الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول مَن القوة الأوروپية التي تقصدها (التايمز)!» اهـ.
…
حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:
كما تبين مما سبق، «أدى ظهور محمد علي المفاجئ وقيامه بتكوين إمپراطوريته الصغيرة، إلى تبلور الفكرة الصهيونية بين غير اليهود، وتحولت من مجرد فكرة إلى مشروع استعماري محدد؛ إذ بدأت تُطرَح فكرة تقسيم الدولة العثمانية، ومن ثم اكتسبت الصيغة الصهيونية الأساسية مضمونًا تاريخيًا وبُعدًا سياسيًا، وأصبح بالإمكان دمج المسألة اليهودية مع المسألة الشرقية (1).
ولكن ثمة أسباب عديدة جعلت الفكرة الصهيونية غير قادرة على التحقق، من أهمها أن دعاة الفكر الصهيوني كانوا من غير اليهود أو من أعداء اليهود، الأمر الذي جعل المادة البشرية المستهدفة (أي اليهود) يرفضون الدعوة إلى استيطان فلسطين. كما أنه لم يكن هناك أية أطر تنظيمية تضم كل الجماعات اليهودية. وعلاوة على ذلك كان هناك يهود الغرب المندمجون الذين كانوا يرون أن المشروع الصهيوني يهدد وجودهم ومكانتهم وكل ما حققوه من مكاسب (2).
وكانت استجابة اليهود للفكر الاسترجاعي الپروتستانتي فاترةً لوقت طويل، فلم يرتفع صوت يهودي مرحبًا بالفكرة أو مؤيدًا لها، فظلت الدعوة إلى إنهاء وضع (النفي) مسعى غير يهودي بالدرجة الأولى. ولكن مع انتصاف القرن التاسع عشر، ومع تفاقم المسألة اليهودية في شرق أوروپا، ومع انتشار الفكر الإمپريالي، بدأ بعض المفكرين اليهود في الاستجابة بطريقة أكثر إيجابية للصيغ الصهيونية غير اليهودية (3)، خاصة وقد قامت - في روسيا على وجه الخصوص - حركات منظمة لاضطهاد اليهود والتنكيل بهم (پوجرومز)،
(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ الفكر الصهيوني والحركة الصهيونية: تاريخ موجز).
(2)
السابق (6/ العقد الصامت).
(3)
د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (94).
وذلك بسبب تعثر تحديث اليهود ورفضهم الاندماج في المجتمع، مما تمخض عن إنشاء جمعيات صغيرة عرفت باسم (أحباء صهيون Hibbat Zion) نبعت من أوديسا Odessa في روسيا، والتي بدورها قامت بتهويد المفاهيم الصهيونية من خلال بعض المفاهيم اليهودية أو شبه اليهودية مثل: رفض الاندماج، والإيمان بأن معاداة اليهود ظاهرة أزلية، ورفض الانتظار السلبي للماشَّيح، وكذلك حل المسألة اليهودية هنا في الأرض وفي هذه الأيام وليس هناك في السماء أو في آخر الأيام.
وكانت هذه الجمعيات تسعى إلى حل مشكلة يهود شرق أوروپاعن طريق جهودهم الذاتية، أي دون الاعتماد على الدول الغربية، وذلك لتهجير من يريد منهم إلى أية بقعة في العالم وتوطينه، ثم استقر الاختيار على فلسطين - وهذا ما عرف بـ (التيار الصهيوني التسللي) -، علمًا بأنهم لاقوا معارضة من دعاة الاندماج من أثرياء اليهود (1).
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى ذلك الوقت لم تكن الصهيونية كـ (مصطلح) متعارف عليه رسميًا، إلا بعد ما صاغه المفكر اليهودي النمساوي ناثان بيرنباوم (1864 - 1937م) مؤسس جمعية كاديما Kadimah، أول جمعية (يهودية/صهيونية) طلابية في فيينا؛ فقد صك بيرنباوم هذا المصطلح في إپريل من عام 1890م في مجلته (الانعتاق Selbstemanzipation!)(2)، وقد شرح معناه في خطاب له بتاريخ 6 نوفمبر 1891م قال فيه:«إن الصهيونية هي إقامة منظمة تضم الحزب القومي السياسي بالإضافة إلى الحزب ذي التوجه العملي (أحباء صهيون) الموجود حاليًا» (3).
وفي هذه الفترة دخلت صهيونية غير اليهود وصهيونية يهود شرق أوروپاطريقًا مسدودًا، ولكن هذا لم يمنع من ظهور بعض علاقات التعاون الودية بين كلتا الصهيونيتين، والتي تمثلت على سبيل المثال في مساعي الصهيوني اليهودي، زعيم الجماعة اليهودية في إنجلترا موسى مونتفيوري Moses Montefiore (1784 - 1885 م)،
(1) انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (4/ أوديسا) و (6/ أحباء صهيون).
(2)
والتي أسسها أثناء فترة دراسته في عام 1885م، ثم تحول اسمها بعد ذلك عام 1894م إلى (الصحيفة القومية اليهودية اليومية Jüedische Volkszeitung).
(3)
انظر السابق (6/ الصهيونية: تاريخ المفهوم والمصطلح)، وموسوعة ويكيپيديا، مادة: Nathan Birnbaum.