الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- -
{مدخل}
- -
منذ قرابة أربع سنوات، فرغت من إعداد مسودة هذا البحث، وأذكر أني حينها شعرت وكأني قد قدمت ما لم يسبقني إليه أحد فيما يخص كشف المؤامرة اليهودية (المشَّيحانية) الساعية في إقامة مُلك المسيح المنتظر (ابن داود)(2) الذي ستنقاد إليه جميع الأمم (3)؛ بدءًا بمحاولة (القوة الخفية) قتل المسيح ابن مريم عليه السلام الذي دعاهم إلى مملكة روحية ليست من هذا العالم (4)، وما تبع ذلك من فتن ومؤامرات أحدثوها في مشارق الأرض ومغاربها اتفقت في غايتها وإن لم تتفق في التدبير - على قول البعض - (5)، وما تمخضت عنه من ميلاد للدولة الصهيونية اللقيطة في الرابع عشر من مايو عام 1948م، تحقيقًا لوعد الرب:«سأخلِّص شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس. وأجيء بهم فيسكنون في وسط أورشليم ويكونون لي شعبًا وأكون لهم إلهًا بالحق والصدق» (6)، ممهدين بذلك الطريق لقدوم مسيحهم الدجال، «شر غائب يُنتظَر» (7)،
والذي سيقود شعبه
(1) د. عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، ص (11).
(2)
انظر، أشعياء 11: 1، وإرميا 23: 5 - 6
(3)
انظر، أشعياء 2: 2 - 4
(4)
يوحنا 18: 36
(5)
وعلى قول البعض الآخر أنها اتفقت في التدبير أيضًا.
(6)
زكريا 8: 7 - 8
(7)
جزء من حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا، أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمَر» [الترمذي، كتاب الزهد: 2306، وضعفه الألباني]. فائدة: يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله (773 - 852هـ): «من قال [المسيخ] بالخاء المعجمة صحَّف .... وبالغ القاضي ابن العربي فقال: ضل قوم فرووه (المسيخ) بالخاء المعجمة، وشدد بعضهم السين ليفرقوا بينه وبين المسيح عيسى ابن مريم بزعمهم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بقوله في الدجال (مسيح الضلالة)، فدل على أن عيسى ابن مريم مسيح الهدى، فأراد هؤلاء تعظيم عيسى، فحرفوا الحديث» اهـ[ابن حجر: فتح الباري (13/ 94)]. وأخذًا بهذا القول أشير إلى أن استخدامي للفظة (ماشَّيح/مسيا Messiah) - وسيأتي الحديث عنه - إنما هو من باب تعريب الكلمة العبرية ليس أكثر، ولقد أثبتُّه هكذا كما ورد بالأصل الذي أنقل عنه أمانةً في النقل لا بقصد التمييز.
وبعد أن طبعت المسودة عرضتها على أحد من أثق برأيهم. تلقيت منه ثناءً حسنًا على حسن التنسيق والإعداد، ولكني صدمت بقوله - الذي مفاده - أني لم أضف شيئًا جديدًا!!
حقيقة شعرت بالحزن المخلوط بالتعجب؛ فلم أكن أتوقع أن يكون أحد قد قدم هذا الموضوع على الوجه الذي قدمته به، وسوء تقديري هذا للأمر كان مرده - كما أحسب - إلى العُجب وضيق الاطلاع، ورحم الله الإمام ابن الجوزي (ت. 597هـ) إذ يقول (2):«أفضل الأشياء التزيد من العلم، فإنه من اقتصر على ما يعلمه فظنه كافيًا استبد برأيه، وصار تعظيمه لنفسه مانعًا له من الاستفادة، والمذاكرة تبين له خطأه» اهـ.
ولكن اليأس - بفضل الله وكرمه - لم يجد إليَّ مسلكًا، وشعرت بأن ما حدث هو من رحمة الله تعالى بي. فأصررت على إكمال المسير، وتوقفت عن الكتابة لفترة، وعكفت على الاطلاع وإعادة النظر في المسألة. وكان همي - لا يزال - هو تقوية مصادر البحث وإضفاء الجديد المميَّز، ولكن على الوجه الذي يخدم المسار ذاته!
وكان مما وقفت عليه هو مصنَّف الباحث الدكتور العلَم عبد الوهاب المسيري رحمه
(1) المزمور 149: 6 - 9
(2)
ابن الجوزي: صيد الخاطر، ص (113).
الله تعالى (1938 - 2008م) الفريد في بابه، (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)(1). فحينما تصفحت فهارسه شعرت وكأني أخوض بحرًا لجِّيًا لا يُرَى ساحله على مرمى البصر، وحينها علمت أن الأمر سيطول!
انتقيت من الموسوعة المباحث المتعلقة بموضوعي، وأذكر أن أول ما بدأت به كان المبحث المتعلق بپروتوكولات حكماء صهيون، المدون في المجلد الثاني من الموسوعة.
