الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان اجتماع فندق بلتيمور Baltimore بنيويورك [والذي عقد في الفترة من 9 إلى 11 مايو عام 1942م] هو الموعد الذي التقت فيه وامتزجت كل التنظيمات الصهيونية [ذات الطابع النظري الفلسفي] في أوروپاو [العملي] في أمريكا.
وجاءت المادة الثامنة منه تعلن أن "هناك نظامًا عالميًا جديدًا سوف ينشأ بعد انتهاء هذه الحرب. وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد فإن الصلة بين الشعب اليهودي وبين أرضه في فلسطين لا بد أن تتأكد وتحقق ذاتها بقيام دولة إسرائيل لنعطي اليهود حقوقهم التي هي مطلب شرعي وتاريخي لهم بعد ألفي سنة من الغياب في التيه".
ثم مضى بيان المؤتمر يحدد ثلاثة أهداف للمستقبل القريب يتحمل مسئوليتها يهود أمريكا أكثر من غيرهم:
- فتح أبواب الهجرة في فلسطين أمام اليهود دون أي قيود يضعها طرف محلي أو دولي.
- ضرورة مساعدة المجتمع الصهيوني في إنشاء الدولة، وذلك عن طريق مساعدات مادية وسياسة وعسكرية كافية لتحقيق هذا المطلب.
- اعتبار الدولة اليهودية المنتظرة جزءًا من بناء العالم الديمقراطي الجديد الذي ستكون قيادته دون منازع للولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت أصوات يهودية ارتفعت بالاعتراض على قرارت المؤتمر، لتخوفها من احتمال أن يؤدي برنامج بلتيمور إلى إدخال يهود أمريكا في مشاكل كبيرة بعد الحرب. لكن أصوات التحفظ والاعتراض ضاعت في الهواء، وأقرت معظم التجمعات اليهودية في الولايات المتحدة قرارات مؤتمر بلتيمور، وخرجت نشيطة تتبناها وتعمل على تحقيقها» اهـ.
…
ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967
- ؟؟؟؟):
دخلت الأيديولوچية الصهيونية الاستعمارية العَلْمانية في أزمة؛ فمع تصاعد أعمال العنف الإسرائيلي غير المبررة، مع ما يقابلها من تأييد سلطوي غربي أعمى، بدأت
البلابل تثار لدى الرأي العام المتخبِّط، وبدأت الأيديولوچية تفقد شرعيتها شيئًا فشيئًا، ومن ثم أخذت في البحث عن مصدر تستمد منه شرعية جديدة لمواجهة انهيار محقق ..
ولقد جاءت الأحداث بترتيب الله العليم الحكيم مزيَّنة في أعين الصهاينة، وموافقة (ظاهرًا) لما ذهبوا إليه في مخيلاتهم؛ فبعد أن أعلنت إسرائيل قيام دولتها في 1948م، بادر زعماء الصهيونية المسيحية بالإعلان - كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي السابق چيمي كارتر Jimmy Carter - بأنه: «يعني خلق إسرائيل في عام 1948م العودة أخيرًا إلى أرض الميعاد التي أُخرج منها اليهود منذ مئات السنين
…
إن إقامة الأمة الإسرائيلية هو تحقيق للنبوءة التوراتية والتنفيذ الجوهري لها» (1).
وحينها كتب الطبيب الإنجيلي المبشِّر الدكتور لمويل نيلسون بيل Dr. Lemuel Nelson Bell [1894 - 1966 م]، رئيس تحرير مجلة (المسيحية اليوم Christianity Today) (2) يقول: «حقيقة أن توجد القدس الآن، للمرة الأولى منذ ألفي عام، بين
(1) انظر، جريس هالسل: يد الله، ص (63). ولكن حينما اقترب كارتر من نهاية سنته الأولى في السلطة، انقلب أصدقاؤه المسيحيون الإنجيليون عليه مستاءين ومصابين بخيبة أمل جراء انحرافاته؛ من جهة، كانت سياسته الخارجية تسير في تعارض مع الميثاق الإبراهيمي، وهو ما بات جليًا حينما قاد مبادرة للسلام بين إسرائيل ومصر، أرغمت الدولة اليهودية على إعادة أرض استُولي عليها أثناء حربي 67 و73م، وهي صحراء سيناء. ومن جهة أخرى، كانت الإجراءات الداخلية بعيدة عن إرضاء اليمين المسيحي الذي اعتبر اهتمام كارتر بحقوق الإنسان وميوله الليبرالية، وخاصة موقفه من حرية الاختيار؛ أي دعمه للإجهاض، منافية لبعض معاييرهم الأخلاقية الأساسية [انظر، باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (202)]. ولقد أصدر كارتر مؤخرًا كتاب بعنوان (فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري Palestine: Peace Not Apartheid)، ومنذ صدور الكتاب لم تتوقف الحملات الصهيونية القاسية على كارتر من قبل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة؛ حيث سارع كينيث شتاين Kenneth W. Stein المدير السابق لمركز كارتر إلى إعلان قطيعته مع الرئيس السابق معتبرًا أن الكتاب مليء بالأخطاء، في حين أن دنيس روس الموفد الخاص السابق إلى الشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون اتهم كارتر بأنه نسخ خرائط ونشرها في كتابه وهي ليست ملكه .. واعتبر مركز سيمون فيزنتال Simon Wiesenthal (1908 - 2005 م) - أحد أبرز المجموعات العالمية للدفاع عن مصالح اليهود في العالم الذي يتخذ من لوس أنچليس مقرًا له - في بيان أن چيمي كارتر أصبح أحد أشرس منتقدي إسرائيل [انظر، (مفكرة الإسلام)، 10 ديسمبر 2006م].
