الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- -
- -
بعد أن صدَّرنا الفصل بهذا المدخل، ننطلق صوب الموضوع الرئيسي الذي نحن بصدد مناقشته، والذي عنونته بـ (الصهيونية، رؤية مغايرة)؛ فهي رؤية مغايرة لما يراه بعض المهتمين بالمسألة اليهودية، حيث تعرَّف الصهيونية في اصطلاحهم بأنها (حركة أصولية يهودية دينية في الأساس)، وفي حقيقة الأمر هي ليست كذلك، فكما يذكر ياكوف رابكن (2):«كانت الصهيونية اختراع مثقفين أو متمثلين بهم، اختراع (حزب العقل) الذي أدار ظهره للربانيين، وتطلع إلى الحداثة Modernity، والذي يبحث بنشاط واندفاع عن علاج لبؤس حياته» اهـ.
ولكن هذا لا يعني أننا نتجاهل البعد العقائدي لهذه البدعة الصهيونية، والذي ستؤول إليه السيطرة في الحقبة المقبلة، كما يرجح الكثير من باحثي اليهودية كإسرائيل شاحاك وإيان لوستك وعبد الوهاب المسيري وغيرهم (3)، إن لم تكن آلت إليه بالفعل. فضلًا عن أن هذا ما ندين إلى الله تعالى به؛ أي الإيمان بأن سنته سبحانه وتعالى في ملكه هي كون الصراع دائمًا وأبدًا بين معسكري الإيمان والكفر، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، حتى وإن
(1) مارتن لوثر: عن اليهود وأكاذيبهم، ص (146).
(2)
ياكوف رابكن: المناهضة اليهودية للصهيونية، ص (26).
(3)
سيأتي بيان هذا في موضعه، وما تمخضت عنه الانتخابات الإسرائيلية في فبراير 2009م من صعود صاروخي لليمين الإسرائيلي واستحواذه على حوالي نصف مقاعد الكنيست، بل وعلى الأخص صعود حزبي (يسرائيل بيتنا) العنصري المتطرف و (شاس) الديني المتعصب، مع الإطاحة بحزب العمل اليساري الوسطي، إضافة إلى ما نص عليه استطلاع جالوپ كما تقدم، فكل هذه إشارات لما ستئول إليه الأمور، والله أعلم.
انحرف التوصيف قليلًا تحت دعوى القومية أو ما شابه، فكلها رايات منكسة، {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (1).
إذن، فإن الإشارة هنا فقط إلى أن البُعد الديني ليس بعدًا أصليًا في تاريخ الصهيونية اليهودية (2). وعملنا في هذا المبحث هو تقديم دراسة تاريخية أكثر تركيبًا للتاريخ اليهودي منذ التهجير البابلي الثاني على يد نبوخذنصر إلى الاحتلال الصهيوني لفلسطين وتبعاته، والهدف من هذه الدراسة هو تسليط الضوء على الأبعاد التي نجح الصهاينة في إخفائها عند عرضهم للتاريخ (المقدس) المعروف لدى الغالبية على هذا الوجه، والذي يحتوي على تزوير فادح وقلب للأمور رأسًا على عقب.
وهي لا شك دراسة صعبة ومتداخلة، ولم أجد في وصفها أدق من قول مايكل پريور (1942 - 2004م) (3): «إن تداخل التخصصات الأكاديمية وتعدد فروعها أوضح صعوبة الإلمام بموضوع شائك كهذا من وجهة نظر واحدة وتناوله من زاوية واحدة فقط
…
وما يشتت الأفكار في تناول متنوع مثل هذا التناول أن كل عنصر فيه يُطرَح بصورة مستقلة عن بقية العناصر
…
ونعلم جيدًا أنه لم يتغير أي مجتمع بسبب عامل أيديولوچي واحد فقط، سواء كان اقتصاديًا أو وطنيًا أو دينيًا. إن تفسير أي تطور تاريخي ذي أهمية بعامل واحد فقط، هو في الواقع خطأ؛ إذ تتطور النظم بتفاعل عدة عوامل».
وكما تقول باربرا تخمان (4): «يكاد يكون من المستحيل المحاولة للوصول إلى تقارير أو أبحاث حول عملية البعث الحديث للشعب اليهودي دون اليأس من التورط في متاهات يهودية داخلية وسياسات خارجية أوروپية» اهـ.
فأرجو من القارئ الكريم إطالة النفس في القراءة، وألا تصيبه السآمة مما قد يجده من
(1) الأحزاب: 62
(2)
خلافًا لما يشير إليه اليهودي المصري إيلي ليفي أبو عسل، في كتابه (يقظة العالم اليهودي)، من أن ظهور الحركة الصهيونية في مطلع القرن الماضي هو صحوة للعالم اليهودي الغافل، ولاحظ الربط الخفي بين اليهودية والصهيونية وكأنها الأصل الذي ينبغي أن تكون عليه اليهودية.
(3)
مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، دراسة نقدية أخلاقية، ص (13 - 5) باختصار. Michael Prior: The Bible and Colonialism، A Moral Critique
(4)
باربرا تخمان: الكتاب المقدس والسيف (2/ 117).