الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيصل معظمها إليها. والعربات متشابهة حتى مع اختلاف ألوانها والمواد المصنوعة منها. غير أن لكل منها عجلات أربع، وتجرها جميعًا الخيول، وبداخل كل منها عائلة يساورها الأمل، وتدعو أن تكون الرحلة رحلة آمنة. ولن تؤخذ الاختلافات الظاهرة بين حالة العربات على أنها تعكس اختلافات دائمة وحتمية بين ركابها، وإنما سينظر إليها باعتبارها نتيجة لاختلاف مواقعها على طول الطريق» اهـ.
…
العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:
في عالم ما بعد الحرب الباردة، حيث تحول النظام العالمي من (الثنائية القطبية Bipolar Order) الأمريكية-السوفيتية، إلى (الأحادية القطبية Unipolar Order) الأمريكية، وجدت الولايات المتحدة نفسها منفردة بسلطة القرار السياسي الدولي، وأضحت تعاني من انفراط القوة أو مما يطلق عليه القوة الخارقة Super Power، أو Hyperpuissance، بحسب المفهوم الذي طرحه وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين Hubert Védrine في وصفه للولايات المتحدة (1).
ولقد فسَّر الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون Bill Clinton نهاية الحرب الباردة على أنها «دلالة على (اكتمال الزمن)، في إشارة توراتية إلى اللحظة التي اختار الله فيها تحول التاريخ. ولأن القرن العشرين الملطخ بالدماء كان يشارف - وقتذاك - على نهايته، في حين أن الوعد الإلهي بنشر السلام على الأرض لم يتحقق، فإن أعضاء السياسة الخارجية الأمريكية وبينهم كلينتون نفسه، رأوا لهذا السبب أنه أصبح لزامًا على الولايات المتحدة الأمريكية الآن، بما أنها ارتقت لمصاف القوة العظمى الوحيدة، إكمال عمل الله، أو - كما يفضل أعضاء من النخبة الأمريكية المتعلمنة القول - أن تقود التاريخ نحو وجهته المقصودة» (2).
(1) انظر، د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (54، 102).
(2)
محمد النقيد: نظرية نهاية التاريخ، ص (82 - 3) بتصرف يسير.
أضف إلى هذا أن النموذج الأمريكي للديمقراطية الليبرالية تميز عن نظيره الأوروپي بخاصية مهمة تتمثل في قدرته على الاحتفاظ بنقائه الكامل، وذلك لجملة من العوامل، أبرزها - كما يذكر النقيد - اختلاف التطور التاريخي الذي خضعت له الولايات المتحدة الأمريكية بالقياس إلى التطور التاريخي الذي شهدته الدول الأوروپية؛ فالولايات المتحدة لم تعرف المشكلات التي ترتبت على وجود الإقطاع، وتخلخل المجتمعات الزراعية وسيادة البيروقراطية كما حصل في الدول الأوروپية.
إن الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها بمنأى عن هذه المشكلات، وبالتالي بمنأى عن الصراع الاجتماعي، مما سمح لها بالبقاء نقية بكل خصائصها الليبرالية الصرفة، وربما هذا هو الذي جعل الولايات المتحدة تعتز بديمقراطيتها وتستهين، في المقابل، بأشكال الديمقراطية الأخرى بما فيها الديمقراطية الپرلمانية الشائعة في دول غرب أوروپا. وهذا الاعتزاز يتضاعف مع استجابة ديمقراطيتها للِّيبرالية الاقتصادية التي تحظى لديها بحضور أعظم.
(1) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (102) باختصار.
هذه الأمور مجتمعة أسهمت في حفز الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض نموذجها الخاص للديمقراطية الليبرالية في التعامل الدولي، وذلك عبر سياستها الخارجية، على اعتبار أن هذا يندرج في إطار الخروج بالقيم السياسية الأمريكية إلى خارج الحدود الوطنية ونشرها عالميًا، وهو ما يتسق مع تطلعات الشعب الأمريكي؛ إذ إنه ليس هناك من إيمان، فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية، أكثر عمقًا في النفوس من الإيمان الذي عبر عنه نيل لويس Neil Lewis، المراسل الديپلوماسي لجريدة (النيويورك تايمز The New York Times)، بقوله:«إن التوق لرؤية الديمقراطية على الأسلوب الأمريكي وهي تستنسخ في أرجاء العالم كان محورًا دائمًا في السياسة الخارجية الأمريكية» (1).
بيد أن توجهات السياسة الأمريكية تبدو أعقد من مجرد توصيل رسالة أيديولوچية بسيطة، ويمكن ملاحظة ذلك في ربط الأمن القومي الأمريكي بتنمية الديمقراطية الليبرالية في العالم، وربط هذه الأخيرة بالحفاظ على المصالح الأمريكية، وبهذا بات أمن الولايات المتحدة يعني ضمان مصالحها العالمية بضمان الديمقراطية عالميًا من كل خطر.
وفي ضوء ذلك، أضحت الديمقراطية والدفاع عنها هي الشعار المرفوع مرارًا من قبل واشنطن لتسويغ و (تسويق) أي تدخل أمريكي مباشر أو غير مباشر، في عالم ما بعد الحرب الباردة بدءًا من العراق مرورًا بهاييتي والصومال وكوسوفا وصولًا إلى أفغانستان ثم العراق مجددًا (2).
ولكن رغم أن الجهات الرسمية في الولايات المتحدة تنفي أي تبنٍّ مباشر أو غير مباشر لنظرية فرانسيس فوكوياما، فإن هذا النفي- في الواقع - لا يعتد به من الناحية العملية (3).
وقد عبر الرئيس چورچ بوش (الابن) George W. Bush أكثر من مرة عن هذا
(1) محمد النقيد: نظرية نهاية التاريخ، ص (76 - 8) باختصار وتصرف يسير.
(2)
السابق، ص (98).
(3)
السابق، ص (79).