وهنا كانت صدمتي الثانية!!؛ حيث إني لم أجد فيما ذكره ما يخدم هدفي مطلقًا! بل على العكس، وجدت المبحث يتخذ مسارًا معاكسًا تمامًا لما اتخذته في بحثي.
أعدت القراءة عدة مرات، ولكن لا جدوى. فأخذت أجول بين صفحات الموسوعة ناشدًا ضالتي، ولكن الذي تبين لي أنها ما اتخذت هذا الطريق في الأصل! غير ذلك، فقد أصبت بحالة من الذهول من سعة اطلاع الرجل وعمق تفكيره، بل ومن وعورة أسلوبه كذلك، رحمة الله تعالى عليه.
وقتها استشعرت ضآلة حجمي، وأبقيت البحث قيد التنفيذ لحين وضوح الرؤية التي
(1) يقول الدكتور المسيري رحمه الله: «وقد يكون من المفيد أن أذكر تجربتي مع كتابة (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد)؛ فعندما بدأت في كتابتها بشكل جدي عام 1984م وصلني ثلاثة عشر خطاب تهديد بالقتل من منظمة كاخ Kach؛ ستة منها في الرياض حيث كنت أقوم بالتدريس في جامعة الملك سعود، وستة في القاهرة حيث أقيم، أما الخطاب الثالث عشر فقد وصلني بعد يومين اثنين من وصولي من الرياض إلى القاهرة، وجاء فيه ما يلي:"نحن نعلم أنك قد عدت لتوك من الرياض ونحن نعد لك قبرًا"
…
وكان الهدف بطبيعة الحال ألا نستمر في عملنا (وبالفعل جاء في أحد الخطابات "إن لم تتوقف عن مهاجمة الصهيونية في أعمالك فإننا سنرديك قتيلًا"). أبلغنا السلطات المصرية التي قامت بحمايتنا. بل إن الصحف الإسرائيلية أخبرت مائير كاهانا Meir Kahane [1932 - 1990 م]، رئيس منظمة كاخ - الذي اعترف في حوار أجرته معه صحيفة (يديعوت أحرونوت Yedioth Ahronoth) أنه مرسل الخطابات - أنه لو بدأ في عمليات اغتيال ضد المثقفين المصريين فيمكن أن يكون هناك رد فعل مصري عنيف، وأنه من الأفضل ألا يفعل، فارتدع. وهذا يبين أن قوة اليهود ليست مطلقة، وأنهم يفهمون في موازين القوى. ومدَّ الله في عمرنا، وبعونه وبفضله انتهينا من كتابتها عام 1999م» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (18 - 9) باختصار وتصرف يسير].
تشوشت بداخلي نتيجة الصدمات المتتالية!
كان مما أثار انتباهي كثرة حديث الدكتور المسيري رحمه الله عما سماه (النموذج الاختزالي والنموذج المُرَكَّب)؛ حيث أصَّل هذا التعريف في المجلد الأول من موسوعته وأفرد له بحثًا مستقلًا، ثم طبَّق هذا الأصل على باقي مباحث الموسوعة.
وشعورًا مني بأن قارئ هذه الورقات قد أُغلِق عليه فهم ما أرمي إليه في حديثي، فإني أُصَدِّر هذا الفصل بمدخل أتناول فيه إشكالية الاختزال والتركيب هذه، ولعل دافعي هو الرغبة في تكوين رؤية أكثر دقةً وعمقًا وأكثر واقعية ومنطقية وانضباطًا بالشرع لتقدير حجم العدو الذي يواجهه العالم الإسلامي، وكما قال نبي الله شعيب عليه السلام:{إِنْ أُرِيدُ إِلَاّ الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَاّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (1).
…
فبدايةً .. ما المقصود بالنموذج الاختزالي والمركَّب؟
النموذج الاختزالي: يعرِّفه الدكتور المسيري بأنه «النموذج الذي يتجه نحو اختزال العالم إلى عدة عناصر (عادةً مادية) بسيطة. فالظواهر، حسب هذا النموذج، ليست نتيجة تفاعُل بين مركَّب من الظروف والمصالح والتطلعات والعناصر المعروفة، والمجهولة من جهة، وإرادة إنسانية حرة وعقل مبدع من جهة أخرى، وإنما هي نتاج سبب واحد بسيط عام أو سببين أو ثلاثة (قد يكون قانونًا طبيعيًا واحدًا، أو دافعًا ماديًا واحدًا، أو قوة مدبرة خارقة)، تنطبع على عقل متلق لهذا القانون أو الدافع أو القوة
…
ومهما تنوَّعت الأسباب وتعدَّدت، فإن التنوع والتعدد من منظور النموذج الاختزالي مسألة ظاهرية، إذ إن كل الأسباب عادةً ما تنحل كلها وتمتزج، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، لتصبح مبدًا واحدًا ثابتًا لا يتغيَّر، تخضع له كل الظواهر بشكل مباشر يُلغي كل الخصوصيات والثنائيات وأشكال التنوع.
