المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

ص: 417

- - {تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية} - -

«.. وكأنهم أرادوا تطييب نفوس أتباعهم بتحسين هذا الاسم لهم» [القفاري](1)

قبل النبش في جذور التشيع، نكمل سريعًا تتبع المسار التاريخي لهجرة اليهود وشتاتهم في الأرض، والذي قد بدأناه في الباب السابق. وقد أرجأنا تتبع هجرة اليهود إلى الجزيرة العربية إلى هذا الموضع من البحث، وكان ذلك لغرض ..

فيقول المستشرق اليهودي إسرائيل وُلفنسون أبو ذؤيب Israel Wolfensohn (1899 - 1980)(2) : «تذكر لنا صحف العهد القديم من أخبار بني إسرائيل أن بلاد طور سيناء وشمال الجزيرة بوجه عام كانت ملجأ يقصد إليه كثير من بني إسرائيل الذين كانوا يفرون من وجه الملوك والحكام الظالمين، ثم في عهد الملك بختنصر فإنه حين غزا أورشليم قصدت جموع من اليهود أرض الجزيرة

»، إلى أن قال (3):«والخلاصة أن عناصر إسرائيلية يظن أنها قد هاجرت من ديارها إلى الأقاليم العربية في عصور مختلفة ولأسباب شتى غير أنها بادت كما بادت قبائل عربية كثيرة ولم يبق من آثارها سوى اسمها» اهـ.

ولقد قصد الكثير منهم نواحي خيبر والمدينة وما جاورها، وذلك كما يقول الإمام المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله (4) «لما كانوا وعدوا به من ظهور رسول الله، وكانوا يقاتلون المشركين من العرب فيستنصرون عليهم بالإيمان برسول الله قبل ظهوره،

(1) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (1/ 172).

(2)

د. إسرائيل ولفنسون (بن زئيف Ben Ze'ev): تاريخ اليهود في بلاد العرب، في الجاهلية وصدر الإسلام، ص (18).

(3)

السابق، ص (20).

(4)

ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (2/ 358).

ص: 419

ويعدونهم بأنه سيخرج نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله عز وجل نبيه سبقهم إليه من كانوا يحاربونهم من العرب، فحملهم الحسد والبغي على الكفر به وتكذيبه

». قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} (1).

ولقد تلخص موقف اليهود تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته فيما ترويه لنا أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، حيث تقول:«كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولدهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قُباء غدا عليه أبي وعمي مُغَلِّسَيْنِ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالَّيْن ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله، قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم، قال: فما في نفسك؟ أجاب: عداوته والله مابقيت» (2).

فهذا بيت القصيد: «عداوته والله مابقيت» !

ولقد تنوعت مظاهر هذا العداء وتعددت، وكان منها الظاهري والباطني، وأظهرها كان إنكار دلائل نبوة هذا الرسول النبي الأمي، {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} (3)، فقد قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (4)، ولو أنهم أعملوا عقولهم لقالوا كيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلن أن التبشير به قد تم في كتبهم لولا أن ذلك حق؟! فما كان يتجرأ الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الإعلان الذي يمكن أن يُكَذَّب فيه بسهولة من قِبَل كل من اليهود والنصارى لولا أنه من عند الله الذي يعلم أنه الحق، ولكنهم كما قال تعالى:{لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (5).

وقد يحيد بنا الطريق قليلًا عن مسار البحث، وذلك لحاجتنا لاستعراض بعض هذه

(1) البقرة: 89

(2)

السيرة لابن هشام (2/ 91 - 2).

(3)

الأعراف: 157

(4)

البقرة: 146

(5)

الأعراف: 179

ص: 420

الدلائل الواضحة التي لا تزال موجودة إلى اليوم في كتبهم المحرفة، فإن الحق تتعدد شواهده وتزداد محامده ..

فمن تلك البشريات النبوية في العهد القديم (التوراة)، ما جاء في سفر التثنية من قول الرب لموسى:«سأقيم لهم نبيًا من بين إخوتهم مثلك وألقي كلامي في فمه فينقل إليهم جميع ما أكلمه به. وكل من لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أحاسبه عليه (1). وأي نبي تكلم باسمي كلامًا زائدًا لم آمره به، أو تكلم باسم آلهة أخرى، فجزاؤه القتل» (2).

يقول ابن القيم رحمه الله (3): «فهذا النص مما لا يمكن لأحد منهم جحده وإنكاره، ولكن لأهل الكتاب فيه أربع طرق:

أحدها: حمله على المسيح، وهذه طريق النصارى، وهو دليل يخالف معتقدهم في المسيح.

