المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

اليهودية الإنجليزية) مواقف مماثلة. وأعرب مؤتمر الحاخامات الأمريكيين المركزي عن - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: اليهودية الإنجليزية) مواقف مماثلة. وأعرب مؤتمر الحاخامات الأمريكيين المركزي عن

اليهودية الإنجليزية) مواقف مماثلة. وأعرب مؤتمر الحاخامات الأمريكيين المركزي عن معارضته التفسير الصهيوني لليهودية باعتبار أن الصهيونية تؤكد الانتماء القومي. وعارض حاخام فيينا (مسقط رأس هرتزل) فكرة إنشاء دولة يهودية لأنها فكرة معادية لليهود وتُرجع كل شيء إلى العرق والقومية. وقد تبنت اللجنة اليهودية الأمريكية موقفًا مناهضًا للصهيونية عام 1906م، ثم انتهجت نهجًا غير صهيوني استمر حتى أواخر عام 1940م (1).

ولكن هذا لم يعارض تكوين الجناح الأرثوذكسي المتدين لحركة المزراحي (أو المزراشي The Mizrachi) الصهيونية في عام 1902م بقيادة الربِّي إسحاق يعقوب رينز Yitzchak Yaacov Reines (1839 - 1915 م)، للتعبير عن مخاوف المتدينين من سيطرة العَلْمانيين على الحركة الصهيونية (2)، وكما يقول ياكوف رابكن (3):«اكتسب الدين أهمية إضافية بالنسبة إلى الصهاينة مهما كانت ممارستهم للشعائر اليهودية، لأنه يقدم الشرعية التاريخية الوحيدة لحقوق اليهود على أرض إسرائيل» اهـ.

‌المرحلة البلفورية:

بسبب افتقار الصهاينة إلى أية قاعدة قوية بين الجماهير اليهودية، كان عليهم أن يعتمدوا على قوة كبيرة غير يهودية يمكنها الاستفادة منهم ومن خدماتهم، فقدموا أنفسهم من البداية على أنهم يمكنهم أن يلعبوا دور الوسيط بين القوى الاستعمارية من جهة، واليهود من جهة أخرى، لتجنيدهم وتوطينهم في أحد المواقع التي تهم تلك القوى، وقد تم عرض الوساطة دون موافقة الجماعات اليهودية ذاتها. ولكن بمجرد أن نال الصهاينة الموافقة على خطتهم توجهوا إلى الجماعات اليهودية العاجزة، معلنين شرعيتهم الجديدة

(1) انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ الرفض اليهودي للصهيونية والتوحد الكامل معها).

(2)

انظر السابق (6/ تاريخ الصهيونية في روسيا).

(3)

ياكوف رابكن: المناهضة اليهودية للصهيونية، ص (55).

ص: 337

ومكانتهم المكتسبة، ومن ثم تسلموا قيادتها (1).

ولم يكن هرتزل منظِّرًا من الدرجة الأولى، ولكنه كان صحفيًا يرصد الأحداث بذكاء ويتسم بحس عملي فائق، ولذلك فإنه بعد أن قضى بضع سنوات يغازل ألمانيا و (الباب العالي)(2)

اكتشف أن الطريق إلى فلسطين يبدأ من لندن، فحمل أمتعته وذهب إلى هناك حيث وجد چوزيف شامبرلين Joseph Chamberlain (1836 - 1914 م)(وزير المستعمرات البريطانية في وزارة بلفور) شخصًا متفهمًا لمشروعه، متقبلًا للفكرة المبدئية وهي حل مسألة يهود شرق أوروپاعلى الطريقة الاستعمارية، أي نقلهم إلى الشرق. ولكن وقت تقسيم الدولة العثمانية لم يكن قد حان بعد، ولذا اقترح وزير المستعمرات على هرتزل أن يبحث عن أي أرض أخرى داخل الإمپراطورية الإنجليزية (قبرص -

(1) د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (112 - 3).

(2)

نشير هنا إلى موقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله (1842 - 1918م) من مساعي هرتزل لديه للحصول على أرض فلسطين، يقول رحمه الله في مذكراته ص (141):«وانتظم يهود العالم، وسعوا - عن طريق المحافل الماسونية - للعمل في سبيل الحصول على (الأرض الموعودة)! وجاءوا إليَّ بعد فترة وطلبوا مني أرضًا لتوطين اليهود في فلسطين مقابل أموال طائلة وبالطبع رفضت» اهـ. ولقد أورد هرتزل في مذكراته معلومات مفصَّلة عن هذا الحدث، فيقول في ص (29) من الترجمة العربية:«قال السلطان [عبد الحميد]: إنه لن يتخلى أبدًا عن القدس، فإن جامع عمر يجب أن يبقى بيد المسلمين دائمًا» ، كذلك قال في ص (35): «قال السلطان لصديقه [نيولينسكي]: "إذا كان صديقك [أي هرتزل]، فانصحه أن لا يسير أبدًا في هذا الأمر، لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد، لأنها ليست لي، بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه البلاد بإراقة دمه، وقد غذَّاها فيما بعد بدمائه أيضًا. وسوف نغذيها، بل لن نسمح لأحد باغتصابها منَّا

فليحتفظ اليهود بملايينهم، أما إذا سقطت الدولة [العثمانية] وتم تقسيمها فقد يحصل اليهود على فلسطين بلا مقابل. إننا لن نقسم هذه الدولة إلا على جثتنا، ولن أقبل تشريحنا لأي غرض كان» اهـ. ويحضرني موقف مشابه للملك عبد العزيز رحمه الله (1876/ 1880 - 1953م) تذكره جريس هالسل، فتقول:«خلال الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس روزفلت Franklin D. Roosevelt [1882 - 1945 م] في أعالي البحار مع الملك عبد العزيز آل سعود. قال روزفلت للعاهل السعودي: إن هتلر والنازيين اضطهدوا اليهود. فاليهود يحتاجون إلى وطن .. ولكن ماذا عن فلسطين؟ لقد رد الملك عبد العزيز قائلًا: ليس الفلسطينيون هم الذين اضطهدوا اليهود. النازيون هم الذين فعلوا ذلك. إن من الخطأ معاقبة الفلسطينيين بسبب ما فعله النازيون. لا يمكن أن أوافق على سلخ وطن عن شعب لإعطائه لشعب آخر» اهـ[جريس هالسل: يد الله، ص (85)].

