الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الأساطير القديمة عاجزة، فبدأ يضيف إليها ذرائع سياسية يستطيع رئيس وزراء بريطانيا أن يتفهمها ويستوعبها.
وكتب شافتسبري في يومياته (14 يونيو 1838م) ما نصه: «أمس تناولت العشاء مع پالمرستون، ورحت بعد العشاء أحدثه عن مأساة اليهود وعذابهم، وكان يستمع إليّ وعيناه نصف مُغمضتين يمسك بيده كأس براندي Brandy يرشف منه ما بين وقت وآخر. وعندما تركت حديث المأساة اليهودية ورحت أحدثه عن المصالح والمزايا التجارية والمالية التي تنتظر بريطانيا في الشرق، لمعت عيناه، وتبدى اهتمامه، وترك كأس البراندي على المائدة بجانبه وراح يسمعني» اهـ (1).
إن الوثائق البريطانية في تلك الفترة حافلة بالشواهد على تطور فكر رئيس وزراء بريطانيا حتى وصل إلى تحديد ثلاثة أهداف للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وحتى راح يبني وراء هذا الفكر تحالفًا من القوى الأوروپية الكبرى تؤيده قبل أن يضيع إرث الخلافة على الجميع.
كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:
1 -
إخراج محمد علي من سوريا لفك ضلعي الزاوية المصرية-السورية.
2 -
حصر محمد علي داخل الحدود المصرية وراء صحراء سيناء، وتحويل هذه الصحراء إلى نوع من (سدادة الفلين) تقفل عنق الزجاجة المصرية التي يمثلها وادي النيل (والتشبيه من خطاب لروتشيلد موجَّه إلى پالمرستون بتاريخ 21 مايو 1839م).
3 -
قبول وجهة النظر القائلة بفتح أبواب فلسطين لهجرة اليهود إليها وتشجيعهم على إنشاء شبكة من المستعمرات الاستيطانية فيها ليكون منها ذات يوم عازل يحجز مصر عن سوريا، ويمنع لقاءهما في الزاوية الاستراتيچية الحاكمة (2).
وهكذا، وكما تقدم، وجد پالمرستون ضالته المنشودة - لإيجاد موطئ قدم في الإرث العثماني - في اليهود، فصاروا هم الأقلية التي تدعي بريطانيا حمايتها، كما ادعت فرنسا
(1) انظر السابق.
(2)
السابق (1/ 40).
وروسيا حماية أقلياتها من الكاثوليك والأرثوذكس.
تذكر ريچينا الشريف أنه «في عام 1838م، وبناء على إلحاح شافتسبري، نفذ لورد پالمرستون قرارًا سابقًا بفتح قنصلية بريطانية في القدس وتعيين نائب قنصل هناك، وهو وليام تانر يونج William Tanner Young، وهو إنجيلي متدين وصديق للورد شافتسبري» (1).
وتقول باربرا تخمان (2): «لقد كتب اللورد پالمرستون خطابًا لسفيره في القسطنطينية عن اليهود، وسط محاولاته لمنع انهيار مفاجئ للإمپراطورية العثمانية. قال في خطابه: "يوجد في الوقت الحالي بين اليهود المتفرقين في أنحاء أوروپاشعور قوي أن الوقت يقترب بالنسبة لأمتهم كي تعود إلى فلسطين
…
وسيكون مهمًا للغاية بالنسبة للسلطان أن يشجع اليهود للعودة والاستقرار في فلسطين؛ لأن الثروة التي سيعودون بها إلى فلسطين سوف تزيد من الموارد الموجودة في البلاد التي يحكمها السلطان، ومن ناحية أخرى، فإن اليهود إذا عادوا تحت تصديق ودعوة وحماية السلطان، سوف يكونون بمثابة اختبار لأي نوايا سيئة مستقبلية من ناحية محمد علي أو خليفته
…
وعليّ لأنصح سيادتكم بشدة أن تشيروا على الحكومة التركية بتقديم كل التشجيع ليهود أوروپابالعودة إلى فلسطين". ولقد كان خطاب پالمرستون بتاريخ 11 أغسطس سنة 1840م، وفي 17 أغسطس نشرت (التايمز) خطة رائدة "لزرع اليهود في أرض آبائهم"، وأن هذه الخطة، كما تقول الجريدة، تمر الآن بفحص سياسي جاد. لقد أشادت الجريدة بأن مجهودات اللورد آشلي [لورد شافتسبري] صاحب الخطة مجهودات عملية وحكيمة. وقد نشرت الجريدة إحصائية كان يقوم بها آشلي عن رأي اليهود، لكي يعرف شعورهم نحو موضوع العودة إلى الأرض المقدسة، ومتى سيكونون مستعدين للعودة، وما إذا كان اليهود (ذوو المال والجاه) سوف يشاركون في العودة ويستثمرون رأس المال الذي لديهم، لو تم إقناع الباب العالي أن يعد اليهود بتوفير القانون والعدالة والأمن لهم ولأراضيهم، وأن حقوق اليهود وامتيازاتهم "سوف يتم تأمينها تحت حماية القوة الأوروپية". ولم يكن هناك شك
(1) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (81) بتصرف يسير.
(2)
باربرا تخمان: الكتاب المقدس والسيف (2/ 39 - 40) باختصار.