وأما اليهود فلهم فيه ثلاث طرق:

أحدها: على حذف أداة الاستفهام والتقدير: «أأُقيم لبني اسرائيل نبيًا من إخوتهم، لا أفعل هذا» ، فهو استفهام إنكار حذفت منه أداة الاستفهام.

الثاني: أنه خبر ووعيد، ولكن المراد به (شموئيل النبي)، فإنه من بني إسرائيل. والبشارة إنما وقعت بنبي من إخوتهم وإخوة القوم هم بنو أبيهم وهم بنو إسرائيل.

الثالث: أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم، وهو ينتظرونه الآن ويسمونه المنتظر.

قال المسلمون: البشارة صريحة في النبي العربي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم ابن عبد الله، لا تُحْتَمَل على غيره» اهـ.

قلت: وذلك لعدة أمور، منها:

قوله: «نبيًا .. مثلك» : فلقد جاء في سفر التثنية كذلك أنه «لم يظهر بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى، الذي خاطبه الرب وجهًا لوجه» (4)،

(1) وفي بعض النسخ: «

سأكون أنا المنتقم».

(2)

التثنية 18: 18 - 20

(3)

ابن قيم الجوزية: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، ص (316 - 7).

(4)

التثنية 34: 10

ص: 421

ويقر ذلك چيمس دُوو James L. Dow في قاموس (كولينز چم للإنجيل Collins Gem، Dictionary of the Bible) ص (403) بقوله ما نصه: «The only man of history who can be compared even remotely to him [i.e. Moses] is Mahomet» ، أي إن الرجل الوحيد في التاريخ الذى يمكن مقارنته بموسى عليه السلام حتى في أبعد التفاصيل- هو محمد صلى الله عليه وسلم (1). ولقد أشار الرب جل جلاله إلى هذا في قوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} (2).

وفي قوله: «من بين إخوتهم» : الخطاب موجه لقوم موسى (بني إسرائيل) ككل. ولذا فالمقصود بـ (إخوتهم) هم العرب ذرية إسماعيل عليه السلام، كما جاء لفظ (الإخوة) بهذا الاستعمال الحقيقي في حق إسماعيل عليه السلام في سفر التكوين:«وأمام جميع إخوته يسكن» (3). ومعلوم أن رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو من ذرية إسماعيل عليه السلام، وأنه صلى الله عليه وسلم استجابة الله تعالى لدعاء إبراهيم الخليل عليه السلام حينما قال:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} (4).

(1) See، Ahmad Deedat: What the Bible Says About Muhammad، p(14). وقد عقد الشيخ ديدات (1918 - 2005م)، وكذا رحمة الله الهندي - رحمهما الله - مقارنة قيمة في أوجه الشبه بين موسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم. انظرها في كتاب ديدات السابق، و (إظهار الحق)، لرحمة الله الهندي (2/ 200 - 1).

(2)

المزمل: 15

(3)

التكوين 16: 12

(4)

البقرة: 129، وللنصارى اعتراضان على هذا القول، الأول: أنه جاء في الإصحاح نفسه: «يقيم لكم الرب إلهكم نبيًا من بينكم، من إخوتكم بني قومكم مثلي

» [التثنية 18: 15]، فلفظ (من بينكم) يدل دلالة ظاهرة على أن هذا النبي يكون من بني إسرائيل لا من بني إسماعيل. والثاني: أن عيسى عليه السلام نسب هذه البشارة إلى نفسه كما جاء في إنجيل يوحنا أنه قال: «ولوكنتم تصدقون موسى لصدقتموني، لأنه كتب فأخبر عني» [يوحنا 5: 46]. ونحن لو سلمنا جدلًا أن عبارة «من بينكم، من بين إخوتكم بني قومكم» صحيحة وغير مضافة - تحريفًا - للنص الأصلي، فقد أجاب عن ذلك رحمة الله الهندي بقوله:«إن اللفظ المذكور لا ينافي مقصودنا، لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره، وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم، فقد قام من بينهم، ولأنه إذا كان من إخوتهم - أي العرب - فقد قام من بينهم .. أما عن الاعتراض الثاني: أن آية الإنجيل هكذا: "ولوكنتم تصدقون موسى لصدقتموني، لأنه كتب فأخبر عني"، وليس فيها تصريح بأن موسى عليه السلام كتب في حقه في الموضع الفلاني، بل المفهوم منه أن موسى كتب في حقه، وهذا يصدق إذا وجد في موضع من مواضع التوراة إشارة إليه، ونحن نسلم هذا الأمر، لكنا ننكر أن يكون قوله إشارة إلى هذه البشارة للوجوه التي عرفتها» اهـ[رحمة الله الهندي: إظهار الحق (2/ 204 - 5) باختصار].

