المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بصيرة فى الحب والمحبة - بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز - جـ ٢

[الفيروزآبادي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الألف

- ‌بصيرة فى الألف

- ‌بصيرة فى.. الله

- ‌بصيرة فى الانسان

- ‌بصيرة فى الاضافة

- ‌بصيرة فى الأمر

- ‌بصيرة فى الاتيان

- ‌بصيرة فى أفمن

- ‌بصيرة فى الانزال

- ‌بصيرة فى الأرض

- ‌بصيرة فى الاتخاذ

- ‌بصيرة الامرأة

- ‌بصيرة فى الآيات

- ‌بصيرة فى الاحسان

- ‌بصيرة فى اذا واذا واذن والاذى

- ‌بصيرة فى الاسم

- ‌بصيرة فى الأمة

- ‌بصيرة فى الأكل

- ‌بصيرة فى الأهل

- ‌بصيرة فى الأول والأولى

- ‌بصيرة فى الآخرة والآخر والأخرى

- ‌بصيرة فى الأحد

- ‌بصيرة فى الاثنين

- ‌بصيرة فى الأربع والأربعين

- ‌بصيرة فى الارسال

- ‌بصيرة فى الاتباع

- ‌بصيرة فى الافك

- ‌بصيرة فى الامساك

- ‌بصيرة فى الأخذ

- ‌بصيرة فى الاسراف

- ‌بصيرة فى الاستواء

- ‌بصيرة فى الأجل

- ‌بصيرة فى الامام

- ‌بصيرة فى الأم

- ‌بصيرة فى الأب

- ‌بصيرة فى الاتقاء

- ‌بصيرة فى ان وان وانا

- ‌بصيرة فى أن وأن وأنى

- ‌بصيرة فى أى

- ‌بصيرة فى أو

- ‌بصيرة فى الاسفار

- ‌بصيرة فى الأشعار

- ‌بصيرة فى الاحاطة

- ‌بصيرة فى الاحصاء

- ‌بصيرة فى الادرااك

- ‌بصيرة فى الاجر

- ‌بصيرة فى الأبيض

- ‌بصيرة فى الأسود

- ‌بصيرة فى االأخضر

- ‌بصيرة فى الأصفر

- ‌بصيرة فى الأمسح

- ‌بصيرة فى الاختيار

- ‌بصيرة فى الاستقامة

- ‌بصيرة فى الاصحاب

- ‌بصيرة فى الأذان

- ‌بصيرة فى الايمان

- ‌بصيرة فى الأمانة

- ‌بصيرة فى الاحساس

- ‌بصيرة فى الاستحياء

- ‌بصيرة فى الأعلى

- ‌بصيرة فى الأسفل

- ‌بصيرة فى الأمى

- ‌بصيرة فى الاتمام

- ‌بصيرة فى الاكنة

- ‌بصيرة فى الآل

- ‌بصيرة فى الانشاء

- ‌بصيرة فى الاطمئنان

- ‌بصيرة فى الاستغفار

- ‌بصيرة فى الأولى

- ‌بصيرة فى االافواه

- ‌بصيرة فى الارادة

- ‌بصيرة فى الاخلاص

- ‌بصيرة فى أولو

- ‌بصيرة فى الأبد

- ‌بصيرة فى الاصطفاء

- ‌بصيرة فى الادنى

- ‌بصيرة فى أفلح

- ‌بصيرة فى الاسلام

- ‌بصيرة فى الأسف

- ‌بصيرة فى الاقامة

- ‌بصيرة فى الاستطاعة

- ‌الباب الثالث - فى الكلمات المفتتحة بحرف الباء

- ‌بصيرة فى الباء

- ‌بصيرة فى البيت

- ‌بصيرة فى الباب

- ‌بصيرة فى البشارة

- ‌بصيرة فى البشر

- ‌بصيرة فى البشير، والبشرى، والمبشر

- ‌بصيرة فى البركات

- ‌بصيرة فى البر، والبر

- ‌بصيرة فى البعث

- ‌بصيرة فى البدل

- ‌بصيرة فى البسط

- ‌بصيرة فى البقية

- ‌بصيرة فى البصيرة

- ‌بصيرة فى البحر (والبحيرة)

