المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكذلك مساعي الصهيوني غير اليهودي، عضو الپرلمان الإنجليزي، وأحد أصدقاء - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: وكذلك مساعي الصهيوني غير اليهودي، عضو الپرلمان الإنجليزي، وأحد أصدقاء

وكذلك مساعي الصهيوني غير اليهودي، عضو الپرلمان الإنجليزي، وأحد أصدقاء لورد شافتسبري المقربين لورانس أوليفانت Laurence Oliphant (1829 - 1888 م)، ولكن تلك لم تكن القاعدة العامة، إلى أن ظهر على الساحة السياسية اليهودي النمساوي-المجري، ثيودور هرتزل، ليقدم الحل للإشكالات الحادثة بين الفريقين ..

‌هرتزل: ترجمة:

وُلد ثيودور هرتزل عام 1860م لأب تاجر ثري. وكان يحمل ثلاثة أسماء، أهمها اسمه الألماني ثيودور، وثانيها اسمه العبري بنيامين زئيف Benjamin Ze'ev، وثالثها اسمه المجري تيفادار Tivadar. والتحق ثيودور الصغير بمدرسة يهودية وعمره ست سنوات لمدة أربعة أعوام انقطعت بعدها علاقته بالتعليم اليهودي. ولذا، لم يُقدَّر له أن يدرس العبرية، بل لم يكن يعرف الأبجدية نفسها. والتحق بعد ذلك بمدرسة ثانوية فنية، ومنها التحق بالكلية الإنجيلية عام 1876م وعمره خمسة عشرة سنة (أي أنه التحق بمدرسة مسيحية پروتستانتية، ولعله تَلقَّى تعليمًا دينيًا مسيحيًا هناك)، وأنهى دراسته عام 1878م. ثم التحق بجامعة فيينا وحصل على دكتوراة في القانون الروماني عام 1884م وعمل بالمحاماة لمدة عام، ولكنه فضل أن يكرس حياته للأدب والتأليف. ومع هذا، ظلت عقليته أساسًا عقلية قانونية تعاقدية.

وكان هرتزل يرفض الدين اليهودي والتقاليد الدينية اليهودية. والواقع أن زوجته كان مشكوكًا في يهوديتها، وقد رفض حاخام فيينا إتمام مراسم زواج هرتزل لها حينما اكتشف ذلك. كما أن هرتزل لم يُخَتِّن أولاده وقد تنصر معظمهم بعد وفاته. ولم يكن الطعام الذي يُقَدَّم في بيته (كوشير Kosher) أي مباحًا شرعًا، وكان يحتفل بعيد الميلاد (الكريسماس).

ومن الناحية الثقافية، فإن هرتزل كان ابن عصره، يجيد الألمانية والمجرية والإنجليزية والفرنسية. ويبين أحد مؤرخي الحركة الصهيونية أن اتخاذ هرتزل دور الداندي Dandy (أي الوجيه الذي يبالغ في الأناقة) وتَظاهُره بأنه من الأرستقراطيين هو القناع الذي كان يختبئ وراءه ليهرب من هويته اليهودية. وكان هرتزل لا يعرف العبرية، وقد تساءل علنًا وبسخرية (في المؤتمر الصهيوني الثالث 1899م) عما يُسمَّى بـ (الثقافة اليهودية). وحينما

ص: 326

قرَّر مجاملة حاخامات مدينة بازل، اضطر إلى تأدية الصلاة في كنيس المدينة قبيل افتتاح المؤتمر الصهيوني الأول (1897م)، كما اضطر إلى تعلُّم بضع كلمات عبرية لتأدية الصلاة. وكان المجهود الذي بذله في تعلُّمها أكبر من المجهود الذي بذله في إدارة جلسات المؤتمر بأسرها (حسب قوله).

ولكن، ورغم ابتعاده عن الثقافة اليهودية، نجده متأثرًا بعقيدة الماشَّيح المخلِّص، ونجد أن ذكرها يتواتر في مراسلاته ومذكراته بأسلوب ينم عن الإيمان بها وإن كان الأمر لا يخلو من السخرية منها في آن واحد. وكان اهتمامه ينصب على الماشَّيح الدجال شبتاي تسِفي. وقد استخدم هرتزل كلمة (الخروج) التوراتية [نسبة إلى سفر الخروج] ليشير إلى مشروعه الاستيطاني، الأمر الذي يدل على أن الأسطورة التوراتية كانت تشكل جزءًا من إطاره الإدراكي (1).

