المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967 - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

وكان اجتماع فندق بلتيمور Baltimore بنيويورك [والذي عقد في الفترة من 9 إلى 11 مايو عام 1942م] هو الموعد الذي التقت فيه وامتزجت كل التنظيمات الصهيونية [ذات الطابع النظري الفلسفي] في أوروپاو [العملي] في أمريكا.

وجاءت المادة الثامنة منه تعلن أن "هناك نظامًا عالميًا جديدًا سوف ينشأ بعد انتهاء هذه الحرب. وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد فإن الصلة بين الشعب اليهودي وبين أرضه في فلسطين لا بد أن تتأكد وتحقق ذاتها بقيام دولة إسرائيل لنعطي اليهود حقوقهم التي هي مطلب شرعي وتاريخي لهم بعد ألفي سنة من الغياب في التيه".

ثم مضى بيان المؤتمر يحدد ثلاثة أهداف للمستقبل القريب يتحمل مسئوليتها يهود أمريكا أكثر من غيرهم:

- فتح أبواب الهجرة في فلسطين أمام اليهود دون أي قيود يضعها طرف محلي أو دولي.

- ضرورة مساعدة المجتمع الصهيوني في إنشاء الدولة، وذلك عن طريق مساعدات مادية وسياسة وعسكرية كافية لتحقيق هذا المطلب.

- اعتبار الدولة اليهودية المنتظرة جزءًا من بناء العالم الديمقراطي الجديد الذي ستكون قيادته دون منازع للولايات المتحدة الأمريكية.

وكانت أصوات يهودية ارتفعت بالاعتراض على قرارت المؤتمر، لتخوفها من احتمال أن يؤدي برنامج بلتيمور إلى إدخال يهود أمريكا في مشاكل كبيرة بعد الحرب. لكن أصوات التحفظ والاعتراض ضاعت في الهواء، وأقرت معظم التجمعات اليهودية في الولايات المتحدة قرارات مؤتمر بلتيمور، وخرجت نشيطة تتبناها وتعمل على تحقيقها» اهـ.

‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ؟؟؟؟):

دخلت الأيديولوچية الصهيونية الاستعمارية العَلْمانية في أزمة؛ فمع تصاعد أعمال العنف الإسرائيلي غير المبررة، مع ما يقابلها من تأييد سلطوي غربي أعمى، بدأت

ص: 380

البلابل تثار لدى الرأي العام المتخبِّط، وبدأت الأيديولوچية تفقد شرعيتها شيئًا فشيئًا، ومن ثم أخذت في البحث عن مصدر تستمد منه شرعية جديدة لمواجهة انهيار محقق ..

ولقد جاءت الأحداث بترتيب الله العليم الحكيم مزيَّنة في أعين الصهاينة، وموافقة (ظاهرًا) لما ذهبوا إليه في مخيلاتهم؛ فبعد أن أعلنت إسرائيل قيام دولتها في 1948م، بادر زعماء الصهيونية المسيحية بالإعلان - كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي السابق چيمي كارتر Jimmy Carter - بأنه: «يعني خلق إسرائيل في عام 1948م العودة أخيرًا إلى أرض الميعاد التي أُخرج منها اليهود منذ مئات السنين

إن إقامة الأمة الإسرائيلية هو تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهري لها» (1).

وحينها كتب الطبيب الإنجيلي المبشِّر الدكتور لمويل نيلسون بيل Dr. Lemuel Nelson Bell [1894 - 1966 م]، رئيس تحرير مجلة (المسيحية اليوم Christianity Today) (2) يقول: «حقيقة أن توجد القدس الآن، للمرة الأولى منذ ألفي عام، بين

