الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الخشع
والخشوع والاختشاع: الخضوع. وقيل: قريب من الخضوع. وقيل: الخضوع فى البدن والخشوع فى الصوت والبصر. والخشوع: السّكون والتذلُّل والضراعة والسّكوت. وقيل: أَكثر ما يستعمل فيما يوجد فى الجوارح، والضَّراعة أَكثر ما يُستعمل فيما يوجد فى القلب. ورُوى: إِذا ضَرَع القلبُ خشع الجوارح.
وقوله تعالى: {تَرَى الأرض خَاشِعَةً} كناية عنها وتنبيها على تزعزُعها. وقوله تعالى: {وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ} أَى خائفين منَّا. وقوله: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الخاشعين} أَى المتواضعين. وقوله {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أَى ذليلة. وقوله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} و {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ} أَى مُطْرِقة فى نظرها.
وقوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمنوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الحق} قال ابن مسعود: ما كان بين إِسلامنا وبين أَن عاتبنا الله بهذه الآية إِلَاّ أَربع سنين. وقال ابن عباس: إِن الله استبطأَ قلوبَ المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاثَ عشرة من نزول القرآن. وقال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون. الذين هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وقال تعالى:{وَخَشَعَتِ الأصوات للرحمان} أَى سكنتْ وذلت وخضعت. ورأَى النبىُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يَعْبَثُ بلحيته فى الصّلاة فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه" وكان بعض الصّحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النِّفاق فقيل: ما خشوع النفاق؟ فقال: أن يرى البدن خاشعاً والقلب غير خاشعٍ. وقال حذيفة: أوّل ما تفقدون من دينكم الخشوعُ، ويوشك أَن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعاً. وقال سهل: مَنْ خشع قلبه لم يقرُبْ منه الشيطان. قال عبد الله بن المعمار:
رقة فى الجَنَان فيها حياءٌ
…
فيهما هَيْبَةٌ وذاك خشوعُ
ليس حال ولا مقام وإِنْ فا
…
ضَتْ عليه من العيونِ دموع
وقيل: الخشوع الاستسلام للحُكْمين، أَعنى الحكم الدّينىّ الشَّرعىّ فيكون معناه عدم معارضته برأى أو غيره، والحُكْم القَدَرِىّ وهو عدم تلقِّيه بالتسخُّط والكراهة والاعتراض؛ والاتِّضاعُ أعنى اتِّضاع القلب والجوارح وانكسارَها لنظر الرّبّ إِليها واطِّلاعِه على تفاصيل ما فى القلب والجوارح. فخوف العبد فى هذا المقام يوجب خشوع القلب لا محالة. وكلَّما كان أَشدّ استحضاراً له كان أَشدّ خشوعاً. وإِنَّما يفارق القلبَ الخشوعُ إِذا غفل عن اطِّلاع الله تعالى ونظره إِليه.
وممّا يورث الخُشَوع ترقُّبُ آفات النفس والعمل، ورؤية فضل كلّ ذى فضل عليك، وتنسّم العناءِ، يعنى انتظار ظهور نقائص نفسك وعملك وعيوبهما؛ فإِنَّه يجعل القلب خاشعاً لا محالة لمطالعة عيوب نفسه وأَعمالها ونقائِصها: من العجْب والكِبْر والرّياء وضعف الصّدق وقلَّة اليقين وتشتت النيّة وعدم إِيقاع العمل على الوجه الَّذى ترضاه لربّك وغير ذلك من عيوب النَّفس. وأَمّا رؤية فضل كلِّ ذى فضل عليك فهو أَن تراعى حقوق النَّاس فتؤدّيها ولا ترى أَنَّ ما فعلوه معك من حقوقك عليهم فلا تعاوضهم عليها فإِنَّ ذلك من رعونات النَّفس وحماقاتها، ولا تطالبهم بحقوق نفسك فالعارف لا يرى له على أَحد حَقّاً، ولا يشهد له على عيره فضلاً. فلذلك لا يعاقِب ولا يطالب ولا يضارب.