ولقد نشط هرتزل على الساحة السياسية في أعقاب قضية دريفوس Dreyfus Affair، والتي اتُهم فيها ضابطًا يهوديًا بالجيش الفرنسي هو ألفريد دريفوس Alfred Dreyfus (1859 - 1935 م)، حيث أدانته المحاكم الفرنسية بالخيانة العظمى، وتسليم وثائق عسكرية في زمن الحرب إلى قيادة الجيش الألماني.

وكانت قضية دريفوس من أحرج الأزمات التي هزت فرنسا، والتي انقسم فيها الناس بين مدافع عن دريفوس Dreyfusard ومناهض له Anti-Dreyfusard.

وكان ممن دافعوا عنه وهو في سجنه المحامي والأديب الفرنسي إميل زولا (1804 - 1902م)، وكان أهم ما كتبه في القضية حينها رسالة توجه بها إلى الرئيس الفرنسي بعنوان (أنا أتهم

!، رسالة إلى رئيس الجمهورية)، ونشرتها جريدة (لورور) الفرنسية في عدد 87 الصادر في يوم الخميس 13 يناير 1898م (2).

يقول الدكتور حسن ظاظا (3): «لم يكن تحريك زولا للقضية يهدف إلى إنقاذ هذا

(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ هرتزل: حياته (1860 - 1904م)) باختصار.

(2)

Emile Zola: J'Accuse

!، Lettre au Président de la République. L'Aurore، Numéro 87، Janvier 13، 1898

(3)

د. حسن ظاظا: الشخصية الإسرائيلية، ص (78) بتصرف يسير.

ص: 327

الضابط السجين، ولكنه كان حركة أساسية في برنامج سياسي يقوم على الاشتراكية والديمقراطية، المناهضة للفكر الرجعي ممثلًا في البرچوازية والكنيسة

فكان يمنح صداقته وتأييده ليهود فرنسا، تدعيمًا لركائز سياسية واجتماعية يريد منها كسب أنصار جدد للاشتراكية الليبرالية التي كان يدعو لها» اهـ.

وعلى النقيض، كان يقود الكاتب الفرنسي إدوار دريمون Edouard Drumont (1844 - 1917 م) في الوقت نفسه معركة عكسية بكتابه الخطير (فرنسا اليهودية La France Juive) الصادر في عام 1886م، أي قبل صدور الحكم على دريفوس ببضع سنوات - إذ أن الحكم قد صدر على أثر المحاكمة الأولى [سنة 1894م]- واشتهر الكتاب بأنه من أُمَّات الكتب التي تأخذ مسلك اللاسامية (1).

وفي أثناء هذه المعركة الطاحنة، كان هرتزل يقيم في پاريس، ويعمل مراسلًا لصحيفة نمساوية تصدر في فيينا باسم (نويه فراي پرِسه Neue Frie Presse)، والتي قد كلفته بمتابعة أخبار المحاكمة وتبعاتها.

وفي الفترة ما بين ربيع عام 1895م وشتائه، اختمرت فكرة الدولة اليهودية في عقل هرتزل، حيث رأى أنها الحل الجذري لإنهاء المسألة اليهودية، وذلك عن طريق إبعادهم عن الأمم الأخرى.

يقول المسيري (2): «ومن الطريف أن التواريخ الصهيونية ترى أن واقعة دريفوس هي التي هزت هرتزل وأعادته إلى يهوديته، ولكن المقالات التي كتبها لصحيفته عام 1894م تدل على أنه كان مقتنعًا بأن الضابط اليهودي كان مذنبًا، ولعل اقتناعه بوجاهة الاتهامات هو الذي قاده إلى الصهيونية؛ فالكره العميق لليهود واليهودية هو الأساس العميق الكامن للصهيونية» اهـ.

وقد قرَّر هرتزل أن يسجل أفكاره في كتيب، ففعل ذلك في خمسة أيام ونشره موجزًا في جريدة (التاريخ اليهودي The Jewish Chronicle) [في عددها الصادر يوم

(1) انظر السابق، ص (79).

(2)

د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ أفكار هرتزل).

