المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

يرجع تاريخ اليهود في أمريكا إلي عهد المبشر كريستوفر كولمبس، حيث يذكر هنري فورد أنه (1): «كان قد تم طرد أكثر من ثلاثمائة يهودي من إسپانيا في يوم 2 أغسطس 1492م، وفي اليوم التالي - أي في 3 أغسطس 1492م - بدأ كولمبس رحلته متجهًا نحو الغرب، وكان قد أخذ معه في هذه الرحلة بعض اليهود.

ولم يكن أولئك اليهود الذين صحبهم كولمبس في رحلته نحو الغرب من اليهود الذين تم طردهم من إسپانيا بحيث يكون وجودهم في ركاب رحلة كولمبس مجرد مصادفة عشوائية، لا، لقد كان زعماء اليهود في إسپانيا متعاطفين مع خطط وآمال كولمبس إلى حد كبير منذ وقت طويل سابق لتاريخ طردهم الجماعي من إسپانيا، ويعترف كولمبس نفسه أنه كان يتحدث مرارًا وتكرارًا مع الزعماء اليهود، وكانت أول رسالة يبعث بها إلى إسپانيا أثناء قيامه بالرحلة موجهة إلى شخص يهودي شرح له كولمبس ما تم إنجازه من مراحل رحلته.

ولقد كانت أموال أثرياء اليهود هي التي مكنت كولمبس بالفعل من تحقيق أولى رحلاته من أجل اكتشاف مجال جديد لمعارف العالم وثرواته باكتشاف ذلك النصف الآخر من العالم المتمثل في اكتشاف الأمريكتين، ولقد اختفت تلك القصة الشائعة التي كانت تقول إن مجوهرات الملكة إيزابيلا Isabella I of Castile [1451 - 1504 م] هي التي كانت مصدر تمويل رحلة كولمبس بعد التحريات والبحث العلمي الدقيق.

وبدءًا من هذه البداية أخذ اليهود عمومًا يتطلعون باهتمام متزايد إلى أمريكا باعتبار أنها ميدان واعد ومثمر، وبدأت هجرة اليهود بقوة وكثافة تتجه نحو أمريكا الجنوبية، وتتجه أساسًا إلى البرازيل، ونظرًا لاشتراك اليهود الذين استقروا في البرازيل في حرب نشبت بين البرازيليين والهولنديين فلقد اضطر يهود البرازيل إلى الهجرة إلى نيوأمستردام New Amsterdam في أمريكا الشمالية، التي تغير اسمها إلى نيويورك New York بعد ذلك، ولم يكن حاكم نيو أمستردام الهولندي پيتر ستويفزنت Peter Stuyvesant

(1) هنري فورد: اليهودي العالمي، ص (30 - 5) باختصار. Henry Ford: The International Jew

ص: 370

[1612 - 1672 م]

يوافق على وجود اليهود بكثرة في الولاية التي يحكمها، وكان يأمرهم باستمرار بمغادرة ولايته ولكن اليهود كانوا قد اتخذوا احتياطهم ضد عدم الترحيب بوجودهم في تلك الولاية، إذ توجه مديرو الشركات بالولايات إلى الحاكم وأبلغوه أن وجود اليهود ضروري بالولاية، وذلك لضخامة رءوس الأموال اليهودية المستثمرة في هذه الشركات وامتلاك اليهود لمعظم الأسهم بها.

وعلى كل حال أصر حاكم الولاية على منع اليهود من أن يتولوا الوظائف العامة، وحرم عليهم تراخيص محلات البيع بالتجزئة مما كان له تأثيره على أن يتجه اليهود نحو التجارة الخارجية التي سيطروا عليها واحتكروا الاستيراد والتصدير بسبب العلاقات والروابط التي تربطهم بيهود أوروپا.

وهكذا تسبب پيتر ستويفزنت حاكم ولاية نيويورك بتضييقه الخناق على اليهود أن يتجه اليهود إلى مجالات أعمال جعلت من نيويورك ميناء أمريكا الرئيس.

ولا عجب إذن أن يعتبر الكُتَّاب والمفكرون إزاء هذا الوضع المزدهر لليهود في أمريكا أن نيويورك هي أرض الميعاد التي كان يتحدث عنها أنبياء اليهود، وغدت نيويورك في نظرهم هي (القدس الجديدة). ولقد ذهب بعض اليهود إلى حد أبعد من ذلك، ذهبوا إلى حد أن أطلقوا على قمم جبال روكي تسمية (جبال صهيون)، ولقد كان يزكي هذا الاعتبار لديهم أن يضعوا في اعتبارهم ثروات اليهود الذين يعيشون على السواحل الأمريكية» اهـ.

