المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

نقل عن الإمام جعفر أن «تسعة أعشار الدين في التقية» (1).

وليتنا نتذكر قول الأستاذ سعيد حوى رحمه الله (1935 - 1989م)(2): «إن بعض من نفترض عندهم الوعي غاب عنهم الوعي فلم يدركوا خطر الخمينية، وإن بعض من نفترض عندهم العلم قصَّروا عن إبراز خطر الخمينية فكادت بذلك تضيع هذه الأمة» اهـ.

‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

لو فتشنا في ذاكرة التاريخ، ووقفنا عند أحداث سنة 1364هـ/1944م، نجد أنه قد سبق هذا المجمع العالمي المشئوم تأسيس دار للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مصر، وقد دعا إلى تأسيسها محمد تقي القُمِّي الرافضي (ت. 1990م)، فيروي محب الدين الخطيب رحمه الله (1886 - 1969م) (3):«أول ما نلاحظه في هذا الأمر وفي كل أمر له علاقة بأكثر من طرف واحد أن من أقوى أسباب نجاحه أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين، أو الأطراف ذات العلاقة به. ونضرب بذلك مثلًا بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: فقد لوحظ أنه أنشأت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، وهذه الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي، وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها، فلم تسخ مثل هذا السخاء لإنشاء دار تقريب في طهران أو قم أو النجف أو جبل عامل أو غيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي» اهـ.

ولقد صدر عن هذه الدار مجلة دورية سميت (رسالة الإسلام) رأس تحريرها الشيخ محمد محمد المدني (1907 - ؟) عميد كلية الشريعة بالأزهر، وقد صدر العدد الأول منها في ربيع الأول عام 1368هـ ولم تكن منتظمة الصدور في آخر عهدها.

(1) انظر، الكليني: الأصول من الكافي (2/ 217).

(2)

سعيد حوى: الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف، ص (55).

(3)

محب الدين الخطيب: الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ص (7).

ص: 68

يقول الدكتور ناصر القفاري (1): «ومن الملاحظ أنهم اهتموا بنشر كتب الفقه بالذات وبدأوا بالفروع قبل الأصول مع أن الفرقة الكبرى هي في مسائل الأصول والعقيدة، أما قضايا الفقه فهم وإن كان لهم في كل باب من أبواب الفقه شواذ غريبة إلا أن معظم مسائل أبواب الفقه يشتركون فيها مع أهل السنة لأنه لا فقه لهم إلا ما أخذوه عن طريق أهل السنة (2)، وبالتشابه الفقهي يصطادون بعض المغفلين» .

ولقد استطاع الروافض في ظل دعوة التقريب أن يقوموا بخداع الشيخ شلتوت رحمه الله (1893 - 1963م) شيخ الأزهر بالقول بأن مذهب الشيعة لا يفترق عن مذهب أهل السنة ويطلبوا منه أن يصدر فتوى بشأن جواز التعبد بالمذهب الجعفري، فاستجاب لهم وأصدر فتواه في عام 1368هـ بأنه «يجوز التعبد به شرعًا كسائر مذاهب أهل السنة

فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلًا للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقرونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات» (3).

وكان من المفارقات المريبة أن أحد شيوخ الشيعة الذين ينادون بالوحدة الإسلامية - وهو محمد الخالصي (1888 - 1963م) - حينما سئل عن جواز التعبد بالمذاهب الأربعة (مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد)، أجاب:«والخلاصة أنه لا يجوز الدخول في مذهب من المذاهب الأربعة ولا تقليد أي ميت من الأموات ما لم يرجع إلى المجتهد الحي» (4).

(1) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 181 - 2).

(2)

وفي الكافي - مثلًا - اعتراف بأن الشيعة لم يعرفوا أحكام الحج ومسائل الحلال والحرام قبل الإمام الباقر محمد بن علي بن الحسين (أبو جعفر الصادق) رحمهم الله؛ فعن أبي عبد الله أنه قال: «وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى كان أبو جعفر ففتح لهم وبيَّن لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتى صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس» . [انظر، الكليني: الأصول من الكافي (2/ 20)].

