المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

ولكن قبل أن نقفز إلى أحداث الحادي عشر من سپتمبر وتبعاتها، نناقش مسألة هي من الأهمية بمكان، وهي الموقف الغربي المعاصر من الإسلام ..

ونتوقف قليلًا عند حرب الخليج الثانية (2/ 8/1990 - 28/ 2/1991م)، أو (عملية عاصفة الصحراء Operation Desert Storm) كما أطلقت عليها القوات الأمريكية، والتي قادت فيها أمريكا ائتلافًا دوليًا مكونًا من 34 دولة في مواجهة القوات العراقية.

فلقد بدت هذه الحرب - كما رأى الأمريكيون أنفسهم - «وكأنها الاختبار الحقيقي الأول للنظام العالمي الجديد، حيث وجدت فيها الولايات المتحدة فرصة ذهبية لتؤكد حضورها الطاغي على مسرح الأحداث العالمية، ولتثبت للعالم أجمع أن هناك قائدًا جديدًا منفردًا في الشئون العالمية» (1).

والحاصل أن هذه الحرب (التحريرية!)، مع قرائن صاحبتها، كشفت زيف الادعاءات الأمريكية في رغبتها الخالصة، بل وفي حملها على عاتقها، مسئولية نشر الحرية والعدل والمساواة في الكرة الأرضية تحت غطاء العولمة؛ فكما يذكر هنتنجتون أن «النفاق، وازدواجية المعايير، والاستثناءات، هي الثمن لمطامح العولمة؛ فالديمقراطية مطلوبة لكنها ليست ديمقراطية لو أنها جلبت إلى الحكم الأصوليين الإسلاميين، وحظر تصنيع أسلحة الدمار الشامل يفرض على إيران والعراق ولكنه لا يفرض على إسرائيل

وحقوق الإنسان هي قضية ذات شأن مع الصين لكنها ليست بقضية مع المملكة العربية السعودية، والاعتداء على الكويتيين أصحاب النفط رُفِض على نطاق واسع ولكن لا يُرفَض أي اعتداء على البوسنيين الذين لا يملكون شيئًا من النفط. إن المعايير المزدوجة في الإجراء العملي هي الثمن الذي لا يمكن تجنبه للمعايير العالمية لأي مبدأ» اهـ (2).

ثم بعد أن انقضت الحرب، وما تبع ذلك من تعزيز للوجود (الأمريكي/الغربي) في

(1) محمد النقيد: نظرية نهاية التاريخ، ص (25).

(2)

صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (256 - 7).

ص: 119

منطقة الشرق الأوسط، وقف الرئيس الأمريكي چورچ بوش (الأب) في مؤتمر مدريد للسلام في 30 أكتوبر 1991م معلنًا أن «القضية في الشرق الأوسط ليست مجرد قضية إنهاء الحرب، وإنما هي قضية إنهاء العداوة» .

فالعداوة التي أشار إليها - ظاهرًا - هي تلك التي بين العرب والدولة الصهيونية اللقيطة، ولكن المدقق يجد أن العبارة تحمل دلالة عميقة جدًا لم ينطق بها هذا القسيس عفويًا، لا سيما في مؤتمر عالمي أعدت أچندته بدقة. فهو لا يعنيه الحديث عن العداوة القائمة بين قوميات بقدر ما يعنيه الحديث عن عداوة من نوع آخر؛ فالغرب الذي حرَّض في الأساس نصارى الشرق (المستنيرين) على زرع بذور القومية في تربة الخلافة، وأقنعهم بأن هذا سبيلهم للتخلص من ربقة (الاستعباد المِلَلي)، ونيل الحرية والمساواة، ثم جَنَى ثمارها وحده بموجب اتفاقية (سايكس-پيكو)(1)، ولم يُبقِ لهم إلا النزر اليسير (2)،

لا يكون هو نفسه الذي يدعو إلى إنهاء العداوة القومية، وإنما يدعو لإنهاء العداوة التي من أجلها زرع بذور القومية، وهي العداوة القائمة على أسس عقائدية.