(2)
والذي تزوجت ابنته من الإنجيلي الشهير بيللي جراهام، مؤسس المجلة.
أيدي اليهود وحدها يثير القارئ المولع، الذي هو أنا، بالكتاب المقدس وينعش إيمانه بصحة وملائمة رسالته» (1).
وما لبث أن تعزز هذا الموقف بانتصار إسرائيل في حربها (الوقائية) في مايو عام 1967م على مصر وسوريا والأردن، والتي عرفت باسم (حرب الأيام الستة) أو (نكسة 67). يقول مايكل پريور (2):«لم يتم الاستناد الصريح على الكتاب المقدس بشكل بارز لدعم القومية الصهيونية إلا قبيل عام 1967م» .
أما على الجانب اليهودي، «فبعد احتلال ما تبقى من فلسطين في حرب يونيو 1967م، طرأ تحول على مواقف معظم الأحزاب الدينية الصهيونية وغير الصهيونية، من اعتبار هذه الحرب معجزة وإشارة ربانية إلى اعتبارها بداية الخلاص.
(1) انظر، باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (167).
(2)
مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (137).
(3)
باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (218).
وفي الأوساط الدينية غير الصهيونية انطلق الصوت الجديد من الولايات المتحدة، موطن زعيم حركة (الحاباد Chabad)، الحاخام مناحم مندل شنيرسون Menachem Mendel Schneerson [1902 - 1994 م] بالقول:"صحيح أن دولة إسرائيل بوصفها كيانًا صهيونيًا تعبير عن الكفر والتمرد على إرادة الله، ولذلك فهي بالتأكيد ليست تعبيرًا عن الخلاص. لكن، ومن ناحية أخرى، فإن أرض إسرائيل بسيادة يهودية تنطوي على معان ذات أهمية". ولذلك تدعو هذه الحركة إلى عدم التنازل عن أيٍّ من الأراضي التي احتُلت عام 1967م، وذلك من منطلق أحكام الشريعة الدينية» (1).
ولقد تلي ذلك انحسار تدريجي للأصوات اليهودية المناهضة للصهيونية ..
يقول المسيري (4): «وقد تم في نهاية الأمر استيعاب الغالبية الساحقة من يهود
(1) انظر، د. عبد الوهاب المسيري: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (2/ 439). يقول مايكل پريور: «ويرى والدمان Waldman أن القانون الإلهي هو الذي يفرض أن لا يترك اليهود شبرًا من أرض الوعد: "أعطانا الله عام 1967م فرصة فريدة إلا أن الإسرائيليين لم يجيدوا استغلالها. لم يحتلوا الأرض التي أتوا لغزوها
…
وكأنهم رفضوا هدية الله، مع شكره في نفس الوقت. هذا ما أدى إلى إنزال معاناة حرب يوم كيپور Yom Kippur [10 رمضان 1393هـ/6 أكتوبر 1973م] على إسرائيل عقابًا لها"» اهـ[انظر، مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (203)].
(2)
سيأتي الحديث عنه بعد قليل.
(3)
انظر، مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (191).
(4)
د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (114 - 6) باختصار وتصرف يسير.
العالم في المنظومة الصهيونية من خلال:
- جعل الصهيونية من نفسها جزءًا من الاستراتيچية الغربية العامة، إذ أصبحت دولة عميلة استوعبت الفائض البشري اليهودي وحوَّلته إلى كتلة بشرية متماسكة تخدم المصالح الغربية. وبالتالي لم يعد هناك أي تناقض بين أن يكون اليهودي صهيونيًا يدين بالولاء للدولة الصهيونية وأمريكيًا يدين بالولاء للولايات المتحدة، فالولاء للواحد يصُب في الولاء للآخر.
- نجاح الصهيونية في تهدئة روع يهود الغرب المندمجين في مجتمعاتهم والذين كانوا يعارضون المشروع الصهيوني لأنه يطلب منهم ترك أوطانهم والاستيطان في فلسطين، إذ طرحت مفاهيم كثيرة مثل (صهيونية الدياسپورا) أي صهيونية اليهودي الذي يود أن يؤيد الحركة الصهيونية دون أن يهاجر.
- نجاح الصهيونية في صهينة العقيدة اليهودية ذاتها بأن أعادت تفسير كثير من المفاهيم الدينية اليهودية خاصة فكرة العودة، فبعد أن كانت العودة محرَّمة إلا تحت قيادة الماشَّيح (المسيح المخلِّص اليهودي في آخر الأيام وحين يأذن الإله)، أفتى بعض الحاخامات أنه يمكن العودة والاستيطان في فلسطين إعدادًا لمقدم الماشَّيح.
وبذلك، أصبحت الدولة اليهودية دولة يتغير مضمونها السياسي بتغيُّر مضمون المخاطب أيضًا:
- فإذا كان اليهودي المخاطب يهوديًا متدينًا، فإن اليهود يصبحون شعبًا مقدسًا، مكروهًا من الأغيار بسبب قداسته، وسيتم نقله من المنفى إلى فلسطين استجابة للحلم الأزلي بالعودة وتحقيق رسالة اليهود ولتأسيس دولة يهودية تُطبِّق قوانين الشريعة اليهودية.
- وإذا كان اليهودي المخاطَب اشتراكيًا ثوريًا، فإن الشعب اليهودي يُنقَل بسبب تركيبه الطبقي غير السوي في المنفى، وسيُوطَّن في فلسطين ليصبح تركيبه الطبقي عادي وليُطبِّع الشخصية اليهودية ولتأسيس دولة العمال والفلاحين التي ستحقق المُثُل الاشتراكية وتُثوِّر الشرقي العربي.
- وإذا كان اليهودي المخاطب مهتمًا بالهُوية اليهودية، فالشعب اليهودي يُنقل من