المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثالثا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

فعله الطاعنون الجدد أنهم أحيوا هذا السب الذي أماته أهل السنة لما كانت الدولة دولتهم والسلطان سلطانهم، وكان أهل الزندقة والبدع مقموعين.

وهذا السب إنما أحيي حديثًا على يد طوائف الكفار الحاقدين على الإسلام، ومن قلَّدهم من أبناء هذه الأمة إما جهلًا وإما افتتانًا بالغرب ومناهجه، الواقعون في حرمات الله باسم حرية الرأي والبحث العلمي، ناسين أو متناسين أن للمنهج العلمي في الإسلام وتاريخه قواعد وأصولًا وضوابط شرعية يجب على الباحث أن يلتزم بها، ويكون بحثه واجتهاده في نطاقها حتى لا تجيء نتائج أبحاثه ودراساته مناقضة للواقع وللقواعد الشرعية والأحكام الإسلامية».

ولله در الإمام أبي زرعة الرازي (ت. 264هـ) إذ يقول: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن رسول الله حق، والقرآن حق، وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة، وهم يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة» اهـ (1).

‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

بداءة نقول: يلزم دارس التاريخ أن يدرس الظروف التي وقعت فيها أحداثه، والحالة النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي اكتنفت تلك الأحداث، والأحداث التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ قبل أن يحكم عليها، حتى يكون حكمه أقرب إلى الصواب. ونكتفي هنا بمثال واحد لبيان الطريقة المثالية في معالجة القضايا والأخطاء، ألا وهو موقف النبي صلى الله عليه وسلم من صنيع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه حين أرسل كتابًا مع امرأة من المشركين ليخبرهم بمسير الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة.

ومن هذه الحادثة نستطيع أن نحدد ثلاث مراحل للمعالجة العادلة للخطأ أو الحادث:

- المرحلة الأولى: مرحلة التثبت من وقوع الخطأ أو وقوع الحادث، وفي هذا الحادث تم التثبت عن طريق أوثق المصادر ألا وهو الوحي.

(1) انظر، ابن حجر: الإصابة (1/ 22).

ص: 460

- المرحلة الثانية: مرحلة التثبت وتبين الأسباب التي دفعت إلى ارتكاب الخطأ، وهذا الأمر متمثل في قوله صلى الله عليه وسلم لحاطب:«ما حملك على ما صنعت؟» (1)، وهذه المرحلة مهمة، لأنه إذا تبين بعد طرح هذا السؤال أن هناك عذرًا شرعيًا في ارتكاب الخطأ تنتهي القضية عند هذا الحد، فإذا لم يكن العذر مقنعًا من الناحية الشرعية فإنه يصار إلى:

- المرحلة الثالثة: وفيها يتم جمع الحسنات والأعمال الخيِّرة لمرتكب الخطأ، وحشدها إلى جانب خطئه، فقد ينغمر هذا الخطأ أو هذه السيئة في بحر حسناته. وهذا الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم مع حاطب رضي الله عنه حيث قال لعمر عندما استأذن في قتل حاطب:«أليس من أهل بدر؟» ، ثم قال:«لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم» (2).

ولذا، ينبغي أن نعلم أن تلك الأحداث الواقعة في صدر الإسلام لا يبررها غير ظروفها التي وقعت فيها، فلا تحكم عليها بالعقلية أو الظروف التي نعيش فيها نحن أو بأية ظروف يعيش فيها غير أصحاب تلك الأحداث، لأن الحكم حينئذ لن يستند إلى مبررات موضوعية، وبالتالي تكون نظرة الحاكم إلى هذه الوقائع لم تستكمل وسائل الحكم الصحيح، فيصدر الحكم غير مطابق للواقع (3).

