الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
term phase of the government's war on terrorism).
تسربت هذه الوثائق إلى صحيفة (صنداي تايمز) الإنجليزية ونشرها الصحافيان روبرت وينيت ودافيد ليپارد في عدد 30 مايو 2004م تحت عنوان: (خطط بريطانيا السرية للفوز بقلوب المسلمين وعقولهم)(1).
وكان أكثر ما جذب انتباهي في هذه الوثائق هو ما صرحت به قائلة ما نصه: «نحن في حاجة لإيجاد الطرق لتقوية جانب القادة المسلمين المعتدلين، بما فيهم الشباب المسلم ذوو الاحتمالية القيادية في المستقبل» .
علمًا بأن الاعتدال في نظرهم هو ما بينه الصحافيان السالفان الذكر بأسلوب أوضح في مقالة أخرى نشرتها الجريدة ذاتها في عدد 10 يوليو 2005م تحت عنوان (عملية المنافسة Operation Contest)، حيث قالا ما نصه:«إن الهدف من وراء (عملية المنافسة) هو إقناع قلوب وعقول المسلمين بسياسة لا تشتمل مبادئها على الدين كعنصر للتمييز Policy initiatives including anti-religious discrimination laws» اهـ.
…
أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):
أخيرًا وليس آخرًا، ففي 26 مارس 2007م، أصدر مركز راند للأبحاث تقريرًا متممًا لسلسلة التقارير التي أصدرها لتحديد الأطر الفكرية للمواجهة مع العالم الإسلامي في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سپتمبر.
أعد هذا التقرير أنچل راباسا Angel Rabasa، وهو باحث أكاديمي شغل عددًا من المناصب المهمة في كل من وزارتي الخارجية الأمريكية والدفاع، وله عدد من الكتب والدراسات حول العالم الإسلامي.
(1) See، Robert Winnett and David Leppard: Britain's secret plans to win muslim hearts and minds، The Sunday Times، May 30، 2004
واشترك كذلك في إعداد التقرير كل من: شيريل بينارد، ولويل شفارتز Lowell H. Schwartz، وپيتر سيكل Peter Sickle.
استغرق إعداد هذا التقرير ثلاثة أعوام كاملة، وقام معدوه بالعديد من الزيارات واللقاءات مع الكثير من المفكرين والإعلاميين في الولايات المتحدة وأوروپاوالعالم الإسلامي من أجل جمع المعلومات، وهذا ما يميز التقرير من الناحية البحثية والأكاديمية.
يحمل التقرير اسم (بناء شبكات إسلامية معتدلة Building Moderate Muslim Networks)، وقد رصد الدكتور باسم خفاجي جزاه الله خيرًا هذا التقرير وقدَّم له قراءة تحليلية كبيرة النفع نشرها المركز العربي للدراسات الإنسانية، العدد رقم 4، الصادر في ربيع الآخر من عام 1428هـ/مايو 2007م. نقف هنا على أهم ما جاء فيها - فيما يتعلق بدراستنا - مع العزو إلى النص الأصلي للتقرير الذي حصلنا على نسخة منه.
يؤكد التقرير في البداية على فاعلية حرب الأفكار التي تخوضها أمريكا مع العالم الإسلامي، والتي استخدمتها في حربها الباردة ضد الشيوعية، حيث يرى التقرير «أن الطريق الصحيح هو بناء أرضية دولية للمسلمين من أعداء التيار الإسلامي كما تم إيجاد منظمات معادية للشيوعية في غرب أوروپاأثناء الحرب الباردة» (1).
ويعقد التقرير مقارنة بين بيئة الحرب الباردة وبيئة الشرق الأوسط المعاصر لتوضيح الفروق العملية بين المعركة الفكرية الشيوعية والمواجهة الحالية مع الإسلام (2).