لم يكن لدى الحكومة الأمريكية حتى الحرب العالمية الأولى أدنى اهتمام بالصهيونية كحركة سياسية، ولكنها كحركة روحية كانت تشكل عنصرًا مهمًا في الفكر الأمريكي والحياة السياسية منذ الأيام الأولى للاستيطان الأوروپي في العالم الجديد خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر. وكانت العناصر اليهودية في الواقع أكثر وضوحًا في العالم الجديد. وكان الحجيج يحملون معهم الثقافة العبرية. وكما هي الحال في إنجلترا، كان اللاهوت الپيوريتاني يعتمد على النص الحرفي والتسليم بما في العهد القديم. وكان الپيوريتانيون يحسون أن تجاربهم الأمريكية تجعلهم متماثلين مع المنفيين والمقيمين العبرانيين الذين ذكرتهم التوراة، فقد أصبحت أمريكا (كنعان الجديدة)، كما أن هؤلاء فروا، كالعبرانيين القدامى، من عبودية فرعون (الملك چيمس الأول ملك

ص: 371

إنجلترا) من أرض مصر (إنجلترا) بحثًا عن ملاذ في الأرض الجديدة الموعودة من الاضطهاد الديني. وعندما أعلنوا الحرب على الهنود الحمر أصحاب البلاد كانوا يستحضرون العهد القديم (1)، كما تقول مونيكا سچو Monica Sjoo (1938 - 2005 م) وباربرا مُر Barbara Mor في كتابهما (الأم الكونية العظمى The Great Cosmic Mother):«قد صاغوا من أساطير مملكة إسرائيل فلسفة الأخلاق اللازمة للاستعمار والقتل والنهب. وعلى المستوى الأخلاقي، لم يستسهل المستعمر الپيوريتاني قتل الهندي الأحمر إلا لأنه كان يعتقد بأنه كان يقتل كنعانيًا فلسطينيًا» اهـ (2).

وأصبحت التوراة مصدرًا لأسمائهم ودليلًا لتشريعهم، وغدوا يطلقون على أطفالهم أسماء البطارقة العبرانيين، وأضحت مدنهم ومستوطناتهم تحمل أسماء بيت لحم وعدن والخليل ويهودا وسالم وصهيون، بل والقدس. وأخذت أسماء أماكن فلسطين التي تكررت في التوراة تطلق من جديد على المستعمرات المحتلة حديثًا، وتغلغل التماثل الپيوريتاني مع الشخصيات العبرية التوراتية في الحياة القومية الحديثة في أمريكا المستعمرة، وأصبح هذا الإرث جزءًا لا يتجزأ لما يسمى بالتقاليد الأمريكية.

وعندما انتهى عهد لاهوت القرن السابع عشر، بدأت فلسطين كوطن لليهود تحتل مكانة خاصة في الثقافة الأمريكية، وبقيت عودة اليهود إلى هذا (الوطن التقليدي) فكرة محببة ومبدأ مسلمًا به في كل من الأدبين الديني والشعبي. وكان الفكر الأمريكي عن فلسطين في بدايته مستمدًا من هذه المصادر التقليدية والأدبية (3).

يقول محمد السماك (4): «وإذا كانت محاكم التفتيش الكاثوليكية قد دفعت باليهود إلى أوروپاهربًا بدينهم، فإن الصراع الديني في أوروپانفسها حمل في مطلع القرن السابع عشر المتهودين الجدد إلى العالم الجديد. وكما كانت لهجرة يهود الأندلس آثارٌ مباشرة

(1) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (123 - 4) باختصار.

(2)

انظر، محمد عبد الحليم عبد الفتاح: الاختراق اليهودي للفاتيكان، ص (116) باختصار وتصرف يسير.

(3)

د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (124).

(4)

محمد السماك: الصهيونية المسيحية، ص (56).

ص: 372

على حركة الإصلاح الديني وعلى حكومات الدول التي هاجروا إليها (وخاصة في فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلچيكا)، كذلك كان لهجرة أتباع الدين الجديد من الپروتستانت والتطهيريين [الپيوريتانيين] آثار مباشرة على بلورة الشخصية الأمريكية بالصورة التي تقوم عليها حتى اليوم» اهـ.