ص: 338

العريش - شرق إفريقيا). وبعد عدة دراسات واقتراحات واتصالات، استقر الرأي على شرق إفريقيا بناءً على نصيحة شامبرلين، ولكن الخطة لم يُكتب لها النجاح (1).

وهنا نشير إلى مسألة، وهي أن المشاريع الاستعمارية البريطانية لحل المسألة اليهودية لم تستقر على فلسطين في بادئ الأمر، بل إن هرتزل نفسه حينما طرح الفكرة كان يقارن بين حلَّين:«فلسطين أم الأرچنتين؟» ، فتجده يقول (2): «وهناك الآن منطقتان موضوعتان في الاعتبار: فلسطين والأرچنتين. ففي كلا البلدين هناك تجارب استعمارية هامة، ولكن على أساس مبدأ خاطئ من التسلل التدريجي لليهود

هل نختار فلسطين أم الأرچنتين؟ إننا سنأخذ ما يعطى لنا، وما يختاره الرأي العام اليهودي، وسوف تقرر الجمعية كلا الأمرين.

إن الأرچنتين من أكثر بلاد العالم خصوبة، وهي تمتد على مساحات شاسعة، وفيها عدد قليل من السكان، ومناخها معتدل. وجمهورية الأرچنتين سوف تحصل على مكاسب كبيرة إذا تنازلت لنا عن قطعة من أراضيها. ولعل التسلل الحالي لليهود أثمر بعض الاستياء، ومن الضروري أن نوضح للجمهورية أن الحركة الجديدة تختلف اختلافًا جوهريًا

».

يقول الدكتور المسيري (3): «ويبدو أن هرتزل كان يرفض في بادئ الأمر (الخروج) على الطريقة الصهيونية الاستيطانية، شأنه في هذا شأن يهود الغرب المندمجين. وقد نشر في المجلة التي كان يكتب فيها عام 1892م تقارير تفصيلية عن أحوال الاستيطان اليهودي في الأرچنتين. وقد سافر زميل له مندوبًا عن يهود برلين ليدرس احتمالات توطين اليهود في البرازيل. كما كان هرتزل يعرف عن مشروع توطين اليهود في الأحساء في الجزيرة العربية، فكتب مقالًا عام 1892م يرفض فيه فكرة عودة اليهود إلى فلسطين وقال:"إن الوطن التاريخي لليهود لم يَعُد ذا قيمة بالنسبة لهم، ومن الطفولي أن يستمر اليهودي في البحث عن موقع جغرافي لوطنه". كما سخر في مقال له من إحدى مسرحيات الكاتب

(1) د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (71 - 2).

(2)

ثيودور هرتزل: الدولة اليهودية، ص (83 - 4) باختصار.

(3)

د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ أفكار هرتزل) بتصرف يسير.

ص: 339

الفرنسي ألكسندر دوما (الأب) Alexandre Dumas، père [1802 - 1870 م] لما تحتويه من أفكار وحلول صهيونية. ولكن هذا كان قبل أن يكتشف الاستعمار الغربي» اهـ.

ولذلك، فإنه من الممكن لنا تسمية الاتجاه الذي كان يسلكه الزعماء الصهاينة الأوائل بأنه (صهيونية بلا صهيون)! ونحن لن نتوقف لاستعراض الأماكن المقترحة لتنفيذ المشروع الصهيوني ومناقشة آراء المؤيدين والمعارضين لها، ولكن نذكر أنه في نهاية المطاف استقرت بريطانيا على المشروع الصهيوني الفلسطيني. ويرجع هذا إلى عدة عوامل، كما يذكر هيكل (1): «إن الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف، رفيق هرتزل في فكرة تأسيس الدولة، كتب في مذكراته يقول إنه فكر طويلًا وتأمل في الأسباب التي دعت إنجلترا إلى التحمس للمشروع الصهيوني في فلسطين ومساندته. وقال في مقدمة هذه المذكرات:

"إنني سألت نفسي كثيرًا عن أسباب تأييد إنجلترا لحركتنا وتوصلت إلى أربعة أسباب أرتبها كما يلي:

1 -

الطابع الإنجيلي للشعب الإنجليزي.

2 -

تأثير الإنجيل في الأدب الإنجليزي.

3 -

محبة فلسطين عند الإنجليز.

4 -

السياسة الإنجليزية في الشرق الأدنى طوال القرن التاسع عشر".

ومن البدهي أن الأسباب الثلاثة الأولى تنتمي إلى عالم التأليف والإنشاء، وأما السبب الرابع فهو وحده السبب الذي ينتمي إلى عالم الحقائق والمصالح».

يقول وايزمان (2): «وللقارئ أن يسأل: ولماذا كانت حماسة الإنجليز لليهود، وشدة عطفهم على أماني اليهود في فلسطين؟ والجواب على ذلك أن الإنجليز لا سيما من كان منهم من المدرسة القديمة، هم أشد الناس تأثرًا بالتوراة، وتديُّن الإنجليز هو الذي

(1) محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (1/ 42).