- ‌بصيرة فى البخل

- ‌بصيرة فى البخس

- ‌بصيرة فى البخع

- ‌بصيرة فى البدار

- ‌بصيرة فى البديع

- ‌بصيرة فى البدن

- ‌بصيرة فى البرج

- ‌بصيرة فى البراح

- ‌بصيرة فى البروز

- ‌بصيرة فى البرزخ

- ‌بصيرة فى البرق

- ‌بصيرة فى البرهان

- ‌بصيرة فى الابرام

- ‌بصيرة فى البزوغ

- ‌بصيرة فى البس

- ‌بصيرة فى بسر

- ‌بصيرة فى البسوق

- ‌بصيرة فى البسل

- ‌بصيرة فى البسم

- ‌بصيرة فى البضاعة

- ‌بصيرة فى الباطل

- ‌بصيرة فى البطن

- ‌بصيرة فى البطء

- ‌بصيرة فى البعد

- ‌بصيرة فى بعض

- ‌بصيرة فى البعل

- ‌بصيرة فى بعثر

- ‌بصيرة فى البغى

- ‌بصيرة فى البقاء

- ‌بصيرة فى البك

- ‌بصيرة فى البكم

- ‌بصيرة فى البكاء

- ‌بصيرة فى بل

- ‌بصيرة فى البلد

- ‌بصيرة فى البلاء (وبلى)

- ‌بصيرة فى البنان

- ‌بصيرة فى البنيان

- ‌بصيرة فى الباب

- ‌بصيرة فى البياض

- ‌بصيرة فى البيع

- ‌بصيرة فى البال

- ‌بصيرة فى البواء

- ‌الباب الرابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف التاء

- ‌بصيرة فى التاء

- ‌بصيرة فى التسبيح

- ‌بصيرة فى التابوت

- ‌بصيرة فى التأويل

- ‌بصيرة فى التب

- ‌بصيرة فى التبر

- ‌بصيرة فى التبع

- ‌بصيرة فى تبارك

- ‌بصيرة فى تترى

- ‌بصيرة فى التجارة

- ‌بصيرة فى التراب

- ‌بصيرة فى الترك

- ‌بصيرة فى التقوى

- ‌بصيرة فى التوبة

- ‌بصيرة فى التوكل

- ‌بصيرة فى التذكر والتفكر

- ‌بصيرة فى التبتل

- ‌بصيرة فى التفويض

- ‌بصيرة فى التسليم

- ‌بصيرة فى التربص

- ‌بصيرة فى التفصيل

- ‌الباب الخامس - وهو باب الثاء

- ‌بصيرة فى الثاء

- ‌بصيرة فى الثقل

- ‌بصيرة فى الثياب والثواب

- ‌بصيرة فى الثمرات

- ‌بصيرة فى الثلاث والثلاثة والثلاث وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى ثم

