الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأين القائل بأن خلافنا مع الرافضة في الفروع من هذه الأقوال؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» (1).
أصل عقيدة الإمامة:
يقول الدكتور القفاري (2): «لعل أول من تحدث عن مفهوم الإمامة بالصورة الموجودة عند الشيعة هو ابن سبأ، الذي بدأ يشيع القول بأن الإمامة هي وصاية من النبي، ومحصورة بالوصي، وإذا تولاها سواه يجب البراءة منه وتكفيره» ، ويقول (3):«كان ابن سبأ ينتهي بأمر الوصية عند علي، ولكن جاء فيما بعد من عمَّمها في مجموعة من أولاده، وكانت (الخلايا) الشيعية تعمل بصمت وسرية، ومع ذلك فقد كانت تصل بعض هذه الدعاوى إلى بعض أهل البيت، فينفون ذلك نفيًا قاطعًا، كما فعل جدهم أمير المؤمنين علي، ولذلك اخترع أولئك الكذابون على أهل البيت عقيدة التقية حتى يسهل نشر أفكارهم وهم في مأمن من تأثر الأتباع بمواقف أهل البيت الصادقة والمعلنة للناس» اهـ.
ثم كان لشيطان الطاق (4) الدور الأكبر بعد ذلك في إشاعة القول بأن الإمامة محصورة بأناس مخصوصين من آل البيت، حيث روى الكليني عن أبان عن الأحول أن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام (5) بعث إليه وهو مستخف، قال [أي شيطان الطاق]: «فأتيته فقال لي: يا أبا جعفر، ما تقول إن طرقك طارق منا، أتخرج معه؟ فقلت له: إن كان أباك أو أخاك، خرجت معه، فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي،
(1) رواه البخاري، كتاب الإيمان: 8
(2)
د. ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (2/ 654).
(3)
السابق (2/ 660).
(4)
هو أبو جعفر محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق أو صاحب الطاق، وإليه تنسب فرقة من الشيعة تسمى الشيطانية [انظر، محمود شكري الألوسي: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (17)].
(5)
هو الإمام الذي يرجع إليه مذهب الزيدية في اليمن، وهو عم جعفر الصادق.
قلت: لا، ما أفعل جعلت فداك، فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك، وإن لا تكن لله حجة في الأرض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. فقال لي: يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي، ولم يشفق علي من حر النار، إذا أخبرك بالدين (1) ولم يخبرني به؟؟! فقلت له: جعلت فداك، شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك: أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا، فإن قبلت نجوت، وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار، ثم قلت له: جعلت فداك، أنتم أفضل أم الأنبياء؟ قال: بل الأنبياء، قلت: يقول يعقوب ليوسف: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (2)، لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك، فكذا أبوك كتمك لأنه خاف عليك» (3).
ولقد شارك شيطان الطاق رجل آخر هو هشام بن الحكم [ت. 179هـ]، حتى يقول
(1) أي بأمر الإمامة.
(2)
يوسف: 5
(3)
الكليني: الأصول من الكافي (1/ 174).
(4)
انظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (217) الهامش.
(5)
التوبة: 40، انظر: الفِصَل، لابن حزم (4/ 139)، وسيأتي نص كلامه في موضع لاحق.
ابن النديم الرافضي [ت. 385هـ] إن هشام بن الحكم «ممن فتق الكلام في الإمامة
…
وله من الكتب كتاب الإمامة» (1).
بل ويرى القاضي عبد الجبار المعتزلي أن الذي ادعى النص، وجرأ الناس على شتم أبي بكر وعمر وعثمان والمهاجرين والأنصار هشام بن الحكم، وهو ابتدأه ووضعه، وما ادعى هذا النص أحد قبله (2)، ويقول (3):«ولوكان هشام من أهل القبلة، لما كان دعواه ودعوى مائة ألف معه مثله حجة، فكيف به وليس من أهل القبلة، وهو معروف بعداوة الأنبياء» اهـ.