ولو تأملنا حادثة مقتل عثمان رضي الله عنه لوجدنا أن قتل الخليفة لم يكن هو الغاية التي يقصدها من خطط لهذا الحصار، وإلا لو كان كذلك لهان الأمر، وسكنت الفتنة، واستبدل خليفة بخليفة وعادت الأمور إلى نصابها، ولكن بعض رواد الفتنة كانت لهم غاية أبعد أثرًا وأعمق غورًا من قتل الخليفة واستبدال آخر به، إن غايتهم هي هدم حقيقة الإسلام والنيل من عقيدته وتشويه مبادئه في شخص الخليفة المقتول، وإثارة الأحقاد والخلافات بين المسلمين (4).

(1) رواه البخاري، كتاب المغازي: 3983

(2)

السابق، وعند الترمذي عن جابر رضي الله عنه أن عبدًا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبًا، فقال:«يا رسول الله، ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، لا يدخلها، فإنه قد شهد بدرًا والحديبية» . [الترمذي، كتاب المناقب: 3864 وصححه الألباني].

(3)

د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (23 - 4) بتصرف.

(4)

السابق، ص (351) بتصرف.

ص: 461

لقد كان مقتل عثمان سببًا مباشرًا في خلق أزمة أخرى، أو بالأحرى فتنة ثانية تضاربت فيها الآراء وتباينت فيها وجهات النظر، واختلفت الاجتهادات في الوسيلة للانتقام من الخوارج الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه.

فرأت طائفة من الصحابة أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من القتلة الآثمين، ورأى آخرون أن أول ما ينبغي هو اجتماع الكلمة واستتباب الأمن، والصبر حتى تهدأ الأحوال وتنكشف ذيول المؤامرة، ثم يكون استئصال شأفتها وقطع دابر دواعيها.

ورأت طائفة ثالثة أن الخليفة المظلوم لم يحتمل ذلك الحصار الآثم، ويمنع أتباعه المؤمنين من ذلك إلا حرصًا على ألا تراق قطرة دم أو تثور أدنى فتنة بين أمة الإسلام، فالأولى بمن بعده أن يؤثروا العافية، وألا يكونوا طرفًا في أي نزاع، خاصة وأن الأحاديث الواردة في هذا الباب تنهى عن القتال في الفتنة (1).

والطائفة الأولى: كانت طائفة معاوية وطلحة والزبير وعائشة ومن كان على رأيهم، فكان معاوية رضي الله عنه يرى وجوب التعجيل بقتل قتلة عثمان رضي الله عنه، وذلك لأن معاوية وعثمان رضي الله عنهما أبناء عمومة. ولم يكن معاوية مدعيًا الخلافة ولا منكرًا حق علي رضي الله عنه فيها، وإنما كان ممتنعًا عن بيعته وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقي واليًا فيها زهاء عشرين سنة (2)، قال ابن كثير (3):«قال معاوية: لا أبايعه [أي عليًّا] حتى يسلمني قتلة عثمان فإنه قتل مظلومًا، وقد قال الله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (4)» ، وروى الدِّينَوَري (ت. 282هـ) في أخباره الطوال أن معاوية كتب إلى علي رضي الله عنهما عندما طلب منه الدخول في البيعة قائلًا: «فإن كنت صادقًا فأمكِنَّا من قتلة عثمان

(1) السابق، ص (451).

(2)

السابق، ص (524) بتصرف.

(3)

ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 21).

(4)

الإسراء: 33

ص: 462

نقتلهم به، ونحن أسرع الناس إليك» (1)، وقال ابن حزم (2): «لم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة، لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه عن ولد عثمان وولد الحكم بن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت وهو أخو المقتول وقال له: كبِّر كبِّر (3)،

وروى: الكِبَر الكِبَر، فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة ابنا مسعود وهما ابنا عم المقتول، لأنهما كانا أسن من أخيه، فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه، وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط، فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما حُرِم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجرًا واحدًا وللمصيب أجرين» اهـ.

