المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رابعا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌رابعا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

عمرو وأبي موسى وأيامهما في الإسلام ومكانتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وموضعهما من ثقة الفريقين بهما واختيارهما من بين السادة القادة المجرَّبين» اهـ.

‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

يتلخص موقف أهل السنة والجماعة في وجوب الكف عمَّا شجر بين الصحابة، والاشتغال بنشر فضائلهم وإذاعة مناقبهم في العالمين، قال ابن كثير (1):«سُئِلَ الإمام أحمد عما جرى بين علي ومعاوية فقرأ {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) [وكذا نُقِلَ عن غير واحد من السلف]، وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية، فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليًا، فقال له أبو زرعة: ويحك، إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيشٍ دخولك أنت بينهما؟ رضي الله عنهما» .

وسُئِل بعضهم أيضًا فقال: «تلك دماء قد طهَّر الله منها يدي، فلا أخضب بها لساني» (3).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: «الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. ثم قرأ:{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (4)، قال: فهؤلاء المهاجرون، وهذه منزلة قد مضت، {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5)، قال: هؤلاء الأنصار، وهذه منزلة قد مضت. ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا

(1) ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 130) بتصرف يسير.

(2)

البقرة: 134

(3)

القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (19/ 383).

(4)

الحشر: 8

(5)

الحشر: 9

ص: 479

بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (1)، قال: قد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت. يقول: أن تستغفروا لهم» (2).

وقال القرطبي (3): «لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبِّهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم» .

وقال (4): «قال المحاسبي [ت. 243هـ]: فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم. وقد سُئِل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا، قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عندما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيًا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل، إذ كانوا غير متهمين في الدين، ونسأل الله التوفيق» .

وقال ابن تيمية (5): «وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله تعالى يغفر لهم بالتوبة، ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية، أو بغير ذلك من الأسباب، قال تعالى: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ. لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6)» .

وقال الذهبي (7): «كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم - رضي الله

(1) الحشر: 10

(2)

ابن تيمية: الصارم المسلول، ص (449).

(3)

القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (19/ 382).

(4)

السابق.

(5)

ابن تيمية: مجموع الفتاوى (35/ 69).

(6)

الزمر: 33 - 35

(7)

الذهبي: سير أعلام النبلاء (10/ 92).

ص: 480

عنهم - أجمعين، وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا فينبغي طيه وإخفاؤه بل إعدامه لتصفو القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من الهوى بشرط أن يستغفر لهم كما علَّمنا الله تعالى».

ورحم الله الإمام أبا حاتم بن حبان (ت. 354هـ) إذ يقول (1): «الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن من اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه، وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه» اهـ.

ونؤمن أن كلا الفريقين كان على الحق، وكلاهما مثاب، بدليل الآتي:

- كلا الفريقين كان مجتهدًا، متأولًا، عالمًا، لا متبعًا لهوى، ولا قاصدًا معصية، ولا محض دنيا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر» (2).

- قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق» (3)، فهذا دليل على أن كلا الفريقين كان على الحق ولكن أحدهما كان أقرب

(1) ابن حبان البُستي: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، باب الزجر عن التجسس وسوء الظن.

(2)

رواه البخاري، باب الاعتصام بالكتاب والسنة:7352. وقال محيي السنة البغوي رحمه الله (436 - 516هـ) تعليقًا على الحديث: «وقوله في الحديث: "وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" لم يُرِد أنه يؤجر على الخطأ، بل يؤجر في اجتهاده في طلب الحق، لأن اجتهاده عبادة، والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يألُ جهدَه، وهذا فيمن كان جامعًا لآلة الاجتهاد، فأما من لم يكن محلًا للاجتهاد فهو متكلف لا يُعذَر بالخطأ في الحكم، بل يُخاف عليه أعظم الوزر، روي عن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة، فرجل عرف الحق فقضى به. ورجل عرف الحق، فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار"» اهـ[البغوي: شرح السنة (10/ 117)، والحديث رواه أبو داود، كتاب الأقضية: 3573، وصححه الألباني].