- ‌بصيرة فى الثنى والاثنين

- ‌بصيرة فى الثقف

- ‌بصيرة فى الثبات

- ‌بصيرة فى الثبى

- ‌بصيرة فى الثرب

- ‌بصيرة فى الثمن

- ‌الباب السادس - فى وجوه الكلمات المفتتحة بالجيم

- ‌بصيرة فى الجيم

- ‌بصيرة فى الجنة

- ‌بصيرة فى الجرم وما من مادته

- ‌بصيرة فى الجار

- ‌بصيرة فى الجب

- ‌بصيرة فى الجبت

- ‌بصيرة فى الجبار والجبر

- ‌بصيرة فى الجبل

- ‌بصيرة فى الجبين

- ‌بصيرة فى الجبهة

- ‌بصيرة فى الجبى

- ‌بصيرة فى الجث

- ‌بصيرة فى الجثى

- ‌بصيرة فى الجثم

- ‌بصيرة فى الجحد

- ‌بصيرة فى الجحم

- ‌بصيرة فى الجد

- ‌بصيرة فى الجدر

- ‌بصيرة فى الجدال

- ‌بصيرة فى الجذ

- ‌بصيرة فى الجذع

- ‌بصيرة فى الجذوة

- ‌بصيرة فى الجرح

- ‌بصيرة فى الجراد

- ‌بصيرة فى الجرز

- ‌بصيرة فى الجرف

- ‌بصيرة فى الجرى

- ‌بصيرة فى الجزء

- ‌بصيرة فى الجزاء

- ‌بصيرة فى الجس

- ‌بصيرة فى الجسد

- ‌بصيرة فى الجعل

- ‌بصيرة فى الجفن

- ‌بصيرة فى الجفاء

- ‌بصيرة فى الجلال والجليل والجلالة

- ‌بصيرة فى الجلب

- ‌بصيرة فى الجلد

- ‌بصيرة فى الجلس

- ‌بصيرة فى الجلاء والتجلى

- ‌بصيرة فى الجم

- ‌بصيرة فى الجمع

- ‌بصيرة فى الجمال

- ‌بصيرة فى الجنب

- ‌بصيرة فى الجنح

- ‌بصيرة فى الجند

- ‌بصيرة فى الجهد بالفتح والضم

- ‌بصيرة فى الجهر

- ‌بصيرة فى الجل

- ‌بصيرة فى الجهم

- ‌بصيرة فى الجوب

- ‌بصيرة فى الجار والجأر والجارى

- ‌بصيرة فى الجواز

- ‌بصيرة فى الجوس

- ‌بصيرة فى المجيء والجيئة

- ‌الباب السابع - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الحاء

- ‌بصيرة فى الحاء

- ‌بصيرة فى الحب والمحبة

- ‌بصيرة فى الحبر

- ‌بصيرة فى الحبط

- ‌بصيرة فى الحبك

- ‌بصيرة فى الحبل

- ‌بصيرة فى حتى

- ‌بصيرة فى الحجة

- ‌بصيرة فى الحجاب

- ‌بصيرة فى الحجر بالكسر

- ‌بصيرة فى الحجارة

- ‌بصيرة فى الحجز

- ‌بصيرة فى الحدود والحديد

- ‌بصيرة فى الحديث

- ‌بصيرة فى الحذر

- ‌بصيرة فى الحر وما يشتق منه

- ‌بصيرة فى الحرب

- ‌بصيرة فى الحرث

- ‌بصيرة فى الحرج

- ‌بصيرة فى الحرد

- ‌بصيرة فى الحرس

- ‌بصيرة فى الحرص

- ‌بصيرة فى الحرض

- ‌بصيرة فى الحرف

- ‌بصيرة فى الحرق

- ‌بصيرة فى الحرام

- ‌بصيرة فى الحزب

- ‌بصيرة فى الحزن

- ‌بصيرة فى الحس

- ‌بصيرة فى الحساب

- ‌بصيرة فى الحسن

- ‌بصيرة فى الحشر

- ‌بصيرة فى الحصر

- ‌بصيرة فى الحصن

- ‌بصيرة فى الحصى

- ‌بصيرة فى الحضر

- ‌بصيرة فى الحطب

- ‌بصيرة فى الحلف

- ‌بصيرة فى الحفر