ولهذا السبب فإن النماذج الاختزالية نماذج مطلقة مغلقة ترى التاريخ كيانًا يتحرك بطريقة واحدة ونحو نقطة واحدة. وأحداث التاريخ والواقع الإنساني ككل هي نتاج بطولة بطل أو بطلين، أو نتاج عقل واحد متآمر وضع مخططًا جبارًا وصاغ الواقع حسب هواه،
(1) هود: 88
أو نتاج نظرية ثورية فورية أو فكرة انقلابية جذرية أو عودة مشيحانية أو حتمية تاريخية أو بيئية أو وراثية أو العنصر الاقتصادي أو الدافع الجنسي».
أما النموذج المركب: فهو النموذج الذي «يحوي عناصر متداخلة مركبة (أهمها الفاعل الإنساني ودوافعه) بحيث يعطي الإنسان صورة مركبة عن الواقع ولا يختزل أيًا من عناصره أو مستوياته المتعددة أو تناقضاته أو العوامل المادية والروحية، المحدودة واللامحدودة والمعلومة والمجهولة، التي تعتمل فيه. وهو النموذج الذي لا يمكنه أن يطرح نهاية للأشياء بسبب تركيبيته، فهو نموذج تفسيري اجتهادي منفتح وليس نموذجًا موضوعيًا متلقيًا ماديًا» اهـ (1).
ونحن حينما نتعرض للتاريخ اليهودي على وجه الخصوص، نجد الدكتور المسيري يعرفه بأنه «مصطلح يتواتر في الكتابات الصهيونية والغربية، وفي الكتابات العربية المتأثرة بها. وهو مصطلح يفترض وجود تاريخ يهودي مستقل عن تواريخ الشعوب والأمم كافة، كما يفترض أن هذا التاريخ له مراحله التاريخية وفتراته المستقلة ومعدل تطوُّره الخاص، بل وقوانينه الخاصة. وهو تاريخ يضم اليهود وحدهم، يتفاعلون داخله مع عدة عناصر مقصورة عليهم، من أهمها دينهم وبعض الأشكال الاجتماعية الفريدة. ومفهوم التاريخ اليهودي مفهوم محوري تتفرع منه وتستند إليه مفاهيم الاستقلال اليهودي الأخرى ومعظم النماذج التي تُستخدَم لرصد وتفسير سلوك وواقع أعضاء الجماعات اليهودية» اهـ (2).
المسألة كما يتبين من الوهلة الأولى معقدة بعض الشيء ومتشعبة المسالك. ولذا، فإن المتجه لدينا - لعدم الاستطراد - هو تبيان خطورة سيطرة هذه الرؤية الاختزالية للتاريخ اليهودي على الفكر الإسلامي المعاصر، مع الاجتهاد في وضع الأمور في نصابها الشرعي الصحيح، لعلي أكون صاحب أجرين إن أصبت، أو أجر واحد إن أخطأت ..
(1) للتوسع، انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (1/ النموذج الاختزالي والنموذج المركب).
(2)
السابق (4/ تاريخ يهودي أم تواريخ جماعات يهودية؟).
فنقول: إن المتتبِّع يلاحظ أن الرؤية السائدة المسيطرة في كثير من أحوالها على العقلية الإسلامية فيما يخص التاريخ اليهودي (المقدس) هي ذات الرؤية التي نجح الإعلام الصهيوني الخبيث في الترويج لها؛ «فكتابة التاريخ هي نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وبما أن الحاضر يتغير على الدوام، فإن نقطة الالتقاء هذه في حركة مستمرة، ومن خلال هذه النقطة، أي قراءة التاريخ، يستطيع المؤرخ أن يتسلل إلى العقل الفردي والجماعي بتقديم النماذج التاريخية والمواقف التي تخدم أهدافه» (1).
والرؤية (المقدسة) للتاريخ اليهودي، تتمثل في المتتالية الآتية:(نفي وشتات - إحساس يهودي دائم بالنفي والرغبة في العودة - قدوم المسيح - عودة وسيطرة تحت قيادته).
ولقد أحدث الصهاينة بعض التصرف في هذه المتتالية فصارت على النحو التالي: (نفي وشتات - إحساس يهودي دائم بالنفي والرغبة في العودة - عودة مجموعة من اليهود (عودة مادية فعلية) للإعداد لقدوم المسيح - قدوم المسيح - عودة وسيطرة تحت قيادته).
