الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبعدهم عن الطهارة وأوغلهم في النجاسات والدنس؛ يقول الراهب أثاناسيوس Athanasius of Alexandria [293 - 373 م]: إن الراهب أنتوني Anthony of Egypt [251 - 356 م] لم يقترف إثم (!) غسل الرجلين طول عمره، وكان الراهب إبراهام Abraham the Poor [ت. 372م] لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين سنة. وكانت بعض الراهبات ترتجفن عند ذكر الاغتسال، وقال الراهب الاكسندر Alexander بعد زمن متلهفًا:"وا أسفاه! لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه حرامًا فإذا بنا الآن ندخل الحمامات"، ولقد ظل الراهب سيمون Simon طيلة عام كامل واقفًا على ساق واحدة وقد ملئت الساق الأخرى بتقرحات بشعة المنظر، وكان يقف صاحبه بجانبه يلتقط الديدان التي كانت تسقط من جسده ويضعها في تلك القرح، وكان سيمون يخاطب الديدان قائلًا لها:"كلي ما قد أعطاك الله"
…
». ومن يطالع تراجم هؤلاء وأمثالهم في المراجع المختصة، يتعجب من وصفها لهؤلاء (الأقذار) بالقديسين Saints!! {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1).
الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:
أما عن الكنيسة، فلقد جَنَت أرباحًا كبيرة جدًا بوساطة تكييف عقيدتها وبتبني عقائد رائجة؛ ففي عام 319م أصدر قسطنطين قانونًا أعفى فيه رجال اللاهوت من دفع الضرائب أو من الخدمة في الجيش، وفي عام 355م أعفى الأساقفة من المحاكمة مطلقًا في محاكم مدنية، وفي عام 380م أصدر الإمپراطور ثيودوسيوس Theodosius I (347 - 395 م) مرسومًا جاء فيه:«نحن سوف نؤمن بإله واحد؛ هو الآب والابن والروح القدس، تحت فكرة جلالة متساوية وبثالوث مقدس، نحن نأمر الأشخاص الذين سوف يتبعون هذا القانون، سوف ينالون اسم مسيحيين كاثوليك، أما البقية فهم - على كل حال - الذين حكمنا بأنهم بلا عقل وحمقى، سوف يكابدون من وصمة العقائد الهرطقية، ولن تتسلم أماكن اجتماعهم اسم كنائس، ولسوف يُضرَبون أولًا بالانتقام الرباني، وثانيًا بعقوبتنا الأولية التي سوف نمارسها وفقًا للأحكام الربانية» .
(1) البقرة: 222
وكان من خلال المناورة السياسية أن ربحت الكنيسة مكانتها بمثابة ديانة رسمية للإمپراطورية الرومانية، وما رافق ذلك من سلطة مدنية وامتيازات (1).
وطالما حاولت الكنيسة أن تسند وجودها وسلطانها إلى المسيح عليه السلام، إما بتأويل كلمات قالها بالفعل تأويلًا يناسب أهدافها، وإما باختراع كلمات لم يقلها وإلصاقها به، كما فعلت في قضية البنوة والتأليه، وإعطاء قانون قيصر شرعية كشريعة الله. فزعمت الكنيسة أن المسيح قال لبطرس كبير الحواريين:«أنت بطرس (2)، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات» (3).
ولقد رتبت الكنيسة على هذا الزعم أن المكان الذى مات فيه بطرس - وهو روما - لا بد أن يكون مقرًا للنفوذ الديني الذي يبسط ذراعيه على الأرض كلها ممثلًا في
(1) هيلين إيليربي: الجانب المظلم في التاريخ المسيحي، ص (42 - 3) باختصار.
(2)
يقول يواكيم پرنز: «وكان بطرس يدعى شمعون، وهو اسم يهودي قديم، لكن تحوله ومنصبه الجديد استدعى تسميته باسم جديد، وقد رأينا من قبل أن الطفل عندما يعمد يعطى له اسم جديد، حتى في التقاليد اليهودية يعد الاسم مقدسًا؛ فهو يشكل ويوضح مصير الشخص واتجاهه
…
وهكذا أصبح شمعون يدعى سيفاس، وهي عبارة آرامية تعني الصخرة، وعليه ترجم اسمه إلى اللاتينية والإغريقية باسم پيترا، أي الصخرة، وطبقًا لإنجيل مرقس نرى أنه عندما اعترف شمعون بن يوحنا بيسوع الناصري وآمن به بأنه المسيح الرب الحي، التفت إليه يسوع وقال:"إنك أنت بطرس [الصخرة]، على هذه الصخرة أبني كنيستي"
…
». [يواكيم پرنز: بابوات يهود من جيتو روما، ص (63)].
(3)
متى 16: 18 - 19
(4)
د. سفر الحوالي: العلمانية، نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، ص (83).