(1) انظر، جريس هالسل: يد الله، ص (63). ولكن حينما اقترب كارتر من نهاية سنته الأولى في السلطة، انقلب أصدقاؤه المسيحيون الإنجيليون عليه مستاءين ومصابين بخيبة أمل جراء انحرافاته؛ من جهة، كانت سياسته الخارجية تسير في تعارض مع الميثاق الإبراهيمي، وهو ما بات جليًا حينما قاد مبادرة للسلام بين إسرائيل ومصر، أرغمت الدولة اليهودية على إعادة أرض استُولي عليها أثناء حربي 67 و73م، وهي صحراء سيناء. ومن جهة أخرى، كانت الإجراءات الداخلية بعيدة عن إرضاء اليمين المسيحي الذي اعتبر اهتمام كارتر بحقوق الإنسان وميوله الليبرالية، وخاصة موقفه من حرية الاختيار؛ أي دعمه للإجهاض، منافية لبعض معاييرهم الأخلاقية الأساسية [انظر، باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (202)]. ولقد أصدر كارتر مؤخرًا كتاب بعنوان (فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري Palestine: Peace Not Apartheid)، ومنذ صدور الكتاب لم تتوقف الحملات الصهيونية القاسية على كارتر من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة؛ حيث سارع كينيث شتاين Kenneth W. Stein المدير السابق لمركز كارتر إلى إعلان قطيعته مع الرئيس السابق معتبرًا أن الكتاب مليء بالأخطاء، في حين أن دنيس روس الموفد الخاص السابق إلى الشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون اتهم كارتر بأنه نسخ خرائط ونشرها في كتابه وهي ليست ملكه .. واعتبر مركز سيمون فيزنتال Simon Wiesenthal (1908 - 2005 م) - أحد أبرز المجموعات العالمية للدفاع عن مصالح اليهود في العالم الذي يتخذ من لوس أنچليس مقرًا له - في بيان أن چيمي كارتر أصبح أحد أشرس منتقدي إسرائيل [انظر، (مفكرة الإسلام)، 10 ديسمبر 2006م].

(2)

والذي تزوجت ابنته من الإنجيلي الشهير بيللي جراهام، مؤسس المجلة.

ص: 381

أيدي اليهود وحدها يثير القارئ المولع، الذي هو أنا، بالكتاب المقدس وينعش إيمانه بصحة وملائمة رسالته» (1).

وما لبث أن تعزز هذا الموقف بانتصار إسرائيل في حربها (الوقائية) في مايو عام 1967م على مصر وسوريا والأردن، والتي عرفت باسم (حرب الأيام الستة) أو (نكسة 67). يقول مايكل پريور (2):«لم يتم الاستناد الصريح على الكتاب المقدس بشكل بارز لدعم القومية الصهيونية إلا قبيل عام 1967م» .

وتقول باربرا فيكتور (3): «في عام 1967م، حينما هزمت إسرائيل الجيوش العربية إبان حرب الأيام الستة، مستولية على القدس وسواها من الأراضي (الأرض التوراتية لإسرائيل)، رأى المسيحيون الإنجيليون في ذلك علامة على أن الأيام الأخيرة كانت قريبة. منذ نشوء إسرائيل في 1948م - النشوء الذي وصفه أتباع حركة البرنامج الإلهي بـ (أهم علامة على قيام الساعة)، بل بالعلامة الكبرى -، لم تكن حماسة المسيحيين الأصوليين قد بلغت قط تلك الذرى. في الولايات المتحدة، حتى العَلْمانيون، الذين أصابتهم الهلاوس جراء التهديد السوفيتي هلّلوا لذلك الانتصار، معتبرين أن الدولة اليهودية كانت آخر معقل للديمقراطية في تلك المنطقة المضطربة من العالم. في الواقع، سادت الغبطة العالم بأسره. أخيرًا وبعد اضطهادٍ لليهود على مدى ألفيتين، أخذت الكنائس الواحدة تلو الأخرى تبدي ندمها وتتعهد بأن تعترف في تعاليمها بـ (تحالف الله الأبدي مع الشعب اليهودي)، و (مساهمة اليهودية في الحضارة العالمية وفي العقيدة المسيحية)» اهـ.

أما على الجانب اليهودي، «فبعد احتلال ما تبقى من فلسطين في حرب يونيو 1967م، طرأ تحول على مواقف معظم الأحزاب الدينية الصهيونية وغير الصهيونية، من اعتبار هذه الحرب معجزة وإشارة ربانية إلى اعتبارها بداية الخلاص.

(1) انظر، باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (167).

(2)

مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (137).

(3)

باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (218).

ص: 382

وفي الأوساط الدينية غير الصهيونية انطلق الصوت الجديد من الولايات المتحدة، موطن زعيم حركة (الحاباد Chabad)، الحاخام مناحم مندل شنيرسون Menachem Mendel Schneerson [1902 - 1994 م] بالقول:"صحيح أن دولة إسرائيل بوصفها كيانًا صهيونيًا تعبير عن الكفر والتمرد على إرادة الله، ولذلك فهي بالتأكيد ليست تعبيرًا عن الخلاص. لكن، ومن ناحية أخرى، فإن أرض إسرائيل بسيادة يهودية تنطوي على معان ذات أهمية". ولذلك تدعو هذه الحركة إلى عدم التنازل عن أيٍّ من الأراضي التي احتُلت عام 1967م، وذلك من منطلق أحكام الشريعة الدينية» (1).