ومع نهاية القرن الثامن عشر أصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي يشكل جانبًا مهمًا من اللاهوت الپروتستانتي الأمريكي، حيث احتلت معتقدات المسيح المنتظر والعصر الألفي السعيد مكانًا بارزًا. واتخذت الإنجيلية في الولايات المتحدة شكلًا أكثر هيمنة مما كانت عليه الحال في إنجلترا، وبلغت ذروتها في ثقافة شعبية متميزة كانت تتضمن كثيرًا من تعاليم الصهيونية الروحية والدينية. وعلى ذلك فمنذ فجر التاريخ الأمريكي كان هناك ميل مسيحي قوي للاعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر يجب أن ينتظر عودة الدولة اليهودية. لم يكن ذلك الرأي إجماعيًا بين اللاهوتيين المسيحيين، ولكنه كان يشكل جزءًا من مصفوفة التاريخ الفكري الأمريكي التي كانت تتضمن دائمًا خيطًا من العصر الألفي السعيد في الفكر الأمريكي المسيحي (1).

وفي القرن التاسع عشر، حدث ما يمكن اعتباره الانشقاق الكبير بين منظِّري الألفية؛ فقد أخذ البريطانيون من لاهوتيي هذه الحركة بالرأي الذي يقول إن اليهود سوف يتحولون إلى المسيحية، وأنهم سوف يندمجون في الكنيسة قبل عودتهم إلى فلسطين، وإن هذه العودة سوف تتم كمسيحيين، وليس كيهود. أما الأمريكيون منهم، فأخذوا بالرأي الذي يقول إن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود وقبل تحولهم إلى المسيحية، وأنهم سيبقون حتى بعد التحول إلى المسيحية، وبعد العودة إلى فلسطين، منفصلين عن الكنيسة (2).

وكان أبرز رواد هذا الفكر هو چون نيلسون داربي John Nelson Darby (1800 - 1882 م)، والذي يعتبر «الأب الشرعي للحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة» (3).

(1) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (124).

(2)

محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (28 - 9).

(3)

السابق، ص (29).

ص: 373

وداربي هو لاهوتي (إنجليزي/أيرلندي) تعلم في كلية ترينيتي Trinity في دبلين Dublin، ثم عُيِّن قسيسًا في كنيسة أيرلندا، وكان أحد مؤسسي حركة (الإخوة الپليموث Plymouth Brethren)، وهي حركة إفانجليكية تأسست في أواخر العشرينات من القرن التاسع عشر، وتعتبر مدينة پليموث الإنجليزية هي أقوى مراكزها.

ونتيجة خلافات شديدة مع أفراد الجماعة الإنجليزية، انفصل عنها داربي، وارتحل إلى الولايات المتحدة حيث قام بنشر أفكاره ونظرياته حول التفسير الحرفي للنبوءات التوراتية، وعرف أتباعه باسم الإخوة الداربيين Darbyite Brethren.

ويعتبر داربي الأب الروحي للحركة التدبيرية Dispensationalism، والتي تقول بأن كل شيء مدبَّر ومبرمج، وأن على الإنسان العمل على تحقيق البرنامج الإلهي وفقًا للتفسير الحرفي للنبوءات التوراتية (1).

وبعد وفاة داربي، تبنى دعوته من بعده سايروس سكوفيلد Cyrus Scofield (1843 - 1921 م) صاحب إنجيل سكوفيلد الشهير. تقول جريس هالسل (2):«إن نظام الإيمان عند سكوفيلد لم يبدأ معه، إنما يعود إلى چون نيلسون داربي» ، وتذكر كذلك أنه «لاحقته الفضائح منذ سنواته الأولى في ولاية تنيسي Tennessee، وكونت شخصيته العنيدة. كان مدمنًا على الكحول، وواجه مشاكل عائلية. قاتل سكوفيلد في الحرب الأهلية الأمريكية، ومارس الحقوق في ولاية كنساس، ثم ترك بصورة مفاجئة تلك الولاية في عام 1877م متخليًا عن زوجته وطفليه، وسط اتهامه بأنه اختلس هبات سياسية مقدمة إلى شريك له

وسجن سكوفيلد في مدينة سانت لويس في عام 1879م بتهمة التزوير، وفي السجن جرى تحوله الديني متأثرًا بچيمس بروكس James H. Brookes [1830 - 1897 م] أحد تلامذة داربي القدريين، وفي عام 1882م أصبح أسقف أپرشية دالاس الأولى» (3).