أما عن طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم، فهم أيضًا لم ينازعوا عليًا الخلافة أو يطعنوا في إمامته، وإنما خرجوا مطالبين بدم عثمان يريدون الإسراع في تنفيذ حد القصاص على قتلته، ولقد روى الإمام الطبري بسند صحيح عن الأحنف بن قيس قال (4): «خرجنا حجاجًا فقدمنا المدينة، فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتانا آت فقال: إن الناس قد فزعوا واجتمعوا في المسجد، فانطلقنا إلى المسجد، - فذكر الحديث في مناشدة عثمان الصحابة، وإقرارهم بمناقبه -، قال الأحنف بن قيس: فلقيت طلحة والزبير فقلت: لا أرى هذا الرجل إلا مقتولًا، فمن تأمراني أن أبايع؟ فقالا: عليًا، فقلت: أتأمراني بذلك وترضيانه لي؟ فقالا: نعم. فخرجت حتى قدمت مكة، فأنا كذلك إذ قيل: قُتِلَ عثمان بن عفان، وبها عائشة أم المؤمنين فأتيتها فقلت لها: أنشدك الله، من تأمريني أن أبايع؟ فقالت عليًا، فقلت: أتأمريني بذلك وترضينه لي؟ قالت نعم. فخرجت، فقدمت على

(1) أبو حنيفة الدينوري: الأخبار الطوال، ص (162).

(2)

ابن حزم: الفِصَل (4/ 124).

(3)

أي اترك الأمر لمن هو أكبر منك سنًا ..

(4)

تاريخ الطبري (4/ 497 - 8).

ص: 463

عليٍّ بالمدينة فبايعت ثم رجعت إلى أهل البصرة، ولا أرى إلا الأمر قد استقام، فبينا نحن كذلك إذ أتاني آتٍ فقال: هذه عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير قد نزلوا الخريبة (1)، فقلت: فما جاء بهم؟ قال: أرسلوا إليك يستنصرون على دم عثمان قتل مظلومًا».

ولما قدمت عائشة رضي الله عنها البصرة، وبلغ عثمان بن حُنَيف رضي الله عنه وهو والي البصرة من قِبَل عليٍّ خبر قدومها، أرسل إليها يستفسرها عن سبب خروجها، فكان جوابها: «إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله، مع ما نالوه من قتل أمير المسلمين بلا ترة ولا عذر، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه، وانتهبوا المال الحرام، وأحلُّوا البلد الحرام والشهر الحرام

فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم، وما فيه الناس وراءنا، وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا، وقرأت {لَاّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (2)، ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم الصغير والكبير والذكر والأنثى، فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه، ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره» (3).

ولما أرسل عليٌّ القعقاع بن عمرو للإصلاح مع أصحاب الجمل قال لطلحة والزبير: «إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ قالا: قتلة عثمان رضي الله عنه، فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن وإن عمل له كان إحياءً للقرآن» (4).

وعندما سُئِلَ الزبير عن سبب خروجهم إلى البصرة قال: «ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل، فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدًا، إذ لم يفطم الناس عن أمثاله

(1) موضع بالبصرة.

(2)

النساء: 114

(3)

تاريخ الطبري (4/ 462).

(4)

السابق (4/ 488).

ص: 464

لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب» اهـ (1).

والطائفة الثانية: وهم علي رضي الله عنه وشيعته، فكانوا يرون تأخير تتبع قتلة عثمان بعد حسم أمر الخلافة والتملك من زمام الأمور، حيث إن قتلة عثمان لهم قبائل تدافع عنهم، والأمن غير مستتب، ومازالت الفتنة قائمة (2).

يروي لنا الطبري رحمه الله (3): «اجتمع الناس إلى عليٍّ بعد ما دخل بيته طلحة والزبير في عدة من الصحابة فقالوا: يا علي! إنا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإن هؤلاء القوم [إشارة إلى السبئية وأنصارهم من الأعراب والعبيد] قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلُّوا بأنفسهم، فقال علي: يا إخوتاه! إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا، فهل ترون موضعًا لقدرة على شيء مما تريدون؟ قالوا: لا. قال: فلا والله لا أرى إلا رأيًا ترونه إن شاء الله. إن هذا الأمر أمر جاهلية، وإن لهؤلاء القوم مادة، وذلك أن الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبدا. إن الناس من هذا الأمر [أي من القصاص من قتلة عثمان] إن حرك على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا هذا، حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق فاهدءوا عني ماذا يأتيكم ثم عودوا» .