علمًا بأن الرؤية الإسلامية لهذه المتتالية لا تدور - بالطبع - في إطار التسليم بتحققها في المستقبل على الوجه الذي يبثه الصهاينة، وإنما تدور في إطار الاعتقاد في مساعي اليهود المنظمة المتصلة - منذ النفي إلى العودة - لتحقيقها.
وهذا قول رد، وهو زور وبهتان، دعمه - في نظري - أمران: الأول: هو التأييد الحالي لغالب اليهود للصهيونية ودعمهم إياها، حتى صارت كلمة يهودي ترادف في غالب أحوالها كلمة صهيوني (2). والثاني: هو الترويج الواعي وغير الواعي لما جاء فيما يعرف باسم (پروتوكولات حكماء صهيون) وما شابهها، والتي يقول عنها الدكتور المسيري (3):«لا أعرف أحدًا من الدارسين الجادين للظواهر اليهودية والصهيونية يعتمد هذا الكتاب مرجعًا لدراسته» اهـ.
(1) د. قاسم عبده قاسم: القراءة الصهيونية للتاريخ، ص (5).
(2)
ولقد تبقَّت حركات يهودية صغيرة تناهض الصهيونية أحدها فيما أعلم حركة (ناطوري كارتا Neturei Karta) الأرثوذكسية.
(3)
د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (13).
سنرجئ الحديث عن الپروتوكولات إلى حينه .. ولكن، قد يقول قائل: إذا كانت النبرة اليهودية السائدة اليوم هي النبرة الصهيونية، فما الداعي لهذا (الجدل البيزنطي) العقيم؟!
أقول: إن هذا الجدل البيزنطي له مغزى، وهو التنبيه على خطورة الاعتقاد في هذه المتتالية التاريخية ثم الترويج إليها على هذا الوجه؛ لأنه وجه زائف يحوي مغالطة ذات شقين: تآمري وعاطفي؛ فعلى الجانب التآمري، فهي بالتالي تخلق شعورًا بوجود مؤامرة عالمية منظمة تضرب بجذورها في عمق التاريخ البشري، كما يقول محمد خليفة التونسي رحمه الله (ت. 1408هـ) (1):«لليهود منذ قرون خطة سرية غايتها الاستيلاء على العالم أجمع، لمصلحة اليهود وحدهم، وكان ينقحها حكماؤهم طورًا فطورًا حسب الأحوال، مع وحدة الغاية» اهـ.
فالمُعتقَد لدى الكثير منَّا أنه منذ أن تآمر ملك اليهود هيرودس أجريپا Herod Agrippa (10 ق. م-44م) ورهط آخرون على قتل المسيح عليه السلام اعتقادًا في تجديفه، وبعد أن عاقبهم الله تعالى وقطَّعهم في الأرض أممًا، سعى اليهود مساعي جادة بطرق شتى للعودة إلى الأرض المقدسة، إلى أن تحقق الحلم في إقامة دولة اليهود Judenstaat التي وضع لبنتها الأولى ثيودور هرتزل Theodor Herzl (1860 - 1904 م)، ولم يخلُ الأمر حتمًا من وقوع سلسلة من المؤامرات (المتناقضة/المنظمة)! شرقًا وغربًا لنشر الإلحاد والفساد بين الجوييم Goyim أو الچنتيل Gentiles أو الأمميين (2)، تمهيدًا لظهور المسيح حاكم اليهود المنتظر، والذي لا بد أن يسبق قدومه شيوع للفساد بين الأمميين. فكأن اليهود صاروا بذلك (آلة قدرية) تهيء الأجواء وفقًا لمعتقداتهم، وكأن البشر صاروا بين أيديهم أحجارًا على رقعة الشطرنج، كما يصف وليم جاي كار (1895 - 1959م) في كتابه المعروف (3).
(1) محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، پروتوكولات حكماء صهيون، ص (34 - 5).
(2)
كما يطلقون على غير اليهود، والجوييم في عرفهم هم وثنيون وكفرة وبهائم وأنجاس
…
إلخ.