ولقد جمع سكوفيلد نظريات وآراء وأفكار داربي وصاغ منها إنجيله، حتى إن مؤرخ

(1) للتوسع، انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: John Nelson Darby، ومادة: Plymouth Brethren.

(2)

جريس هالسل: النبوءة والسياسة، ص (42).

(3)

جريس هالسل: يد الله، ص (55).

ص: 374

تلك الحقبة من الحركة الأصولية الإنجيلية كلارنس باس Clarence B. Bass يقول [في كتابه: خلفيات الحركة التدبيرية Backgrounds to Dispensationalism]: «إن المقارنة بين ملاحظات سكوفيلد وأعمال داربي تظهر بوضوح تام أن سكوفيلد لم يكن مجرد تلميذ لأعمال داربي، ولكنه كان يقلِّد ويستعير أفكاره وكلماته وعباراته» .

وفي عام [1896م] نشر سكوفيلد أول مؤلف له، وكان عنوانه (تقسيم كلمة الحق بحق Rightly Dividing the Word of Truth)، وفي هذا المؤلف طرح سكوفيلد المبادئ اللاهوتية للأصولية الإنجيلية التدبيرية، وقد اعتمد على هذا المؤلَّف في كتابة إنجيله الذي أصبح فيما بعد المعتمد الرسمي والأساس ومصدر إلهام من جاء بعده من القساوسة الأصوليين في الولايات المتحدة حتى اليوم (1).

تقول جريس هالسل (2): «تكمن شهرة سكوفيلد المتواصلة في إنجيله المرجعي الذي صدر في عام 1909م، والذي وصفه أحد العلماء بأنه ربما يكون الوثيقة الأكثر أهمية في كل الأدبيات الأصولية» .

ويشير چوزيف كنفيلد Joseph Canfield في كتابه (سكوفيلد العجيب وكتابه The Incredible Scofield and His Book) إلى خطر قيام سكوفيلد بزرع آرائه الشخصية في الإنجيل، وهذا يعني - كما كتب كنفيلد - أن «العامة فشلت في التمييز بين كلمات سكوفيلد وكلمات الروح القدس» (3).

تقول هالسل - على لسان أحد الإنجيليين - (4): «وفيما كان سكوفيلد يقرأ الكتاب المقدس شعر بأن بعض الفقرات التي كان يقرؤها كانت تكشف له عن خطوات معينة يحتاج المسيحيون إلى اتخاذها من أجل تسريع عودة المسيح، وفي الوقت الذي كانت هذه الكلمات تبدو واضحة له، كان واثقًا من أن الكثيرين غيره ربما لم يكونوا على هذا

(1) محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (34 - 5) بتصرف.

(2)

جريس هالسل: يد الله، ص (55).

(3)

جريس هالسل: النبوءة والسياسة، ص (43).

(4)

جريس هالسل: يد الله، ص (49).

ص: 375

القدر من الاستيعاب. وهكذا من أجل إظهار هذه المعاني، ومن أجل أن يجعل الكتاب المقدس واضحًا كالبلور حول ما يريده الله قبل أن يرسل ابنه في رحلة العودة، فكر سكوفيلد بإدخال ملاحظاته وأفكاره الخاصة. وهكذا أصبح بإمكاننا أن نفهم أحداث اليوم في ضوء ما سبق للكتاب المقدس أن أخبرنا به» اهـ.

ولقد شهدت الحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة انحسارًا واضحًا في الفترة بين عامي 1918 و1948م، وذلك عندما أعطت الولايات المتحدة الأولوية في سياستها الخارجية لمصالحها النفطية ولحاجتها الاستراتيچية لاحتواء النفوذ السوفيتي في العالم العربي.

ولقد ولت الحركة اهتماماتها في هذه الحقبة للانعكاسات السلبية للحرب العالمية الأولى، وللانهيار الاقتصادي الذي تعرض له الاقتصاد الأمريكي، ولنظرية داروين حول النشوء والتطور. كان التحدي المحلي داخل المجتمع الأمريكي الذي واجهته، هو كيفية مقاومة الانحدار الخلقي، فغابت إسرائيل عن الاهتمام المركزي الذي كان قد ساد في القرن السابق (1).

