الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهيدًا على يد فئة ظالمة من جيوش يزيد (1)، وكانت كما قال رضي الله عنه:«كربٌ وبلاء» (2).
لقد كانت غلطة من يزيد بدأ بها حياته، وظلت تلاحقه حتى مماته، ولم يستطع التخلص منها، وبدأت سلسة الأخطاء تتوالى في حياة الخليفة، وكلما ادلهمت الأمور من حوله، عظمت الأخطاء، وتضخمت المشكلات، وكلما أراد حل مشكلة، عرض لها بمشكلة أخطر منها وأفظع، فمن الإصرار على عدم البيعة إلى تكوين جبهة معارضة تستعد للقتال، ومنها إلى معركة كربلاء، ثم تتمخض هذه المعركة عن قتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتؤدي إلى غضب المسلمين، وإعلان ابن الزبير رضي الله عنه الخروج على الخليفة، وتستمر العداوة والبغضاء حتى تكون وقعة الحرّة (63هـ)، وتتشوه صورة الخليفة في أعين المسلمين، ثم يتوفى بعد ذلك بقليل، أين غاب حلم معاوية عن ولي عهده؟ أغلب الظن أن الذي ورط يزيد في هذه الأخطاء الشنيعة هو غياب المستشارين الحكماء عن مجلسه، وحداثه سنه، وقلة خبرته. كما أن يزيد كان يفتقد حلم أبيه، وتنقصه قوة إرادته في الحلول السلمية.
لقد كانت الكوارث الكبرى في عهد يزيد: مقتل الحسين رضي الله عنه، ووقعة الحرّة بالمدينة، وحصار مكة للوصول لابن الزبير، لقد وصم يزيد عهده بوصمة لن يمحوها ماء البحار، ولن تزيل حرارتها عذوبة الأنهار (3).
موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:
بداءة، فإن الكلام في الناس كما يقول ابن تيمية (4)«يجب أن يكون بعلم وعدل، لا بجهل وظلم كحال أهل البدع» ؛ يقول شيخ الإسلام رحمه الله (5): «افترق الناس في يزيد بن معاوية إلى ثلاث فرق: طرفان ووسط.
(1) د. علي الصلابي: خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ص (38).
(2)
انظر، ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 170).
(3)
د. علي الصلابي: خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ص (38 - 9).
(4)
ابن تيمية: منهاج السنة (4/ 337).
(5)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 481 - 3) باختصار.
فأحد الطرفين قالوا: إنه كان منافقًا خالصًا، وإنه سعى في قتل سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، تشفيًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقامًا منه، وأخذًا بثأر جده عتبة، وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم ممن قتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي بن أبي طالب وغيره يوم بدر وغيرها، وقالوا: تلك أحقاد بدرية، وآثار جاهلية، وأشياء من هذا النمط. والطرف الثاني: يظنون أنه كان رجلًا صالحًا وإمامَ عدلٍ، وأنه كان من الصحابة الذين ولدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
…
وكلا القولين ظاهر البطلان عند من له أدنى عقل وعلم بالأمور وسير المتقدمين.
والقول الثالث: أنه كان ملكًا من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرًا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين، وفعل ما فعل بأهل الحرَّة، ولم يكن صاحبًا ولا من أولياء الله الصالحين، وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
ثم افترقوا ثلاث فرق: فرقة لعنته، وفرقة أحبته، وفرقة لا تسبه ولا تحبه، وهذا هو المنصوص عن الإمام أحمد، وعليه المقتصدون من أصحابه وغيرهم من جميع المسلمين. قال صالح بن أحمد: قلت لأبي: إن قومًا يقولون: إنهم يحبون يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني، ومتى رأيت أباك يلعن أحدًا؟!».
(1) هود: 18
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 487) باختصار.
وأما ما يدوَّن في كتب المبتدعة من ادعاء أنه أهان نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أُخِذن إلى الشام مسبيات، وأُهِنَّ هناك
…
كذلك يقول رحمه الله (3): «وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله، أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صَرْفًا ولا عَدْلا» .
ويقول الحافظ ابن كثير (4): «قد أخطأ يزيد خطأ فاحشًا في قوله لأميره مسلم بن عقبة في وقعة الحرَّة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم» اهـ.
ولكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا، وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم» (5)، وكان هذا الجيش بقيادة يزيد بن معاوية، وذلك - كما يذكر ابن حجر - سنة 52هـ (6).
فخلاصة القول: أن أمره إلى الله تبارك وتعالى، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية
(1) ابن تيمية: منهاج السنة (4/ 472).
(2)
ولكنهم كما قال عنهم الفرزدق الشاعر (38 - 110هـ) للحسين رضي الله عنه: «القلوب معك والسيوف مع بني أمية» . [ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 167)].
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 487) باختصار.
(4)
ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 222).
(5)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير: 2924
(6)
انظر، ابن حجر: فتح الباري (6/ 102 - 3).