(2)

مذكرات وايزمان، ص (44).

ص: 340

ساعدنا على تحقيق آمالنا، لأن الإنجليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين. وقد ساعدتنا الكنيسة الإنجليزية في هذا الباب أكبر المساعدات» اهـ.

ولعل الذي أدى بهرتزل في نهاية المطاف أن يقبل المشروع الفلسطيني هو أنه كما قال (1): «إن اسم فلسطين في حد ذاته سيجتذب شعبنا بقوة ذات فاعلية رائعة» .

ولكن حتى عندما وقع الاختيار على فلسطين، فلم يأل هرتزل جهدًا في تأكيد الطبيعة اللادينية لهذا الاختيار. إذ أخبر البابا پيوس العاشر Pope Pius X (1835 - 1914 م) أن الصهاينة «لا يطالبون بالقدس» أو مثل هذه الأماكن المقدسة، وإنما ينصب جُلّ اهتمامهم على «الأرض العَلْمانية فقط» . وكانت كلماته قاطعة بشكل أكبر عندما أكد لأحد الكاردينالات أنه لا يتطلع إلى أرض إسرائيل التاريخية، بل «يطالب فقط بالأرض الدنيوية» (2).

يقول وايزمان (3): «

فهو [أي هرتزل] كان وراء فكرة، إلا أنه لم يكن قد حصر هذه الفكرة ضمن حدود وقيود كما فعلنا نحن يهود الشرق، نحن الذين بشرنا بفلسطين وباللغة العبرية ولا شيء آخر غير فلسطين وغير لغة اليهود ودين اليهود وتقاليد اليهود

وكان على هذا كله أن ينتظر حتى تختمر فكرة الصهيونية وحتى تعمل عملها في نفوس اليهود ثم حتى يقوم على تحقيقها أولئك الذين آمنوا بالصهيونية على أنها قومية، والقومية لها وطن واحد، وكان وطن اليهود هو فلسطين، ولا شيء غير فلسطين» اهـ.

وفي هذه الفترة، كانت قد شكَّلت حكومة آرثر چيمس بلفور Arthur James Balfour (1848 - 1940 م) - الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء آنذاك - لجنة خاصة لمناقشة هجرة يهود شرق أوروپاإلى إنجلترا، والتي كان لا بد الحد منها بسبب المشاكل التي بدأت تسببها. وعليه أصدرت حكومته في الفترة ما بين (1903 - 1905م) ما عرف باسم (قانون الغرباء) لمنع دخول اليهود إنجلترا. وقد أدى موقفه هذا إلى الهجوم عليه من قبل

(1) ثيودور هرتزل: الدولة اليهودية، ص (84).

(2)

د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (134 - 5).

(3)

مذكرات وايزمان، ص (15 - 6) باختصار.

ص: 341

المؤتمر الصهيوني السابع (1905م) حيث وصفت تصريحاته بأنها «معاداة صريحة للشعب اليهودي بأسره» ، كما هاجمته الصحافة البريطانية أيضًا (1).

وقد تجلت في هذه الفترة جهود حاييم وايزمان (والذي كان قد ترك انطباعًا جيدًا بسبب اكتشافه لمادة الأسيتون) لدى حكومة بلفور، «وقد اقترح وايزمان وغيره من الصهاينة حل المشكلة (من أعلى) من ناحية المصالح الإمپريالية، وليس من (أسفل)، من ناحية الجماهير اليهودية» (2).

يقول وايزمان (3): «وكانت مقابلتي الأولى للورد بلفور في عام 1906م

وكانت (إنجليزيتي) في ذلك الزمن لا تزال ضعيفة، ومع ذلك كان يتتبع كلامي في عناية واهتمام وعطف. وقد افتتح بلفور الحديث معي بسؤالي:"لماذا يوجد يهود معارضون فكرة أوغندا؟ إن الحكومة البريطانية معنية بكل إخلاص وعطف باليهود وآمانيهم، فلماذا لا تتعاونون معنا؟ "، وهنا اندفعت أنا في الشرح والبيان

قلت له إن الصهيونية حركة سياسية قومية، ولكن لها ناحيتها الروحية. وقلت إنه لن يكتب النجاح للصهيونية السياسية القومية إلا إذا عنينا أولًا بناحيتها الروحية وأثرنا بذلك الحاسة الدينية في اليهود. وهل هناك ما يصلح لتحقيق هذا كله إلا فلسطين؟» (4).

(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (4/ إنجلترا منذ عصر النهضة) و (6/ چيمس بلفور) بتصرف.

(2)

د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (113).

(3)

مذكرات وايزمان، ص (20 - 1) باختصار.

(4)

يقول المسيري: «وافقت إنجلترا على توطين بعض اليهود في تلك الرقعة من إفريقيا [أوغندا]. وقد وافق المؤتمر الصهيوني السادس (1903م) بأغلبية 295 صوتًا مقابل 17 صوتًا على تشكيل لجنة لتقصي الحقائق (لدراسة إمكانيات الاستيطان اليهودي هناك). وعندما انسحب بعض أعضاء الوفود احتجاجًا على القرار، أعيد التصويت مرة أخرى ليحصل القرار المقترح على موافقة الأغلبية مرة ثانية، وهذا ما لا تذكره المراجع الصهيونية ليبينوا مدى تمسك اليهود بأرض الميعاد. وكان من بين مؤيدي مشروع أوغندا في المؤتمر الأعضاء الذين مثَّلوا المستوطنين الصهاينة في فلسطين. وفي المؤتمر الصهيوني السابع (1905م) رفض المجتمعون مشروع أوغندا بعد أن قدمت لجنة تقصي الحقائق، التي بعث بها المؤتمر السادس إلى المنطقة، تقريرًا سلبيًا، أي إن أساس الرفض لم يكن دينيًا، ولا يعبِّر عن تمسك ديني بأرض الميعاد» اهـ[د. عبد الوهاب المسيري: الپروتوكولات واليهودية والصهيونية، ص (135) بتصرف يسير].