ص: 328

الجمعة 17 يناير 1896م، تحت عنوان: حل للمسألة اليهودية A Solution of the Jewish Question]، ثم نشره في 14 فبراير من العام نفسه بعنوان (دولة اليهود: محاولة لحل عصري للمسألة اليهودية Der Judenstaat: Versuch einer modernen Losung der Judenfrage). وقد ألَّف هرتزل الكتيب بالألمانية ونشر منه بين عامي 1896 و1904م خمس طبعات بالألمانية وثلاثًا بالروسية وطبعتين بكلٍّ من العبرية واليديشية والفرنسية والرومانية والبلغارية (1).

وكانت النقطة التي ارتكز عليها هرتزل هي تقوية الروح القومية اليهودية والتي رأى أنها الحل الأمثل لتوحيد صف الجماعات اليهودية باختلاف اتجهاتها تحت لواء الصهيونية: «دع جميع الذين يريدون أن ينضموا إلينا أن يصطفوا خلف أعلامنا، وأن يحاربوا في سبيل قضيتنا بالصوت والعلم والعمل» (2).

ويظهر ذلك في قوله (3): «إننا شعب .. وشعب واحد» ، وفي قوله (4):«إن الفكرة التي طورتها في هذا الكتيب فكرة موغلة في القدم، هي فكرة استعادة الدولة اليهودية. إن العالم يردد صيحات صاخبة ضد اليهود، وهذه الصيحات هي التي أيقظت الفكرة من سباتها» ، وفي قوله كذلك (5):«إن شخصيتنا القومية مشهورة تاريخيًا شهرة لا مراء فيها، وعلى الرغم من كل إذلال فإنها أقوى من أن تجعل القضاء عليها أمرًا مرغوبًا فيه» ، بل في قوله أيضًا (6):«أما فلسطين فإنها وطننا التاريخي الذي لا تمحى ذكراه» ، وغيرها ..

يقول حاييم وايزمان (7): «لم يكن كتاب هرتزل عن المملكة اليهودية هو الذي عاد على اليهود بالنفع الجزيل، وإنما كانت خدمة هرتزل لليهود ولفكرة الصهيونية أنه دعا إلى

(1) السابق، بتصرف.

(2)

ثيودور هرتزل: الدولة اليهودية، ص (83).

(3)

السابق، ص (60).

(4)

السابق، ص (49).

(5)

السابق، ص (80).

(6)

السابق، ص (84).

(7)

مذكرات وايزمان، ص (17).

ص: 329

تحقيق فكرة ربط يهود العالم كلهم في پرلمان واحد، وكان هذا عن طريق المؤتمرات اليهودية التي كان هرتزل أول من دعا إليها وأول من حققها. فكانت تلك المؤتمرات الصهيونية العالمية التي تعقد كل عام، أو كلما دعت إليها الضرورة، والتي كان يحضرها ممثلون عن يهود العالم أجمع، هي الپرلمان اليهودي العام الذي ربط بين اليهود بعضهم ببعض، على اختلاف بلدانهم وتراخي ديارهم».

وكما يقول ياكوف رابكن (1): «تقدم الصهيونية إذن إلى مؤسسيها الأوائل أملًا برفض الاندماج الفردي لحساب رؤيا كلية لاندماج جماعي، وتوحيد الشعب اليهودي» اهـ.

ويظهر أن هرتزل قد توصل إلى فكرته القومية من خلال معرفته بالفكر والحضارة الألمانية التي ينتمي إليها (وهذا ما ذهب إليه الزعيم الصهيوني ناحوم جولدمان Nahum Goldmann (1895 - 1982 م))؛ إذ يرى الألمان أن جميع الأشخاص المنحدرين من العرق الألماني، أو الذين تربطهم قرابة الدم بالأصل الألماني يكون ولاؤهم الأول لألمانيا، ويجب أن يصبحوا مواطنين في الدولة الألمانية، وطنهم الحقيقي. وحتى إذا كانوا قد نشأوا وترعرعوا، هم وآبائهم وأجدادهم تحت سماوات أجنبية أو بيئات غربية، فإن حقيقتهم الأساسية تبقى ألمانية.

