الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:
1 - مصطفى السباعي:
لم تقتصر مساعي التقريب في التاريخ المعاصر على المحاولات الجماعية، بل لقد حفظ لنا التاريخ عدة تجارب فردية فريدة! منها على سبيل المثال ما يحكيه الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله (1915 - 1964م) عن نفسه فيقول (1): «في عام 1953م زرت المرحوم السيد عبد الحسين (!) شرف الدين العاملي (2)
في بيته بمدينة صور في جبل
(1) د. مصطفى السباعي: السنة ومكانتها في التشريع، ص (23 - 4) باختصار.
(2)
عبد الحسين شرف الدين العاملي: الموسوي، صاحب كتاب المراجعات، (1290 - 1377هـ/1957م). وكتاب المراجعات هو من أهم كتبهم الحديثة، ويزعم كاتبه أن مراجعاته هي عبارة عن حوار جرى بينه وبين شيخ الأزهر سليم البشري رحمه الله [1248 - 1335هـ]. يقول صاحب (وجاء دور المجوس): «والتلفيق واضح في الكتاب؛ فلقد صور المؤلف شيخ الأزهر أمامه كتلميذ مؤدب أمام شيخ علامة بز بعلمه الأولين والآخرين .. فترى البشري يسأل والموسوي يجيب، ويسلم الأول للآخر بكل إجابة حتى نهاية الكتاب. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا لم يصبح شيخ الأزهر شيعيًا بعد أن اقتنع بأصول وفروع المذهب؟! ومن مقدمته نلاحظ أن الله قد فضحه [أي المؤلف] فاعترف بأنه قد أضاف أمورًا أخرى إلى الحوار الذي دار بينهما، انظر إليه وهو يقول: "وأنا لا أدعي أن هذه الصحف تقتصر على النصوص التي تألفت يومئذ بيننا
…
غير أن المحاكمات في المسائل التي جرت بيننا موجودة بين هاتين الدفتين بحذافيرها مع زيادات اقتضتها الحال، ودعا إليها النصح والإرشاد، وربما جر إليها السياق على نحو لا يخل بما كان بيننا من الاتفاق"اهـ[المراجعات، ص (77 - 8)، مقدمة المؤلف] .. إذن هناك زيادات اقتضتها الحال، ولم يفصح الكاتب عن حجم هذه الزيادات، ولو كان الموسوي صادقًا لنشر في بداية كتابه صورًا لرسائل شيخ الأزهر تتضمن اعترافه بصحة أصول الشيعة لا سيما وقوم الموسوي يحرصون أشد الحرص على الجوانب الإعلامية والدعائية، كما أنهم يهتمون بنشر شهادات علماء السنة لمذهبهم إن كانت وفق ما يريدون
…
وكتاب المراجعات جاء بعد وفاة شيخ الأزهر سليم البشري وبعد المناقشات المزعومة بخمسة وعشرين عامًا كما اعترف المؤلف في مقدمته، فلماذا لم ينشر كتابه خلال حياة البشري؟! ومما يجدر ذكره أن أحد إخواننا الذين يتابعون قضايا الرافضة سأل ابن سليم البشري عن حقيقة ما في المراجعات، فأجاب بأنه لا يعرف الموسوي، ولا يذكر أنه اتصل بأبيه أو أجرى معه حوارًا. والكتاب بعد ذلك مملوء بالدس والافتراء على أهل السنة والجماعة، وقد نسب الموسوي إليهم أقوالًا كثيرة هم بريئون منها. ترى أيقبل عالم جليل كالشيخ البشري أن ينسب رافضي مخرب مثل هذه الأقوال لأعلام الإسلام؟!» اهـ[عبد الله الغريب (محمد سرور بن نايف زين العابدين): وجاء دور المجوس، ص (137 - 9) باختصار].
عامل، وكان عنده بعض علماء الشيعة، فتحدثنا عن ضرورة جمع الكلمة، وإشاعة الوئام بين فريقي الشيعة وأهل السنة، وأن من أكبر العوامل في ذلك زيارة علماء الفريقين بعضهم بعضًا، وإصدار الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب. وكان السيد عبد الحسين متحمسًا لهذه الفكرة ومؤمنًا بها، وتم الاتفاق على عقد مؤتمر لعلماء السنة والشيعة لهذا الغرض، وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت عليه من نتيجة، ثم زرت في بيروت بعض وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء لهذا الغرض، ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه الفكرة، ثم ما هي فترة من الزمن حتى فوجئت بأن السيد عبد الحسين أصدر كتابًا في أبي هريرة (1) مليئًا بالسباب والشتائم، ولم يتح لي الآن قراءة هذا الكتاب الذي ما أزال أسعى للحصول على نسخة منه، ولكني علمت بما فيه مما جاء في كتاب الأستاذ محمود أبي رية [1889 - 1970م](2) من نقل بعض محتوياته ومن ثناء الأستاذ عليه لأنه يتفق مع رأيه في هذا الصحابي الجليل! لقد عجبت من موقف الأستاذ عبد الحسين في كلامه وفي كتابه معًا، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي، وأرى الآن نفس الموقف من فريق دعاة التقريب من علماء الشيعة، إذ هم بينما يقيمون لهذه الدعوة الدور وينشئون المجلات في القاهرة، ويستكتبون فريقًا من علماء الأزهر لهذه الغاية، لم نر أثرًا لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة، لا تقريب المذهبين بعضهما مع بعض» اهـ.
(1) هو كتاب (أبو هريرة) الذي كفَّر فيه هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه.
(2)
هو كتاب (أضواء على السنة المحمدية).