ص: 422

أما عن قوله: «وألقي كلامي في فمه» : فلقد جاء بسفر أشعياء في فصل بعنوان (مصير أورشليم) ما يلي: «ثم تُناولونه لمن لايعرف القراءة وتقولون له: اقرأ هذا، فيجيب: لا أعرف القراءة» (1)، والمشهور من صحيح السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمِّيًا لا يعرف القراءة والكتابة، وأنه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام وهو يتعبد فى غار حراء، وقال له: اقرأ. فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. فضمَّه جبريل عليه السلام ضمة شديدة، ثم أطلقه وقال له: اقرأ، فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارئ. وفعل ذلك ثلاثًا، وفي الثالثة قال له:{اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَا وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (2). هكذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وتلا ما أُلقي في فمه من كلام الله تعالى، قال جل جلاله:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (3).

وقوله: «فينقل إليهم جميع ما أكلمه به» : فلقد جاءت الأوامر في القرآن الكريم على السياق التالي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (4)، {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5)، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (6)

إلخ، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم:{مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (7).

بل وقوله: «الذي يتكلم به باسمي» : فيلاحظ أن القرآن الكريم يبدأ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} .

وعن قوله: «وكل من لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أحاسبه عليه» ، وفي بعض النسخ: «

سأكون أنا المنتقم»، فيقول رحمة الله الهندي (8): «فهذا الأمر لما ذكر

(1) أشعياء 29: 12

(2)

العلق: 1 - 5

(3)

النحل: 103

(4)

الإخلاص: 1

(5)

الأنعام: 162

(6)

البقرة: 219

(7)

النجم: 3 - 4

(8)

رحمة الله الهندي: إظهار الحق (2/ 199).

ص: 423

لتعظيم هذا النبي المبشر به فلا بد أن يمتاز ذلك المبشر به بهذا الأمر عن غيره من الأنبياء، فلا يجوز أن يراد بالانتقام من المُنكِر العذاب الأخروي الكائن في جهنم، أو المحن والعقوبات الدنيوية التي تلحق المنكرين من الغيب، لأن هذا إنكار لا يختص بإنكار نبي دون نبي، بل يَعُم الجميع، فحينئذ يراد بالانتقام الانتقام التشريعي، فظهر منه أن هذا النبي يكون مأمورًا من جانب الله بالانتقام من منكره. فلا يصدق على عيسى عليه السلام لأن شريعته خالية عن أحكام الحدود والقصاص والتعزير والجهاد» اهـ.

وفي النهاية تختم البشارة بقوله: «وأي نبي تكلم باسمي كلامًا زائدًا لم آمره به، أو تكلم باسم آلهة أخرى، فجزاؤه القتل» ، يقول رحمة الله الهندي (1):«صرح في هذه البشارة بأن النبي الذي ينسب إلى الله ما لم يأمره يقتل، فلو لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا حقًا لكان يُقتَل، وما قُتِل بل قال الله في حقه: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (2)، ولم يقدر على قتله أحد حتى لقي الرفيق الأعلى، وعيسى عليه السلام قُتِل وصُلِب على زعم أهل الكتاب. فلو كانت البشارة في حقه لزم أن يكون نبيًا كاذبًا كما يزعمه اليهود والعياذ بالله» اهـ.

كذلك فإن من تلك البشريات النبوية في العهد القديم، ما جاء بسفر التثنية أيضًا من قول:«وهذه هي البَرَكة التي بارك بها موسى رجُل الله بني إسرائيل قبل موته. فقال: أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من جبل سعير وتجلَّى من جبل فاران، وأتى من رُبى القدس وعن يمينه نار شريعة لهم» (3)، وفي بعض النسخ:«وعن يمينه نار مشتعلة» .

ومعلوم أن جبل الطور بسيناء هو المكان الذى كلَّم الله تعالى فيه موسى عليه السلام (4)، وآتاه الألواح، {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} (5). أما سعير فهي قرية بفلسطين، تقع في جنوب الضفة الغربية إلى الشمال الشرقي من مدينة الخليل، وهي مكان ولادة عيسى عليه السلام. وأما فاران فهي سلسلة الجبال الواقعة بمكة المكرمة، وورد بسفر التكوين أن فاران هو المكان الذي ترك فيه إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وولده

(1) السابق (2/ 202).

(2)

المائدة: 67

(3)

التثنية 33: 1 - 2

(4)

مريم: 52، القصص: 46، سفر الخروج 19: 20 وما بعدها.

(5)

الأعراف: 154

ص: 424

إسماعيل عليهما السلام (1)، وقد قال تعالى على لسان إبراهيم:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (2).

