الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مباحث اجتماعية فلسفية جامدة اقتضتها الحاجة حاولت اختصارها قدر الإمكان، وأن يرجئ الحكم إلى نهاية الفصل.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا
…
اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:
فلقد امتن الله على بني إسرائيل واصطفاهم وفضلهم على العالمين، وجعل فيهم الكتاب والحكم والنبوة. ولكنه كان اصطفاءً مشروطًا، إذ قال تعالى:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ} (1).
وحينما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَاتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} ، {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (2).
فلم يكن الاصطفاء للإسرائيلي ذاته، فلقد قال الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (3)، وإنما {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (4)، وهو تعالى العليم الحكيم.
ولقد بين لهم موسى عليه السلام هذا الأمر صراحةً؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ. وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} (5).
فكان الاصطفاء هو عين الابتلاء، وكما قال نبي الله سليمان عليه السلام:{قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (6).
(1) المائدة: 12
(2)
الأعراف: 129
(3)
الحجرات: 13
(4)
الجمعة: 4
(5)
إبراهيم: 7 - 8
(6)
النمل: 40
ولكنهم ما رعوا فضل الله تعالى عليهم حق رعايته، وكان {مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (1)، ففي الفتنة سقطوا، وأضفوا على شعبهم هالة من القداسة، وخلعوا عليه لباس الولاية، زاعمين أنهم شعب الله المختار، لا لشيء سوى أنهم من ذرية الكريم بن الكريم بن الكريم، عليهم السلام أجمعين، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (2).
بل ويذكر أكثر تفسيراتهم تواترًا «أن الاختيار غير مشروط ولا سبب له، فهو من إرادة الإله التي لا ينبغي أن يتساءل عنها أي بشر، الإله الذي اختار الشعب ووعده بالأرض، وليس لأي إنسان أن يتدخل في هذا
…
والاختيار - حسب هذا التفسير - لا علاقة له بالخير والشر، ولا بالطاعة أو المعصية، فهو لا يسقط عن الشعب اليهودي، حتى ولو أتى هذا الشعب بالمعصية، إذ إن حب الإله للشعب المختار يغلب على عدالته، ولذلك لن يرفض الإله شعبه كلية في أي وقت من الأوقات مهما تكن شرور هذا الشعب» (3).
ولقد ترسخ هذا الاعتقاد في وجدانهم، حتى إنهم «في تعبيراتهم الشعرية يرون أن الرب قد اتخذ أمتهم عشيقة له، بل إنه تزوجها زواجًا أبديًا، حتى إنها إذا خانته ودنَّست شرف العلاقة التي بينها وبينه، لم يطلِّقها كما يفعل أحقر مخلوق من البشر، ولكنه يكتفي بأن يغضب ثم يرضى، وأن يعاقب ثم يصفح. فهي الأمة الحبيبة المعشوقة المدللة التي تعلم أن الرب لن يجرؤ يومًا ما على قتلها مهما أجرمت!» (4)، {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} (5).
ونحن لن نتوقف لسرد جرائم اليهود، وكفرهم بالله، وتركهم الشريعة، واتخاذهم العجل، وقتلهم الأنبياء
…
فلقد زخر بهذا كله القرآن المجيد، وصنفت فيه مصنفات عدة، ويكفينا أن آخر ما قاله موسى عليه السلام في شأنهم:{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَاّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (6).
…
(1) آل عمران: 110
(2)
المائدة: 18
(3)
انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (5/ الشعب المختار).
(4)
انظر، د. حسن ظاظا: الشخصية الإسرائيلية، ص (36 - 7).
(5)
المائدة: 64
(6)
المائدة: 25