(3)

رواية مسلم، كتاب الزكاة: 1065

ص: 481

للحق من الآخر، ولما كان يوم النهروان (38هـ) وانتصر علي رضي الله عنه على الخوارج، صار يبحث رضي الله عنه في القتلى عن ذا الثدية - والذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في رواية أخرى (1) -، حتى وجده فيهم، وسجد لله شكرًا إذ علم أنه أولى الطائفتين بالحق. أيضًا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضي الله عنه:«تقتلك الفئة الباغية» (2)، وكان عمار في جيش علي رضي الله عنه يوم صِفِّين، والذي قتله من جيش معاوية رضي الله عنه لم يكن صحابيًا.

- وقال صلى الله عليه وسلم عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: «شهيد يمشي على وجه الأرض» (3)، وقد قُتل رضي الله عنه يوم الجمل بسهم غير مقصود أصابه في قدمه مكان إصابة قديمة فمات منها رضي الله عنه.

- وسأل ابن عباس علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: «إلى أين يدخل قاتل ابن صفية؟ قال: النار» (4)، وفي رواية أنه قال:«بشر قاتل ابن صفية بالنار» ، ثم قال:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن لكل نبي حواريًا، وحواريَّ الزبير» (5). ومعلوم أن طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة، ومعلوم أيضًا أنهما كانا في فريق معاوية رضي الله عنه، فكيف يبشرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة إن لم يكونا على حق؟

- قال الله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (6)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (7): «فقد جعلهم مع وجود الاقتتال والبغي مؤمنين إخوة، بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين. وليس كل ما كان

(1) رواه مسلم، كتاب الزكاة: 1066

(2)

رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة: 2916

(3)

رواه ابن ماجه، كتاب المقدمة: 125، وصححه الألباني.

(4)

صحيح، أورده ابن حجر في (الإصابة)(2/ 216)، وقد قتله يوم الجمل رجل يقال له ابن جرموز، كما يذكر ابن حجر في الرواية ذاتها عن ابن عباس أنه قال للزبير يوم الجمل:«أجئت تقاتل ابن عبد المطلب؟ قال: فرجع الزبير فلقيه ابن جرموز فقتله، قال: فجاء ابن عباس إلى علي فقال: إلى أين يدخل قاتل ابن صفية؟ قال: النار» ، ومعلوم أن ابن جرموز هذا لم يكن صحابيًا.

(5)

المسند (1/ 89)، وإسناده حسن.

(6)

الحجرات: 9 - 10

(7)

ابن تيمية: مجموع الفتاوى (35/ 72).

ص: 482

بغيًا وظلمًا أو عدوانًا يخرج عموم الناس عن الإيمان، ولا يوجب لعنتهم، فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون؟!»، ثم قال رحمه الله:«وحديث: إذا اقتتل خليفتان فأحدهما ملعون، كذب مفترى، لم يروه أحد من أهل علم الحديث، ولا هو في شيء من دواوين الإسلام المعتمدة» .

- أما قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» (1)، ففيه قال الإمام النووي (2):«اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض دنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيبًا وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. وعلي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب، هذا مذهب أهل السنة، وكانت القضايا مشتبهة حتى إن جماعة من الصحابة تحيروا فيها فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا، ولم يتيقنوا الصواب، ثم تأخروا في مساعدته منهم» . وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر» (3)، فالمراد به الكفر الأصغر غير المخرج من الملة (4)،

قال النووي رحمه الله (5): «وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به

(1) رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة: 2888

(2)

شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 11).

(3)

رواه مسلم، كتاب الإيمان: 64

(4)

فائدة: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «الكفر أصل ذو شُعَب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من الكفر، والصدق شعبة من الإيمان، والكذب شعبة من الكفر

» وكذا إلى أن قال رحمه الله: «والمعاصي كلها شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان» اهـ[ابن قيم الجوزية: الصلاة وحكم تاركها، ص (36)]، وإذا تقرر ما سبق، فلا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد أن يصير كافرًا الكفر المطلق، حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمنًا، حتى يقوم به أصل الإيمان. [انظر، د .. محمد يسري إبراهيم: الإحكام في قواعد الحكم على الأنام، ص (34، 40 - 1)].

(5)

شرح النووي على صحيح مسلم (2/ 54) باختصار.

ص: 483