كذلك فإن وادي بكة الذي فيه الكعبة بيت الله الحرام، وأول بيت وضع للناس كما أخبر ربنا جل وعلا:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (3)، قد جاء ذكره في (المزمور 84: 6) في نسخة الملك چيمس KJV هكذا: «Who passing through the valley of Baca make it a well» ، وكما يتضح من العبارة أن (بكة) هو اسم علم يكتب بحرف كبير Capital Letter لتمييزه. ذلك في حين أن النسخ العربية - وبعض الأجنبية كذلك - حرفت الاسم (بكة) إلى (وادي البكاء valley of weeping) تارة، و (وادي الجفاف dry valley of Baca) تارة أخرى، بل و (وادي البلسان valley of balsam-trees) تارة ثالثة، رغم أنه معلوم من قواعد اللغة أن أسماء الأعلام لا تترجم وإنما تنقل كما هي! كذلك فإننا لو أكملنا العبارة في بعض النسخ العربية فسنجدها تقول:«هنيئًا للذين عزتهم بك وبقلوبهم يتوجهون إليك. يعبرون في وادي الجفاف فيجعلونه عيون ماء بل بركًا يغمرها المطر. ينطلقون من جبل إلى جبل ليروا إله الآلهة في صهيون» (4)، أليست هذه صفة الحجيج إلى بيت الله الحرام، ينتقلون من جبل إلى جبل؟ الصفا والمروة؟؟ فمن أين جاء ذكر (صهيون) إذن؟!

ولو بحثنا قليلًا لوجدنا في (دائرة المعارف الكتابية Encyclopaedia Biblica) ذكر ما نصه (5): «أما البلسان الحقيقي الذي ذكره المؤلفون القدماء فهو (بلسم مكة) الذي ما زالت مصر تستورده من شبه الجزيرة العربية كما كان الأمر قديمًا

وشجرة البلسان لا تنمو الآن في فلسطين، وقد بحث عنها دكتور پوست Post وغيره من علماء النبات في

(1) سفر التكوين 21: 19 - 21

(2)

إبراهيم: 37

(3)

آل عمران: 96

(4)

المزمور 84: 6 - 8

(5)

دائرة المعارف الكتابية (2/ 189)، مادة:(بلسان).

ص: 425

الغور وفي جلعاد، ولم يعثروا لها على أثر، كما لم يعثروا عليها فيما حول أريحا التي يذكر پليني [Pliny the Elder (23 - 79 م)] أنها كانت موطن الشجرة. ويقول استرابو [Strabo (63/ 64 ق. م-24م)] إنها كانت تنمو حول بحر الجليل وكذلك حول أريحا ولكنهما وغيرهما من الكتاب القدماء اختلفوا في وصف الشجرة مما يدل على أنهم كانوا ينقلون عن مصادر غير موثوق بها» اهـ.

ولكن انظر معي ما جاء في دائرة المعارف نفسها، في النسخة العربية ذاتها، مادة:(بكا - وادي البكاء)، حيث تقول: «يقول المرنم: "عابرين وادي البكاء يصيرونه ينبوعًا"(مز 84: 6)، فهو وادي الدموع. ولا تذكر هذه الكلمة (البكاء) كاسم علم إلا في معركة داود مع الفلسطينيين، عندما سأل الرب: هل يصعد إليهم؟ فقال له الرب: لا تصعد بل در من ورائهم وهلم عليهم مقابل أشجار البكا

(2 صم 5: 23و24، 1 أخ 14: 14و15)(1)، ولعل المقصود بها أشجار البلسان لأنها تفرز مادة صمغية وكأنها الدموع

»، إلى أن تقول:«ولكن الأرجح أن وادي البكا (مز 84: 6) ليس موضعًا جغرافيًا معينًا ولكنه تصوير مجازي لاختبار المؤمنين الذين كل قوتهم في الرب، والذي بنعمته يجدون أحزانهم وقد تبدلت إلى بركات» اهـ (2).

وغضت النسخة العربية الطرف عما ذكرته النسخة الإنجليزية الأصلية في الموضع ذاته، من أن توماس شايني Thomas K. Cheyne (1841 - 1915 م) - أحد محرري الموسوعة - يفترض وجود تلاعب قد حدث بالاسم (بَكائِم)، حيث تقول ما نصه (3): «Cheyne

supposes a play on the name Beka'im».

ومعلوم أن (-إم - im) في اللغة العبرية هي زيادة Suffix تلحق بالكلمة في حال جمع

(1) وفي النسخة العربية التي بحوزتي: «أشجار البلسم» [صموئيل الثاني 5: 23، وأخبار الأيام الأول 14: 14]، وفي نسخة الملك چيمس KJV:«mulberry trees» ، وفي نسخ أخرى:«balsam trees» ، هكذا غير مميزة بحرف كبير Capital Letter.