(3)

انظر نص فتواه في مجلة (رسالة الإسلام) الصادرة عن دار التقريب، العدد الثالث من السنة الحادية عشرة (محرم 1379هـ/يوليو 1959م)، ص (227 - 8) تحت عنوان (فتوى تاريخية). ولقد أدرج الدكتور القفاري صورة ضوئية للنص الكامل للفتوى في: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة، انظر (2/ 309).

(4)

أفتى بذلك في كتابه (التوحيد والوحدة)، تحت عنوان: استفتاء من البحرين: هل يجوز تقليد أحد أئمة المذاهب الأربعة؟، ص (33 - 4)، ط. دار النشر والطباعة العراقية، بغداد. ولقد أدرج الدكتور القفاري صورة ضوئية للفتوى في كتابه، انظر السابق (2/ 313).

ص: 69

يقول القفاري (1): «وعلى الرغم من قيام الشيعة بتأسيس دار التقريب ومجلتها وجماعتها واستجابة بعض علماء الأزهر لفكرتهم لم نر لهذه الدعوة لهذا التقارب أي أثر بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير الكاذب لما كان بين الصحابة من خلاف، ولا تزال مطابع الروافض تقذف سنويًا بعشرات الكتب التي تحمل اللعن والتكفير والتخليد بالنار لخير القرون. وقد بعث أحد القراء المؤمنين بفكرة التقريب برسالة إلى شلتوت بعد إصداره لفتواه يذكر له ما ينشر في بلاد الشيعة من كتب لا تتفق ودعوة التقريب ويدعوهم لأن يجدوا لذلك حلًا، فأجابه شلتوت: "يمكنكم أن ترجعوا إلى مجلة (رسالة الإسلام) لتروا فيها ما يشفي الغلة ويطمئن القلوب إن شاء الله تعالى". وهو جواب يشبه فتواه في الشذوذ والغرابة» اهـ.

ولكن لم يكتب لهذه الدار طول البقاء، وسرعان ما خبأ صوتها وخفت، فما كان السبب في ذلك؟ هل كما يقول تسخيري (2):«خبأ صوتها وخفت بموت أصحابها» ، أم لأن أصحابها المخلصين خابت آمالهم في الوصول إلى كلمة سواء، لما صار مفهوم التقريب في قانون الجماعة الحقيقي هو نشر التشيع والرفض في ديار السنة؟ فبعد ما كانت موضع أمل لهم منهم من ترك الجماعة بصمت ومنهم من أعلن عن ذلك، كأمثال الدكتور محمد البهي (1306 - 1392هـ) والشيخ طه محمد الساكت والشيخ عبد اللطيف محمد السبكي (ت. 1969م) وغيرهم (3).

يقول القفاري (4): «ويتتابع الأعضاء المخلصون في التخلي عن جماعة أرادت أن تنشر

(1) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 188 - 9).

(2)

انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.

(3)

انظر تعليق الشيخ محمد نصيف رحمه الله (1302 - 1391هـ) في خاتمة كتاب (الخطوط العريضة) لمحب الدين الخطيب، ص (61).

(4)

د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 184 - 5).

ص: 70

الرفض في ديار المسلمين باسم الوحدة والتقريب حتى وصف الشيخ محب الدين الخطيب ما آل إليه أمر دار التقريب وجماعة التقريب بقوله (1): "انفض المسلمون جميعًا من حول دار التخريب التي كانت تسمى دار التقريب ومضى عليها زمن طويل والرياح تصفر في غرفها الخالية تنعي من استأجرها. ثم يذكر أنه لم يبق متعلقًا بعضويتها إلا فئة من المنتفعين ماديًا من وراء انتمائهم إلى هذه الدار وأن العلماء المخلصين من أهل السنة انكشف لهم المستور من حقيقة دين الرافضة ودعوة التقريب التي يريدها الروافض فانفضوا عن هذه الدار وعن الألاعيب التي كان يراد إشراكهم في تمثيلها"، ثم يقول الخطيب:"فلم يبق موضع عجب إلا استمرار النشر الخادع في تلك المجلة ولعل القائمين يضعون لها حدًا".