وكانت المشكلة الفعلية التي تم ملاحظتها، والتي كشفت عن تناقض السياسة الأمريكية وازدواجية معاييرها التي أشار إليها هنتنجتون من قبل، هي أن مساعيها لنشر القيم الديمقراطية الليبرالية في المنطقة قد أفسحت مجال العمل السياسي للتيارات الإسلامية ذات الشعبية الجماهيرية الكبيرة، مما أدى بها إلى الصعود بقوة ومزاحمة التيارات الأخرى المنافسة على الساحة. وهذا ما لا ترضاه الولايات المتحدة كما بيَّنا.
(1) Rabasa et al.: Building Moderate Muslim Networks، p(5)
(2)
See ibid.، p(xvi)
ولقد أشار راباسا إلى هذه المسألة في تقريره، فكان مما قاله (1):«الدعوة إلى الديمقراطية يمكن أن تضعف نفس الدول التي تشكل جزءًا من البنية الأمنية الحالية التي تدعمها الولايات المتحدة في المنطقة» اهـ.
أيضًا، يظهر في التقرير عدولًا بعض الشيء عن الرأي القديم الذي قدمته بينارد في تقرير عام 2003م؛ حيث يرفض التقرير بالعموم فكرة التعاون مع الإسلاميين على مختلف توجهاتهم، وحتى العصرانيين منهم، بدعوى أن التيار العصراني المسلم ليس تيارًا تحرريًا، وأن العصرانيين يحملون بداخلهم رؤى ومواقف محافظة، ولذا لا يجب دعمهم أو مساندتهم؛ فإن الدعم سيعطي للإسلاميين المزيد من المصداقية ويساعد في نشر دعوتهم، وتكلفة ذلك باهظة في المستقبل. ولكن في المقابل، يرى التقرير أن عدم دعم أو مساندة الإسلاميين لا يعني عدم الحوار مع المعتدلين منهم، حيث إن الحوار سيكون بنَّاءً في توضيح موقف كلا الطرفين (2).
كذلك، فعلى الرغم من هذا التحذير الذي احتل عدة مواضع من التقرير، فهو يدعو إلى دعم ومساندة من سماهم (بالدعاة الشباب المعتدلين Young Moderate Clerics)؛ فيرى التقرير أن الحركات العَلْمانية الليبرالية التي لها قاعدة شعبية، ولكنها لا تتقبل بسهولة فكرة استخدام المساجد في الترويج لأفكارها يمكن أن تستفيد من استخدام الدعاة المعاصرين والتفاعل الجاد مع المعتدلين، وخاصة الدعاة الجدد ممن سيصبحون قادة الحركة الدينية في المستقبل.
ومن المهم جدًا ملاحظة أن التقرير قد أشار في بداية الفصل الخامس إلى ضرورة التزام هؤلاء الدعاة الجدد بمبادئ الاعتدال كما حددها التقرير، وليس طبقًا لأي معيار آخر (3).
أما عن هذه المبادئ، فلقد وضع التقرير مجموعة من الأسئلة (11 سؤالًا) التي اعتبرها مقياسًا Criteria للاعتدال، وأن الإجابة على هذه الأسئلة تحدد ما إذا كان
(1) ibid.، p(39)، see also p(45)
(2)
See ibid.، p(77)
(3)
See ibid.، p(79 - 80)
الفرد أو الجماعة يمكن أن يوصف بالاعتدال أم لا: فيحذر التقرير من أن التيار الإسلامي يدعي في بعض الأحيان أنه تيار معتدل ولكن وفق تفسير خاص به للاعتدال، وأن وجود قائمة من الأسئلة المختارة والمتفق عليها يمكن أن يحل هذه المشكلة، ويكشف للإدارة الأمريكية نوايا الأفراد والجماعات من التيار الإسلامي ممن يدَّعون أو يطالبون بأن يعاملوا معاملة المعتدلين، وهو ما يجب أن يقتصر - حسب رؤية التقرير - على من يتجاوزون اختبار الاعتدال الأمريكي!