ص: 342

يقول القس الأيرلندي مايكل پريور (1): «وكان وايزمان يعلم جيدًا الفائدة التي كانت ستعود على إنجلترا من دعمها للصهيونية. وكان يعتقد أنه من البدهي أن تحتاج إنجلترا لفلسطين لحماية المدخل إلى مصر، وأنه إذا تم فتح فلسطين للمستوطنات اليهودية "سيربح الإنجليز حاجزًا فعالًا وسيكون لدينا وطن"» اهـ.

ولكن توقف دور إنجلترا قليلًا بسبب دخولها في صراعات داخلية في انتخابات عام 1906م بين الحزب الليبرالي بقيادة هنري كامپبل-بانرمان Henry Campbell-Bannerman (1836 - 1908 م) والحزب المحافظ بقيادة بلفور، والتي فاز فيها الحزب الليبرالي بغالبية ساحقة ..

في هذه الفترة (والتي نسي فيها بلفور فكرته الصهيونية إلى حد كبير)، وجَّه وايزمان جهوده إلى ما سماه بـ (الصهيونية العملية)، يقول (2): «وكانت الفترة الواقعة بين عامي 1906 و1914م، أي بين بدء تطور فكرة الصهيونية من فكرة روحية سياسية إلى فكرة عملية، وبين تاريخ الحرب العالمية الأولى، فترة حاسمة في تاريخ اليهود

وكانت سنة 1906م هي السنة التي اعتزمت فيها أن أوقف فيها حياتي على الصهيونية

وكنا نحن - يهود روسيا -، أصحاب الصهيونية العملية، نؤمن بوجوب احتلال أراضي فلسطين، والعمل على إحياء التقاليد اليهودية بين يهود العالم، وإحياء وتعميم اللغة العبرية، ثم ربط يهود العالم بفكرة وطنهم ووطنهم هو فلسطين

وفي سنة 1907م، تلك التي خطت فيها الصهيونية خطوة واسعة إلى الأمام، كان قد صار واجبًا عليّ أن أذهب أنا بنفسي إلى فلسطين وأدرس الحالة هناك، ثم نأخذ في العمل المجدي الذي يمكن أن نعتمد عليه للخطوات الحاسمة في المستقبل

وقد ذهبت بالفعل إلى فلسطين، وقضيت هناك بضعة أسابيع، ثم عدت لأعمل، ولأواظب على العمل الذي يصلح لوثبات المستقبل، وفي الفترة التي انقضت بين سنتي 1907 و1914م، أرسلنا إلى فلسطين موجات جديدة من المهاجرين الأشداء، الممتلئين حماسة لفكرة وطنهم القومي، وأوجدنا حركة عمالية واسعة، وأنشأنا مستعمرات قوية، وقوينا المستعمرات الضعيفة

(1) مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (152).

(2)

مذكرات وايزمان، ص (22 - 5) باختصار.

ص: 343

وبالفعل، لقد وجدنا في فلسطين حين أخذنا وعدنا وجئنا إليها بعد الحرب لتنفيذ الوعد، أساسًا يصلح للبناء عليه. وشعرنا أننا لسنا بادئين، وإنما كنا نكمل بناءنا الذي بدأناه» اهـ.

وأثناء الحرب العالمية الأولى طلبت الحكومة البريطانية سنة 1915م من السير هربرت صامويل Herbert Samuel (1870 - 1963 م) أن يضع تصورًا لما ينبغي أن يكون عليه أمر فلسطين بعد النصر. وكتب هربرت صامويل بوصفه عضوًا في وزارة الحرب - إلى جانب كونه يهوديًا وصهيونيًا أيضًا - مذكرة بعنوان (مستقبل فلسطين) تاريخها 5 فبراير 1915م، توصل فيها إلى نتيجتين:

1 -

إنه مهما يكن من شأن أية اتفاقات مع فرنسا، فإن فلسطين يجب أن تخرج من هذه الاتفاقيات، لأن سيطرة دولة أوروپية عظمى على موقع قريب من قناة السويس إلى هذه الدرجة يشكل تهديدًا مستمرًا ومخيفًا لخطوط المواصلات الإمپراطورية (البريطانية). إن الحزام الصحراوي الذي تمثله سيناء استطاع أن يؤدي دوره كحاجز استراتيچي كافٍ ضد الأتراك، لكنه ليس كافيًا للصمود أمام حملة عسكرية تقوم بها دولة أوروپية قوية. ولا نستطيع أن نفترض أن علاقاتنا الطيبة مع فرنسا سوف تستمر كذلك طوال الوقت.

2 -

إن الحل الذي يوفر أكبر فرصة للنجاح ولضمان المصالح البريطانية هو إقامة اتحاد يهودي كبير تحت السيادة البريطانية في فلسطين. إن فلسطين يجب أن توضع بعد الحرب تحت السيطرة البريطانية، ويستطيع الحكم البريطاني فيها أن يعطي تسهيلات للمنظمات اليهودية في شراء الأراضي وإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة والمساعدة على التطور الاقتصادي بحيث يتمكن اليهود من أن يصبحوا أكثرية في البلاد. هذا مع ملاحظة أن هناك عطفًا واسع الانتشار وعميق الجذور في العالم الپروتستانتي لفكرة إعادة الشعب العبراني إلى الأرض التي أعطتها له النبوءات القديمة (1).