ولكن هذه المجلة (رسالة الإسلام) التي يشير الخطيب إلى استمرار صدورها ما لبثت أن توقفت بصدور آخر عدد في 17 رمضان 1392هـ وهو العدد (60).

وقد زرت الدار أثناء تحضيري لهذه الرسالة - 1399هـ - فوجدتها مهجورة من أعضائها ومن زوارها. ولا أثر فيها لأي نشاط، وقد لبثت أتردد على مكتبتها أيامًا فلا أرى أحدًا يؤمها.

ولما شعر الروافض بفشلها ويئسوا من نجاحها أنشأوا دارًا أخرى لنشر عقيدة الرافضة بين أهل السنة في مصر ولا تزال إلى هذا الوقت تمارس نشاطها بمختلف الأساليب وهي (جمعية أهل البيت)» اهـ.

إلا أنه قد توقف نشاط الجمعية في العام نفسه (1399هـ/1979م) بعد قيام الثورة الخمينية، حيث يذكر شيخهم صالح الورداني (2) أنه «في السبعينات ظهرت جمعية آل

ص: 71

البيت وكانت الظروف مساعدة لها في البداية إلا أنه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران انعكس موقف الحكومة المعادي لإيران عليها وصدر قرار بوقف نشاطها» (1).

يقول (2): «صدر قرار الحكومة بوقف الجمعية في عام 79، أي إن الجمعية لم تمكث على الساحة سوى ستة أعوام بدأت في 22/ 8/73 وانتهت في 2/ 12/79 .. وجاء في قرار الوقف أن الجمعية تمثل خطورة على عقائد الناس ووحدة صفوفهم ببث أفكار غريبة تخالف الدين الإسلامي وتؤيد الفكر الشيعي. وهذا يعني أن الجمعية ارتكبت المخالفة التي تبيح حلها حسب قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة الذي ينص على أنه يجوز حل الجمعية في حالة مخالفة جسيمة للقانون أو إذا خالفت النظام العام والآداب .. ولم يقف الحد عند إيقاف الجمعية فقط بل تم مصادرة المسجد الوحيد التابع للجمعية والذي كان يحمل اسم (مسجد آل البيت) وضُم إلى مساجد الحكومة» اهـ (3).

ولكن لم تتوقف المساعي الرافضية عند هذا الحد، فلقد تأسس على أنقاض دار التقريب المجمع العالمي الحالي للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ فيذكر تسخيري أنه «بعد نجاح الثورة الإسلامية، وبعد الانتهاء من الانشغال بالحروب والحرب التي فرضها صدام على الجمهورية الإسلامية [1980 - 1988م](4)، يعني بدأت فكرة مواصلة رسالة دار التقريب في القاهرة وتم ذلك بإنشاء المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب

(1) صالح الورداني: الشيعة في مصر من الإمام علي إلى الإمام الخميني، ص (5).

(2)

السابق، ص (164 - 5).

(3)

ويقول مفتخرًا: «رُفِعَ الأذان من هذا المسجد بـ (حيَّ على خير العمل) لأول مرة في تاريخ مصر منذ سقوط الفاطميين» . [السابق، ص (168)].

(4)

ولقد دفع صدام حسين التكريتي (1937 - 2006م) ثمن هذه الحرب غاليًا صبيحة عيد الأضحى المبارك من عام 1427هـ/30 ديسمبر 2006م، حينما نفذ فيه رافضة العراق حكم الإعدام شنقًا بحبل أمريكي الصنع! في رسالة بالغة القسوة والحقد والإساءة للعالم الإسلامي السني. ولكنه خرق أسماع العالم أجمع بنطقه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، غفر الله له ورحمه.

