الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحب الزمان وأنه صاحب السرداب بسامراء وأنه حي لا يموت حتى يخرج فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا فوددنا ذلك والله، وهم في انتظاره من أربع مئة وسبعين سنة، ومن أحالك على غائب لم ينصفك، فكيف بمن أحال على مستحيل، والإنصاف عزيز، فنعوذ بالله من الجهل والهوى، فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين المشهود لهم بالجنة رضي الله عنه نحبه أشد الحب ولا ندعي عصمته، ولا عصمة أبي بكر الصديق، وابناه الحسن والحسين فسبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدا شباب أهل الجنة، لو استخلفا لكانا أهلًا لذلك، وزين العابدين كبير القدر من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة وله نظراء، وغيره أكثر فتوى منه وأكثر رواية، وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر سيد إمام فقيه يصلح للخلافة، وكذا ولده جعفر الصادق كبير الشأن من أئمة العلم كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور، وكان ولده موسى كبير القدر جيد العلم أولى بالخلافة من هارون وله نظراء في الشرف والفضل، وابنه علي بن موسى الرضا كبير الشأن له علم وبيان ووقع في النفوس، صيره المأمون ولي عهده لجلالته فتوفي سنة ثلاث ومئتين، وابنه محمد الجواد من سادة قومه لم يبلغ رتبة آبائه في العلم والفقه، وكذلك ولده الملقب بالهادي شريف جليل، وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى» اهـ.
قلت: والمتتبع يجد غير ذلك الكثير (1).
يا آل بيت رسول الله حُبكُم
…
فرضٌ من الله في القرآن أنزله
يكفيكم من عظيم الفخر أنكم
…
من لم يُصَلِّ عليكم لا صلاة له
ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
وكما زخرت كتب أهل السنة بالثناء والترضي على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، زخرت كذلك كتب الرافضة بالنصوص الدالة على دفء العلاقة بين الصحابة وآل البيت، بل وثناء آل البيت عليهم رضي الله عنهم أجمعين، بحال لا يستطيع الرافضة له دفعًا ..
فمن ذلك، ثناء علي بن أبي طالب على الصحابة رضي الله عنهم جملة بقوله: «لقد رأيت
(1) للتوسع، انظر: سيرة آل بيت النبي الأطهار، لمجدي فتحي السيد، وانظر كذلك: رحماء بينهم، لصالح بن عبد الله الدرويش.
أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فما أرى أحدًا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شُعثًا غُبرًا، وقد باتوا سُجَّدًا وقيامًا، يراوِحُون بين جباهِهِم وخدودِهِم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادِهِم، كأن بين أعيُنِهِم رُكَبَ المِعْزَى من طول سجودهم، إذا ذُكر الله همَلت أعينُهم حتى تَبُل جُيُوبَهُم، ومادوا كما يميد الشجرُ يوم الريح العاصف خوفًا من العقاب ورجاءً للثواب» (1).
ويَخُص المهاجرين بقوله: «فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم» (2)، ويَخُص الأنصار بقوله:«هم والله رَبَّوُا الإسلام كما يُرَبَّي الفِلْوُ من غَنَائِهِم، بأيديهمُ السِّبَاط، وألسِنَتِهمُ السِّلَاط» (3).
بل ينقل شيخهم المرتضى ثناء علي رضي الله عنه على الخلفاء الراشدين، فيما رواه عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رجلًا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال:«سمعتك تقول في الخطبة آنفًا: اللهم أصلحنا بما أصلحت به الخلفاء الراشدين، فمن هم؟ قال: حبيباي وعماي أبو بكر وعمر إماما الهدى وشيخا الإسلام ورجلا قريش، والمقتدى بهما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، من اقتدى بهما عصم، ومن اتبع آثارهما هدي إلى صراط مستقيم» (4).
ويروي ابن بابويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «إن أبا بكر مني بمنزلة السمع، وإن عمر مني بمنزلة البصر، وإن عثمان مني بمنزلة الفؤاد» (5).
ولقد توطدت العلاقة بين علي وأبي بكر رضي الله عنهما إلى حد أن زوجة أبي بكر أسماء بنت عميس هي التي كانت تمرِّض فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موتها، وكانت معها حتى الأنفاس الأخيرة؛ فيروي الطوسي عن الحسين عليه السلام قال: «لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، وصت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام أن يكتم أمرها،
(1) نهج البلاغة، ص (143).
(2)
السابق، ص (375).
(3)
السابق، ص (557).
(4)
الشريف المرتضى: الشافي في الإمامة (3/ 93 - 4).
(5)
ابن بابويه القمي: عيون أخبار الرضا (1/ 313).
ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحدًا بمرضها، ففعل ذلك وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استمرار بذلك، كما وصت به» (1).
