الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدولي الذي يتناسب مع حجمهم، وإحلال التعددية القطبية محل الأحادية الأمريكية المنفردة. إلا أن التحالف مع الولايات المتحدة أمر لا غبار عليه، ولا يمكن التنصل منه. ولكن ما تحاول الولايات المتحدة القيام به في تهميش الدور الأوروپي وإزاحته من كثير من المواقع الحساسة في العالم، وبخاصة الشرق الأوسط، دفع الأوروپيين إلى البحث عن الفرص التي من خلالها يحافظون على مصالحهم ومواقعهم الاستراتيچية، للتعويض عما فقدوه بسبب المنافسة الأمريكية (1).
وخلاصة القول في هذا التباين (الأوروپي-الأمريكي) في ردود الأفعال هو ما لخصه روبرت كيجن في قوله (2): «وكما قال بعض الأوروپيين، فإن تقسيم العمل الحقيقي جاء متمثلًا بتولي الولايات المتحدة مهمة (إعداد وجبة الطعام) واضطلاع الأوروپيين بوظيفة (ترتيب الأطباق وتنظيفها)» اهـ.
…
حرب العراق:
شنت أمريكا وحلفاؤها الحرب الوقائية على ما سمته بمعاقل الإرهابيين؛ فبدأت بأفغانستان، ثم غرتها الهزيمة السريعة لحكومة طالبان لإعلان حربها على العراق، والتي بدأت في 20 مارس 2003م (3)، وقد خلق مسوغاتها بوش الابن وحاشيته بناء على مصالح سياسية مبيتة كما تقدم.
(1) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (255) بتصرف.
(2)
روبرت كيجن: عن الفردوس والقوة، ص (29).
(3)
وقد أعلن أوباما رسميًا بعد نحو سبع سنوات، في 31/ 8/2010م، انتهاء عمليات القوات الأمريكية القتالية لـ (تحرير العراق)، مخلفة - كما أعلنت الأمم المتحدة - أكبر كارثة إنسانية عرفها الشرق الأوسط منذ عام 1948م، ملقية بالشعب العراقي في أحضان إيران. وقد تكبدت القوات الأمريكية خلال هذه الحرب ما يزيد عن تريليون (ألف مليار) دولار من الخسائر، مصداقًا لقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
ولقد روى ريتشارد كلارك، المسئول الأول عن دائرة مكافحة الإرهاب الأمريكية وقتها، في كتابه (في مواجهة كل الأعداء) - والذي عده بعض المحللين السياسيين «واحدًا من المسامير التي دقت في نعش الرئيس الأمريكي چورچ بوش الابن» (1) - روى تفاصيل هذه اللحظات الحاسمة، فقال (2): «وفي وقت لاحق من مساء ذاك اليوم الثاني عشر من سپتمبر خرجت من مركز مؤتمر الفيديو وإذا بي أجد الرئيس بوش وحيدًا في غرفة الحالة يذرع الأرض جيئة وذهابًا، ويبدو أنه يريد أن يفعل شيئًا.
وما أن رآني، ورأى بعض فريقي، حتى أغلق باب مركز المؤتمر، وتحدث إلينا قائلًا: "انظروا، أنا أعرف أن عليكم أن تفعلوا أشياء كثيرة
…
لكني أريدكم وبالسرعة الممكنة، أن تعودوا لمراجعة كل شيء، أقول كل شيء، انظروا وابحثوا إذا كان صدام قد فعل هذا. حاولوا أن تجدوا إن كان له ضلع في هذا الأمر مهما يكن
…
". وانتابتني دهشة أخرى، لا أُصَدِّق ما أسمع، وقد ظهرت علامات الدهشة على وجهي، وقلت: " ولكن يا سيدي الرئيس، القاعدة هي التي فعلت هذا"، وأجاب الرئيس: "أعلم، أعلم، ولكن
…
انظروا وحاولوا أن تعرفوا إذا كان صدام متورطًا. فقط انظروا. أريد أن أعرف إن كان ثمة ضلع له
…
". فقلت: "بكل تأكيد، سوف نفعل
…
مرة أخرى"، وأنا أحاول أن أكون شديد الاحترام له، ومستجيبًا لطلبه. وتابعت قولي: "ولكنك تعرف أنَّا بحثنا ونقَّبنا مرات عديدة لنجد دولة راعية لتنظيم القاعدة ولم نجد أية صلة للعراق. هناك دور محدود لإيران، وكذلك پاكستان والسعودية واليمن". فقال الرئيس بشيء من النكد والعصبية:"انظروا في أمر العراق، وصدام". ثم خرج تلاحقه نظرات ليزا جوردون هاجرتي Lisa Gordon-Hagerty (3) التي وقفت مذهولة فاغرة الفم"» اهـ.