(3)
William Guy Carr: Pawns in the Game، وهذه الرؤية الاختزالية (العربية/الإسلامية) تتجلى في الكتابات التي تناقش ما يتعلق بأمر الماسونية. وإن كنت لا أجد مجالًا للتوسع في مناقشة حقيقة الماسونية =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الغامضة، إلا أنه قد يكون من المفيد إيضاح الأمر باختصار. فالماسونية يعرِّفها الدكتور صابر طعيمة وغيره بأنها «حركة تنظيمية خفية قام بها على الأرجح حاخامات التلمود وخاصة في مراحل الضياع السياسي الذي تعرض له يهود العهد القديم، فأخذ الحاخامات على عاتقهم إقامة تنظيم يهودي يهدف إلى إقامة مملكة صهيون العالمية» اهـ[انظر، د. صابر طعيمة: الماسونية ذلك العالم المجهول، ص (11)] .. غير أن هذا الكلام فيه نظر، والآخذ به اعتمد على ما ذكره عوض الخوري في كتابه (تبديد الظلام/أصل الماسونية)، والذي يقدم فيه تأريخًا للماسونية يصفه الدكتور طعيمة بأنه «يختلف به عن كثير من الآراء والافتراضات التي تنقصها الموضوعية ويعوزها الدليل» [المصدر نفسه، ص (21)]. ومفاد ما ذكره الخوري أنه في إحدى زياراته لصديقه پرودانتي دي مورايس Prudente José de Morais (1841 - 1902 م) رئيس جمهورية البرازيل حينها، التقى بلوران چورچ، حفيد أحفاد أحد التسعة أجداد مؤسسي جماعة (القوة الخفية) التي ترأسها ملك اليهود هيرودس أجريپا، والتي تآمرت على قتل المسيح عليه السلام، ثم مرت بعدة أطوار على مدار الزمان حتى صارت الماسونية العالمية بأشكالها المختلفة. والقصة بطولها ينقلها الدكتور طعيمة في كتابه، وأحيل القارئ على ص (20) من كتابه وما بعدها لعدم الإطالة، وكفانا هنا القول بأن سند ما يرويه الخوري عن لوران هذا عن جده الأكبر (موآب لافي)، كاتم أسرار الجماعة، إنما هو سند (أبتر)، ويعج بالمجاهيل، ودع عنك مسألة العدالة! والحاصل أنه أشبه ما يكون بالروايات الپوليسية غير المحبوكة .. إذن، فما يترجح لدي من أقوال عن تاريخ الماسونية هو قول لويس شيخو اليسوعي (1859 - 1928م)؛ فبعد أن نقل أقوال أعلام الماسونية العرب كشاهين مكاريوس (1853 - 1910م) وچورچي زيدان (1861 - 1914م)، والتي وصفها بأنها «الأساطير التي تغلب على أحاديث خرافة ويجدر بها أن تلحق بأقاصيص الزير وبني هلال وعنتر!» ، يكشف شيخو حقيقة الأمر ويقول: «لا يُنكر أنه شاعت بين الوثنيين في القرون السابقة لعهد المسيح عدة جمعيات سرية كانت تحجب أسرارها الفاسدة تحت ستر الظلمة فتدَّعي ظاهرًا ترقية العلوم أو التقرب من الآلهة وهي في الواقع موارد خلاعة وتهتُّك
…
»، إلى أن يقول: «إنه لأقرب من العقل والتصديق أن يقال إن الماسونية هي حفيدة لجمعيات أخر وشيع سرية ظهرت في أوائل النصرانية، فقامت لمناصبة الدين المسيحي، وتعرضت لأربابه، وبثت في حقه الأكاذيب والتهم، إلا أن سهمها طاش عن غرضه. وكان أصحاب هذه الشيع يعرفون باسم الأدريين ويتظاهرون بخدمة العلوم وما كانت علومهم سوى أوهام استعاروها من التنجيم والنيرنجيات وفنون السحر وغاياتها في الغالب تعظيم القوى الطبيعية ورفع البشرية إلى درجة اللاهوت على مقتضى مبدأ الحلولية أو الانتشار. وقامت في القرن الثالث للميلاد الشيعة المانوية فأخذت من أقوال الأدريين وزادت عليها مبدأ الثانوية فجعلت إلهًا للخير وإلهًا للشر يتنازعان بينهما السيطرة في العالم. ولا شك أن في المذهب الماسوني بقايا من تلك الشيع كما أقر بالأمر أحد زعماء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الماسونية الكبار في ألمانيا ومنشئ بعض فرقها المعروفة بفئة المتنورين Illuminati، نريد الدكتور وَيسهوپت Adam Weishaupt [1748 - 1830 م]
…
ومن أجداد الماسونيين الذين لهم حقوق الأبوة عليهم شيعة الهيكليين. كان هؤلاء أول أمرهم طائفة رهبانية مركزها في القدس الشريف أنشئت للدفاع عن الأراضي المقدسة في أيام الصليبيين، إلا أنها بعد حقبة من الدهر زاغ رهبانها عن قوانينهم، وأهملوا نذورهم الصالحة، وتسرب إليهم حب الملاذ، فاختلطوا بشيع شرقية ساد فيها الفساد، وائتسوا بآداب أصحابها، وحذوا حذوهم في المنكرات فشذبتهم الكنيسة وأمرت بإلغائهم، وبقي منهم بقايا نفثوا بعد ذلك سمَّهم بالشيع الماسونية
…