(2)

دائرة المعارف الكتابية (2/ 187)، مادة:(بكا - وادي البكاء).

(3)

Encyclopaedia Biblica: vol. 1، p(454): BACA

ص: 426

المذكر، وكما جرت العادة في استخدام صيغة الجمع للتوقير والتعظيم (1)، فيصير المراد هنا الاسم (بكة Baca).

فما القول في هذا؟ أرى أن القول قول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (2).

أيضًا، نلاحظ في الفقرة السابقة من سفر التثنية أن عبارة «وأتى من رُبى القدس» يقابلها في النسخ الإنجليزية:«he came with ten thousands of saints» ، عدا - فيما وجدت - نسخة يونج Young's جاء فيها:«and has come with myriads of holy ones» ، وسكتت نسخة داربي Darby عن هذه العبارة. والمعنى أنه:«جاء ومعه عشرة آلاف قديس» . فالملاحظ أن الترجمة العربية أسقطت هذه العبارة من النص، وكيف ذلك؟ ألا ينقلان من أصل واحد؟! نعم وإنما وقع ذلك لطمس حقيقة المراد من الآية؛ ذلك لأن أتباع موسى عليه السلام المخلصين كان عددهم سبعين رجلًا (3)، وأتباع عيسى عليه السلام المخلصين كان عددهم اثني عشر حواريًّا (4)، في حين أنه كما هو معلوم من السيرة النبوية أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فتحوا مكة في رمضان في العام الثامن من الهجرة كان عددهم عشرة آلاف صحابي، وقد جعلها الله عز وجل علامة بارزة لأهل الكتاب، لما تبع ذلك من ظهور للإسلام وانتشار لدعوته (5).

(1) ومثال ذلك كلمة (إلوهِم Elohim) العبرية التي تطلق عادة لوصف إله إسرائيل الواحد، وكلمة (مُحَمَّدِم Muhummedim) الثابتة في المخطوطة العبرية لسفر نشيد الأنشاد Song of Solomon (5: 16)، والتي تعني (الشخص كثير الحمد، محمود الصفات، كثير الخصال الحميدة)، وترجمت إلى (وهو شَهيٌّ كُلُّه altogether lovely)، في قوله:«رِيقُهُ أعذَبُ ما يكون، وهو شَهيٌّ كُلُّهُ. هذا حبيبي، هذا رفيقي، يا بنات أورشليم» . ولا دافع لهذا إلا نفي صفة النبوة عن رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

البقرة: 79

(3)

الأعراف: 155، سفر الخروج 24: 1، سفر العدد 11: 16

(4)

متى 10: 1

(5)

قال ابن كثير رحمه الله: «قال مالك رحمه الله: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: "والله إن لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا". وصدقوا في ذلك، فإن هذه الأمة معظَّمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نوَّه الله بذكرهم في الكتب المنزَّلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال هاهنا: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}، ثم قال: {وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: 29]» اهـ[ابن كثير: تفسير القرآن العظيم (7/ 362)] .. وحقيقة أعجبني تعليق البعض حينما قال: «والغريب أن الكتب المقدسة تصفهم بالقديسين، وبعض من يدعي الإسلام يصفهم بالمرتدين والمنافقين!» .

ص: 427

كذلك نلاحظ في الفقرة ذاتها التعاقب الزمني لمبعث الأنبياء الثلاثة: موسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم أجمعين، فتقول:«أقبل الرب من سيناء، وأشرق لهم من سعير، وتجلَّى من جبل فاران» ؛ وللحافظ ابن رجب الحنبلي (736 - 795هـ) كلامٌ نفيسٌ في المسألة، فيقول رحمه الله تعليقًا على ما رواه البخاري من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم، ما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى، كرجل استعمل عمالًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا، قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت» (1).