ولكن شهدت الفترة نفسها صعودًا قويًا للحركة الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة، والتي اتخذت نسقًا دينيًا، وذلك نتيجة تأسيس منظمة مزراحي أمريكا Mizrahi على يد مائير بار-إيلان (برلين) Meir Bar-Ilan (Berlin)(1880 - 1949 م)، وذلك عام 1911م، والتي صارت بمرور الوقت الأساس المادي لمنظمة المزراحي العالمية نظرًا لقوتها المالية والعددية والتنظيمية. وبار-إيلان هو زعيم صهيوني ديني، وكان من دعاة التشدد مع العرب والبريطانيين، كما كان من أنصار الحرب على مظاهر عدم التدين بين المستوطنين الصهاينة، وقد أطلق اسمه على إحدى الجامعات في إسرائيل. وهذا دليل مهم على التوجه الديني لليهود الأمريكيين (2).

ولقد تلاقت مصالح الحركة الصهيونية اليهودية مع المصالح الخارجية للإدارة

(1) محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (37).

(2)

انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ مائير بار إيلان، وتاريخ الصهيونية في الولايات المتحدة).

ص: 376

الأمريكية، ويحدثنا هيكل عن هذه الفترة البالغة الأهمية فيقول (1): «إن الحركة الصهيونية - وبالذات على أيام هرتزل - نزعت إلى الشك في أن أمريكا مركزًا منافسًا أكثر منها مركزًا مساعدًا على مشروعها الصهيوني. وكان قلق المنظمات الصهيونية من البديل الأمريكي شديدًا، لأن اليهود الذين سبقوا بالهجرة إلى أمريكا بدءوا يكتبون إلى عائلاتهم وإلى أصدقائهم يدعونهم إلى القارة الجديدة وينصحونهم بأن أمريكا هي في الواقع (إسرائيل الموعودة). وكان ذلك يأخذ من المشروع الصهيوني ولا يعطيه، فاليهود الذين ذهبوا إلى أمريكا تخلَّوْا تمامًا عن فكرة العودة إلى فلسطين، وراحوا يدعون غيرهم إلى التخلي أيضًا.

وبعد فترة من المنافسة بين المركز الصهيوني الأوروپي الداعي إلى الهجرة لفلسطين وبين المركز اليهودي الجديد في أمريكا المطالب بالهجرة عبر المحيط، فإن الحركة الصهيونية في أوروپاأدركت أن عليها أن تتنازل أو تدخل في صدام يهودي-يهودي. ومع الاضطرابات التي سادت أوروپافي أعقاب حرب السبعين (2)، فإن الحركة الصهيونية الأوروپية بدأت تدرك أن المركز اليهودي الجديد في أمريكا يمكن أن يكون قوة دعم لها، وليس مجرد منافس يعترض خططها، خصوصًا مع إدراك القيادة الصهيونية في أوروپاإلى حقيقة أن هناك قدرة استيعابية محدودة لفلسطين، ثم إنه ليس من مصلحة المهاجرين اليهود حصرهم جميعًا في الشرق. وكان مما ساعد على مد الجسور بين يهود أمريكا وبين الحركة الصهيونية في أوروپاظهور عدد من الشخصيات اليهودية المؤثرة في المجتمع الأمريكي، وهي شخصيات تستطيع بعقيدتها الدينية وولائها العرقي أن تصبح مددًا لليهود في دولة تقوى اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا بسرعة كبيرة. وهكذا، فإنه في سنوات ما بين الحربين أصبح يهود أمريكا قوة دعم مادي ومعنوي مفيد للحركة الصهيونية

(1) محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (1/ 164 - 5) باختصار.

(2)

حرب السبعين: هي حرب اندلعت بين فرنسا وپروسيا في الفترة من 19 يوليو 1870 إلى 10 مايو 1871م، وانتهت بانتصار ساحق للألمان وتوحد الإمپراطورية الألمانية تحت قيادة فيلهلم الأول Wilhelm I (1797 - 1888 م). [للتوسع، انظر (تاريخ أوروپا) لهربرت فيشر، الجزء الثاني (العصر الحديث)، ص (286) وما بعدها.

ص: 377

الأوروپية. لكن الأمر حتى ذلك الوقت لم يتعد كتابة المقالات وإقامة الحفلات وجمع التبرعات».

ثم يقول (1): «إن دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى ساحة الحرب العالمية الثانية - وقيادة معسكر الحلفاء فيها بواقع الأمور - أتى بالولايات المتحدة إلى قلب الشرق الأوسط، وهو من أهم وأخطر ميادين الحرب وساحاتها العسكرية والسياسية.