وأخيرًا في الماسونية أيضًا وفي طقوسها وشعائرها وأحكامها عدة أشياء تشير إلى تاريخ اليهود وسننهم وعاداتهم ولا سيما إحدى شيعهم السرية بعد المسيح تعرف بشيعة القبَّاليين انتشرت في العصور الوسطى ومزجت بين التعاليم الفلسفية والأقوال السفسطية والأضاليل السحرية
…
وآثار تلك الشيعة اليهودية ظاهرة في أعمال الماسونية ورُتبها وأزيائها وطقوسها وشعائرها السرية
…
فكل هذه النِحَل التي سبق ذكرها قد تعاقبت وتناصرت وائتلفت فتركبت من مجموعها الشيع الماسونية فكانت تلك الفرق كسواعد جرت مياهها إلى نهر كبير أو بالأحرى كجداول إلى سيل جحاف هد سدوده وتجاوز حدوده وعاث ما شاء في السهول والأودية» اهـ[لويس شيخو: السر المصون في شيعة الفْرِمَسُون، الكراس الأول، ص (5 - 12) باختصار]. يقول الدكتور المسيري: «والماسونية هي بنت محيطها الحضاري التاريخي والجغرافي، فلا يوجد نسق عالمي واحد ينطبق على الماسونيين في كل زمان ومكان، فقد كانت ألمانية في ألمانيا، وإنجليزية في إنجلترا وفرنسية في فرنسا. ولذا، فقد تغيرت هي ذاتها مع تغير أوروپا
…
وتقوم بعض أدبيات معاداة اليهود بالربط بين اليهود والماسونيين وتذهب إلى أن ثمة تعاونًا سريًا بين الفريقين للسيطرة على العالم ولتخريب المجتمعات
…
وغني عن القول أن مثل هذه العلاقة التآمرية (المباشرة) لا وجود لها. وبحسب ما توفر لدينا من وثائق، ليست هناك هيئة مركزية عالمية تضم كل المحافل الماسونية. كما أن هناك يهودًا معادين للماسونية وماسونيين معادين لليهود
…
وتحرم اليهودية الأرثوذكسية على اليهود الانضمام إلى المحافل الماسونية، وتعتبر من ينضم إليها خارجًا على الدين، هذا على خلاف الصيغ اليهودية المخففة مثل اليهودية الإصلاحية
…
وقد قامت بعض المحافل الماسونية العربية بنقد الصهيونية واشتركت بعض القيادات الماسونية في المقاومة ضد الاستيطان الصهيوني. وعكس ذلك صحيح أيضًا
…
وقد برز اليهود في الحركة الماسونية؛ فقد حلت الماسونية مشكلة هؤلاء اليهود الذين اغتربوا عن يهوديتهم، والذين ازدادت معدلات العلمنة بينهم، والذين كانوا يريدون الاندماج في مجتمع الأغيار ولكنهم لا يريدون التنصر» [د. عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية، ص (125 - 136) باختصار وتصرف]. =
وهذا اعتقاد «لا يقوم على ساقٍ صحيحة ولا ساق عرجاء» ! (1).
أما على الجانب العاطفي، فلقد روج الصهاينة لهذه الصورة المختزلة للشتات اليهودي، مع إبراز وتضخيم صور العداء لليهود على مر العصور في محاولة لاحتكار دور الضحية واستمالة الرأي العام لصالحهم، بل وتوظيفه في خدمة مشروعهم السياسي الاستعماري التوراتي. وكأن ما وقع بهم من بلاء لا يُنكَر في مختلف البقاع - رغم أنه لم يكن القاعدة - لم يكن نتاجًا لما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد، وكأنهم لم يستحقوا وعيد الله تعالى لهم:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (2)، بل زعموا أن ما حلَّ بهم إنما جاء نتيجة خطأ إلهي بدر منه في وقت طيش! «وقد اعترف الله بخطئه في تصريحه بتخريب الهيكل، فصار يبكي ويمضي ثلاثة أجزاء الليل يزأر كالأسد قائلًا: تبًا لي لأني صرحت بخراب وإحراق الهيكل ونهب أولادي» ، كذلك فإنه «يندم على تركه اليهود في حالة تعاسة حتى إنه يلطم ويبكي كل يوم فتسقط من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه، وتضطرب المياه، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان فتحصل الزلازل!!» ، «ولما يسمع الباري تعالى تمجيد الناس له يطرق رأسه ويقول: ما أسعد المَلِك الذي يُمدَح ويُبَجَّل مع استحقاقه لذلك، ولكن لا يستحق شيئًا من المدح الأب الذي يترك أولاده في الشقاء» (3)،
= وملخص هذا الأمر نجده في قول الزعيم النازي أدولف هتلر: «وحرصًا منه على تقوية مركزه في الدولة عمل جاهدًا في سبيل دك الحواجز التي كانت تعوق خطاه كعنصر دخيل يريد أن يمثل دورًا رئيسيًا. وكان عليه أن يبدأ بالدعوة إلى التسامح الديني، فاستخدم الماسونية - وكانت قد أضحت أداة طيعة بين يديه - في تحقيق هذه الغاية. وكانت الماسونية قد جذبت إلى شراكها الحكام والنبلاء وأقطاب الاقتصاد والبورجوازيين ورجال الفكر» اهـ[أدولف هتلر: كفاحي، ص (180)].