وإنهاء هذه العداوة العقائدية الأساس يقتضي - حسب أطروحة فوكوياما - نشر القيم الديمقراطية الليبرالية في المنطقة، وهو ما يستدعي بالتالي إبقاء دولة إسرائيل قائمة،

(1) معاهدة سايكس-پيكو Sykes-Picot Agreement: هي تفاهم سري عقد في 16 مايو من عام 1916م بين فرنسا وبريطانيا وبمصادقة روسيا على اقتسام الهلال الخصيب (أي حوض نهري دجلة والفرات، والجزء الساحلي من بلاد الشام) بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولقد تم التوصل إلى هذه المعاهدة في الفترة ما بين نوفمبر 1915م ومايو 1916م بين الديپلوماسي الفرنسي فرانسوا چورچ پيكو François Georges-Picot (1870 - 1951 م) ونظيره الإنجليزي مارك سايكس Mark Sykes (1879 - 1919 م).

(2)

يذكر ألكسي چورافسكي أن «الفئات المثقفة الواعية من المسيحيين تدرك بوضوح متزايد مع مرور الوقت أن وراء الكلمات الطنانة الكبيرة عن الرسالة التحضيرية لأوروپا، وعن دفاعها النزيه عن مصالح الأقليات وكرامتها، تتستر عمليًا المصالح المادية والسياسية لتلك الدول الغربية. ومن هنا، فإن النقد الموجه للغرب أصبح نقطة انعطاف مهمة في مؤلفات وكتابات مسيحيي الشرق العربي في مرحلة ما بين الحربين العالميتين .. إذ إن وضعهم لأنفسهم مقابل أوروپا (أو قل نقيضًا مضادًا لها في أحيان كثيرة) أقنعهم بالعودة مجددًا إلى أطروحة الأمة العربية» . [انظر، ألكسي چورافسكي: الإسلام والمسيحية، ص (183 - 4)].

ص: 120

باعتبارها قبلة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط. لكن الحاصل أنه حينما سعت أمريكا - وفي ذيلها الغرب - لنشر هذه التعاليم المشبوهة في أوساط الجماهير المسلمة الغافلة، من ناحية، بل وفي نفخ سمومها في صفوف نصارى الشرق ومهاجريهم في الغرب، وتحريضهم على إثارة الفتن والقلاقل، من ناحية أخرى، تحت غطاء المواطنة وحقوق الإنسان وغيرها، وجدت نفسها مصطدمة بطائفة قد عناها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» (1). فلقد بزغت شمس الصحوة الإسلامية متمثلة في هذه الطائفة، وذلك مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم:«إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (2)، فقاموا يكشفون الشبهات، ويعلمون الناس أمر دينهم، وأصول إيمانهم، والذي هو أوثق عراه كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم:«الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» (3)، وباتت آثار هذه الصحوة واضحة للعيان لا ينكرها إلا جاحد.

وهنا مكمن الخطر؛ إذ إن «الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» تناقض في مفهومها وفي تطبيقها العملي مبادئ الديمقراطية الحرة، وفق التصور الذي يريد الغرب أن يروج لها به؛ حيث تحل (الإنسانية) محل الإله في الموالاة والمعاداة وفي الحب والبغض.

وهنا ملحظ مهم، وهو أن المشروع الأمريكي (لإنهاء العداوة) انطلق في الأساس من مبدأ (العداوة)!؛ العداوة للطرف الآخر وعدم القبول به والرغبة في تقويضه داخليًا والسيطرة عليه. فالغرب، لا سيما الولايات المتحدة - كما يذكر هنتنجتون - «كان دائمًا أمة مُبَشِّرة» (4)، وهذا القول كشف لي معنىً خفيًّا؛ وهو أن المساعي التبشيرية الحالية في طورها العَلْماني لا تختلف كثيرًا، بل ولا تتعارض - من حيث المبدأ - عن الإرساليات

(1) رواه مسلم، كتاب الإمارة: 1037

(2)

رواه أبو داود، كتاب الملاحم: 4291، وصححه الألباني.