لذا، يمكن القول بأن الحركة الصهيونية بدأت تاريخها مع اكتشافها لليهود كـ (فولك Volk) أو كشعب عضوي: كيان جماعي له تاريخه الخاص وتراثه الحضاري المتميز بل وسماته البيولوچية الخاصة به (2)، وكما يقول رابكن (3):«لم تكن الصهيونية لتنجح إلا بإضافة جانب عرقي إلى ظاهرة العلمنة العامة مع ذلك» اهـ.

ولكن هرتزل يتجاوز في كتيبه عن الأسباب الواقعية وراء العداء الغربي للسامية، ويشخصها على أنها مسألة أبدية لا حل لها، فتجده يقول (4): «إن المسألة اليهودية توجد

(1) ياكوف رابكن: المناهضة اليهودية للصهيونية، ص (26).

(2)

انظر، د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (153 - 4).

(3)

ياكوف رابكن: المناهضة اليهودية للصهيونية، ص (27).

(4)

ثيودور هرتزل: الدولة اليهودية، ص (59).

ص: 330

حيثما يوجد عدد ملحوظ من اليهود، وحيث تختفي هذه المشكلة فمعناها أن اليهود قد هاجروا وحملوها معهم. ومن الطبيعي أننا نرحل إلى الأماكن التي لا نلقى فيها الاضطهاد، حتى إذا حللنا هنالك فإن مجرد وجودنا في حد ذاته يولد الاضطهاد».

وقبل أي يطرح هرتزل حلَّه للمسألة - والذي حاول إضفاء صبغة عملية وواقعية عليه: «خشية أن يظن البعض أني أؤلف يوتوپيا» (1) -، وجَّه نقدًا للمحاولات الاستيطانية الصهيونية في عصره (محاولة التسلليين من شرق أوروپابدعم أثرياء الغرب المندمجين) ووصفها بأنها محاولات مستحيلة دخلت طريقًا مسدودًا، فقال (2): «إن الأساليب المصطنعة التي استخدمت حتى الآن للتغلب على متاعب اليهود إما بالغة التفاهة كالمحاولات الاستعمارية

» (3)، ويعلل ذلك بقوله بأن «التسلل من شأنه أن ينتهي نهاية سيئة. إنه يستمر إلى اللحظة التي لا يمكن تجنبها، عندما يشعر السكان المحليون أنهم مهددون فيجبرون الحكومة على إيقاف أي تدفق جديد لليهود، وبالتالي فإن الهجرة لا جدوى منها ما لم تقم على أساس من هيمنة مضمونة» (4).

ثم قدَّم الحل البديل، وهو الحل الاستعماري الغربي، فقال (5):«إن الجمعية اليهودية سوف تتعامل مع الملَاّك الحاليين للأرض، وستضع نفسها تحت حماية القوى الأوروپية، إذا أثبتوا أنهم متعاطفون مع الخطة» ، وكان هذا مربط الفرس الذي لم يتنبه إليه أي مفكر صهيوني يهودي من قبله.

وهكذا كان هرتزل يعد بمثابة الحلقة المفقودة بين الصهيونيتين اليهودية وغير اليهودية؛ فعن طريق تقوية الروح القومية، رأى أنه من الممكن إيجاد تفاهم ضمني بين يهود غرب أوروپاويهود اليديشية تتعهد الحركة الصهيونية من خلاله بإخلاء أوروپامن يهودها، أو

(1) السابق، ص (51). واليوتوپيا Utopia: مفهوم فلسفي يطلق على الأفكار المثالية التي لا يمكن تطبيقها في المجتمع نظرًا لبعدها عن الواقع الحقيقي.

(2)

السابق، ص (75).

(3)

المقصود بها الاستيطانية التسللية.

(4)

السابق، ص (83).

(5)

السابق.

ص: 331

على الأقل من الفائض البشري اليهودي. وهذا بالتالي يؤدي إلى رضوخ اليهود إلى الحل الاستعماري الغربي كحل (وحيد) للمسألة اليهودية.

ولقد تلقَّف وليام هشلر William Hechler (1845 - 1931 م) - القس الإنجليكاني الملحق بالسفارة البريطانية في فيينا - كتيب هرتزل، وعاونه في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م، والذي فيه حوَّل خطة تحقيق المشروع الصهيوني إلى برنامج سياسي.

