الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (1)
وخلاصة القول: أنه «كان للكنيسة أثرها المدمر على المجتمع؛ فبعد ما تسلمت الكنيسة القيادة تهاوت الأعمال والنشاطات في ميادين الطب، والتقنيات، والعلوم، والتعليم، والتاريخ، والفن، والتجارة
…
وسقطت، ودخلت أوروپاعصور الظلام. ومع أن الكنيسة جمعت ثروة كبيرة جدًا خلال هذه القرون، لكن كل ما يتعلق بالحضارة قد اختفى» (2).
عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:
يقول أبو زهرة (3): «ولقد بلغ السيل الزُبَى في العصر المشهور في التاريخ الأوروپي بعصر النهضة، وفيه نهضت الإرادة الإنسانية والعقل الإنساني يفرضون وجودهما، وفيه استطاع الأوروپيون أن يروا الله في الإسلام، والتدين الحقيقي فيما يدعو إليه هذا الدين، إذ اتصل الشرق بالغرب. فيما قبس الغرب من دراسات يلقاها على أساتذة من المسلمين بشكل خاص، ومن الشرقيين بشكل عام، وفيه علم أن لا سلطان لأحد من رجال الدين على القلب، وأن لا وساطة بين الله والعبد، وأن الله قريب ممن يدعوه، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
حينئذ أخذت الأنظار المتربصة تحصي على رجال الدين ما يفعلون، ووجد من بينهم من استنكروا حالهم، وأخذوا يدعون زملاءهم إلى إصلاح حالهم، ليردوهم إلى حكم دينهم قبل أن يفوت الوقت، ومن قبل أن ينفض الناس، وقبل أن يحملهم العامة على الإصلاح» اهـ.
ولقد كان من أبرز هذه الأصوات المنادية بالإصلاح صوت الإيطالي چيرولامو سافونارولا Girolamo Savonarola (1452 - 1498 م)؛ ذلك الراهب الدومينيكاني الذي لمح إليه مكيافيللي الخبيث في مقارنته لموسى عليه السلام بـ «الأنبياء غير المسلحين» ،
(1) التوبة: 31
(2)
هيلين إيليربي: الجانب المظلم في التاريخ المسيحي، ص (55).
(3)
محمد أبو زهرة: محاضرات في النصرانية، ص (161 - 2).
الذين (فشلوا) في الانتصار لدعوتهم لافتقادهم عنصر القوة! (1).
وكان المتسبب الرئيس في هذه الرذائل من وجهة نظره هو البابا إسكندر السادس Alexander VI (1431 - 1503 م)؛ فلقد خاصمه سافونارولا خصومة شديدة، حتى إنه قال في حقه (3):«الإسكندر هذا ليس بابا، ولا يمكن أن يكون بابا؛ لأنه يغض الطرف عن الخطيئة المهلكة، خطئية الاتجار بالمقدسات والمناصب الكهنوتية التي ابتاع بها كرسي البابوية، وهو في كل يوم يبيع المناصب الكنسية لصاحب أكبر عطاء؛ وإذا غضضنا النظر عن آثامه الأخرى البادية للعيان، فإني أعلن على رءوس الأشهاد أنه ليس مسيحيًا ولا يؤمن بالله» اهـ.
وظل سافونارولا يبارز إسكندر العداء حتى أودت هذه العداوة بحياته؛ حيث حكم عليه البابا بالحرمان والإعدام، ثم أحرق بالنار وألقي برماده في نهر أرنو Arno بجوار الجسر العتيق Ponte Vecchio، عقابًا له على هرطقته وافترائه النبوءات وغيرها من التهم (4).
وتوالت مساعي الإصلاح والدعوة للجمع بين الدين والدنيا، ويعلق الدكتور مصطفى حلمي على ذلك بقوله (5): «لا ندري سبب الوهم القائل بعداء أوروپاللدين أو نبذه، فقد
(1) انظر، نيكولو مكيافيللي: الأمير، ص (89).
(2)
انظر، ول ديورانت: قصة الحضارة (18/ 284 - 5).
(3)
انظر السابق (18/ 285).
(4)
انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Girolamo Savonarola.
(5)
د. مصطفى حلمي: هكذا علمتني الحياة (1/ 49 - 50).
تبين للدارس أن الغيرة على الدين هي التي دفعت بالمصلحين إلى اتخاذ مواقف المطالبة بإصلاح الكنيسة أو تطبيق الدين في الحياة السياسية كما ورد في دفاع الراهب سافونارولا، لا استبعاده وإهماله والتخلي عنه برمته».
ولكن مساعي الإصلاح تلك لم تتوجه إلى المسار السليم، فكما يقول الندوي رحمه الله (1): «ولكن حمية الجاهلية والسدود التي أقامتها الحروب الصليبية بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي ودعاية الكهنة ورجال الكنيسة ضد الإسلام وصاحب رسالته صلى الله عليه وسلم، وعدم تجشم التعب والمطالعة، وقلة الحرص على النجاة الأخروية والاهتمام بما بعد الموت، زد إلى ذلك تفريط المسلمين في الدعوة إلى الله، ونشر الإسلام في أوروپا
…
كل ذلك منعهم من الرجوع إلى الدين الإسلامي والأخذ به في ساعة كانوا يحتاجون إليه حاجة السليم إلى راق والمسموم إلى ترياق» اهـ.
ولقد ترجمنا لهذا الراهب الفلورنسي على وجه الخصوص لأنه يُنظر إليه أحيانًا باعتباره بشيرًا لظهور مارتن لوثر Martin Luther (1483 - 1546 م) والإصلاح الپروتستانتي، رغم أنه بقي كاثوليكيًا طيلة حياته؛ فيقول ديورانت (2):«كان عنيفًا في اتهاماته عنيدًا في سياسته، لقد كان پروتستانتيًا قبل أن يجيء لوثر، ولكن پروتستانتيته لم يكن لها معنى إلا أنها الدعوة لآراء الكنيسة القائمة، ولكن ذكراه أصبحت قوة تملأ عقول الپروتستانت؛ ولذلك لقبه لوثر بالقديس» اهـ.
ولقد علت مع لوثر أصوات أخرى تدعو إلى إصلاح الكنيسة، كان من أشهرها صوت السويسري هولدريش زوينجلي Huldrych Zwingli (1484 - 1531 م)، والفرنسي چون كالفن Jean Calvin (1509 - 1564 م)، ولكن الذي يعنينا هنا، كي لا نحيد عن مسار البحث، هو الحديث بشيء من التفصيل عن مارتن لوثر ودعوته (3) ..
(1) أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص (158 - 9).
(2)
ول ديورانت: قصة الحضارة (18/ 290).
(3)
التالي مستفاد من: الموسوعة الكاثوليكية، مادة: Martin Luther، ومادة: Protestantism، وموسوعة ويكيپيديا، مادة: Martin Luther، ومادة: Albert of Mainz، ومادة: Exsurge Domine، ومادة: Diet of Speyer، ومحاضرات في النصرانية ص (165) وما بعدها، والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والفرق المعاصرة (2/ 615 - 6)، والمسيحية ص (275 - 6) بتصرف.