ويقول الملطي (ت. 377هـ)(4): «لأن هشامًا كان ملحدًا دهريًا ثم انتقل إلى الثنوية والمانية ثم غلبه الإسلام فدخل في الإسلام كارهًا فكان قوله في الإسلام بالتشبيه والرفض
…
وأما قوله بالإمامة فلم نعلم أن أحدًا نسب إلى علي رضي الله عنه وولده عيبًا مثل هشام لعنه الله، والله نحمده قد نزع عن علي وولده عليهم السلام العيوب والأرجاس وطهرهم تطهيرًا. وما قصد هشام بقوله في الإمامة قصد التشيع ولا محبة أهل البيت، ولكن طلب بذلك هدَّ أركان الإسلام والتوحيد والنبوة، فأراد هدمه، وانتحل في التوحيد التشبيه، فهدم ركن التوحيد، وساوى بين الخالق والمخلوق، ثم انتحل محبة أهل البيت ونشر عنهم وطعن على الكتاب والسنة وكفَّر الأمة التي هي حجة الله على خلقه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكفرهم ونسب إليهم الردة والنفاق، فعمل على هدم الإسلام العمل الذي لم يقدم عليه أحد من أعداء الإسلام، فالله يحكم فيه يوم القيامة بسوء كيده. فزعم هشام لعنه الله أن النبي عليه الصلاة والسلام نص على إمامة علي في حياته بقوله:"من كنت مولاه فعلي مولاه"
…
» (5).
(1) محمد بن إسحاق النديم الورَّاق: الفهرست، ص (223 - 4).
(2)
انظر، عبد الجبار الهمذاني: تثبيت دلائل النبوة (1/ 223).
(3)
السابق (1/ 225).
(4)
محمد بن أحمد الملطي: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع، ص (21) باختصار.
(5)
وهشام بن الحكم كان يقول بأن الله سبحانه وتعالى في صورة رجل في سن أبناء الثلاثين سنة! كما يروي الكليني والمجلسي عن إبراهيم بن محمد الخزاز ومحمد بن الحسين قالا: «دخلنا على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فحكينا له ما روي أن محمدًا رأى ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء الثلاثين سنة، رجلاه في خضرة، وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلى السرة والباقي صمد» [الكليني: الأصول من الكافي (1/ 101)، والمجلسي: بحار الأنوار (4/ 40)] .. وقال ابن حزم: «وقد قال هشام هذا في حين مناظرته لأبي الهذيل العلاف أن ربه سبعة أشبار بشبر نفسه» [ابن حزم: الفِصَل (4/ 139)]. وعلى الرغم من هذه البلايا التي تنقلها عنه أوثق كتب الشيعة، فإن هشام هذا حديثه في قائمة الصدارة في الصحاح الثمانية عند الشيعة وغيرها، ويقول عنه سيدهم محسن الأمين (1284 - 1371هـ) ما نصه:«إن زرارة بن أعين والهشامين ويونس بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان الملقب بمؤمن الطاق كلهم ثقات، صحيحوا العقيدة، متكلمون حذاق، من أجلاء تلاميذ وأصحاب الإمامين جعفر بن محمد الصادق وابنه موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام» [محسن الأمين: أعيان الشيعة (1/ 22)]، وكذلك يقول عنه سيدهم عبد الحسين شرف الدين ما نصه:«لم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه» [عبد الحسين شرف الدين: المراجعات، ص (391)، المراجعة رقم: 110]، ولا عجب، فمثل هشام بن الحكم وشيطان الطاق وغيرهم - عند الرافضة - كمثل أبي بصير ليث بن البختري المرادي - الراوي المشهور - (ت. 150هـ) الذي قال ابن الغضائري الشيعي [ت. القرن الخامس الهجري] في ترجمته:«وعندي أن الطعن وقع على دينه لا على حديثه، وهو عندي ثقة» [انظر: رجال الحلي، ص (137)]، أي: أن الطعن في دينه لا يوجب الطعن فيما يرويه!!
إذن، فهشام بن الحكم وشيطان الطاق وأتباعهما هم الذين أحيوا نظرية ابن سبأ في أمير المؤمنين علي ثم عمموها على آخرين من سلالة أهل البيت، واستغلوا بعض ما جرى على أهل البيت، كمقتل علي والحسين، في إثارة مشاعر الناس وعواطفهم، والدخول إلى قلوبهم لتحقيق أغراضهم ضد الدولة الإسلامية في ظل هذا الستار (1).
ولقد اختلفت اتجاهات الشيعة وتباينت مذاهبهم في عدد الأئمة، فكما يقول شاه عبد العزيز الدهلوي (2):«اعلم أن الإمامية قائلون بانحصار الأئمة، ولكنهم مختلفون في مقدارهم، فقال بعضهم خمسة، وبعضهم سبعة، وبعضهم ثمانية، وبعضهم اثنا عشر، وبعضهم ثلاثة عشر» .
فأما الاثنا عشرية، فقد استقر قولها - فيما بعد - بحصر الإمامة في اثني عشر إمامًا؛ يقول القفاري (3): «هذا المصطلح [أي الاثنا عشرية] لا نجده في كتب الفرق والمقالات
(1) د. ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (2/ 665).
(2)
محمود شكري الألوسي: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (215).
(3)
د. ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (2/ 103 - 4) بتصرف.