وفي عام 1916م جاءت الوزارة البريطانية الجديدة برئاسة دافيد لويد چورچ David Lloyd George (1863 - 1945 م)، والتي عُيِّن بلفور وزيرًا لخارجيتها، فعاد بلفور

(1) محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (1/ 111).

ص: 344

لاهتماماته الصهيونية القديمة، في وقت كان يتلفظ فيه رجل أوروپاالمريض أنفاسه الأخيرة ..

وكان قد «تلقَّى بلفور تعليمًا دينيًا من أمه في طفولته، وتشبَّع بتعاليم العهد القديم، خصوصًا في تفسيراتها الحرفية الپروتستانتية. ورؤية بلفور لليهود متأثرة بالرؤية الألفية الاسترجاعية التي تراهم باعتبارهم شعبًا مختارًا ومجرد وسيلة للتعجيل بالخلاص» (1).

تقول ريچينا الشريف (2): «وارتباط بلفور الصريح بالصهيونية الذي تجلى بوضوح عندما كان وزيرًا للخارجية في عهد لويد چورچ يلقي ظلالًا على علاقته المبكرة بالمرحلة الهرتزلية. ومع أنه بقي يعبر عن تأييده للصهيونية طوال حياته إلا أن ميوله الصهيونية المبكرة تكشف بوضوح عن المزج بين اللاسامية بالنسبة للمسألة اليهودية والعنصرية بالنسبة للتاريخ بشكل عام.

كان بلفور، كشامبرلين، يؤمن بالمزايا الفريدة للجنس الأنجلوساكسوني، وكانت وطنيته العنصرية المكشوفة تدفعه إلى اللاسامية كما يتضح من المناقشات حول قانون الغرباء عام 1905م. لم يكن بلفور رئيس الحكومة التي قدمت القانون فحسب، ولكنه قام شخصيًا بدور فعال في تبنيه في مجلس العموم. وحين كان المشروع أمام اللجنة، رد بلفور على السير شارلز ديلك Sir Charles Dilke، 2nd Baronet (1843 - 1911 م) بقوله:"لقد أدان المبجل بارونيت الروح اللاسامية التي ألحقت الخزي الشديد بالسياسة الحديثة لدول أخرى في أوروپا، وأعلن أن يهود هذه البلاد يعدون عنصرًا مهمًا في المجتمع، ولم يكن على استعداد لإنكار أي من هذين الأمرين. لكنه كان يرى أنه ليس من مصلحة حضارة هذا الوطن أن يكون فيه كثير من الأشخاص الذين يبقون، نتيجة تصرفاتهم، شعبًا مستقلًا ويعتنقون دينًا يختلف عن دين الغالبية العظمى من مواطنيهم ولا يتزاوجون إلا من بني جنسهم. ليس من مصلحة الوطن أن يكونوا فيه مهما بلغت درجة وطنيتهم وقدرتهم وجدهم وانغماسهم في الحياة القومية". لم يترك هذا التصريح أدنى

(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ چيمس بلفور).

(2)

د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (106 - 7) بتصرف يسير.

ص: 345

شك في أن السبب لإلقائه هو الحد من هجرة اليهود من أوروپاالشرقية وإنقاذ إنجلترا من "المآسي الأكيدة التي أصابت البلاد نتيجة هجرة هي في معظمها يهودية"، وكان رد فعل المؤتمر الصهيوني السابع هو "اتهام بلفور باللاسامية الصريحة ضد الشعب اليهودي كله".

وحتى في عام 1914م اعترف بلفور لوايزمان بأنه كان يشارك كوزيما فاجنر Cosima Wagner [(1837 - 1930 م)، وهي معروفة بكونها أحد أشهر الشخصيات المعادية للسامية] كثيرًا من مشاعرها اللاسامية. وكان بلفور قد التقى بها في بايروت Bayreuth وبحث معها محنة اليهود في ألمانيا.

وإعلان بلفور، الذي يعتبر تجسيدًا للصهيونية السياسية، كما أن شجبه العلني المتكرر لاضطهاد اليهود في أوروپاالشرقية حيث "كانت معاملة الجنس اليهودي عارًا على المسيحية" لا يعفيانه من لاساميته. وعلى النقيض من ذلك فإن مواقف بلفور الغامضة المبهمة من المسألة اليهودية تدفعنا إلى القناعة بأن الصهيونية والعنصرية واللاسامية إنما هي جوانب لظاهرة واحدة. فطبيعة الصهيونية لم تكن ملائمة للاسامية فحسب، ولكنها كانت تشجعها».

يقول المسيري (1): «وقد يبدو الأمر لأول وهلة وكأنه نوع من التناقض الواضح الذي يقترب من الشيزوفرينيا

ويتجلى هذا المزيج من الكره والإعجاب من جانب بلفور في تلك المقدمة التي كتبها لمؤلَّف سوكولوف (تاريخ الصهيونية History of Zionism) حيث يبدي معارضته لفكرة المُستوطَن البوذي أو المُستوطَن المسيحي؛ فالمسيحية والبوذية في رأيه هما مجرد أديان، ولكنه يقبل فكرة المُستوطَن اليهودي لأن "العرق والدين والوطن" أمور مترابطة بالنسبة إلى اليهود كما أن ولاءهم لدينهم وعرقهم أعمق بكثير من ولائهم للدولة التي يعيشون فيها» اهـ.

وقبيل إعلان وفاة دولة الخلافة رسميًا، «طُرحت واقعيًا ضرورة الاتفاق على خطوط عامة لقسمة التركة.

(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ چيمس بلفور) بتصرف يسير.

