الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقل عن الإمام جعفر أن «تسعة أعشار الدين في التقية» (1).
وليتنا نتذكر قول الأستاذ سعيد حوى رحمه الله (1935 - 1989م)(2): «إن بعض من نفترض عندهم الوعي غاب عنهم الوعي فلم يدركوا خطر الخمينية، وإن بعض من نفترض عندهم العلم قصَّروا عن إبراز خطر الخمينية فكادت بذلك تضيع هذه الأمة» اهـ.
…
دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:
لو فتشنا في ذاكرة التاريخ، ووقفنا عند أحداث سنة 1364هـ/1944م، نجد أنه قد سبق هذا المجمع العالمي المشئوم تأسيس دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر، وقد دعا إلى تأسيسها محمد تقي القُمِّي الرافضي (ت. 1990م)، فيروي محب الدين الخطيب رحمه الله (1886 - 1969م) (3):«أول ما نلاحظه في هذا الأمر وفي كل أمر له علاقة بأكثر من طرف واحد أن من أقوى أسباب نجاحه أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين، أو الأطراف ذات العلاقة به. ونضرب بذلك مثلًا بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: فقد لوحظ أنه أنشأت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، وهذه الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي، وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها، فلم تسخ مثل هذا السخاء لإنشاء دار تقريب في طهران أو قم أو النجف أو جبل عامل أو غيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي» اهـ.
ولقد صدر عن هذه الدار مجلة دورية سميت (رسالة الإسلام) رأس تحريرها الشيخ محمد محمد المدني (1907 - ؟) عميد كلية الشريعة بالأزهر، وقد صدر العدد الأول منها في ربيع الأول عام 1368هـ ولم تكن منتظمة الصدور في آخر عهدها.
(1) انظر، الكليني: الأصول من الكافي (2/ 217).
(2)
سعيد حوى: الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف، ص (55).
(3)
محب الدين الخطيب: الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ص (7).
ولقد استطاع الروافض في ظل دعوة التقريب أن يقوموا بخداع الشيخ شلتوت رحمه الله (1893 - 1963م) شيخ الأزهر بالقول بأن مذهب الشيعة لا يفترق عن مذهب أهل السنة ويطلبوا منه أن يصدر فتوى بشأن جواز التعبد بالمذهب الجعفري، فاستجاب لهم وأصدر فتواه في عام 1368هـ بأنه «يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة
…
فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلًا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات» (3).
وكان من المفارقات المريبة أن أحد شيوخ الشيعة الذين ينادون بالوحدة الإسلامية - وهو محمد الخالصي (1888 - 1963م) - حينما سئل عن جواز التعبد بالمذاهب الأربعة (مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، أجاب:«والخلاصة أنه لا يجوز الدخول في مذهب من المذاهب الأربعة ولا تقليد أي ميت من الأموات ما لم يرجع إلى المجتهد الحي» (4).
(1) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 181 - 2).
(2)
وفي الكافي - مثلًا - اعتراف بأن الشيعة لم يعرفوا أحكام الحج ومسائل الحلال والحرام قبل الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (أبو جعفر الصادق) رحمهم الله؛ فعن أبي عبد الله أنه قال: «وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيَّن لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس» . [انظر، الكليني: الأصول من الكافي (2/ 20)].
(3)
انظر نص فتواه في مجلة (رسالة الإسلام) الصادرة عن دار التقريب، العدد الثالث من السنة الحادية عشرة (محرم 1379هـ/يوليو 1959م)، ص (227 - 8) تحت عنوان (فتوى تاريخية). ولقد أدرج الدكتور القفاري صورة ضوئية للنص الكامل للفتوى في: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، انظر (2/ 309).
(4)
أفتى بذلك في كتابه (التوحيد والوحدة)، تحت عنوان: استفتاء من البحرين: هل يجوز تقليد أحد أئمة المذاهب الأربعة؟، ص (33 - 4)، ط. دار النشر والطباعة العراقية، بغداد. ولقد أدرج الدكتور القفاري صورة ضوئية للفتوى في كتابه، انظر السابق (2/ 313).
ولكن لم يكتب لهذه الدار طول البقاء، وسرعان ما خبأ صوتها وخفت، فما كان السبب في ذلك؟ هل كما يقول تسخيري (2):«خبأ صوتها وخفت بموت أصحابها» ، أم لأن أصحابها المخلصين خابت آمالهم في الوصول إلى كلمة سواء، لما صار مفهوم التقريب في قانون الجماعة الحقيقي هو نشر التشيع والرفض في ديار السنة؟ فبعد ما كانت موضع أمل لهم منهم من ترك الجماعة بصمت ومنهم من أعلن عن ذلك، كأمثال الدكتور محمد البهي (1306 - 1392هـ) والشيخ طه محمد الساكت والشيخ عبد اللطيف محمد السبكي (ت. 1969م) وغيرهم (3).