(3)

رواه الطبراني في (الكبير)(11/ 215)، وصححه الألباني في (صحيح الجامع): 2539

(4)

صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (256).

ص: 121

التبشيرية الپروتستانتية والكاثوليكية التي يغزو بها الغرب العالم الإسلامي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة، وكلاهما لهما مرجعية واحدة؛ فالقاعدة الدينية العامة عندهم تقول:«أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله» (1)، وما لقيصر هو ما أكدَّه ريتشارد هاس Richard Haass مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية من أن «الهدف الرئيس للسياسة الخارجية الأمريكية يتمثل في دفع الدول والمنظمات الأخرى إلى أن تتكامل في ترتيبات تجعل العالم يتلاءم مع مصالح الولايات المتحدة وقيمها» (2)، وما لله - في زعمهم - هو ما وضحه المبشر الأمريكي صامويل زويمر Samuel Zwemer (1867 - 1952 م) في كونه إخراج جيل «لا صلة له بربه» ، لا يهم في أي وادٍ يهلك! وهذا ما طمأن له قديمًا المستشرق الفرنسي ألفرد لُ شاتلييه (1855 - 1929م) بقوله (3):

«لا ينبغي لنا أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعًا وخصائص أخرى إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية، إذ الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية وما يتبع هذا الضعف من الانتقاص والاضمحلال الملازم له، سوف يفضي - بعد انتشاره في كل الجهات - إلى انحلال الروح الدينية من أساسها لا إلى نشأتها بشكل آخر» اهـ.

إذن، فإن (قضية إنهاء العداوة) التي أشار إليها بوش (الأب) في خطابه تحمل في

(1) لوقا 20: 25

(2)

انظر، محمد النقيد: نظرية نهاية التاريخ، ص (102).

(3)

ألفرد لُ شاتلييه: الغارة على العالم الإسلامي، ص (9) .. Alfred Le Chatelier: La Conquête du monde Musulman، وهو بحث تبشيري نشرته (مجلة العالم الإسلامي La Revue du Monde Musulman) الفرنسية في عدد خاص وذلك في عام 1330هـ، ويدور حول ما تقوم به إرساليات التبشير الپروتستانتية في العالم الإسلامي وما قيل في المؤتمرات التي عقدتها تلك الإرساليات في أوقات مختلفة. وقد نقله إلى العربية محب الدين الخطيب ومساعد اليافي (1886 - 1943م). يقول محب الدين الخطيب رحمه الله: «ما كادت هذه المقالات المتسلسلة تنتشر في مصر والعالم الإسلامي حتى كان لها وقع عظيم جدًا وبعثت اليقظة في كثير من الناس

وضاق صدر كُتَّاب (مجلة العالم الإسلامي) نفسها وأمثالهم من أنصار التبشير والاستعمار من ذيوع هذه الفصول بين المسلمين، لأنهم يودون أن يقوم بأعماله والمسلمون نيام» اهـ[الغارة على العالم الإسلامي، مقدمة الترجمة العربية].

ص: 122

ثناياها ملامح لمعترك آخر ولكن على الساحة الفكرية أولًا قبل انتقاله إلى المواجهة المسلحة. وهو معترك إعلامي غير شريف قائم على التشويه وتزييف الحقائق؛ وذلك لأن الغرب حينما أطلق العنان لديمقراطيته الحرة المزعومة وجد الإسلام يغزوه فكريًا في عقر داره، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجًا (1)، ولله الحمد والفضل والمنَّة، قال تعالى:{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَابَى اللهُ إِلَاّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (2)، وكما قال ابن تيمية رحمه الله (3):«ومن سنة الله أنه إذا أراد إظهار دينه أقام من يعارضه، فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق» اهـ.