هكذا بدأت الحرب، تلفيقًا لا توثيقًا! ولإضفاء هالة القداسة عليها بررت الإدارة
(1) انظر، تقرير بعنوان: ضد كل الأعداء، نشره موقع (الجزيرة. نت)، قسم المعرفة، في 3/ 10/2004م.
(2)
ريتشارد كلارك: في مواجهة جميع الأعداء، من داخل حرب أمريكا على الإرهاب، ص (55 - 6). Richard A. Clarke: Against All Enemies، Inside America's War on Terror
(3)
هي أحد خبراء الأسلحة النووية.
الأمريكية المتصهينة أفعالها انطلاقًا من مذهب العصمة الحرفية للكتاب المقدس، والذي يؤمن به بوش وزبانيته من الإنجيليين؛ «فالقس دافيد بريكنر David Brickner مثلًا يقول:"إننا نعرف أن تدمير بابل، الذي ورد في الإصحاح 18 [من سفر الرؤيا] يعني تدمير العراق"، كما أن القس شارلز داير Charles Dyer، أستاذ اللاهوت في جامعة دالاس، يدَّعي أن إصحاح (أشعياء 13) يشير إلى قيام صدام حسين وإلى غزوه للكويت [2/ 8/1990 - 26/ 2/1991م]، وذلك لإقامة قاعدة للهجوم على إسرائيل". واعتبر القس داير، في تفسيراته لهذه النبوءات، صدام حسين خليفة (نبوخذنصر/بُخْتَنَصَّر)[630 - 562ق. م]، وذلك بسبب عدائه لإسرائيل وبسبب نواياه لإعادة بناء بابل» (1).
فكان غزو بوش للعراق - في زعمهم - هو تنفيذًا لأوامر الرب، وخطوة تمهيدية لمعركة هرمجدون Armageddon، الرؤية الصهيونية للملحمة! (2).
تقول باربرا فيكتور (3): «يخال للرئيس بوش بأن صراعًا في العراق بالنسبة للولايات المتحدة سيكون له لا إسقاطات چيوسياسية إيجابية فحسب، بل إنه سيكون إيجابيًا في دعم الثمانين مليونًا من المسيحيين الإنجيليين الذين يعتقدون بأن كل حرب ضد الإسلام ليست أي شيء سوى حرب صليبية لتحرير العالم نهائيًا من هذه الآفة. هؤلاء الإنجيليون أنفسهم مقتنعون فضلًا عن ذلك بأن انتصار أمريكا على بلد إسلامي كبير سيفتح أبواب ذلك البلد لمبشرين مسيحيين لهداية أرواح جديدة» . ثم تذكر أنه «بعد اندلاع الأعمال الحربية في العراق مباشرة، زار فرانكلين جراهام Franklin Graham [المبشِّر الإنجيلي المعروف](4) هذا البلد ليحمل - على حد زعمه - للشعب العراقي أطعمة وألبسة
(1) انظر، محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (52 - 3).
(2)
سيأتي التعريف بها في الفصل التالي.
(3)
باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (69 - 70) باختصار.
(4)
يذكر بوش الابن أنه يدين للقس فرانكلين هذا بالعرفان والجميل؛ ففي 18 إپريل 2003م، قال بوش بمناسبة أداء صلاة الفصح التي ترأسها فرانكلين جراهام:«لقد غرس في قلبي بذور الإيمان فتوقفت عن تعاطي المسكرات واعتنقت المسيحية» . أما جراهام نفسه فحمل في هذه المناسبة الدينية على الإسلام، وقال:«إن الفرق بين الإسلام والمسيحية هو الفرق بين الظلام والنور» اهـ[انظر، محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (59)].