(1) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: 3459، ويذكر إنجيل متَّى رواية مشابهة جاءت على لسان عيسى عليه السلام جاء فيها:«فإن ملكوت السماوات يشبه رجلًا رب بيت خرج مع الصبح ليستأجر فعلة لكرمه. فاتفق مع العملة على دينار في اليوم وأرسلهم إلى كرمه. ثم خرج نحو الساعة الثالثة، ورأى آخرين قيامًا في السوق بطالين. فقال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فأعطيكم ما يحق لكم فمضوا. وخرج أيضًا نحو الساعة السادسة والتاسعة وفعل كذلك. ثم نحو الساعة الحادية عشرة خرج ووجد آخرين قيامًا بطالين فقال لهم لماذا وقفتم ههنا كل النهار بطالين. قالوا له لأنه لم يستأجرنا أحد قال لهم اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم فتأخذوا ما يحق لكم .. فلما كان المساء قال صاحب الكرم لوكيله ادع الفعلة وأعطهم الأجر مبتدئًا من الآخرين إلى الأولين. فجاء أصحاب الساعة الحادية عشرة وأخذوا دينارًا دينارًا. فلما جاء الأولون ظنوا أنهم يأخذون أكثر فأخذوا هم دينارًا دينارًا. وفيما هم يأخذون تذمروا على رب البيت. قائلين هؤلاء الآخرون عملوا ساعة واحدة وقد ساويتهم بنا نحن الذين احتملنا ثقل النهار والحر. فأجاب وقال لواحد منهم يا صاحب ما ظلمتك أما اتفقت معي على دينار. فخذ الذي لك واذهب فإني أريد أن أعطي هذا الأخير مثلك. أو ما يحل لي أن أفعل ما أريد بما لي أم عينك شريرة لأني أنا صالح. هكذا يكون الآخرون أولين والأولون آخرين لأن كثيرين يدعون وقليلين ينتخبون» . [متى 20: 1 - 16].

ص: 428

يقول رحمه الله (1): «فمدة هذه الأمم الثلاث كيوم تام، ومدة ما مضى من الأمم في أول الدنيا كليلة اليوم، فإن الليل سابق النهار، وقد خُلِقَ قبله على أصح القولين، وتلك الليلة السابقة كان فيها نجوم تضيء، ويُهتدى بها، وهم الأنبياء المبعوثون فيها. وقد كان فيهم أيضًا قمرٌ منيرٌ وهو إبراهيم الخليل عليه السلام، إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء

وأما ابتداء رسالة موسى عليه السلام فكانت كابتداء النهار، فإن موسى وعيسى ومحمدًا صلى الله عليه وسلم هم أصحاب الشرائع، والكتب المتَّبَعَة، والأمم العظيمة. وقد أقسم الله بمواضع رسالاتهم في قوله سبحانه وتعالى:{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (2)، وفي التوراة:"جاء الرب من طور سيناء، وأشرق من سعير، واستعلن من جبال فاران"، ولهذا سمَّى محمدًا صلى الله عليه وسلم سراجًا منيرًا، لأن نوره للدنيا كنور الشمس وأعمُّ وأعظمُ وأنفعُ. وكانت مدة عمل بني إسرائيل إلى ظهور عيسى كنصف النهار الأول، ومدة عمل أمة عيسى عليه السلام كما بين الظهر والعصر، ومدة عمل المسلمين كما بين العصر إلى غروب الشمس، وهذا أفضل أوقات النهار، ولهذا كانت الصلاة الوسطى العصر على الصحيح، وأفضل ساعات الجمعة ويوم عرفة من العصر إلى غروب الشمس. فلهذا كان خير قرون بني آدم القرن الذي بُعِثَ فيه محمد صلى الله عليه وسلم» اهـ.

لعلنا نكتفي بهاتين الإشارتين الصريحتين من التوراة، لنتناول بعض البشريات النبوية في العهد الجديد (الإنجيل):

فلقد أخبر المسيح عليه السلام بني إسرائيل بأن الله سيستبدل بهم قومًا آخرين، كما جاء بمتَّى:«أما قرأتم في الكتب المقدسة: الحجر الذي رفضه البناءون صار رأس الزاوية؟ هذا ما صنعه الرب، فيا للعجب! لذلك أقول لكم: سيأخذ الله ملكوته منكم ويسلمه إلى شعب يجعله يُثمِر. من وقع على هذا الحجر تهشم. ومن وقع هذا الحجر عليه سحقه» (3).

(1) ابن رجب الحنبلي: فتح الباري (4/ 338 - 40) باختصار.

(2)

التين: 1 - 3

(3)

متى 21: 42 - 44

ص: 429

ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من الزاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين» (1).

يقول رحمة الله الهندي (2): «ولا يصدق هذا الوصف على عيسى عليه السلام لأنه قال: "ومن سمع أقوالي ولم يؤمن بي لا أدينه، لأني ما جئت لأدين العالم بل لأخلص العالم" (3)، وصدقه على محمد صلى الله عليه وسلم غير محتاج إلى البيان، لأنه كان مأمورًا بتنبيه الفجار الأشرار، فإن سقطوا عليه ترضضوا، وإن سقط هو عليهم سحقهم» اهـ.