(1)
التعبير للشيخ محمود شاكر رحمه الله، قاله في كتابه: أباطيل وأسمار، انظره ص (167).
(2)
الأعراف: 167
(3)
انظر، د. يوسف نصر الله: الكنز المرصود في قواعد التلمود، ص (56) .. وهو ترجمة لكتابين، أحدهما: اليهودي وفق التلمود Der Talmudjude، للَاّهوتي الألماني الدكتور أوجست رولنج August Rohling (1839 - 1931 م) (والترجمة كانت للنسخة الفرنسية من الكتاب: Le Juif Selon Le Talmud)، أما الكتاب الآخر فهو: العلاقة التاريخية للمسائل السورية منذ عام 1840 إلى 1842م Relation Historique des Affaires de Syrie depuis 1840 jusqu'en 1842، [أو (تاريخ سوريا لسنة 1840م)، كما يذكر المترجم]، للمؤرخ الفرنسي أشيل لوران Achille Laurent.
(4)
المائدة: 64
نحن لا ننكر وجود مؤامرة أكيدة واضحة المعالم، كذلك صحيح هو قول القائل:«إذا كان عدوك نملة فلا تَنَمْ له» ، ولكن ما نرفضه هو اختزال هذه المؤامرة وحصرها في هذه الزاوية الضيقة، والتي بالتالي تنسب إلى اليهود قوة عجائبية خارقة يرتد إليها كل الشرور والكوارث العالمية، وهذا بالتالي يزيد من هيبة العدو ويؤدي بنا إلى الفشل في تقدير حجمه الحقيقي، بل ويتجاهل الوجود الفعلي لأعداء أُخَر من غير يهود قد يكونون في كثير من الأحوال أشد خطرًا منهم.
كذلك نرفض ربط كل الحوادث والثورات والانقلابات العالمية (كالثورة الفرنسية والبلشفية) واختزالها بكل بساطة في المؤامرة اليهودية العالمية بغض النظر عن مركب الظروف والدوافع المحيطة، لأن هذا من الكسل الفكري، وعقلنا البشري «إن لم يجد نموذجًا تفسيريًا ملائمًا لواقعة ما، فإنه يميل إلى اختزالها وردها إلى أياد خفية تُنسَب إليها كافة التغييرات والأحداث» (1)، وهذه اليد هي اليد اليهودية عادة!
وحقيقة أعجبني قول الباحثة الدكتورة ريچينا الشريف (2): «معظم المؤرخين والمحللين السياسيين يعزون نجاح الصهيونية - الذي بلغ أَوْجَهُ في قيام دولة يهودية في إسرائيل - إلى المواهب السياسية والديپلوماسية لليهود الصهيونيين من أمثال حاييم وايزمان Chaim Weizmann [1874 - 1952 م]، أو لويس برانديس Louis Brandeis [1856 - 1941 م]، أو ناحوم سوكولوف Nahum Sokolow [1859 - 1936 م]، الذين عملوا بلا كلل على التأثير في الشخصيات غير اليهودية. ويعزى معظم الفضل في صدور وعد بلفور Balfour Declaration، عادة، إلى وايزمان وطاقاته الجبارة وتصميمه وإخلاصه
…
ويندر أن تعزى قصة نجاح الصهيونية لغير اليهود. غير أن مثل
(1) د. عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، ص (11).
(2)
د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، جذورها في التاريخ الغربي، ص (10) باختصار وتصرف يسير. Regina S. Sharif: Non-Jewish Zionism: Its Roots in Western History
هذه التفسيرات لقوة الصهيونية ساذجة جدًا، إذ إن مواهب وايزمان في الديپلوماسية الدولية والإقناع، مهما بلغت من القوة، ما كانت لتؤتي ثمارها لو لم يكن أشخاص من غير اليهود قد بذروا بذور الصهيونية ورعَوْها قبل ظهور كتاب (الدولة اليهودية) لهرتزل عام 1896م» اهـ.
فيصح إذن وجود أثر العنصر اليهودي في كثير من الحوادث التاريخية الجذرية، وقد يُقبل أحيانًا في حقهم القول بأنهم «كالملاح الماهر ينتفع لتسيير سفينته بكل تيار وكل ريح مهما يكن اتجاهه، ويسخره لمصلحته سواء كان موافقًا أو معاكسًا له» (1)، ولكن هذا مقبول على المستوى الفردي، أو حتى على المستوى الجماعي لا العالمي، وهو لا ينطبق على اليهود وحدهم، بل وكذلك لا يعني بالضرورة كونهم حكومة العالم الخفية كما يصفهم آرثر شيريپ سپيريدوفيتش (1858 - 1926م) في كتابه (2)، فأي حكومة واضحة المعالم منظمة ومقسمة الأدوار والواجبات تقوم على أكتاف قوم قال الله تعالى فيهم:{وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (3)، وقال تعالى فيهم كذلك:{بَاسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} ؟! (4).
