الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقصد الخلافة، لما أتى بكلمة تحتمل كل هذه المعاني، أو قال والي (من ولاية وهي الحكم) بدلًا من مولى.
…
الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك (1)، وما بقي من خمس خيبر. فقال أبو بكر:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نُورَث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال، وإني والله لا أغير شيئًا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم» . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئًا، فوجدت (2) فاطمة على أبي بكر في ذلك. قال: فهجرته، فلم تكلمه حتى تُوُفِّيَت (3).
يقول الخميني (4): «وما نسبه أبو بكر إلى النبي إنما هو مخالف للآيات الصريحة حول إرث الأنبياء نذكر هنا بعضها:
فقد قالت الآية 16 من سورة النمل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ، وقالت الآية 5 من سورة مريم:{فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} ، فهل يجوز أن نكذِّب الله، أو نقول بأن النبي قال كلامًا يخالف أقوال الإله؟ أم نقول بأن الحديث المنسوب إلى النبي لا صحة له، وإنه قيل من أجل استئصال ذرية النبي؟ ثم إنه هل يصدق العقل بأن الله يحرم أبناء النبي وأحفاده من إرثه ويجعله صدقة؟» اهـ.
وجواب هذا أن يقال:
(1) مكان بشمالي خيبر.
(2)
أي غضبت.
(3)
مسلم، كتاب الجهاد والسير: 1795
(4)
الخميني: كشف الأسرار، ص (132 - 3).
أما عن الآية الأولى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} ، فإن سليمان عليه السلام لم يرث مالًا، وإنما ورث النبوة والحكمة والعلم، وذلك لثلاثة أمور:
الأول: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وَرَّثوا العلم» (1).
الثاني: إن داود عليه السلام قد اشتهر أن له مائة زوجة وله ثلاثمائة سرية (أي أَمَة) وله كثير من الأولاد، فكيف لا يرثه إلا سليمان؟ بل إخوة سليمان أيضًا يرثونه، فلا يعقل أن يكون تخصيص سليمان بالذِكر ومعه ورثة آخرون لو كان الأمر إرثًا عاديًا - أي مالًا -، أيضًا، لو كان الأمر إرثًا عاديًا ما كان لذكره فائدة في كتاب الله عز وجل، إذ إنه من الطبيعي أن الولد يرث الوالد.
الثالث: ما رواه شيخهم الكليني عن المفضل بن عمر قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: إن سليمان ورث داود، وإن محمدًا ورث سليمان، وإنا ورثنا محمدًا» ، وعن ضريس الكناسي قال:«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو بصير، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن داود ورث علم الأنبياء، وإن سليمان ورث داود، وإن محمدًا صلى الله عليه وآله ورث سليمان» (2)، فقد علم أن هذه وراثة العلم والنبوة، وإلا فوراثة نبينا صلى الله عليه وسلم مال سليمان لا يتصور شرعًا ولا عقلًا.
وأما عن الآية الثانية: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} فنقول:
أولًا: إنه لا يليق برجل صالح أن يسأل الله تبارك وتعالى ولدًا حتى يرث المال فحسب، فكيف نرضى بهذا لنبي كريم وهو زكريا عليه السلام.
ثانيًا: المشهور أن زكريا عليه السلام كان فقيرًا يعمل نجارًا، فأي مال عند زكريا عليه السلام حتى
(1) رواه أبو داود، كتاب العلم: 3641، وصححه الألباني. وانتبه هنا لاتهام الخميني - عليه من الله ما يستحقه - لأبي بكر الصديق رضي الله عنه بافترائه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم المتقدم، في حين أنه يقول عن رواية أبي داود هذه:«الحديث صحيح» [انظر، الحكومة الإسلامية، ص (93)]، وذلك كي ينصر مذهبه في ولاية الفقيه، مع العلم أن الروايتين صحيحتان وتحملان نفس المعنى!!
(2)
الكليني: الأصول من الكافي (1/ 224 - 5).
يطلب من الله تبارك وتعالى أن يرزقه وارثًا، بل الأصل في أنبياء الله عز وجل أنهم لا يبقون المال، بل يتصدقون به في وجوه الخير.
ثالثًا: وهو ما يدل عليه سياق الآية، وهو قول الله تعالى:{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} ، كم شخص في آل يعقوب؟ وأين يحيى عليه السلام من آل يعقوب؟ آل يعقوب هم كل بنيه عليه السلام (بني إسرائيل)، إذن فكيف يكون نصيب يحيى عليه السلام؟ ثم إن يحيى عليه السلام محجوب بالفرع الوارث!