وهذه الأسئلة هي (1):
1 -
هل يتقبل الفرد أو الجماعة العنف أو يمارسه؟ وإذا لم يتقبل أو يدعم العنف الآن، فهل مارسه أو تقبله في الماضي؟
2 -
هل تؤيد الديمقراطية؟ وإن كان كذلك، فهل يتم تعريف الديمقراطية بمعناها الواسع من حيث ارتباطها بحقوق الأفراد؟
3 -
هل تؤيد حقوق الإنسان المتفق عليها دوليًا؟
4 -
هل هناك أية استثناءات في ذلك (مثال: ما يتعلق بحرية الدين)؟
5 -
هل تؤمن بأن تبديل الأديان من الحقوق الفردية؟
6 -
هل تؤمن بأن على الدولة أن تفرض تطبيق الشريعة في الجزء الخاص بالتشريعات الجنائية؟
7 -
هل تؤمن بأن على الدولة أن تفرض تطبيق الشريعة في الجزء الخاص بالتشريعات المدنية؟ وهل تؤمن بوجوب وجود خيارات لا تستند للشريعة بالنسبة لمن يفضلون الرجوع إلى القوانين المدنية ضمن نظام تشريع عَلْماني؟
8 -
هل تؤمن بوجوب أن يحصل أعضاء الأقليات الدينية على نفس حقوق المسلمين؟
9 -
هل تؤمن بإمكانية أن يتولى أحد الأفراد من الأقليات الدينية مناصب سياسية عليا في دولة ذات أغلبية مسلمة؟
10 -
هل تؤمن بحق أعضاء الأقليات الدينية في بناء وإدارة دور العبادة الخاصة بدينهم
(1) ibid.، p(68 - 9)، Application of Criteria
(كنائس أو معابد يهودية) في دول ذات أغلبية مسلمة؟
11 -
هل تقبل بنظام تشريع يقوم على مبادئ تشريعية غير طائفية؟
يقول الدكتور باسم خفاجي (1): «إن من يقرأ هذه اللائحة من الأسئلة يدرك على الفور أن تعريف الاعتدال بالمفهوم الأمريكي لا يعبر إلا عن المصالح الأمريكية الهادفة إلى تحويل المسلمين بعيدًا عن الإسلام تحت دعوى الاعتدال العالمي. إننا أمام محاولة لإعادة تعريف مفهوم الاعتدال داخل المجتمع المسلم بحيث لا يستند التعريف من الآن فصاعدًا إلى مبادئ الوسطية والتراحم التي حثت عليها الشريعة، وإنما أن يتحول مفهوم الاعتدال إلى مجموعة من المسلمات الغربية التي تقدم للعالم على أنها مبادئ دولية.
ومن المتوقع لاحقًا في حال إقرار هذه التوجهات ودفعها في الساحات الفكرية الدولية أن تُمنع شعوب العالم من رفضها أو حتى الاعتراض عليها، بدعوى أن ذلك سيكون اعتراضًا على حقوق الإنسان الدولية أو الشرائع العالمية، كما حدث من قبل فيما يتعلق بما يسمى حقوق الإنسان التي أصبحت حقوقًا للشواذ وحقوقًا لمخالفة الأخلاق والقيم والعادات» اهـ.
مما يذكره التقرير كذلك أن وزارة الخارجية الأمريكية تقوم بإعداد قاعدة بيانات مركزية عن الشخصيات الدينية والثقافية المهمة والمؤثرة في المنطقة الإسلامية، وهو ما يشار إليه بقاعدة بيانات الشخصيات المؤثرة Key Influencers، ولكن التقرير لا يوضح الغرض من إعداد هذه القاعدة من المعلومات، أو كيف سيتم استخدامها (2).