وفي المقابل بات تراث الغرب اليهودي-المسيحي مهددًا بالزوال .. والصراخ - كما يقال - يكون على قدر الألم! وإلا:

- فما الذي دفع الدنماركيين إلى تأسيس منظمة أسموها (وقف أسلمة الدنمارك Stop Islamificering af Danmark SIAD)، ونشروا فروعها في أوروپاوأمريكا تحت شعار (وقف أسلمة أوروپا Stop Islamisation of Europe SIOE) و (وقف أسلمة أمريكا Stop Islamisation of America SIOA)(4) ،

رافعين شعار (لا شريعة هنا)؟

(1) حتى إنه في خبر نشرته صحيفة (دايلي ميل) البريطانية، وأكده لي أحد الأصدقاء المقيمين بالعاصمة، أن اسم (محمد) - بمختلف صور كتابته بالإنجليزية - صار الاسم الأكثر انتشارًا في بريطانيا، حيث قفز إلى المركز الأول في قائمة عام 2009م مقابل المركز الثالث في عام 2008م، متفوقًا بذلك على اسم (چاك) و (أوليفر)، (المركز الأول والثاني سابقًا). See، Jack Doyle: Mohammed is now the most popular name for baby boys ahead of Jack and Harry، Daily Mail (www.dailymail.co.uk)، October 28، 2010

(2)

التوبة: 32

(3)

ابن تيمية: مجموع الفتاوى (28/ 57).

(4)

ولقد سعت تلك الأخيرة، والتي ترأسها الناشطة پاميلا جيلر Pamela Geller، في عمل قوة ضاغطة (لوبي) وتنظيم تظاهرات من أجل وقف تأسيس مسجد ومركز إسلامي بالقرب من موقع مركز التجارة العالمي الذي استهدفته هجمات الحادي عشر من سپتمبر في 2001م، والذي اشتهر باسم (مسجد المنطقة صفر Ground Zero Masjid)، إضافة إلى الحملة الشعواء التي دشَّنها القس المعتوه تيري چونز Terry Jones في أغسطس 2010م تحت شعار (اليوم العالمي لحرق القرآن International Burn a Koran Day)، وذلك إحياءً للذكرى التاسعة (2010م) لأحداث 11 سپتمبر، في حالة عدم نقل هذا المشروع من موقعه! ولقد تبعه في ذلك عدة مؤسسات منها ما هو تابع لأقباط المهجر. وتقوم منظمة (وقف أسلمة أمريكا) كذلك بتحريض المسلمين على الارتداد عن دينهم؛ وذلك من خلال عدة أنشطة، منها - وفق ما نقلته شبكة سي إن إن الإخبارية - تأجير مساحات إعلانية كبيرة على حافلات مدينة نيويورك تكتب عليها عبارات كـ:«هل تتعرض للتهديد من قبل أفراد مجتمعك أو أسرتك؟» ، «هل تريد أن تترك الإسلام؟» ، حيث تتكفل المنظمة بحماية هؤلاء من التعرض للإيذاء عن طريق التواصل معهم عبر موقعهم (الملاذ من الإسلام www.refugefromislam.com) .. ولقد جاءت هذه الحملة كرد على حملة دعائية قام بها بعض الدعاة المسلمين في أمريكا على المساحات الإعلانية الخاصة بعربات مترو الأنفاق من أجل التعريف بالإسلام، وذلك بالترويج لموقع (لماذا الإسلام؟ www.whyislam.org). ولقد جاء تصريح پاميلا جيلر للشبكة تعليقًا على هذه الحملة العدائية ساذجًا ووقحًا للغاية، حيث قالت:«إن المسلمين الملتزمين الذين يجدون هذه الإعلانات جارحة وعدائية يجب أن يتجاهلوها، فإنها غير موجهة إليهم» . See، Cable News Network CNN (www.cnn.com): Ads on NYC buses target those wanting to leave Islam، May 27، 2010