ص: 72

الإسلامية، والهدف كما قلت هو إعادة الحالة إلى واقعها الطبيعي، يعني إعادة الأمة إلى عقلانيتها الأولى أيام أئمة المذاهب وأيام عصر الرسول عليه الصلاة والسلام» (1).

إضافة إلى أنه قد تم مؤخرًا إعادة افتتاح دار التقريب في مصر في مارس من عام 2007م، بعد توقف دام أكثر من خمسين عامًا، وتولى رئاستها الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، وتولى من الجانب الإيراني عبد الله القمني منصب الأمين العام للدار، كما تولى من سلطنة عمان من يمثل الإباضية (2) وهو أحمد بن سعود السيابي أمين عام دار الإفتاء في سلطنة عمان.

وفي خطوة تعد تدعيمًا لإحياء نشاط دار التقريب في مصر، شارك محمد الخاتمي رئيس إيران الأسبق في أول اجتماع (سني-شيعي) تعقده الدار بالقاهرة، وذلك في مساء الجمعة 30 مارس 2007م، حيث قال:«إن التقريب يعد نعمة متجددة، وإحياء دار التقريب بمصر له أهمية كبرى» .

ومن جانبه دعا محمود عاشور - رئيس الدار - إلى عدم الفصل بين مساجد السنة والشيعة بقوله: «إن تخصيص مساجد للسنة وأخرى للشيعة يعمق الهوة والفرقة، لكن إذا اجتمعنا معًا وصلينا معًا فإننا سنتقارب وسنتحاب وسنتآزر، فليتنا نجتمع في مساجد واحدة» .

قلت: رحمك الله وهداك! فما العمل إذن وقد أفتى إمامهم الخميني أن من مبطلات الصلاة: «التكفير، وهو وضع إحدى اليدين على الأخرى نحو ما يصنعه غيرنا، وهو مبطل عمدًا على الأقوى لا سهوًا، وإن كان الأحوط فيه الإعادة، ولا بأس

ص: 73

به حال التقية» (1)، والعجب كل العجب أنهم يبطلونها بذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نعجل الإفطار وأن نؤخر السحور وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا» (2).

ولقد أضاف الشيخ عاشور أن «أعداء الإسلام لا يفرقون بين سنة وشيعة، وهذا يقتضي منا جميعًا أن نعمل دائمًا لرأب الصدع بين السنة والشيعة إن كان هناك صدع» ، وهذا جوابه يأتي في ثنايا البحث.

أما تسخيري، وقد أطلنا النفَس معه!، فقد اعتبر أن «القاهرة هي أصل وأم التقريب، وأن المجمع [العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في طهران] على استعداد لأن يكون امتدادًا وفرعًا جديدًا لها» (3).

إلا أنه في خبر نشرته صحيفة (المصريون) في 9/ 1/2010م، جاء على لسان محمود عاشور قوله:«إن هيئة التقريب بين السنة والشيعة أصيبت بالفشل والعجز في أداء مهمتها رغم عدم وجود خلافات جوهرية بين المذهبين خاصة أن الخلاف الفقهي يتركز في الفروع وليس في جوهر الدين والعقيدة» اهـ.

ولا مزيد تعليق على الكلام، حيث سنستفيض في مناقشة هذه الخلافات (الفرعية) في الباب الثاني من بحثنا ..

(1) الخميني: تحرير الوسيلة (1/ 166)، كتاب الصلاة، باب القول في مبطلات الصلاة.

(2)

رواه الطبراني في (الكبير)(11/ 7)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع): 2286

(3)

وفق ما نقله موقع (إسلام أون لاين. نت)، بتاريخ 31/ 3/2007م. www.islamonline.net

ص: 74