ص: 346

وكانت لندن وپاريس قد اتفقتا على خطوط رئيسة:

إنه لا بد من فصل بين الساحل والداخل (1) في خريطة جديدة للعالم العربي. فالقوى الأوروپية يمكن أن تتقاسم النفوذ في الساحل المطل على البحر الأبيض والمحيط به. وأما الداخل بكل ما فيه من الصحاري والقبائل فأمره معقد ويمكن تركه للعرب إذا ما ساعدوا على هزيمة تركيا.

وهكذا أضيف إلى تقسيم العالم العربي خط رأسي مواز للخط الأفقي. الخط الرأسي يعزل الساحل عن الداخل. والخط الأفقي يعزل مصر عن سوريا (بوطن قومي لليهود في فلسطين طبقًا للسياسة البريطانية من پالمرستون إلى لويد چورچ).

وكانت فرنسا تريد سوريا الشمالية وتعتقد أن لها حقوقًا تاريخية في بيروت وجبل لبنان وما حولها إلى وديان الشام، بما في ذلك دمشق وحمص وحلب وحماة والموصل (شمال العراق).

وفي مقابل ذلك فإن بريطانيا كانت تريد إلى جانب مصر والسودان منطقة ما بين النهرين (العراق) والخليج. كما أن عينها كانت على فلسطين، فهي لازمة لخطتها في الفصل ما بين مصر وسوريا» (2).

ولقد حصلت فرنسا بموجب معاهدة سايكس-پيكو التي عقدت بين فرنسا وإنجلترا في 3 يناير 1916م، على الضوء الأخضر لاحتلال قلقيلية وسوريا ولبنان، أما إنجلترا فحصلت على البصرة وبغداد والمنطقة الجنوبية من الشرق الأوسط. كما حصلت أيضًا على حيفا وعكا، أما باقي أراضي فلسطين فأصبحت تقع تحت حكم دولي غير محدد.

ومهما كانت نوايا بريطانيا (استبعاد فلسطين من المنطقة العربية أم لا)، فإنه لا يتم

ص: 347

احترام الوعود والتصريحات التي تمَّت تحت ضغوط الحرب؛ إلا إذا كانت تخدم المصالح بعد نهاية الحرب. وبما أن معاهدة (سايكس-پيكو) لم تنص على أن لفرنسا مصالح في فلسطين، رأت إنجلترا أن هذه المنطقة حيوية لمصالحها الاستراتيچية وحاجز لحماية مصر، وتحمي قناة السويس التي تؤدي إلى الهند .. ومع نهاية الحرب، أصبح تداخل مصالح الإنجليز والصهاينة حقيقة؛ ففلسطين اليهودية سوف تخدم كحامية محلية تدافع عن المصالح البريطانية في قناة السويس، وكذلك كجزيرة سياسية صغيرة تُكِنّ الولاء لبريطانيا وسط دول عربية مستقلة حديثًا. وكان من البديهي أن لا يقبل عرب فلسطين الحلم الصهيوني، وبذلك أصبحت المساندة الإنجليزية ضرورية لتحقيق هذا الحلم (1).

تقول ريچينا الشريف (2): «التقت المصالح البريطانية والصهيونية في النهاية، ففي عام 1917م كان احتلال فلسطين ضرورة استراتيچية لبريطانيا، لكن المطالبة بذلك على أساس الفتح العسكري وحده لم تكن تتفق مع مبدأ الرئيس الأمريكي وودرو ولسن Woodrow Wilson [1856 - 1924 م] الذي ينص على عدم السماح بالاستيلاء على الأرض بالحرب، فضلًا عن أن ذلك كان يثير الرأي العام العالمي ضدها. لذلك كان الضم الصريح غير وارد، وكان السبيل الوحيد المتاح لبريطانيا هو ربط أهدافها الحربية بمبدأ تقرير المصير. وهكذا وجد الصهيونيون البريطانيون غير اليهود أن من المناسب جدًا وضع فلسطين تحت الوصاية من أجل أصحابها الذين ورد ذكرهم في العهد القديم (شعب الله القديم). ولم يسبب ذلك راحة للضمير البريطاني فحسب، ولكنه ترك الباب مفتوحًا كذلك لمصالح بريطانيا المستقبلية في المنطقة» اهـ.

ننقل أحداث هذه الفترة التاريخية الحاسمة من مذكرات وايزمان حيث يروي فيقول (3): «لقد حان الوقت لإعلان الحكومة البريطانية كلمتها الأخيرة في القضية. وقد وعد بلفور بأن يفعل هذا، وطلب من - أنا حاييم وايزمان - أن أكتب البيان الذي يجب

(1) مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (153 - 4) باختصار.

(2)

د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (111) باختصار وتصرف يسير.

(3)

مذكرات وايزمان، ص (64 - 9) باختصار.

ص: 348

أن تذيعه الحكومة البريطانية، ووعد بأن يعرض البيان الذي أكتبه أنا على وزارة الحرب للموافقة عليه.

وقد تعاون أعضاء اللجنة السياسية الصهيونية برئاسة سوكولوف على وضع صيغة البيان واشتركت أنا فيه. وبعد بحث طويل اتفقنا على صيغته وسلمناه في 18/ 7/1917م للورد بلفور، وهذا هو نصه:

"إن حكومة جلالته بعد النظر في غايات المؤسسة الصهيونية تقبل مبدأ الاعتراف بفلسطين وطنًا قوميًا للشعب اليهودي في أن يبني حياته القومية في فلسطين تحت حماية تقام بعد عقد الصلح ونهاية الحرب في مصلحة الحلفاء.

وترى حكومة جلالته، صيانةً لهذا المبدأ، أن تمنح الحكم الذاتي الداخلي للقومية اليهودية في فلسطين مع حرية الهجرة لليهود، وتأسيس منظمة قومية يهودية لإعادة بناء التطورات الاقتصادية للبلاد.

