الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تأييد آية الله التسخيري:
فلقد تقدم على إثر هذه التصريحات باحث مصري بمشروع لإنشاء الدولة الفاطمية الجديدة، قوبل برفض هائل من أطراف مشاركة في المؤتمر الإسلامي المنعقد في طرابلس بليبيا في الفترة من 27 إلى 30 أكتوبر عام 2008م تحت عنوان (إن الدين عند الله الإسلام)، إلا أن أحد الأطراف المشاركة في المؤتمر، وهو المرجع الشيعي آية الله محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فاجأ الجمع بإعلان تأييده لدعوة القذافي والمشروع المقدم، قائلًا (1):«أؤيد القذافي فيما طرحه عن فكرة الفاطمية الجديدة، وأفهم جيدًا غرضه الأساسي من هذا الطرح، فقد أراد أن يسحب بوصلة الصراع المذهبي إلى غير الاتجاه الذي يريده الغرب متمثلًا في إدخال الأمة في صراع شيعي وسني أو فارسي وعربي» اهـ.
وقد أثارت حينها تصريحات تسخيري المخاوف من إعادة الجدل بشأن تحذيرات الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في شهر سپتمبر من العام نفسه فيما يتعلق بخطر المد الشيعي الإيراني واختراقه لبلاد السنة، إلا أن ما لوحظ أن موقع الشيخ القرضاوي تجاهل تصريحات نائبه التسخيري تلك، وفي المقابل قال تسخيري بأن «الخلاف مع القرضاوي سحابة صيف لن تعود» (2)، في محاولة منهما لاحتواء الأزمة التي سنعرض لها القول بعد قليل.
ولكن كما قلنا قبل ذلك، فإن الله جل جلاله أخبرنا:{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} (3)، وبغض النظر عن التأويلات الساذجة التي تأولها بعض أهل السنة لتبرير تصريحات تسخيري في شأن دولة الفواطم الثانية، حتى إنه قيل في حقه:«وعمليًا أنا لا أرى فيما قاله شيئًا جارحًا، وأحسن الظن به» ، بل كما أوضح بعضهم أنه «يمكن النظر إلى فكرة الدولة الفاطمية بقراءة سياسية تهدف إلى دولة (الوحدة الإسلامية) التي نشأت
(1) وفق ما نقله عنه موقع (العربية. نت)، بتاريخ 29/ 10/2008م. www.alarabiya.net
(2)
السابق، بتاريخ 30/ 10/2008م.
(3)
محمد: 30
في الزمن الفاطمي، والقذافي عندما دعا لتلك الدولة تبنى الموقف السياسي وليس المذهبي، ونحن نفهم ذلك لكونه زعيمًا سنيًّا» (1).
فعند النظر تجد أن هذه التأويلات تخالف الحقائق التاريخية النافية لوجود أثر هذه الوحدة الإسلامية في كنف الدولة الفاطمية الأولى (297 - 567هـ/909 - 1171م)(2)، فضلًا عن مخالفتها لصريح قول القذافي في إحدى خطبه:«أول دولة شيعية في التاريخ هي التي في شمال إفريقيا وهي الدولة الفاطمية الأولى، وأهل البيت هم من لهم الحق الإلهي في الحكم والإمامة، ولا نقبل بعد اليوم أي أحد في الوطن العربي يحكم باسم القرآن أو باسم الدين أو يعمل دولة دينية ما لم يكن من أهل البيت» اهـ.
وبعيدًا عن هذه المجاملات الشكلية، فالحاصل أن كلًا من القذافي وتسخيري ارتضى النموذج العبيدي حلًا (للأزمة الإسلامية)، بدلالة قول تسخيري في حوار لاحق مع صحيفة (ليبيا اليوم) نشر في 4/ 11/2008م، قال:«أنا قلت: أنا أؤيد أن الأخ العقيد لم يكن يقصد إلا إرجاع المؤشر إلى موقعه الطبيعي» ، وهو بذلك يناقض أحد أهداف المجمع العالمي للتقريب الذي يتولى هو أمانته العامة، والذي ينص على (3): «نفي موارد
(1) وفق ما صرح به بعض الصحافيين البارزين لموقع (العربية. نت)، بتاريخ 30/ 10/2008م.
(2)
يذكر الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله (701 - 774هـ) في ترجمة باني مصر معد بن إسماعيل المدعي أنه فاطمي: «وقد أحضر بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي [ت. 363هـ] فقال له المعز: بلغني عنك أنك قلت لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة ورميت المصريين بسهم، فقال: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر. قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم دين الأمة وقتلتم الصالحين وأطفأتم نور الإلهية وادعيتم ما ليس لكم. فأمر بإشهاره في أول يوم ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضربًا شديدًا مبرحًا ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله، فكان يقال له الشهيد» اهـ[انظر، ابن كثير: البداية والنهاية (11/ 284)]، وقال الإمام الذهبي في ترجمة (الشهيد المسلوخ):«قال أبو ذر الحافظ: سمعت الدارقطني يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يُسلخ {كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58]» [الذهبي: سير أعلام النبلاء (16/ 148)].