وتأمل ما قاله أدولف هتلر في حقهم «بأن روح التضحية لا تتعدى عند الشعب اليهودي نطاق (الأنا)
…
فروح التضحية لا تتجلى ما لم يشعر كل فرد بأنه مهدد. والتضامن يصبح واجبًا في حالتين: حيال عدو مشترك أو فريسة مشتركة. فإذا انعدم الحافز تكون الأنانية هي الطابع الغالب، ويصبح هَمّ اليهود أن يكيد بعضهم لبعض وأن ينهش بعضهم بعضًا» اهـ (5).
والمثال قد يكون ساذجًا، ولكنه لا يخلو من إشارة مفيدة: وإلا، فعلام يحمل قول حاييم وايزمان (اليهودي الصهيوني) في مذكراته (6): «
…
وفي سويسرا تلك عرفت لينين، وپليخانوف، وتروتسكي، وكان كل هؤلاء يهودًا، إلا أنهم كانوا كلهم يحتقروننا،
(1) محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص (95).
(2)
Arthur Cherep-Spiridovich: The Secret World Government
(3)
المائدة: 64
(4)
الحشر: 14
(5)
أدولف هتلر: كفاحي، ص (171).
(6)
مذكرات وايزمان، ص (17)، المعروفة باسم (التجربة والخطأ Trial and Error).
نحن دعاة الصهيونية، وكانوا يقولون: إن اليهودي الروسي يجب أن يصلح روسيا وطنه، لا أن يتهرب منها، ويدعو نفسه يهوديًا. وكنت أنا أبادلهم احتقارًا باحتقار، وكرهًا بكره
…
»، ومعلوم أن فلاديمير لينين Vladimir Lenin (1870 - 1924 م) وچيورچي پليخانوف Georgi Plekhanov (1856 - 1918 م) وليون تروتسكي Leon Trotsky (1879 - 1940 م) وغيرهم هم من رواد الشيوعية الملحدة، وأن أصول كثير منهم يهودية. فكيف تكون إذن حكومة عالمية واحدة كما تذكر الپروتوكولات في ظل مشاعر الكره المتبادلة تلك؟ هل يحمل كلامه على أنه تقية؟! هذا مستبعد.
ولقد قال ربنا عز وجل: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} (1)، فكيف يعتقد إذن أن لليهود حكومة عالمية وأنهم «لا تتأدى بهم الغفلة - وهم يؤسسون إسرائيل في فلسطين أو أقطار الشرق الأوسط - إلى حد نزوحهم جميعًا من أقطار العالم، وتكدسهم في هذه الدولة، وإن كل ما يهدفون إليه هو اتخاذ هذه الدولة مركزًا يتدفق إليه ذهبهم، ويسيطرون منه على التجارة وأعمال الصيرفة العالمية بين الشرق والغرب، وينشرون منه المكايد التي تطيح بالعوائق ضد تسلطهم على العالم. هذا مع احتفاظهم بتشتتهم في أقطار الأرض كما هم الآن، ليسيطروا عليها ويستغلونها، فمن ضاق به العيش في قطره هجره إلى هذه الدولة» ؟! (2).
الشاهد: أنه من أجل إعطاء الأمور حجمها الطبيعي، بلا تهوين أو تهويل، لا بد من إخضاعها لمركَّب من الظروف الاجتماعية المحيطة بها. وإن كان اليهود قد برزوا في
(1) الأعراف: 168. يقول الدكتور حسن ظاظا رحمه الله: «جميع البحوث الاجتماعية والتاريخية والأنثروپولوچية تؤكد أن اليهودي يعتبر من أبعد الجماعات البشرية عن النقاء العنصري الذي يدَّعيه، وفي ذلك يقول العلامة السويسري أوچين پيتار Eugène Pittard [1867 - 1962 م]: "إن جميع اليهود في نظر علماء الأنثروپولوچيا Anthropology [علم الإنسان]، على الرغم من كل ما يدَّعيه اليهود المنضوون تحت الفكرة العنصرية الإسرائيلية، بعيدون عن الانتماء إلى جنس يهودي. وكما يقول رينان [أظنه يقصد الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان Ernest Renan (1823 - 1892 م)]: (لا تجد سَحْنة يهودية، بل هناك عدة سحنات يهودية) ". وليس هناك أصح من قوله هذا» اهـ[د. حسن ظاظا: الشخصية الإسرائيلية، ص (35)].
(2)
محمد خليفة التونسي: الخطر اليهودي، ص (80 - 1).