كذلك فلقد جاء بإنجيل يوحنا ما يلى: «وأنا أطلب إلى الآب فيعطيكم معزيًا آخر ليمكث معكم إلى الأبد» (4):

فيلاحظ العلماء أن كلمة (مُعَزِّي Comforter) يقابلها في النص اليوناني كلمة (فارقليط Paraclitos)، ويقول أهل اللغة أن كلمة Paraclete/Paraclitos هي في الأصل كلمة Periclyte/Periclitos، وهي الكلمة التي يعتقد أن السيد المسيح عليه السلام تلفظ بها، وهي كلمة سريانية أو أرامية بمعنى أحمد أو الإنسان الذي يحمد حمدًا كثيرًا.

يقول رحمة الله الهندي (5): «قد وصلت إليَّ رسالة صغيرة في لسان أردو من رسائل القسيسين في سنة ألف ومائتين وثمان وستين من الهجرة، وكانت هذه الرسالة طبعت في كلكته وكانت في تحقيق لفظ فارقليط، وادعى مؤلفها أن مقصوده أن ينبه المسلمين على سبب وقوعهم في الغلط من لفظ (فارقليط)، وكان ملخص كلامه: "أن هذا اللفظ معرَّب من اللفظ اليوناني، فإن قلنا إن هذا اللفظ اليوناني الأصل (پاراكليطوس) فيكون بمعنى المعزي والمعين والوكيل، وإن قلنا إن اللفظ الأصل

(1) رواه البخاري، كتاب المناقب: 3535

(2)

رحمة الله الهندي: إظهار الحق (2/ 228).

(3)

يوحنا 12: 47

(4)

يوحنا 14: 16

(5)

رحمة الله الهندي: إظهار الحق (2/ 231 - 3) باختصار وتصرف يسير.

ص: 430

(پيريكليطوس) يكون قريبًا من معنى محمد وأحمد، فمن استدل من علماء الإسلام بهذه البشارة فهم أن اللفظ الأصل (پيريكليطوس) ومعناه قريب من معنى محمد وأحمد، فادعى أن عيسى عليه السلام أخبر بمحمد أو أحمد، لكن الصحيح أنه (پاراكليطوس) " انتهى ملخصًا من كلامه.

فأقول: إن التفاوت بين اللفظين يسير جدًا وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة، فتبدل پيريكليطوس بپاراكليطوس في بعض النسخ من الكاتب قريب القياس، ثم رجح أهل التثليث المنكرين هذه النسخة على النسخ الأخر، ومثل هذا الأمر من أهل الديانة من أهل التثليث ليس ببعيد، بل لا يبعد أن يكون من المستحسنات!

والأمر الثاني: أن البعض ادعوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم أنهم مصاديق لفظ فارقليط، مثلًا منتنس المسيحي الذي كان في القرن الثاني من الميلاد، ادعى في قرب سنة 177 من الميلاد في آسيا الصغرى الرسالة وقال: إني هو الفارقليط الموعود به الذي وعد بمجيئه عيسى عليه السلام، وتبعه أناس كثيرون في ذلك كما هو مذكور في بعض التواريخ.

وذكر وليم ميور (1) حاله وحال متبعيه في القسم الثاني من الباب الثالث من تاريخه بلسان أردو المطبوع سنة 1848 من الميلاد هكذا: "أن البعض قالوا: إنه ادعى أني فارقليط يعني المعزي روح القدس وهو كان أتقى ومرتاضًا شديدًا ولأجل ذلك قبله الناس قبولًا زائدًا" انتهى كلامه. فعلم أن انتظار فارقليط كان في القرون الأولى المسيحية أيضًا ولذلك كان الناس يدعون مصاديقه وكان المسيحيون يقبلون دعاويهم.

وقال صاحب لُب التواريخ (2): "أن اليهود والمسيحيين من معاصري محمد [صلى الله عليه وسلم] كانوا منتظرين لنبي فحصل لمحمد من هذا الأمر نفع عظيم لأنه ادعى أني هو ذاك المنتظر" انتهى ملخص كلامه.

فأقول: إن اللفظ العبراني الذي قاله عيسى عليه السلام مفقود، واللفظ اليوناني الموجود ترجمة، لكني أترك البحث عن الأصل، وأتكلم على هذا اللفظ اليوناني الأصل پيريكليطوس، فالأمر ظاهر، وتكون بشارة المسيح في حق محمد صلى الله عليه وسلم بلفظ هو قريب من محمد وأحمد، وهذا وإن كان قريب القياس بلحاظ عاداتهم، لكني أترك هذا الاحتمال

(1) أحسبه يقصد المستشرق الاسكتلندي وليام موير William Muir (1819 - 1905 م).

(2)

وهو يحيى بن عبد اللطيف القزويني (ت. 960هـ).