يقول القفاري (4): «ويتتابع الأعضاء المخلصون في التخلي عن جماعة أرادت أن تنشر
(1) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 188 - 9).
(2)
انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.
(3)
انظر تعليق الشيخ محمد نصيف رحمه الله (1302 - 1391هـ) في خاتمة كتاب (الخطوط العريضة) لمحب الدين الخطيب، ص (61).
(4)
د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 184 - 5).
الرفض في ديار المسلمين باسم الوحدة والتقريب حتى وصف الشيخ محب الدين الخطيب ما آل إليه أمر دار التقريب وجماعة التقريب بقوله (1): "انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعي من استأجرها. ثم يذكر أنه لم يبق متعلقًا بعضويتها إلا فئة من المنتفعين ماديًا من وراء انتمائهم إلى هذه الدار وأن العلماء المخلصين من أهل السنة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة ودعوة التقريب التي يريدها الروافض فانفضوا عن هذه الدار وعن الألاعيب التي كان يراد إشراكهم في تمثيلها"، ثم يقول الخطيب:"فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة ولعل القائمين يضعون لها حدًا".
ولكن هذه المجلة (رسالة الإسلام) التي يشير الخطيب إلى استمرار صدورها ما لبثت أن توقفت بصدور آخر عدد في 17 رمضان 1392هـ وهو العدد (60).
وقد زرت الدار أثناء تحضيري لهذه الرسالة - 1399هـ - فوجدتها مهجورة من أعضائها ومن زوارها. ولا أثر فيها لأي نشاط، وقد لبثت أتردد على مكتبتها أيامًا فلا أرى أحدًا يؤمها.
ولما شعر الروافض بفشلها ويئسوا من نجاحها أنشأوا دارًا أخرى لنشر عقيدة الرافضة بين أهل السنة في مصر ولا تزال إلى هذا الوقت تمارس نشاطها بمختلف الأساليب وهي (جمعية أهل البيت)» اهـ.
إلا أنه قد توقف نشاط الجمعية في العام نفسه (1399هـ/1979م) بعد قيام الثورة الخمينية، حيث يذكر شيخهم صالح الورداني (2) أنه «في السبعينات ظهرت جمعية آل
(1) نقلًا عن مجلة (الفتح)، العدد (848)، العام السابع عشر، شوال 1366هـ.
(2)
وتجدر الإشارة إلى أن الورداني رغم إعلانه ترك مذهب التشيع في عام 2006م، حينما سأله مراسل (العربية. نت):«تقول إنك لم تعد شيعيًا فهل هذا معناه أنك عدت إلى المذهب السني؟» فأجاب: «أنا أنتقد الشيعة والسنة أيضًا. لقد أصبحت حاليًا خارج الساحتين السنية والشيعية، ولم أعد أعترف بأي منهما. أنا فقط اعترف بالقرآن الكريم وآل البيت، مع التأكيد على أن هناك فرقًا بين الشيعة والتشيع، كما هو الفرق بين الإسلام والمسلمين» ، وأضاف:«التشيع كمنهج هو منهج حق وتعبير حقيقي عن الدين، لكن الشيعة شيء آخر، هم جمهور ومجتمع يملك كل المقومات والسلبيات والتناقضات السائدة في أي مجتمع، والصراع السائد بين السنة والشيعة هو صراع تناقضات قائم على تناقضات الشيعة وليس تناقضات التشيع» اهـ[انظر حواره مع (العربية. نت)، بتاريخ 31/ 10/2006م].
البيت وكانت الظروف مساعدة لها في البداية إلا أنه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران انعكس موقف الحكومة المعادي لإيران عليها وصدر قرار بوقف نشاطها» (1).
ولكن لم تتوقف المساعي الرافضية عند هذا الحد، فلقد تأسس على أنقاض دار التقريب المجمع العالمي الحالي للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ فيذكر تسخيري أنه «بعد نجاح الثورة الإسلامية، وبعد الانتهاء من الانشغال بالحروب والحرب التي فرضها صدام على الجمهورية الإسلامية [1980 - 1988م](4)، يعني بدأت فكرة مواصلة رسالة دار التقريب في القاهرة وتم ذلك بإنشاء المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب
(1) صالح الورداني: الشيعة في مصر من الإمام علي إلى الإمام الخميني، ص (5).
(2)
السابق، ص (164 - 5).
(3)
ويقول مفتخرًا: «رُفِعَ الأذان من هذا المسجد بـ (حيَّ على خير العمل) لأول مرة في تاريخ مصر منذ سقوط الفاطميين» . [السابق، ص (168)].
