الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بصيرة فى الدهر
الدّهر: الزَّمان، قاله شمر وأَنشد:
إِن دهرا يلُفُّ شَمْلِى بجُمْل
…
لزمان يَهُمّ بالإِحسان
وقيل: الدّهر الأَبَد لا ينقطع. قال الأَزهرى: الدّهر يقعِ عند العرب على بعض الدّهر الأَطول، ويقع على مُدّة الدّنيا كلِّها، وقيل: الدّهر مدّة [الدنيا] كلَّها من ابتدائها إِلى انقضائها. وقال آخرون: بل دَهْر كلِّ قوم زمانهم، قال الله تعالى:{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَاّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلَاّ الدهر} .
وقول النبىّ صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الدّهر فإِن الدّهر هو الله" وروى "فإِنَّ الله هو الدّهر" قِيل: الدّهر اسم من أَسماءِ الله تعالى. وقال الزَّمخشرى: الدّهر هو الزَّمان الطَّويل، وكانوا يعتقدون فيه أَنَّه الطَّارق بالنَّوائب، ولذلك اشتَقُّثوا من اسمه دَهَر فلاناً خَصْبٌ إِذا دهاه، وما زالوا يَشْكونه ويذُمُّونه، قال حُريثُ بن جَبَلة وقيل أَبو عُيينة المهلبى:
هو الرَّمْسُ تعفوه الأَعاصير
…
والدّهر أَيَّتَمَا حالٍ دهادير
أَى دواهٍ وخطوب مختلِفة. وهو بمنزلة عباديد فى أَنَّه لم يستعمل واحدُه. وقال رجل من كلب:
لَحَى الله دهرا شرُّه قبل خيره
…
تقاضى فلم يُحسن إِلينا التقاضيا
وقال يحيى بن زياد:
عَذِيرىَ من دهر كأَنى وتَرْته
…
رهين بحبل الوُدّ أن يتقطَّعا
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذمّ الدّهر، وبيّن لهم أَنَّ الطَّوارق الَّتى تنزِل بهم مُنْزلها الله عَزَّ سلطانه دون غيره، وأَنَّهم متى اعتقدوا فى الدّهر أَنَّه هو المُنْزِل ثمَّ ذمّوه كان مرجع المذمّة إِلى العزيز الحكيم، تعالى عن ذلك علوّاً كبيراً. والَّذى يُحقِّق هذا الموضع ويَفصل بين الرّوايتين هو قوله "فإِنَّ الدّهر هو الله" حقِيقتُه: فإِن جالبَ الحوادث هو الله لا غيره، فوضع الدّهر موضع جالب الحوادث، كما تقول: إِن أَبا حنيفة أَبو يوسف، تريد أَنَّ النهاية فى الفقه هو أَبو يوسف لا غيره، فيضع أَبا حنيفة موضع ذلك لشهرته بالتناهى فى فقهه، كما شُهِر عندهم الدهر بجَلْب الحوادث. ومعنى الرّواية الثانية: إِنَّ الله هو الدّهر، فإِنَّ الله هو الجالب للحوادث. لا غيره الجالب، ردّا لاعتقادهم أَنَّ الله ليس مِن جَلْبها فى شئ وأَنَّ جالبها هو الدّهر، كما لو قلت إِنَّ أَبا يوسف أَبو حنيفة كان المعنى أَنَّه النِّهاية فى الفقه لا المتقاصر. "هو" فصل أَو مبتدأُ خبره اسم الله أَو الدّهر فى الرّوايتين.
وقال بعضهم: الدّهر الثانى فى الحديث غير الأَوّل وإِنما هو مصدر بمعنى الفاعل ومعناه أَنَّ الله هو الداهر أَى المصرِّف المدبّر المُفِيض لما يَحْدُث.
وقال الأَزهرى فى قول جَرِير:
أَنا الدّهر يَفْنى الموتُ والدّهر خالد
…
فجئنى بمثل الدّهر شيئاً يطاوله
جعل الدّهر الدّنيا والآخرة لأَنَّ الموت يَفنى بعد انقضاءَ الدّنيا. وقال تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مِّنَ الدهر} وقد يستعار الدّهر للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل: ما دهرى بكذا. والدّهر أَيضاً الغَلَبة.