ص: 431

لأنه لا يتم عليهم إلزامًا، وأقول: إن كان اللفظ اليوناني الأصل پاراكليطوس كما يدعون فهذا لا ينافي الاستدلال أيضًا، لأن معناه المعزي، والمعين، والوكيل - على ما بيَّن صاحب الرسالة -، أو الشافع كما يوجد في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1816م، وهذه المعاني كلها تصدق على محمد صلى الله عليه وسلم» اهـ.

لكن النصارى يصرون رغم ذلك على إنكار كون المُعَزِّي هو محمد صلى الله عليه وسلم ويقولون إن المراد هو روح القدس جبريل عليه السلام، قياسًا على نصوص أخرى، منها ما جاء بيوحنا:«ولكن المُعَزِّي، وهو الروح القدس، الذي أرسله الآب باسمي، سيعلمكم كل شيء ويجعلكم تتذكرون كل ما قلته لكم» (1).

وغير أن آثار الوضع واضحة، فهو أيضًا ادعاء باطل من وجوه:

منها أنه جاء في رسالة يوحنا الأولى: «أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم» (2)؛ فيلاحظ أن كلمة (أرواح) جاءت في العبارة مرادفة لكلمة (أنبياء)، ويلاحظ أيضًا أن العبارة حذرت من خروج أنبياء كذبة، ولكنه تحذير عام، وبالتالي فلا بد من وجود أنبياء صادقين في المقابل. ولقد طالب كاتب الرسالة بضرورة التمييز بين هذين النوعين من الأنبياء، ووضع في رسالته المعيار لاختبار صدق نبوة المدعين كما يلي:«بهذا تعرفون روح الله، كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله» (3).

وانظروا القرآن الكريم وتصفحوا، كم مرة ذكر فيها أن عيسى بن مريم هو المسيح عليه السلام؟ قال تعالى:{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (4)، وقال عز وجل:{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} (5)

فوفقًا للمقياس الذى وضعه يوحنا في رسالته يتضح بالمطابقة أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو المُعزِّي الآخر.

(1) يوحنا 14: 26

(2)

رسالة يوحنا الأولى 4: 1

(3)

رسالة يوحنا الأولى 4: 2

(4)

آل عمران: 45

(5)

النساء: 171

ص: 432

ولقد جاء بإنجيل يوحنا: «صدقوني، من الخير لكم أن أذهب، فإن كنت لا أذهب لا يجيئكم المعزي، أما إذا ذهبت فأرسله إليكم» (1)، وتشير العبارة السابقة إلى أن هذا المُعَزِّي لن يظهر إلا بعد رحيل المسيح عليه السلام، في حين أنه قد دلت بعض نصوص الإنجيل على مجيء الروح القدس قبل ولادة المسيح عليه السلام، كقوله:«وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس» (2)، بل وإنه قد جاء في حياته أيضًا، وذلك في قوله:«وحل الروح القدس عليه في صورة جسم كأنه حمامة» (3). غير أن ما يستقيم فهمه من تعليق المسيح عليه السلام مجيء المعزي الآخر بذهاب الأول - أي عيسى عليه السلام أنه لا بد أن يكون رجلًا (4) له نفس الطبيعة: يأكل (5)، ويشرب (6)، ويبكي (7)

إلخ، وهل الروح القدس رجل يأكل ويشرب ويبكي

؟ أم إنه لم يكن المعزي الآخر؟!: {قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَّسُولًا} (8).

يقول موريس بوكاي (9): «إن وجود كلمتي (الروح القدس) في النص الذي نملك اليوم قد يكون نابعًا من إضافة لاحقة إرادية تمامًا تهدف إلى تعديل المعنى الأول لفقرة تتناقض - بإعلانها بمجيء نبي بعد المسيح - مع تعاليم الكنائس المسيحية الوليدة التي أرادت أن يكون المسيح هو خاتم الأنبياء

ولكي تكون لنا فكرة صحيحة عن المشكلة، يجب الرجوع إلى النص اليوناني الأساسي، والنص اليوناني الذي رجعنا إليه هو نص Novum Testamentum Graece طبعة نستلى وألاند Nestle et Aland 1971، وما يهم هو أن المعروض هنا عن الدلالة المحددة لفعلي (يسمع) و (يتحدث) يسري على

(1) يوحنا 16: 7

(2)

لوقا 1: 67

(3)

لوقا 3: 22

(4)

أعمال الرسل 2: 22

(5)

مرقس 11: 12 - 14

(6)

يوحنا 19: 28

(7)

يوحنا 11: 35

(8)

الإسراء: 95

(9)

موريس بوكاي: القرآن والإنجيل والتوراة والعلم، ص (110 - 1) باختصار.

ص: 433