تقول باربرا فيكتور (1): «من وجهة نظر المحترم [أي هشلر]، كانت الخطة المقترحة من قبل هرتزل لوطن يهودي في فلسطين دليلًا ملموسًا على أن النبوءة التوراتية بشأن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة ستنصب على المجيء الثاني للمسيح

في بداية علاقتهما، ارتاب هرتزل من مُحاوره الذي كان يشُك بأنه يغذي مشاعر معادية للسامية. ففي الحقيقة، حاول هيشلر مرارًا إقناع هرتزل، أو على الأقل، حمله على أن (يُدرِج الله) في مفهومه للدولة اليهودية. ومع ذلك، طوَّر الرجلان علاقات صداقة متينة

واستمرت تلك الصداقة إلى حين الموت المبكر لهرتزل في سن الرابعة والأربعين. وبينما كان يحتضر، استدعى هذا الأخير هيشلر إلى قرب سريره وهمس في أذنه:"أوصل شعلة الصهيونية إلى العالم المسيحي"» اهـ.

ولقد وضعت الحركة الصهيونية نصب عينها بعد انعقاد مؤتمرها الأول القيام بمهام ثلاث هي: استعمار فلسطين، ومحاولة خلق شعب يهودي واحد متجانس، وإنشاء حركة تكون بمنزلة (رأس الرمح) في البرنامج الصهيوني الاستعماري. وتضمَّن هذا البرنامج تشجيع الاستعمار الصهيوني في فلسطين، وتأسيس منظمة تربط يهود العالم عن طريق مؤسسات محلية أو دولية طبقًا لقانون كل دولة، وتقوية الشعور القومي اليهودي، والحصول على موافقة حكومية لبلوغ الأهداف الصهيونية، وصولًا إلى «إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين يحميه القانون» (2).

(1) باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (216) باختصار.

(2)

من الواضح أن المؤتمر الصهيوني الأول كان معلومًا لدى الجميع وقراراته كانت معلنة، ولذا لا مجال لدينا للتسليم لما قاله التونسي في ترجمته للپروتوكولات:«أما أول مؤتمراتهم فكان في مدينة بازل بسويسرا سنة 1897م برئاسة زعيمهم هرتزل، وقد اجتمع فيه نحو ثلثمائة من أعتى حكماء صهيون كانوا يمثلون خمسين جمعية يهودية، وقد قرروا في المؤتمر خطتهم السرية لاستعباد العالم كله تحت تاج ملك من نسل داود، وكانت قراراتهم فيه سرية محوطة بأشد أنواع الكتمان والتحفظ إلا عن أصحابها بين الناس، أما غيرهم فمحجوبون عنها ولو كانوا من أكابر زعماء اليهود، فضلًا عن فضح أسرارها لغير اليهود. ولكن الله قدر أن ينفضح بعضها وما يزال سائرها سرًا، وإن كان فيما ظهر منها ما يكشف بقوة ووضوح عما لا يزال خافيًا» [انظر الترجمة، ص (37 - 8)]. أيضًا ما قاله في ص (39 - 40) أنه عندما وقعت الپروتوكولات في يد سرچي نيلوس: «افتضحت نيات اليهود الإجرامية، وجنّ جنونهم خوفًا وفزعًا، ورأوا العالم يتنبه إلى خططهم الشريرة ضد راحته وسعادته .... واشتد هلعهم لذلك كله، فقام زعيمهم الكبير الخطير ثيودور هرتزل أبو الصهيونية، وموسى اليهود في العصر الحديث يلطم ويصرخ لهذه الفضيحة، وأصدر عدة نشرات يعلن فيها أنه قد سرقت من (قدس الأقداس) بعض الوثائق السرية التي قصد إخفاؤها على غير أصحابها ولو كانوا من أعاظم اليهود، وأن ذيوعها قبل الأوان يعرض اليهود في العالم لشر النكبات، وهب اليهود في كل مكان يعلنون أن الپرتوكولات ليست من عملهم، لكنها مزيفة عليهم» اهـ. يقول الدكتور المسيري معلقًا: «وهذا تخريف ما بعده تخريف، فوقائع هذا المؤتمر الأول وما تلاه من مؤتمرات موجودة في كتب بالألمانية والعبرية والإنجليزية والفرنسية وتُرجم بعضها إلى العربية، ونحن نعرف الكثير الكثير عن هذا المؤتمر الذي دعا له هرتزل، وكذلك جميع المؤتمرات التالية. فنحن نعرف، على سبيل المثال لا الحصر، أن المؤتمر الصهيوني الأول (1897م)، قد حضره ما بين 200 و250 مندوب، نعرف عنهم كل ما يلزم من تفاصيل للقيام بعمليات التحليل والتفسير» ، ويقول كذلك:«لم يشر هرتزل إلى الپروتوكولات أدنى إشارة في يومياته المفصلة التي دون فيها أدق تفاصيل حياته» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (73، 76)].