كما رأى أتباع الحاخام إبراهام كوك (2) أنه «حتى إن كان العَلْمانيون يستوحون أفكارهم من القومية والاشتراكية الأوروپية، من وجهة نظر عالمية موضوعية، فإن روح أعمالهم مستوحاة من الإرادة الإلهية التي يخفيها الحافز العَلْماني الظاهر. وحتى إن أرادوا أن ينفوا نهائيًا قدوم المسيا مرة أخرى، فإن أعمالهم كانت تعجل بقدومه دون أن يعلموا ذلك؛ حيث كانوا يطبقون الخطة الإلهية. وكان يتعين على اليهودية الدينية أن تتخلل القومية العَلْمانية الملحدة إلى البريق الإلهي في قلب الصهيونية. فروح الله هي روح إسرائيل (القومية اليهودية)» (3).

ولقد تلي ذلك انحسار تدريجي للأصوات اليهودية المناهضة للصهيونية ..

يقول المسيري (4): «وقد تم في نهاية الأمر استيعاب الغالبية الساحقة من يهود

(1) انظر، د. عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (2/ 439). يقول مايكل پريور: «ويرى والدمان Waldman أن القانون الإلهي هو الذي يفرض أن لا يترك اليهود شبرًا من أرض الوعد: "أعطانا الله عام 1967م فرصة فريدة إلا أن الإسرائيليين لم يجيدوا استغلالها. لم يحتلوا الأرض التي أتوا لغزوها

وكأنهم رفضوا هدية الله، مع شكره في نفس الوقت. هذا ما أدى إلى إنزال معاناة حرب يوم كيپور Yom Kippur [10 رمضان 1393هـ/6 أكتوبر 1973م] على إسرائيل عقابًا لها"» اهـ[انظر، مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (203)].

(2)

سيأتي الحديث عنه بعد قليل.

(3)

انظر، مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (191).

(4)

د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (114 - 6) باختصار وتصرف يسير.

ص: 383

العالم في المنظومة الصهيونية من خلال:

- جعل الصهيونية من نفسها جزءًا من الاستراتيچية الغربية العامة، إذ أصبحت دولة عميلة استوعبت الفائض البشري اليهودي وحوَّلته إلى كتلة بشرية متماسكة تخدم المصالح الغربية. وبالتالي لم يعد هناك أي تناقض بين أن يكون اليهودي صهيونيًا يدين بالولاء للدولة الصهيونية وأمريكيًا يدين بالولاء للولايات المتحدة، فالولاء للواحد يصُب في الولاء للآخر.

- نجاح الصهيونية في تهدئة روع يهود الغرب المندمجين في مجتمعاتهم والذين كانوا يعارضون المشروع الصهيوني لأنه يطلب منهم ترك أوطانهم والاستيطان في فلسطين، إذ طرحت مفاهيم كثيرة مثل (صهيونية الدياسپورا) أي صهيونية اليهودي الذي يود أن يؤيد الحركة الصهيونية دون أن يهاجر.

- نجاح الصهيونية في صهينة العقيدة اليهودية ذاتها بأن أعادت تفسير كثير من المفاهيم الدينية اليهودية خاصة فكرة العودة، فبعد أن كانت العودة محرَّمة إلا تحت قيادة الماشَّيح (المسيح المخلِّص اليهودي في آخر الأيام وحين يأذن الإله)، أفتى بعض الحاخامات أنه يمكن العودة والاستيطان في فلسطين إعدادًا لمقدم الماشَّيح.

وبذلك، أصبحت الدولة اليهودية دولة يتغير مضمونها السياسي بتغيُّر مضمون المخاطب أيضًا:

- فإذا كان اليهودي المخاطب يهوديًا متدينًا، فإن اليهود يصبحون شعبًا مقدسًا، مكروهًا من الأغيار بسبب قداسته، وسيتم نقله من المنفى إلى فلسطين استجابة للحلم الأزلي بالعودة وتحقيق رسالة اليهود ولتأسيس دولة يهودية تُطبِّق قوانين الشريعة اليهودية.

- وإذا كان اليهودي المخاطَب اشتراكيًا ثوريًا، فإن الشعب اليهودي يُنقَل بسبب تركيبه الطبقي غير السوي في المنفى، وسيُوطَّن في فلسطين ليصبح تركيبه الطبقي عادي وليُطبِّع الشخصية اليهودية ولتأسيس دولة العمال والفلاحين التي ستحقق المُثُل الاشتراكية وتُثوِّر الشرقي العربي.

- وإذا كان اليهودي المخاطب مهتمًا بالهُوية اليهودية، فالشعب اليهودي يُنقل من

ص: 384