- ‌بصيرة فى الحفظ

- ‌بصيرة فى الحفا

- ‌بصيرة فى الحق

- ‌بصيرة فى الحكم والحكمة

- ‌بصيرة فى الحل

- ‌بصيرة فى الحلم والحليم

- ‌بصيرة فى الحميم

- ‌بصيرة فى الحمد والحميد

- ‌بصيرة فى الحمل

- ‌بصيرة فى الحمى والحن

- ‌بصيرة فى الحول

- ‌بصيرة فى الحين

- ‌بصيرة فى الحى

- ‌بصيرة فى الحياء

- ‌الباب الثامن - فى وجوه الكلمات المفتتحة بحرف الخاء

- ‌بصيرة فى الخاء

- ‌بصيرة فى الخبت

- ‌بصيرة فى الخبث

- ‌بصيرة فى الخبر والخبر

- ‌بصيرة فى الخبط والخبل والخبء واالختر

- ‌بصيرة فى الختم

- ‌بصيرة فى الخداع

- ‌بصيرة فى الخدن والخذل والخرور

- ‌بصيرة فى الخرب والخروج

- ‌بصيرة فى الخرص والخرق

- ‌بصيرة فى الخزن والخزى

- ‌بصيرة فى الخسر

- ‌بصيرة فى الخسف والخسأ والخشب

- ‌بصيرة فى الخشع

- ‌بصيرة فى الخشية

- ‌بصيرة فى الخصوص والخصف والخصم

- ‌بصيرة فى الخضد والخضر

- ‌بصيرة فى الخضوع والخط والخطب

- ‌بصيرة فى الخطف والخطأ

- ‌بصيرة فى الخفيف والخفض والخفى

- ‌بصيرة فى الخلل

- ‌بصيرة فى الخلود والخلوص والخلط والخلع

- ‌بصيرة فى الخلف والخلق

- ‌بصيرة فى الخلق

- ‌بصيرة فى الخلد والخمود والخمر

- ‌بصيرة فى الخير

- ‌بصيرة فى الخوف

- ‌بصيرة فى الخيل والخول

- ‌بصيرة فى الخون

- ‌الباب التاسع - فى الكلمات المفتتحة بحرف الدال

- ‌بصيرة فى الدال

- ‌بصيرة فى الدب

- ‌بصيرة فى الدبر

- ‌بصيرة فى الدثر والدخر والدحض والدحر

- ‌بصيرة فى الدخل

- ‌بصيرة فى الدر

- ‌بصيرة فى الدرج

- ‌بصيرة فى الدرس والدرك

- ‌بصيرة فى الدرى والدرء

- ‌بصيرة فى الدس والدسر والدسى

- ‌بصيرة فى الدعاء والدفع والدفق

- ‌بصيرة فى الدفع والدفق والدفء والدك

- ‌بصيرة فى الدل والدلو والدلك والدم والدمر

- ‌بصيرة فى الدمع والدمغ والدنو والدهر

- ‌بصيرة فى الدهر

- ‌بصيرة فى الدهق والدهم والدهن

- ‌بصيرة فى الدأب والدور والدول

- ‌بصيرة فى الدون والدين

الفصل: ‌بصيرة فى الحب والمحبة

العاشر: الحاءُ اللغوىّ قالَ [الخليل] الحاءُ عندهم المرأَة البذيئة اللِّسان السّليطة قال:

جدودى بنو العنقاءِ وابن محرّق

وأَنت ابن حاء بَظْرها مثل مُنخُل

‌بصيرة فى الحب والمحبة

ولا يُحدّ المحبّة بحدّ أَوضح منها، والحدود لا تزيدها إِلَاّ خفاءً وجفاءً فحدّها وجودها. ولا توصف المحبّة بوصف أَظهر من المحبّة، وإِنَّما يتكلَّم النَّاس فى أَسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأَحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستّة.