كما ينبه التقرير إلى أهمية الإنفاق المالي الأمريكي على الجهود الإنسانية والخدمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم المسلم من أجل منافسة التيار الإسلامي الذي يستأثر بالنصيب الأكبر من تقديم هذه المساعدات إلى الفقراء والمحتاجين في العالم الإسلامي. ويشير التقرير بالامتنان والموافقة إلى فكرة تقدم بها دنيس روس Dennis Ross،
(1) د. باسم خفاجي: استراتيچيات غربية لاحتواء الإسلام، قراءة في تقرير راند 2007، ص (28 - 9).
(2)
See، Rabasa et al.: Building Moderate Muslim Networks، p(55)
المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، لإيجاد مشروع أسماه (الدعوة العَلْمانية Secular Da'wa)(1) .
ويخلص التقرير في نهاية الفصل الخامس إلى أن استراتيچية بناء الشبكات المضادة للتيار الإسلامي، أو الشبكات المسلمة المعتدلة يجب أن تعتمد على محورين: الأول: التعاون مع المعتدلين من العَلْمانيين في دول الأطراف أو الدول التي يمكن العمل فيها بحرية، والمحور الثاني: عكس مسار الأفكار بحيث تكون من الأطراف نحو المركز؛ فلقد لاحظ معدو التقرير أن التركيز على منطقة الشرق الأوسط هو خيار استراتيچي غير صحيح خاصة في المرحلة القادمة، وذلك لأن العالم العربي هو مركز قوة التيارات المحافظة. لذا، فإن الأنسب للمشروع الأمريكي أن يركز على الأطراف، وليس على المركز.
وفي هذا الإطار يوصي التقرير باستخدام المسلمين في الغرب في الحملة الداعية إلى الاعتدال بالمفهوم الأمريكي، وكذلك التركيز على استخدام آسيا (جنوب شرق آسيا) في مواجهة الشرق الأوسط .. أو غير العرب في مواجهة العرب، وأن يتم تبني الأعمال الفكرية المعتدلة من تلك المناطق وترجمتها ونشرها في العالم العربي.
ويذكر التقرير التجربة الآسيوية القائمة حاليًا لتحقيق ذلك الهدف، ويركز على مثال إندونيسيا كنموذج مهم لقدرة التيار المتحرر على صياغة أچندة الحراك الفكري والإعلامي لخدمة قضايا المعتدلين بالمفهوم الأمريكي له.
وقد تم مؤخرًا إنشاء مؤسسة جديدة اسمها LibForAll Foundation (مؤسسة الحرية للجميع) في أمريكا، بهدف ترجمة كتب ومقالات التيار التحرري الذي يتزعمه مجموعة من المفكرين الإندونيسيين إلى العربية والإنجليزية، ونشرها على الإنترنت، وكذلك توفيرها في شكل كتب مطبوعة للمهتمين (2).
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ
(1) See ibid.، p(53)
(2)
See ibid.، p(87 - 8)
تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (1).
…
والآن، وبعد أن وضعنا في هذا المبحث تصورًا عامًا لعلاقة الغرب بالإسلام، نستكمل في الفصل التالي رصد قضية (ازدواجية المعايير) النصرانية الغربية، ولكن فيما يتعلق هذه المرة بالعالم اليهودي، ولا ضير؛ فكما يذكر الدكتور قاسم عبده قاسم وفقه الله (2):«لم تكن الحركة الصهيونية التي أفرزها الغرب الأوروپي نفسه سوى تكرار جديد للحركة الصليبية سبقته مشروعات عديدة لم تتوقف منذ نهاية الوجود الصليبي في القرن الثالث عشر، حتى بداية المشروع الصهيوني، ثم تحقيقه في منتصف القرن العشرين» .
وهذا ملخص ما سنفصله في الفصل التالي ..
(1) الأنفال: 36
(2)
د. قاسم عبده قاسم: القراءة الصهيونية للتاريخ، الحروب الصليبية نموذجًا، ص (147).