ص: 332

وكثَّف هرتزل في هذه المرحلة جهوده الديپلوماسية للحصول على (براءة) تضمن أي كيان صهيوني يقام في فلسطين، فحصل على نوع من الاعتراف الأوروپي بالمنظمة الصهيونية العالمية رغم معارضة يهود غير صهاينة رأوا في الصهيونية خطرًا عليهم في أوطانهم (1).

ولكن برغم عصرية حلِّه وحداثته إلا أن بصيرته خانته، إذ بدأ نشاطه السياسي بطريقة تقليدية؛ فتوجَّه للقيادات اليهودية التقليدية (الحاخامات والأثرياء) أصحاب النفوذ التقليدي، والذين نظروا إليه بنوع من الفتور أو الاشمئزاز.

(1) انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ العقد الصامت).

ص: 333

وعند هذا الحد أدرك هرتزل أن القيادات اليهودية الغربية غير جادة وغير قادرة. ولكنه مع هذا تعلَّم منها الكثير. ولعل هذا ساعده في تطوير الخطاب الصهيوني المراوغ. ومع ذلك كانت الاستجابات سلبية في كل مكان. ولذا قرر هرتزل - على حد قوله - أن يتوجَّه إلى الشعب. والشعب هنا لا يعني الجماهير اليهودية وإنما يعني حركة أحباء صهيون والحركات المتناثرة ذات الأهداف المماثلة، والتي تدعم موقفه التفاوضي أمام عالم الصهيونية غير اليهودية، عالم الاستعمار الغربي.

ولكنه كان يرفض النزعات الصهيونية السابقة عليه؛ فصهيونية أثرياء يهود الغرب المندمجين (صهيونية الإنقاذ التي تأخذ شكل صدقات) غير صالحة لأن المشروع الصهيوني مشروع ضخم يتجاوز الجهود الفردية. أما بالنسبة للتسلل، فقد ساهم الصهاينة التسلليون ولا شك في إلقاء الضوء على فكرة تأسيس الدولة، كما أن أخطاء التسلليين أثناء الممارسة قد تفيد في تنفيذ المشاريع الضخمة المقبلة. ولكن التسلل، مع هذا، بَذَر الشك في نفوس الناس بشأن المشروع الصهيوني ككل ..

ولقد أثار هرتزل قضية مهمة أخيرة، هي أن التسلليين ليس عندهم أية سيادة قومية، ولذلك فهم تحت رحمة الپاشا العثماني، كما أنهم يفتقدون أساس القوة. ولذا، فلن يمكنهم الحصول على الاستقلال، وسوف يظل الاستيطان التسللي استيطانًا «يائسًا جبانًا» . وحتى لو وصل التسلليون إلى مستوى كاف من القوة، وحتى لو وهن الباب العالي إلى الحد الذي يسمح للصهاينة بإعلان استقلالهم، فإن هذه المحاولة لن تنجح لأن القوى العظمى الغربية لن تعترف بالكيان الجديد.

انطلاقًا من كل هذا، طرح هرتزل رؤيته الصهيونية الجديدة الحديثة التي خرجت بالصهيونية من إطار المعبد اليهودي والاجتهادات الدينية وجو شرق أوروپاالخانق ودخلت بها جو الإمپريالية الحديث، فطالب بأن يُنظَر إلى المسألة اليهودية كمشكلة سياسية دولية تجتمع كل الأمم المتحضرة لمناقشتها وإيجاد حل لها.

وقد أدار هرتزل المحرك عن طريق خطابه المراوغ، وقد لاحظ قيادات أحباء صهيون حتى قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، كيف تحوَّل هرتزل إلى بطل أسطوري، وكيف أن الموقف العام للصهيونية تغيَّر تمامًا بعد ظهوره، وأن الاهتمام بالصهيونية والتعاطف

ص: 334