ولقد أظهرت الدراسات - وفقًا لما تقول به الوثائق الأمريكية - حقيقتين حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط:

أولاهما: أن المنطقة سوف تصبح في مستقبل قريب جدًا أهم منابع النفط في وقت تتضاءل فيه الموارد الأمريكية نسبيًا وترتفع تكاليف استغلالها.

وثانيتهما: أن المنطقة هي قلب العالم الاستراتيچي بعد الحرب، وبالتالي فهي مكان يتحتم على الولايات المتحدة أن ترتب نفسها لوجود طويل فيه، كما أن عليها أن تخلق أسبابًا وظروفًا ملائمة لهذا الوجود الطويل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وهكذا، فإن أول ظهور للدبابات الأمريكية كان على مسرح الشرق الأوسط مشاركة في معركة العلمين [23/ 10 - 5/ 11/1942م]، كما أن السلاح الأمريكي وصل إلى الفيلق اليهودي الذي توجه بسرعة إلى فلسطين، ثم إن الأسلحة الصغيرة الأمريكية بدأت توزع على المستوطنين في المستعمرات حتى يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم إذا وصل الغزاة الألمان إلى أسوار مستعمراتهم في فلسطين.

كان واضحًا في ذلك الوقت أمام الحركة الصهيونية وغيرها ممن تعنيهم موازين القوى في العالم، أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تخرج من الحرب العالمية الثانية متربعة على قمة العالم سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية، أو الثأثير الدولي الواسع بما في ذلك سلطة رسم خرائط ما بعد الحرب. وكان على الحركة الصهيونية أن ترتب نفسها بهذه الحقيقة الجديدة الحاكمة في عالم متغير.

(1) السابق (1/ 165 - 70) باختصار وتصرف.

ص: 378

وكانت وسيلتها التي طرحت نفسها - تلقائيًا ومنطقيًا - هي أن يكون يهود أمريكا هم الجسر الذي يعبر عليه مشروع إقامة الوطن اليهودي في فلسطين من أحضان أوروپاإلى حِضْن أمريكا.

ومن الواضح أن يهود أمريكا أصبحوا على استعداد لأسباب كثيرة:

بينها بداية معرفة تبلورت لديهم بما حدث لليهود في ألمانيا ثم في أوروپاالتي خضع معظمها للاحتلال النازي سنوات الحرب. وكانت المعلومات في هذا الشأن متوفرة من قبل الحرب عن طريق موجة الهجرة في الثلاثينات، وقد حملت إلى الشواطئ الأمريكية يهودًا من طراز ألبرت أينشتاين Albert Einstein [1879 - 1955 م] وحتى طراز هنري كسنچر. ثم لحق بذلك ما تسرب من معلومات عما كان يجري وراء دخان الحرب.

ومن نتيجة ذلك أنه تولد لدى يهود الولايات المتحدة إحساس بنوع ما من عقدة الذنب، وظنوا أن في استطاعتهم التعويض عنه بدمج شبه كامل بين الحركة الصهيونية في أوروپاوبين نظيرتها الأمريكية التي كانت قوتها تتنامى.

ولم تكن الحركة الصهيونية في أوروپاتريد من يهود أمريكا مجرد حفلات تجمع فيها التبرعات، وإنما كانت تريد منهم أن يحملوا قوة الولايات المتحدة أو الجزء الأكبر منها وراء المشروع الإسرائيلي، وذلك بالتأييد السياسي والدعم العملي اقتصاديًا كان أو عسكريًا.

وكانت أهم مقولات الحركة الصهيونية الأوروپية لنظيرتها الأمريكية في تحديد الواجبات المستقبلية هي القول بأن "يهود أوروپااستطاعوا الحصول على الوعد بالدولة - وعد بلفور - وقد أوشكوا على تحقيق قيام الدولة بمقتضاه، وعلى يهود أمريكا أن يستكملوا الطريق بتحقيق هدفين تحددا بوضوح، وهما:

- تأكيد وتثبيت قيام الدولة.

- تحقيق اعتراف العرب بقيامها باعتبار أن ذلك هو الضمان الشرعي الوحيد لبقائها. فمن الممكن للطرف الأقوى أن يفرض على طرف أضعف منه أمرًا واقعًا يريده، لكن ذلك لا يحقق لهذا المراد شرعيته، وإنما تستقر الشرعية حين يقدم الضعيف اعترافه بالأمر الواقع وإن كان مفروضًا عليه.

ص: 379