(3)
انظر، أهداف المجمع العالمي للتقريب على موقع المجمع الرسمي، الفصل السادس: الأهداف الرسمية والتنظيمية، الهدف الرسمي (6). www.taghrib.org
سوء الظن والشبهات بين أتباع المذاهب الإسلامية».
فعندما تصدر مثل هذه التصريحات ممن يتولى زمام الأمور في دعوة التقريب، يجعلنا نشك في نوايا هذا المجمع الإيراني المنشأ، المقام بمباركة علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران وقائد ثورتها (الإسلامية)، ويجعلنا نسأل عن معنى (الأصل والفرع) في اصطلاحهم، بل ويجعلنا أيضًا نعيد قراءة أهداف المجمع حينما يذكر أن «انتصار الثورة الإسلامية في إيران وإيجاد حكومة إسلامية من جانب مؤسس الثورة سماحة الإمام الخميني [1902 - 1989م] قد مهَّدا المجال لزيادة توسيع هذا الجهد بين المسلمين» (1)؛ فما هو الجهد المراد التوسع فيه؟ خاصة إذا علمنا أن سبب هذا الخلاف الحاصل بين المسلمين يرجع - حسبما يرى خميني - إلى (تقصير) نبي الله صلى الله عليه وسلم في تبليغ رسالته! فيقول (2):«واضح أن النبي لو كان قد بلَّغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر الله به وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت خلافات في أصول الدين وفروعه» اهـ.
والخلاف هنا أصلي بدلالة قوله، بل يقع في أصل الأصول والمعلوم من الدين بالضرورة؛ فكما يروي إمامهم محمد بن يعقوب الكليني (ت. 328/ 329هـ) بسنده عن زرارة عن أبي جعفر قال:«بني الإسلام على خمسة أشياء، على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية» ، قال زرارة: قلت: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن» (3).
فهل يتفق هذا مع ما صرح به تسخيري بأن الإيمان بالوصية (الإمامة) هو «اختلاف اجتهادي» (4)، أي إنه خلاف سائغ غير مذموم (5) كما يظهر من كلامه، وأن «المساحة
(1) انظر السابق: التعريف بالمجمع.
(2)
الخميني: كشف الأسرار، ص (155). وسيأتي الحديث عنه ببعض التفصيل في مبحث الإمامة في الباب الثاني.
(3)
الكليني: الأصول من الكافي (2/ 18).
(4)
انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م. www.libya-alyoum.com
(5)
وهو ما لا يخالف نصًا من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعًا قديمًا، أو قياسًا جليًا. وعكسه الخلاف غير السائغ المذموم: وهو ما خالف نصًا من كتاب أو سنة صحيحة أو إجماعًا قديمًا، أو قياسًا جليًا.
المشتركة بين (المذاهب) تتجاوز 90% من مسائل حياتهم» (1)، باعتباره أن المذاهب الإسلامية المعروفة «هي المذاهب السبعة، فبالإضافة إلى المذاهب الأربعة هناك المذهب الزيدي والمذهب الإمامي الاثنا عشري والمذهب الإباضي» (2)!! واعتباره أن «هناك خلافات في تفصيلات العقيدة وليس في أصولها» (3)؟
وهل يبقي بعد ذلك مجال لإعمال القاعدة (الذهبية) حمالة الأوجه، وهو كما يقولون:«شرط الدليل أن يتفق عليه الخصمان» ؟
ولو كان الأمر كما يدعيه التسخيري من أننا «إذا كنا مأمورين أن نبحث عن الكلمة السواء مع أهل الكتاب فكيف لا نبحث عن الكلمة السواء في داخلنا؟!» ، فنقول: يا أيها الأمين العام لمجمع التقريب، وما هي (الكلمة السواء) التي أمرنا الله عز وجل بها في دعوة أهل الكتاب، أليست هي:{أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ} (4)، أي إنها دعوة الإسلام الصريحة .. فكيف تكون إذن هذه الكلمة السواء بيننا وبين من أفتى إمامهم «السيد الجليل والمحدِّث النبيل واحد عصره في العربية والأدب والفقه والتفسير، [والذي] كان عالمًا فاضلًا محققًا مدققًا جليل القدر صاحب التصانيف الكثيرة الشائعة» (5)، السيد نعمة الله الجزائري (1050 - 1112هـ)، بقوله في حقنا (6):«إنا لم نجتمع معهم على إله ولا على نبي ولا على إمام، وذلك أنهم يقولون إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته من بعده أبو بكر. ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي، بل نقول إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا» ، بل وبنقله إجماع علمائهم فيما يتعلق بحكم الناصبي:«أنه نجس وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي، وأنه كافر بإجماع علماء الشيعة الإمامية عليهم رضوان الله» (7).
(1) انظر حواره السابق.