وهذه المادّة تدور فى اللُّغة على خمسة أَشياءَ: أَحدها الصّفاء والبياض ومنه قيل حَبَب الأَسنان لبياضها ونضارتها. الثانى: العُلُوّ والظُّهور ومنه حَبَب الماءِ وحَبَابه وهو ما يعلوه من النفاخات عند المطر، وحَبب الكأْس منه. الثالث: اللُّزوم والثبات ومنه حَبَّ البعير وأَحبّ إِذا برك فلم يقُم. الرَّابع: اللُّباب والخلوص. ومنه حَبّة القلب لِلبّه وداخله. ومنه الحَبّة لواحدة الحبوب إِذ هى أَصل الشئ ومادَّته وقوامه. الخامس: الحفظ والإِمساك

ص: 416

ومنه حُبّ الماءِ للوعاءِ الَّذى يُحفظ فيه ويمسكه، وفيه معنى الثُّبوت أَيضاً.

ولا ريب أَنَّ هذه الخمسة من لوازم المحبّة، فإِنَّها صفاءُ المودّة وهَيَجان إِرادة القلب وعلوّها وظهورها منه لتعلُّقها بالمحبوب المراد وثبوت إرادة القلب للمحبوب ولزومها لزوم لا تفارق، ولإِعطاءِ المحبّ محبوبه لبّه وأَشرف ما عنده وهو قلبه، ولاجتماع عَزَماته وإِراداته وهُمومه على محبوبه. فاجتمعت فيها المعانى الخمسةُ. ووضعوا لمعناها حرفين مناسبين للشَّئ غاية المناسبة: الحاء الَّتى من أَقصى الحَلق والباء للشفة الَّتى هى نهايته، فللحاءِ الابتداء وللباء الانتهاء، وهذا شَأْن المحبّة وتعلُّقها بالمحبوب، فإِنَّ ابتداءَها منه وانتهاءَها إِليه.

ويقال فى فعله: حبَبت فلاناً بمعنى أَصبت حَبَّة قلبه، نحو شَغَفته وكَبَدته وفأَدته، وأَحببت فلاناً جعلت قلبى مُعَرَّضاً لأَن يُحِبّه. لكن وضع فى التعارف محبوب موضعَ مُحَبّ واستعمل حبَبت أَيضاً فى معنى أَحببت، ولم يقولوا مُحَبّ إِلَاّ قليلاً قال:

ولقد نزلتِ فلا تظنى غيره

منى بمنزلة المُحَبّ المكرم

وأَعطَوْا الحُبّ حركة الضمّ الَّتى هى أَشدّ الحركات وأَقواها، مطابَقة لشِدّة حركة مسمَّاه وقوّتها، وأَعطَوُا الحِبّ وهو المحبوب حركة الكسر لخفَّتها عن الضمَّة، وذلك لخفَّة ذكر المحبوب على قلوبهم وأَلسنتهم مع إِعطائه

ص: 417

حكم نظائره كنِهْد وذِبْح للمنهود والمذبوح وحِمْل للمحمول، فتأَمّل هذا اللُّطف والمطابقة والمناسبة العجيبة بين اللَّفظ والمعنى يُطلعْك على قَدْر هذه اللغة الشريفة وإِنَّ لها لشأْنا ليس كسائر اللغات.

وقد ذكر الله تعالى ذلك فى مواضع كثيرة من التنزيل الحميدىّ منها {فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} {والذين آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ} {وَمِنَ الناس مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ الله أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله} {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} {والله يُحِبُّ المحسنين} {والله يُحِبُّ الصابرين} {إِنَّ الله يُحِبُّ التوابين وَيُحِبُّ المتطهرين} {إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} {إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين} {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} {إني أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير} {ولاكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان} وقال تعالى {والله لَا يُحِبُّ الفساد} {إِنَّ الله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال تعالى {إِنِ

