الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار
- - {المسلك المختار لدعوة الحوار} - -
{وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم} (1)
شاع في العقود الأخيرة استعمال مصطلح (الحوار Dialogue) على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية، وطال ذلك دعوة التقريب بين الأديان وما شابهها من دعاوى، فطغى هذا التعبير على ما عداه، وصار محبَّذًا لدى المشتغلين في هذا الحقل، مقدمًا على غيره من الاصطلاحات، مما يستدعي إلقاء الضوء على دلالته ..
فـ (الحوار) من حيث اللغة: مادته (حور)، و (الحور) - كما يقول ابن منظور (630 - 711هـ)(2) - «الرجوع عن الشيء وإلى الشيء
…
و (المحاورة): المجاوبة. و (التحاور): التجاوب
…
و (هم يتحاورون): أي يتراجعون الكلام. و (المحاورة): مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة».
ومنه قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} (3)، وقوله عز وجل:{فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} (4).
فحقيقته اللغوية إذن مطابقة لحقيقته الاصطلاحية التي تعني التباحث بين طرفين أو أكثر، ومراجعة الكلام بينهم بغرض التوصل إلى اتفاق، وإبداء وجهة نظر.
ومفهوم الحوار في الفكر السياسي والثقافي المعاصر - كما يذكر الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري (5) - «من المفاهيم الجديدة حديثة العهد بالتداول، فليس الحوار من ألفاظ القانون الدولي، إذ لا يوجد له ذكر أصلًا في ميثاق الأمم المتحدة، ولا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولا في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا في إعلان
(1) المائدة: 48
(2)
ابن منظور: لسان العرب (4/ 217 - 8)، مادة:(ح ور).
(3)
المجادلة: 1
(4)
الكهف: 34
(5)
د. عبد العزيز بن عثمان التويجري: خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل، فصل: رؤية مستقبلية إلى الحوار بين الحضارات. والدكتور التويجري هو المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو ISESCO).
مبادئ التعاون الثقافي الدولي. وتأسيسًا على ذلك، فإن الحوار مفهوم سياسي أيديولوچي ثقافي حضاري، وليس مفهومًا قانونيًا» اهـ.
ولعل من أسباب شيوع هذا الشعار كونه لا يفصح - بحد ذاته - عن هدف مبيت، أو يوحي بتوجه معين، يمكن أن يعد ملزمًا أو محرجًا للمنادين به من الطرفين. فالحوار لافتة تخفي وراءها أشكالًا متنوعة من المضامين، ووعاءٌ يمكن أن يحوي مواد متباينة (1).
ونحن هنا - كما تبين من مقدمة البحث - بصدد مناقشة مسألة ذات مستويين: مستوى (إسلامي-كتابي)، ومستوى آخر (سُنِّي-شيعي).
دعوة التقريب: على المستوى الأول (الإسلامي-الكتابي):
إنه من بين أكثر من ثلاثمائة مؤتمر من مؤتمرات التقريب بين الأديان، والعديد من المناسبات والاحتفالات المشتركة جرت في العصر الحديث، بالإضافة إلى الكتابات الصادرة من دعاة التقريب ومنظِّريه (2)، يمكن أن نميز ثلاثة اتجاهات، لا يفصلها حدود حاسمة في مجال التطبيق العملي الميداني، وتعمل كلها تحت مظلة (حوار الأديان Interfaith Dialogue)، وهذه الاتجاهات هي:
- وحدة الأديان.
- توحيد الأديان.
- التقريب بين الأديان.
(1) د. أحمد القاضي: دعوة التقريب بين الأديان (1/ 347 - 8) باختصار وتصرف.
(2)
وهذا إحصاء الدكتور أحمد القاضي، انظر السابق (1/ 335)، وانظر: مسرد بالمؤتمرات المعقودة للتقريب بين الأديان مرتبة حسب وقوعها الزمني، المرجع نفسه (4/ 1687 - 718).