ص: 123

- وما الذي دفع چورچ جاينزفاين Georg Ganswein السكرتير الخاص ببنديكت السادس عشر للتحذير من خطر (أسلمة أوروپا) الذي يهدد - حسب قوله - هوية القارة الأوروپية، ثم يتبجح بالقول بأن «الكنيسة الكاثوليكية ترى ذلك عيانًا ولا تخشى من التصريح بهذا الكلام» (1)، ثم يتبعه رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية في پراج ميلوسلاف فلك Miloslav Vlk، حيث دعا الأوروپيين إلى العودة إلى جذورهم النصرانية والتمسك بأصولهم الروحية، وإلا فسوف تُهزم أوروپالا محالة في المعركة الروحية التي يتفوق فيها المسلمون في حين تفتقد أوروپاالحالية أسلحتها (2)؟

(1) وذلك في تصريحه لصحيفة (زودويتشه تسايتونج Süddeutsche Zeitung) الألمانية في 26 يوليو 2007م.

(2)

See، Catholic News Agency CNA (www.catholicnewsagency.com): Cardinal Vlk warns of 'Islamization' of Europe، calls for return to Christianity، January 6، 2010

ص: 124

- كذلك ما الذي دفع الرسام الدنماركي الحاقد كورت فسترجارد Kurt Westergaard إلى رسم الصور الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم ونشرها في صحيفة (مورجنافيزن يولاندس پوستن Morgenavisen Jyllands-Posten) الدنماركية (1)، وما الذي دفع العديد من الصحف الأوروپية إلى إعادة نشر الصور ذاتها تحت مسمى حرية التعبير، رغم الاستياء الشديد والغضب العارم في العالم الإسلامي؟ ثم بعد ذلك تكرمه ألمانيا بمنحه جائزة (إم100) الإعلامية M100 Media Prize في الأربعاء 8/ 9/2010م في إحتفالية بمدينة پوستدام Postdam تحضرها المستشارة الألمانية أنچيلا ميركل Angela Merkel، وذلك لكون فسترجارد «صار رمزًا لحرية الصحافة والرأي» ، كما يدَّعي عمدة المدينة يان ياكوبز Jann Jakobs!

- بل ما الذي دفع النائب الپرلماني الهولندي خِيرت فيلدرز Geert Wilders للتصريح لصحيفة (دي فولكسكرانت de Volkskrant) الهولندية داعيًا إلى منع تداول القرآن الكريم في بلاده، معتبرًا أنه لا مكان لهذا الكتاب (الفاشي) في (دولة قانون) على حد زعمه. مشبهًا إياه بكتاب (كفاحي Mein Kampf) للزعيم النازي أدولف هتلر Adolf Hitler (1889 - 1945 م)(2)؟

- ثم ما الذي دفعه بعد ذلك إلى إعداد وعرض فيلمه البالغ الإساءة المعروف باسم (فتنة Fitna)، وذلك رغم كل المعارضات والتهديدات التي لاقاها (3)، في حين تنجح المنظمات الكاثوليكية الأمريكية في منع عرض فيلم وثائقي للروائي الأمريكي چيمس

(1) وذلك في عددها الصادر في 30 سپتمبر 2005م.

(2)

وذلك في 8 أغسطس 2007م.

(3)

ولكن كما أخبر ربنا تبارك وتعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]، ففي خبر نشره موقع (العربية. نت) في 30/ 3/2008م، أنه قد شهدت المكتبات التي تعرض كتبًا إسلامية في أمستردام إقبالًا غير عادي، وأن الهولنديين اشتروا كميات كبيرة من المصاحف الإلكترونية المترجمة إلى الهولندية عقب نشر الفيلم المسيء للإسلام، ما أدى إلى نفاد المصاحف الإلكترونية من الأسواق خلال يومين فقط بعد نشر الفيلم على شبكة الإنترنت. ولاحتواء تداعيات الفيلم، عقد شباب مسلمون في هولندا ورشة عمل حوارية بأمستردام، وفي أثناء هذه الورشة أشهر أحد الهولنديين إسلامه ليصبح ثالث شخص يُشهر إسلامه خلال أسبوع واحد ردًا على عبارة انتهى بها الفيلم تقول «أوقفوا أسلمة أوروبا» .

ص: 125