أما شروط ومظاهر ذلك الحكم الذاتي وبراءة تأسيس المنظمة القومية اليهودية، فترى حكومة جلالته أن تبحث فيما بعد الدرس الوافي، مع ممثلين عن المؤسسة الصهيونية".

ولكن بقي أن توافق عليه وزارة الحرب، فلقد كانت في بريطانيا في الحرب الأولى مثلما كان لها في الحرب الثانية وزارتان؛ الأولى الوزارة العامة، والأخرى وزارة الحرب. وقد دلتني تحرياتي على أن الوزارتين موافقتان على النص، وأن الموافقة الأخيرة مضمونة إلا إذا تدخل المعارضون اليهود في الأمر.

وفي 18 سپتمبر سنة 1917م علمت أن البيان وضع أمام الوزارة العامة لبحثه وكان متغيبًا عن الاجتماع بلفور ولويد چورچ. فلما عرض البيان للبحث اعترض إدوين مونتاجو Edwin Montagu [1879 - 1924 م]- وهو عضو يهودي في الحكومة - على البيان وعلى عرضه على الوزارة (1)، فسحب من الأجندة

وفي ذلك اليوم الذي سحب فيه البيان من أمام الوزارة بسبب تدخل مونتاجو اليهودي، طلبت أنا واللورد روتشيلد مقابلة بلفور، فحدد لنا ميعادين لذلك، فقابلته أنا في 19

(1) حيث كان يرى أنه معادٍ للسامية.

ص: 349

سپتمبر، وقابله روتشلد في 20 منه

ولما قابلت بلفور أبدى لي كل عطف، وقال لي:"أنا لم أتأثر قط بمسلك مونتاجو ولم تتبدل عواطفي". ولما قابله روتشلد، قال له روتشلد:"عندي ما يقنعني بأن عضوًا في الوزارة يعمل ضدنا". فأجابه بلفور: "لا تهتم بذلك، فإن مونتاجو عضوًا في الحكومة لا في الوزارة".

لما وضع بياننا أمام وزارة الحرب [4 أكتوبر 1917م]، وقف إدوين مونتاجو وألقى خطابًا مؤثرًا ينقض فيه البيان، والفكرة التي يرمي إليها، وبلغ من تأثره، وهو يتكلم، ويحذر من بغية أعمال الصهيونيين أنه بكى

وفي يوم 9 أكتوبر 1917م، استطعت أن أبرق إلى [لويس] برانديس [الزعيم الصهيوني البارز] في أمريكا لأقول: اقترحت الوزارة بعد مداولات واتصالات، أن تعدل البيان كما يلي:

"تنظر حكومة جلالته بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للجنس اليهودي وسوف تبذل أحسن جهودها لتسهيل تنفيذ ذلك، ويجب أن يكون مفهومًا أنه لن يجري شيئًا مما عسى أن يمس أو يؤثر في اتفاق الطوائف الأخرى في فلسطين المدنية والدينية. كما أن تحقيق هذه الغاية يجب أن لا يؤثر على الحقوق السياسية لليهود في خارج فلسطين".

وقد طلبت في البرقية أن يسعى برانديس للحصول في الحال على موافقة ويلسون على هذا البيان الذي وافقت عليه حكومة جلالته.

وقد كان تدخل مونتاجو هو السبب في تغيير هام في البيان، أما التغيير الأول: فهو أننا ذكرنا في بياننا "حق اليهود في إقامة حياتهم القومية في فلسطين"، بينما أن بيان الحكومة تكلم عن إنشاء وطن قومي في فلسطين. والفرق بين النصين كبير؛ ففي بياننا اعتراف بأن فلسطين كانت لنا في الماضي، وأننا عائدون إليها لإعادة بناء حياتنا القومية فيها، فأين هذا من إنشاء وطن قومي لنا في فلسطين؟

والتغيير الثاني: أننا تكلمنا في بياننا عن الشعب اليهودي، وتكلم بيان الحكومة عن الجنس اليهودي. إلا أننا، نحن دعاة الصهيونية، لم نسكت

وأخيرًا اضطرت الوزارة إلى أن تؤلف لجنة يهودية قوامها أربعة أعضاء من الصهيونيين وأربعة أعضاء غير صهيونيين، وعرضت علينا نص بيانها لنحكم له أو عليه.

ص: 350

وقد اقترحت أنا تغيير كلمة إنشاء وطن قومي في فلسطين، واستبدالهما بكلمة: إعادة إنشاء. ذلك أن كلمة (إعادة) هنا تثبت حقوقنا الماضية في فلسطين. واقترحت كذلك استبدال كلمة الجنس اليهودي بكلمة الشعب اليهودي وقد فاز الجزء الثاني من اقتراحي بالقبول» اهـ.

يقول مايكل پريور (1): «أما بالنسبة للمعنى الذي يجب إعطاؤه لـ (الوطن القومي اليهودي)، رد لويد چورچ على وايزمان:"كنا نعني دولة يهودية"، وتم التأكيد على هذا أثناء الحديث مع رئيس الوزراء وبلفور وتشرشل [Winston Churchill (1874 - 1965 م)] ووايزمان. وفكرة أن الإنجليز كانوا يستعملون كلمة (وطن قومي) بدلًا من (دولة) كان أسلوبًا يهدف إلى عدم إثارة المعارضة العربية؛ وهذا يتضح جيدًا في مذكرة هربرت يونج Herbert Young من وزارة الخارجية الذي كتب عام 1921م: "يجب القول بأن أخذ المعارضة الفلسطينية في عين الاعتبار كان مشكلة تتعلق بالأسلوب وليس أبدًا بالاستراتيچية؛ حيث كانت الاستراتيچية العامة هي تشجيع الهجرة التدريجية لليهود إلى فلسطين، حتى يصبح هذا البلد به أغلبية يهودية

إلا أنه كان علينا التساؤل عما إذا كنا في وضع يسمح لنا بأن نقول للعرب ما نقصده بسياستنا وماذا تعني هذه السياسة بالفعل؟ ".