ص: 418

استحبوا الكفر عَلَى الإيمان} أَى آثروه عليه. وحقيقة الاستحباب أَن يتحرّى الإِنسانُ فى الشئ أَن يحبّه. واقتضى تعديتُه بعَلى معنى الإِيثار، وفى الحديث الصّحيح "إِذا أَحبّ الله عبداً دعا جَبْرئيلَ فقال: إِنى أُحِبُّ فلاناً فأَحِبَّه فيحبّه جبرئيل، ثم ينادى فى السّماءِ فيقول: إِنَّ الله يحبّ فلاناً فأَحِبُّوه فيحبّه أَهْلُ السّماءِ، ثمّ يوضَع له القَبولُ فى الأَرض" وفى البُغْض ذُكِر مثل ذلك. وفى الصّحيح أَيضاً:"ثلاث مَن كُنَّ فيه وَجَد بهنّ حلاوة الإِيمان: أَن يكون الله ورسولُه أَحبَّ إِليه مِمَّا سواهما، وأَن يحبّ المرءُ لا يحبّه إِلَاّ لله"، وفى صحيح البخارىّ:"يقول الله تعالى: مَن عادى لى وليّاً فقد آذَنْتُهُ بالحرب، وما تقرب إِلىّ عبدى بشىءٍ أَحبَّ إشلىَّ من أَداءِ ما افترضته عليه، ولا يزال عبدى يتقرب إِلىّ بالنَّوافل حتَّى أُحبّه. فَإِذَا أَحببته كنت سمعَه الَّّذى يسمع به، وبصرَه الَّذى يبصر به، ويدَه الَّتى يبطِش بها ورجلَه التى يمشى بها. وإِن سأَلنى أَعطيته ولئن استعاذنى لأُعيذنَّه". وفى الصّحيحين من حديث أَمير السّريَّة الذى كان يقرأُ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} لأَصحابه فى كلِّ صلاة وقال: لأَنَّها صفة الرّحمن وأَنا أُحبّ أَن أَقرأَ بها فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم: "أَخبروه أَنَّ الله يحبّه" وعن التِّرمذى عن

ص: 419

أَبى الدَرداءِ يرفعه: "كان مِن دعاءِ داود عليه السلام: اللهمّ إِنِّى أَسأَلك حبّك وحبّ من يحبّك، والعملَ الَّذى يبلِّغنى حبَّك. اللَّهم اجعل حُبّك أَحبّ إِلىّ من نفسى وأَهلى، ومن الماء البارد". وفيه أَيضاً من حديث عبد الله بن يزيد الخَطْمِىِّ أَنَّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يقول فى دعائه: "اللهمّ ارزقنى حبّك وحبّ من يحبّك وحبّ مَن ينفعنى حبُّه عندك. اللهمّ ما رزقتنى ممّا أُحبّ فاجعله قوّة لى فيما تحبّ، وما زَوَيت عنِّى ممّا أُحبّ فاجعله فراغاً لى فيما يحبّ".

والقرآن والسنَّة مملوءَان بذكر مَن يحبّ اللهُ سبحانه من عباده، وذكر ما يحبّه من أَعمالهم وأَقوالهم وأَخلاقهم. فلا يلتفت إِلى مَن أَوَّل محبّته تعالى لعباده بإِحسانه إِليهم وإِعطائهم الثواب، ومحبّةَ العباد له تعالى بمحبّته طاعته والازدياد من الأَعمال لينالوا به الثواب، فإِن هذا التأْويل يؤدّى إِلى إِنكار المحبّة، ومتى بطلت مسأَلة المحبّة بطلت جميع مقامات الإِيمان والإِحسان، وتعطَّلت منازلُ السَّيْر، فإِنَّها رُوح كلِّ مَقَام ومنزلةٍ وعمل، فإِذا خلا منها فهو ميّت، ونسبتها إِلى الأَعمال كنسبة الإِخلاص إِليها، بل هى حقيقة الإِخلاص، بل هى نفس الإِسلام، فإِنَّه الاستسلام بالذُّل والحُبّ والطَّاعة لله. فمن لا محبَّة له لا إِسلام له البتَّة.