(2)
انظر حواره مع (العربية. نت)، بتاريخ 24/ 1/2007م.
(3)
انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.
(4)
آل عمران: 64
(5)
انظر، عباس القُمِّي: الكنى والألقاب (2/ 330 - 1).
(6)
نعمة الله الجزائري: الأنوار النعمانية (2/ 278).
(7)
السابق (2/ 306). والناصبة في اصطلاحهم هم (أهل السُّنَّة) كما سيأتي بيانه.
بل كيف تكون الكلمة السواء بيننا وبين من «حظيت قضية الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية والتقريب بين المذاهب الإسلامية [اهتمامه]، القائد العظيم للثورة الإسلامية سماحة آية الله الخميني» (1)، المفتي بأنه «لا تجوز الصلاة على الكافر بأقسامه حتى المرتد ومن حكم بكفره ممن انتحل الإسلام كالنواصب والخوارج» اهـ (2).
أيضًا، فإن الاختلاف والطعن في الأصل (يترتب على) أو (يترتب عليه) الاختلاف والطعن في عدالة ناقليه؛ فالتسخيري، الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحريص على وحدة المسلمين والحفاظ على مساحة التسعين بالمائة المشتركة، يرى أن «الصحابي بمجرد أنه رأى أو عاش مع الرسول لفترة قصيرة يصبح ويرتقي إلى مرتبة العدالة أو العصمة هذا لا يصح» (3)، ولماذا لا يصح وقد قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (4)، والوسط كما يذكر شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (385 - 460هـ) (5):«العدل» ، وقال:«هم وسط يرضى الأنام بحكمهم» . فلو كان هذا قول الله تعالى في أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم عامة، فما بالك بمن خصهم بقوله:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (6).
ولماذا لا يستقيم لدى تسخيري فهم هذا المعنى القرآني الجلي لا سيما وهو القائل برفض مسألة تحريف القرآن بشكل كامل وأن «هناك بعض المحدثين والذين لا قيمة لآرائهم لدى الأوساط العلمية ربما مالوا إلى هذا المعنى، ولكنهم رُفِضُوا من الخط العام» (7)، وهل يعتبر الإمام الخميني من هؤلاء المحدثين الذين لا قيمة لآرائهم؟ فهو القائل (8): «لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها بالقرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون
(1) انظر، التعريف بالمجمع العالمي للتقريب على موقعه الرسمي: www.taghrib.org
(2)
الخميني: تحرير الوسيلة (1/ 74).
(3)
انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.
(4)
البقرة: 143
(5)
تفسير الطوسي (التبيان في تفسير القرآن)(2/ 6).
(6)
التوبة: 100
(7)
انظر حواره السابق.
(8)
الخميني: كشف الأسرار، ص (131).
بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار - وإلى الأبد - بالمسلمين والقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى»، بل وهو كذلك المترحِّم على حسين النوري الطبرسي (1254 - 1320هـ) صاحب (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب)(1)؟!
كذلك فإنه لم الإلزام بما لا يلزم؟! فمتى اشتُرِطَ مع العدالة العصمة؟ وشتان بين المعنيين (2).
وإذا كان تسخيري يعتقد فيما يدعيه بأن من يتطاول من الشيعة على الصحابة «أنهم متطرفون» (3)، فماذا يقول في مولاه الخميني؟ أمتطرف هو؟ بل ولماذا لا يغلق تسخيري باب الفتنة في وجه هؤلاء المتطرفين وينقب عن حقيقة المشهد المزعوم المقام في مدينة كاشان الإيرانية لأبي لؤلؤة المجوسي قاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أم أن جوابه يكون ببلاهة (4):«لقد سمعت بعض الأنباء عنه [أي المزار] قبل ذلك ولكني لم أهتم بهذا الموضوع لأنني كما قلت سلفًا لا أرى فيه أي قيمة» .
فلماذا لا ترى قيمة في هذا الكفر واللعن والسباب؟ هل لأنه حادث في جناب عمر لا جعفر؟!
فهل يقال بعد ذلك إن ممارسات تسخيري ومن على شاكلته تؤدَّى - كما قلنا في البداية - بقناع التقية؟ أم أنه قد طابق قوله فعله في دعوته لـ «حذف قضايا التشكيك والتقية وأمثال ذلك» (5)، ضاربًا باعتقاده عرض الحائط، خاسرًا بذلك تسعة أعشار دينه، كما
(1) انظر، الخميني: الحكومة الإسلامية، ص (67) الهامش، قوله في تخريج بعض الأحاديث:«وقد رواه المرحوم النوري في كتاب مستدرك الوسائل» .
(2)
وسوف يأتي الحديث عن عدالة الصحابة مفصلًا في الفصل الأول من الباب الثاني.
(3)
انظر حواره السابق.
(4)
انظر حواره مع (العربية. نت)، بتاريخ 24/ 1/2007م.
(5)
انظر حواره مع صحيفة (ليبيا اليوم)، بتاريخ 4/ 11/2008م.