الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):
ويُقصَد به المحاولات الساعية قديمًا وحديثًا إلى دمج جملة من الأديان والملل في دين واحد مستمد منها جميعًا، بحيث ينخلع أتباع تلك الأديان منها، وينخرطون في الدين الملفق الجديد.
وفرق ما بينه والاتجاه السابق، أن المناداة بـ (وحدة الأديان) تعني تصويب أوضاع قائمة ضمن أطرها الخاصة التي تميزها، بشرط عدم نفي أو استبعاد الآخرين، وربط تلك الوحدات المفردة بإطار عام يسوغ توجهاتها جميعًا. في حين أن (توحيد الأديان) تفعيل يقتضي إنهاء وحَلّ تلك الأوضاع السابقة ونسخها بوضع جديد، وإن كانت عناصره مأخوذة من حطام سابق.
ويميز الباحثون في تاريخ الملل بين لونين من ألوان الدمج والتوحيد، وهما: الالتقاطية، والتلفيقية:
فـ (الالتقاطية/إكلكتيسيزم Eclecticism): هي عملية دمج عناصر مختلفة دون محاولة إيجاد تنسيق منهجي بينها. ومثال ذلك في القديم، ما رواه أهل التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه في سبب نزول سورة الكافرون «أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هلُمَّ فلتعبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل الله عز وجل {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} » (1)، وعنه أيضًا: «قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم
…
فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح، تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة، ونحن نعبد إلهك سنة، فنزلت السورة» (2).
(1) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (19/ 533).
(2)
السابق (22/ 536).
ومثاله كذلك الديانة السيخية التي أسسها الجورو (1) ناناك (1469 - 1539م) في الهند في مطلع القرن السادس عشر، ودمج فيها بين الهندوسية والإسلام بقوله:«إن الله ليس هندوسيًا ولا مسلمًا، وأنا أسلك طريق الله» ، ثم ادعى لنفسه الرسالة (2).
ومثال ذلك في العصر الحديث الديانة (المونية Moonism) التي اخترعها الكوري الشمالي صن مايونج مون Sun Myung Moon في خمسينات القرن الماضي، وأسس لها كنيسة الاتحاد Unification Church، وادعى أنه هو المسيح المنتظر (3).
أما (التلفيقية/سينكريتيزم Syncretism): فهي عملية دمج عناصر مختلفة مع محاولة إيجاد تنسيق منهجي بينها. ومثال ذلك - فيما يراه الدكتور القاضي - جماعة (كريسلام Crislam) التي أسسها الأب الإسپاني إيميليو جاليندو آجيلار Emilio Galindo Aguilar في عام 1984م، فيقول (4):«يمكن أن نحسب محاولات الأب الإسپاني إيميليو غاليندو آغيلار ومجموعته التي كانت تسعى إلى الوصول إلى صيغة عقدية موحدة تتجاوز حدود (الإبراهيمية) التي جاء بها جارودي وغيره لتشمل سائر الوثنيات، ولكن ليس تحت شعار غير ديني كما صنع جارودي أيضًا باسم (الإنسانية) أو (المعنى)، وإنما النفاذ إلى (البؤر الدينية) لكل دين أو نحلة، التي ستكون واحدة، في حسبان غاليندو، وهي ألوهية المسيح، تعالى الله عما يقولون علوًا عظيمًا» اهـ (5).
وهذان الاتجاهان (الأول والثاني) ليسا هما مدار بحثنا (6)، وإنما مدار البحث ومحل الإشكال في:
(1) أي المُعَلِّم.
(2)
انظر، ويكيپيديا، الموسوعة الحرة Wikipedia، The Free Encyclopedia، مادة: Guru Nanak Dev.
(3)
للتوسع في مبحث المونية، انظر: د. أحمد القاضي: دعوة التقريب بين الأديان (3/ 1028) وما بعدها.
(4)
السابق (1/ 345).
(5)
للتوسع في مبحث الكريسلام، انظر السابق (3/ 939) وما بعدها.
(6)
للتوسع، أحيلك على دراسة الدكتور القاضي.