فلا شك أن قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} يَرُدّ على قول من يقول: إنه أراد وراثة المال بل ذكر يعقوب لأن يعقوب نبي وزكريا نبي، فأراد أن يرث النبوة والعلم والحكمة، وقد تقدم الحديث:«إن الأنبياء لم يورِّثوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثوا العلم» .
ثم بعد ذلك نقول: إن أهل السنة في هذه المسألة لا يبحثون عن عذر لأبي بكر رضي الله عنه، وذلك لأنه يستدل بحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففاطمة رضي الله عنها لما ما قبلت منه هذا الكلام حاول أهل السنة أن يبحثوا عن عذر لفاطمة لا لأبي بكر، لأنهم لا يرون أن أبا بكر قد أخطأ في حق فاطمة. والمشهور أن أبا بكر ترضَّاها حتى رضيت، قال ابن حجر رحمه الله (1): «روى البيهقي [384 - 458هـ] من طريق الشعبي أن أبا بكر عاد فاطمة فقال لها علي: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها، فترضاها حتى رضيت. وهو وإن كان مرسلًا فإسناده إلى الشعبي صحيح وبه يزول الإشكال في جواز تمادي فاطمة عليها السلام على هجر أبي بكر، وقد قال بعض الأئمة إنما كانت هجرتها انقباضًا عن لقائه والاجتماع به وليس ذلك من الهجران المحرم، لأن شرطه أن يلتقيا فيعرض هذا وهذا، وكأن فاطمة عليها السلام لما خرجت غضبى من عند أبي بكر تمادت في اشتغالها بحزنها ثم بمرضها، وأما سبب غضبها مع احتجاج أبي بكر بالحديث المذكور فلاعتقادها تأويل الحديث على خلاف ما تمسك به أبو بكر، وكأنها اعتقدت تخصيص العموم في قوله: لا نورث، ورأت أن منافع ما خلفه من أرض وعقار لا يمتنع
(1) ابن حجر: فتح الباري (6/ 202).
أن تورث عنه، وتمسَّك أبو بكر بالعموم، واختلفا في أمر محتمل للتأويل، فلما صمَّم على ذلك انقطعت عن الاجتماع به لذلك، فإن ثبت حديث الشعبي أزال الإشكال، وأخلق بالأمر أن يكون كذلك لما علم من وفور عقلها ودينها عليها السلام» اهـ.
ولكن، يدعي الرافضة أن ما طالبت به فاطمة عليها السلام كان هبة وهدية من النبي صلى الله عليه وسلم وهبها إياها، كما قال شيخهم الطوسي في تفسيره، في قول الله تعالى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (1)، قال (2):«وروي أنه لما أنزلت هذه الآية استدعى النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام وأعطاها فَدَكًا وسلمه إليها، وكان وكلاؤها فيها طول حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مضى النبي صلى الله عليه وسلم أخذها أبو بكر، ودفعها عن النحلة، فلما لم يقبل بيِّنَتها، ولا قَبِل دعواها، طالبت بالميراث، لأن من له الحق إذا مُنِع منه من وجه جاز له أن يتوصل إليه بوجه آخر، فقال لها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة"، فمنعها الميراث أيضًا، وكلامهما في ذلك مشهور، لا نطول بذكره الكتاب» .
وقال القمي (3): «وأنزلت [أي الآية] في فاطمة عليها السلام فجعل لها فدك، والمسكين من ولد فاطمة، وابن السبيل من آل محمد وولد فاطمة» .
وقال الفيض الكاشاني (4): «فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادعوا لي فاطمة عليها السلام، فدعيت له، فقال: يا فاطمة، قالت: لبيك يا رسول الله، فقال: هذه فدك، هي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين، فقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك» اهـ.
وجواب ذلك أن يقال: أن هذه القصة مكذوبة ولا تثبت، بل الصحيح أن فاطمة طلبت فَدَك من باب الإرث لا من باب الهبة، يقول شاه عبد العزيز الدهلوي (5): «وهذا ليس له أصل عند أهل السنة، وعلى تقدير تسليم روايتهم، فإن الهبة لا تتحقق إلا بالقبض، ولا
(1) الإسراء: 26
(2)
تفسير الطوسي (6/ 468 - 9).
(3)
تفسير القمي (2/ 18).
(4)
الفيض الكاشاني: تفسير الصافي (3/ 186 - 7).
(5)
محمود شكري الألوسي: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص (271 - 2) باختصار.