَى عملت عمل المصدّق {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} مَن بادر إِلى طاعتنا أَقررنا عينه كما قَرَّت عيناك بامتثال أَوامرنا وإِبقاءِ الولد وسلامته {إِنَّ هاذا لَهُوَ البلاء المبين} وهو اختيار المحبوب مُحبّه وامتحانه إِيَّاه ليُؤثر مَرضاته فيتمّ نعمته عليه، فهو بلاءُ مِحْنة ومنْحة معاً.
والخُلَّة آخر درجات الحبّ وخاتمة أَقسامه العشرة الَّتى أَوّلها العَلَاقة، وثانيها الإِرادة، وثالثها الصبابة، ورابعها الغرام، وخامسها الوداد، وسادسها الشَّغَف، وسابعها العشق، وثامنها التتَيمّ، وتاسعها التعبّد. فحقيقة العبوديّة الحبّ التَّامّ مع الذلِّ التامّ والخضوع للمحبوب. وعاشرها الخُلَّة الَّتى انفرد بها الخليلان إِبراهيم ومحمّد عليهما السلام كما صحّ عن النبىّ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله تعالى اتَّخذنى خليلاً كما اتَّخذ ابراهيم خليلاً" وقال صلى الله عليه وسلم "لو كُنت متَّخذاً خليلاً غير ربِّى لاتخذت أَبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم" والحديثان فى الصّحيحين، وهما يبطلان قول من قال: الخُلَّة لإِبراهيم والمحبّة لمحمّد عليهما السلام فإِبراهيم خليله ومحمّد حبيبه.
وقوله تعالى: {لَاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} أَى لا يمكن فى القيامة ابتياع حَسَنة ولا اجْتلابها بمودّة. وذلك إِِشارة إِلى قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَاّ مَا سعى} وقوله: {لَاّ بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ} فقد قيل: هو مصدر من خاللت، وقيل: هو جمع. يقال خليل وأَخلَّة وخلال، والمعنى كالأَول.