فلا ريب أن عليًا رضي الله عنه كان ينتظر حتى يستتب له الأمر، ثم ينظر في شأن قتلة عثمان، فحين طالب الزبير وطلحة ومن معهم بإقامة حد القصاص عليهم اعتذر لهم بأنهم كثير، وأنهم قوة لا يستهان بها، وطلب منهم أن يصبروا حتى تستقر الأوضاع وتهدأ الأمور، فتؤخذ الحقوق.

ومعلوم قطعًا أن عليًا رضي الله عنه كان في موقفه أسَدَّ رأيًا وأصوب قيلًا، لأنه لو أسرع إلى

(1) السابق (4/ 461).

(2)

ولذلك لما وصلت الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، لم يقتل كل قتلة عثمان أيضًا، لماذا؟ لأنه صار يرى ما كان يراه علي رضي الله عنه. وقُتِلَ آخرهم في زمان الحجاج في خلافة عبد الملك بن مروان. [انظر، ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (168)].

(3)

تاريخ الطبري (4/ 437).

ص: 465

تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حربًا أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فغضب لهم آلاف من الناس وتعصبوا لهم، واجتمعوا على حرب طلحة والزبير (1).

وقد قال لهما القعقاع بن عمرو: «قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلا رجلًا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الذي أفلت [يعني حرقوص بن زهير] فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا (2) عليكم، فالذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء، كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا (3) فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها (4) فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم، وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله عز وجل حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدّر، وليس كالأمور، ولا كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل. فقالوا: نعم، إذًا قد أحسنت وأصبت المقالة، فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه» (5).

(1) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (467 - 8).

(2)

من الإدالة وهي الغلبة.

(3)

أي عاهدتمونا.

(4)

أي فتنها.

(5)

تاريخ الطبري (4/ 488 - 9).

ص: 466

أما الطائفة الثالثة: وهم جل الصحابة رضي الله عنهم كسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وسلمة بن الأكوع وغيرهم

وهؤلاء اعتزلوا الفتنة اعتمادًا على أصل شرعي ثابت بنصوص صريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها أوامر عينية في حق المخاطبين بها، وهذا الأصل هو ترك القتال في الفتنة.

روى البخاري بسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي ومن تشَرَّف تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذًا فليَعُذ به» (1)، قال ابن حجر (2):«وفيه التحذير من الفتنة والحث على اجتناب الدخول فيها، وأن شرها يكون بحسب التعلق بها» اهـ.

وقد روى أبو نُعَيْم (336 - 430هـ) في الحلية عن ابن سيرين (ت. 110هـ) قال: «لما قيل لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ألا تقاتل؟ إنك من أهل الشورى، وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك؟ قال: لا أقاتل حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان يعرف المؤمن من الكافر، فقد جاهدت وأنا أعرف الجهاد» (3)، وفي زيادة رواها ابن عساكر في تاريخه والغزالي في الإحياء أن سعدًا رضي الله عنه ضرب لهم مثلًا وقال:«مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة (4)، فبينا هم كذلك يسيرون هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق والتبس عليهم، فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: الطريق ذات الشمال، فأخذوا فيه فتاهوا وضلوا، وقال الآخرون: كنا على الطريق حيث هاجت الريح، فننيخ (5)، فأناخوا، وأصبحوا، وذهبت الريح، وتبينت الطريق، فهؤلاء هم أهل الجماعة، قالوا: نلزم ما فارقنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه، ولا ندخل في شيء من الفتن حتى نلقاه» (6).

(1) البخاري، كتاب الفتن: 7081

(2)

ابن حجر: فتح الباري (13/ 31).

(3)

أبو نعيم الأصبهاني: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 94) عن ابن سيرين.

(4)

المحجة البيضاء الواضحة.

(5)

أي نبرك ونجلس.

(6)

تاريخ ابن عساكر (39/ 496) عن ميمون بن مهران، و (الإحياء) للغزالي (2/ 233)، واللفظ لابن عساكر.

ص: 467