ومراتب المحبّة عشرة: الأَوّل العلاقة والإِرادة والصبابة، والغرام

ص: 420

وهو الحبّ اللَاّزم للقلب ملازمةَ الغريم لغريمه، ثمّ الوُدّ وهو صفو المحبّة وخالصها ولُبّها، ثمّ الشغَف، شُغِفَ بكذا فهو مشغوف أَى وَصَل الحُبّ شَغَاف قلبه وهو جِلدة رقيقة على القلب، ثمّ العشق وهو الحبّ المفرط الَّذى يُخاف على صاحبه منه، وبه فسّر {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} ثمّ التَتَيُّم وهو المحبّة والتذلُّل، تَيَّمه الحُبّ أَى عَبَّده وذَلَّله وتَيْم الله عَبْد الله، ثمَّ التعبّد وهو فوق التتيُّم فإِنَّ العبد الذى مَلَك المحبوبُ رِقَّه فلم يبق له شئ من نفسه البتَّة، بل كلُّه لمحبوبه ظاهراً وباطناً. ولمَّا كَمّل سيّد ولد آدم هذه المرتبة وصفه الله بها فى أَشرف مقاماته بقوله {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} وفى مقام الدّعوة {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ} وفى مقام التحدّى {وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا على عَبْدِنَا} وبذلك استحقّ التقدّم على الخلائق فى الدّنيا والآخرة. العاشر: مرتبة الخُلَّة الَّتى استحقّ التقدّم على الخلائق فى الدّنيا والآخرة. العاشر: مرتبة الخُلَّة الَّتى انفرد بها الخيلان إِبراهيم ومحمّد عليهما الصّلاة والسّلام؛ كما صحّ عنه "إِنَّ اللهَ اتَّخذنى خليلاً كما اتَّخَذَ إِبراهيم خليلاً" وقال "لو كنت متَّخِذاً من أَهل الأَرض خليلاً لاتَّخذتُ أَبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرّحمن" والخلَّة هى المحبّة الَّتى تخلَّلْت روح [المحب] وقلبه حتى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه.

والأَسبابُ الجالبة للمحبة عشرة: الأَول: قراءَة القرآن بالتَّدبّر والتفهُّم لمعانيه وتفطُّن مراد الله منه. الثانى: التَّقَرّب إِلى الله تعالى بالنَّوافل بعد

ص: 421

الفرائض؛ فإِنَّها توصِّل إِلى درجة المحبوبيَّة بعد المحبّة. الثالث: دوام ذكره على كلِّ حال باللٍّسان والقلب والعلم والحال فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذكر. الرابع: ايثار مَحَابِّه على محابّك عند غلبات الهوى. الخامس: مطالعة القلب لأَسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلُّبه فى رياض هذه المعرفة ومباديها فمن عرَف الله بأَسمائه وصفاته وأَفعاله أَحبّه لا محالة. السادس مشاهدة بِرّه وإِحسانه ونِعمه الظَّاهرة والباطنة. السابع: وهو من أَعجبها - انكسار القلب بكلِّيَّته بيْن يديه. الثامن: الخَلْوة به وقت النُّزول الإِلهىّ لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقالب والقلب بين يديه، ثم خَتْم ذلك بالاستغفار والتَّوبة. التَّاسع: مجالسة المحبّين والصّادقين والتقاطُ أُطايب ثمرات كلامهم وأَلَاّ يتكلم إِلَاّ إِذا ترجّحت مصلحةُ الكلام وعَلِم أَنَّ فيه مزيداً لحالِهِ. العاشر: مباعدة كلِّ سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

فمن هذه الأَسباب وصل المحبّون إِلى منازل المحبّة، ودخلوا على الحبيب وفى ذلك أَقول:

تِلاوةُ فهمٍ معْ لزوم نوافل

وذكرٌ دواماً وانكسارٌ بقلبه

وإِيثار ما يُرْضِى شهودَ عطائه

ووقت نزول الحقّ يخلو بربّه

مطالعة الأَسما مجالسة القُدَى

مجانبة الأَهوا جوالب حُبه

ص: 422