وكان علي يقول في أيام خلافته عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حيث لم يكن هناك ضرورة للتقية -: «لله بلاء فلان، فقد قوَّم الأود، وداوى العمَد وخلَّف الفتنة، وأقام السُنَّة، ذهب نقيَّ الثوب، قليلَ العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، اتقاه بحقِّه، رحل وتركهم في طُرُقٍ متشعِّبة لا يهتدي بها الضال ولا يستيقن المهتدي» (2)، يقول ابن أبي الحديد (3):«وفلان المكنى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن [359 - 406هـ] جامع نهج البلاغة وتحت (فلان) عمر، حدثني بذلك فخار بن معد الموسوي الأودي الشاعر، وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمر، فقلت له: أيثني عليه أمير المؤمنين عليه السلام هذا الثناء؟ فقال: نعم، أما الإمامية فيقولون: إن ذلك من التقية واستصلاح أصحابه» .
ويقول علي رضي الله عنه أيضًا في إحدى خطبه: «وولِيَهُم والٍ، فأقامَ واستقامَ حتى ضرب الدِّين بجِرانهِ» (4)، قال الميثم البحراني (636 - 679هـ) (5): «إن الوالي هو عمر بن الخطاب
…
وضربه بجِرانهِ كناية بالوصف المستعار عن استقراره وتمكنه كتمكن البعير البارك من الأرض» اهـ.
كذلك فلقد زوج علي ابنته أم كلثوم من عمر رضي الله عنهم، كما ذكر الطوسي عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال:«ماتت أم كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدري أيهما هلك قبل، فلم يورث أحدهما من الآخر، وصلى عليهما جميعًا» (6).
(1) أبو جعفر الطوسي: الأمالي، ص (109)، أحاديث المجلس الرابع.
(2)
نهج البلاغة، ص (350).
(3)
ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة (12/ 3 - 4).
(4)
نهج البلاغة، ص (557).
(5)
ابن ميثم: مصباح السالكين، شرح نهج البلاغة (5/فصل في مواعظ شافية ونصائح كافية) باختصار.
(6)
أبو جعفر الطوسي: تهذيب الأحكام (9/ 362 - 3)، باب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في وقت واحد.
وكان من حب علي لعمر وعثمان رضي الله عنهم أنه سمى اثنين من أبنائه باسمهما، فيقول المفيد (1): «فأولاد أمير المؤمنين صلوات الله عليه سبعة وعشرون ولدًا ذكرًا وأنثى: (1) الحسن (2) الحسين
…
(6) عمر، وأمه أم حبيب بنت ربيعة
…
(10) عثمان، وأمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم».
وأكثر من هذا أن عليًا رضي الله عنه كان يؤمن بأن عمر من أهل الجنة لما سمعه من لسان الرسول صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، ولأجل ذلك كان يتمنى بأن يلقى الله بالأعمال التي عملها الفاروق عمر رضي الله عنه في حياته، كما روى ذلك الشريف المرتضى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال:«لما غسِّل عمر وكفِّن دخل علي عليه السلام فقال: ما على الأرض أحد أحب إليّ أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى (2) بين أظهركم» (3).
وأورد ابن أبي الحديد أن الفاروق لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي الفارسي دخل عليه ابنا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، فقال ابن عباس:«فسمعنا صوت أم كلثوم [بنت علي]: وا عمراه، وكان معها نسوة يبكين فارتج البيت بكاء، فقال عمر: ويل أم عمر إن الله لم يغفر له! فقلت: والله إني لأرجو ألا تراها إلا مقدار ما قال الله تعالى {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (4)، إن كنت - ما علمنا - لأمير المؤمنين وسيد المسلمين تقضي بالكتاب وتقسم بالسوية. فأعجبه قولي فاستوى جالسًا فقال أتشهد لي بهذا يا بن عباس؟ فكععت - أي جبنت - فضرب علي عليه السلام بين كتفي وقال: أشهد» (5)، ثم يقول ابن أبي الحديد (6):«وفي رواية: لِمَ تجزع يا أمير المؤمنين؟ فوالله لقد كان إسلامك عزًا وإمارتك فتحًا ولقد ملأت الأرض عدلًا، فقال [أي عمر]: أتشهد لي بذلك يا بن عباس؟ قال: فكأنه كره الشهادة فتوقف، فقال له علي عليه السلام: قُل نعم، وأنا معك، فقال: نعم» .
(1) المفيد: الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد (1/ 354)، باب ذكر أولاد أمير المؤمنين عليه السلام، باختصار.
(2)
أي المُغَطَّى.
(3)
الشريف المرتضى: الشافي في الإمامة (3/ 95).
(4)
مريم: 71
(5)
ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة (12/ 192).
(6)
نفسه.