(4)
ولقد دفع صدام حسين التكريتي (1937 - 2006م) ثمن هذه الحرب غاليًا صبيحة عيد الأضحى المبارك من عام 1427هـ/30 ديسمبر 2006م، حينما نفذ فيه رافضة العراق حكم الإعدام شنقًا بحبل أمريكي الصنع! في رسالة بالغة القسوة والحقد والإساءة للعالم الإسلامي السني. ولكنه خرق أسماع العالم أجمع بنطقه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، غفر الله له ورحمه.
الإسلامية، والهدف كما قلت هو إعادة الحالة إلى واقعها الطبيعي، يعني إعادة الأمة إلى عقلانيتها الأولى أيام أئمة المذاهب وأيام عصر الرسول عليه الصلاة والسلام» (1).
إضافة إلى أنه قد تم مؤخرًا إعادة افتتاح دار التقريب في مصر في مارس من عام 2007م، بعد توقف دام أكثر من خمسين عامًا، وتولى رئاستها الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، وتولى من الجانب الإيراني عبد الله القمني منصب الأمين العام للدار، كما تولى من سلطنة عمان من يمثل الإباضية (2) وهو أحمد بن سعود السيابي أمين عام دار الإفتاء في سلطنة عمان.
وفي خطوة تعد تدعيمًا لإحياء نشاط دار التقريب في مصر، شارك محمد الخاتمي رئيس إيران الأسبق في أول اجتماع (سني-شيعي) تعقده الدار بالقاهرة، وذلك في مساء الجمعة 30 مارس 2007م، حيث قال:«إن التقريب يعد نعمة متجددة، وإحياء دار التقريب بمصر له أهمية كبرى» .
ومن جانبه دعا محمود عاشور - رئيس الدار - إلى عدم الفصل بين مساجد السنة والشيعة بقوله: «إن تخصيص مساجد للسنة وأخرى للشيعة يعمق الهوة والفرقة، لكن إذا اجتمعنا معًا وصلينا معًا فإننا سنتقارب وسنتحاب وسنتآزر، فليتنا نجتمع في مساجد واحدة» .
قلت: رحمك الله وهداك! فما العمل إذن وقد أفتى إمامهم الخميني أن من مبطلات الصلاة: «التكفير، وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يصنعه غيرنا، وهو مبطل عمدًا على الأقوى لا سهوًا، وإن كان الأحوط فيه الإعادة، ولا بأس
(1) انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.
(2)
الإباضية، كما تعرِّفها (الموسوعة الميسرة):«هي إحدى فرق الخوارج، وتنسب إلى مؤسسها عبد الله بن إباض التميمي، ويدعي أصحابها أنهم ليسوا خوارج، وينفون عن أنفسهم هذه النسبة، والحقيقة أنهم ليسوا من غلاة الخوارج كالأزارقة مثلًا، ولكنهم يتفقون مع الخوارج في مسائل عديدة منها: أن عبد الله بن إباض يعتبر نفسه امتدادًا للمحكمة الأولى من الخوارج، كما يتفقون مع الخوارج في تعطيل الصفات، والقول بخلق القرآن، وتجويز الخروج على أئمة الجور» . [انظر، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة (1/ 58 - 63)].
به حال التقية» (1)، والعجب كل العجب أنهم يبطلونها بذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل الإفطار وأن نؤخر السحور وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا» (2).
ولقد أضاف الشيخ عاشور أن «أعداء الإسلام لا يفرقون بين سنة وشيعة، وهذا يقتضي منا جميعًا أن نعمل دائمًا لرأب الصدع بين السنة والشيعة إن كان هناك صدع» ، وهذا جوابه يأتي في ثنايا البحث.
أما تسخيري، وقد أطلنا النفَس معه!، فقد اعتبر أن «القاهرة هي أصل وأم التقريب، وأن المجمع [العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران] على استعداد لأن يكون امتدادًا وفرعًا جديدًا لها» (3).
إلا أنه في خبر نشرته صحيفة (المصريون) في 9/ 1/2010م، جاء على لسان محمود عاشور قوله:«إن هيئة التقريب بين السنة والشيعة أصيبت بالفشل والعجز في أداء مهمتها رغم عدم وجود خلافات جوهرية بين المذهبين خاصة أن الخلاف الفقهي يتركز في الفروع وليس في جوهر الدين والعقيدة» اهـ.
ولا مزيد تعليق على الكلام، حيث سنستفيض في مناقشة هذه الخلافات (الفرعية) في الباب الثاني من بحثنا ..
…
(1) الخميني: تحرير الوسيلة (1/ 166)، كتاب الصلاة، باب القول في مبطلات الصلاة.
(2)
رواه الطبراني في (الكبير)(11/ 7)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع): 2286
(3)
وفق ما نقله موقع (إسلام أون لاين. نت)، بتاريخ 31/ 3/2007م. www.islamonline.net