ويبدو أن كلمة (وطن قومي) هي تعبير يقلل من شدة معنى مصطلح (دولة). أثناء المؤتمر الصهيوني الأول في 1897م، حدد هرتزل بنفسه هدف الصهيونية بأنه إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، ثم عاد وكتب في يومياته يوم 3 سپتمبر 1897م "في بازل أنشأت الدولة اليهودية"» اهـ.

تقول ريچينا الشريف (2): «تختلف وجهات نظر المؤرخين حول السبب الذي حدا بالحكومة البريطانية أخيرًا، برئاسة لويد چورچ، لإصدار وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م، وتتفاوت الأسباب بين دوافع حب اليهود والاهتمام بمصلحة الدولة واستراتيچية الحرب. وتختلف التفسيرات الرسمية كثيرًا كما تختلف تفسيرات المراقب العادي. قد تكون جميع

(1) مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (160 - 1) باختصار.

(2)

د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (112).

ص: 351

هذه العناصر موجودة ولكنها كانت بحاجة إلى عامل يقلب الميزان لصالح الوعد، ولكن ينبغي البحث عن السبب الأساسي للميول الصهيونية لدى الأفراد الكثيرين الذين كان لهم ضلع في صنع القرار وصياغته».

ويقول وايزمان (1): «إن لويد چورچ لا يعنيه من اليهود لا ماضيهم ولا حاضرهم ولا مستقبلهم، وإنما هو رجل متعصب، فهو يفضل إعطاء فلسطين لليهود على أن تذهب فلسطين إلى فرنسا الكاثوليكية. وفرنسا الكاثوليكية عند لويد چورچ هي دولة كافرة» اهـ.

ولم يكن يخفى تصور بلفور حول مستقبل سكان فلسطين العرب فقد جاء في مذكرته (بالنسبة لسوريا وفلسطين وما بين النهرين): «ليس في نيتنا حتى مراعاة مشاعر سكان فلسطين الحاليين

إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية. وسواء أكانت الصهيونية على حق أم على باطل، جيدة أم سيئة، فإنها متأصلة الجذور في التقاليد القديمة العهد والحاجات الحالية وآمال المستقبل، وهي ذات أهمية تفوق بكثير رغبات وميول السبعمائة ألف عربي الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة» (2).

يقول هيكل (3): «إن أهل المنطقة المعنية: مصر وسوريا وفلسطين، لم يتصل بهم أحد في ذلك الوقت ولا سمع رأيهم، ولم يفاوضهم طرف أو يشركهم في رسم الخرائط وتخطيط الحدود. فالرياح في العادة لا تسأل الأرض التي تلقي عليها أحمالها من البذور - أو غيرها مما تحمله - عن شعورها أو فكرها أو مطلبها، وإنما هي قوة واحدة عاتية ترمي بما عندها، وأرض رخوة موحلة تتلقاه سواء أرادت أم لم ترد!» .

وكما يقول پريور (4): «في هذه الوثيقة [وعد بلفور] وعد شعبٌ، شعبًا ثانيًا، بإعطائه أرض شعب ثالث!» اهـ.

فور انتهاء الحرب العالمية الأولى، شرع المنتصرون في تقسيم غنيمة الحرب. و «طبقًا لقرار مؤتمر سان ريمو San Remo [20/ 4/1920 م] لدول الحلفاء في

(1) مذكرات وايزمان، ص (30).

(2)

انظر، د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (108).

(3)

محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (1/ 51).

(4)

مايكل پريور: الكتاب المقدس والاستعمار، ص (158).

ص: 352

الحرب العالمية الأولى، وفي سياق اقتسام مناطق النفوذ في العالم بين الدول الاستعمارية الكبرى، وُضعت فلسطين عام 1920م تحت الانتداب البريطاني (في حين وضعت سوريا تحت الانتداب الفرنسي)، ورأت الحكومة البريطانية أن تحصل على تصديق دولي لهذا القرار، فعرضته على عصبة الأمم التي أصدرت صك الانتداب عام 1922م، وضمَّنته بريطانيا نص وعد بلفور، فأصبح بذلك وثيقة دولية، وأصبحت بريطانيا مسئولة عن تنفيذه أمام عصبة الأمم. وتجاهل صك الانتداب واقع فلسطين التاريخي والقومي، والأكثرية العربية الساحقة فيها التي لم يأت ذكرها إلا بشكل عرضي ومنقوص، رغم أن عددهم كان يفوق عندئذ 90% من مجموع السكان، بينما يمثل اليهود 10% فقط ولا تتجاوز أملاكهم 2% من الأراضي. كما جاء الصك مخالفًا بوضوح لميثاق عصبة الأمم نفسها الذي أعطى السكان الأصليين حقهم في اختيار الدولة المنتدبة طبقًا لرغبتهم.

واتبعت سلطات الانتداب سياسة موالية للصهيونية، فعُيَّن الصهيوني السير هربرت صامويل مندوبًا ساميًا بريطانيًا، وتم إفساح المجال لعمل المؤسسات الصهيونية المختلفة، كما مُنحت عدة امتيازات للمستوطنين الصهاينة مكنتهم من السيطرة على كثير من المصالح الاقتصادية الحيوية في فلسطين، وجرى تعاون واسع بين سلطات الانتداب والوكالة اليهودية. وفي ظل هذه الأوضاع، تزايد النشاط الصهيوني واتجه إلى وسيلتين: الأولى: تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين على أوسع نطاق، والثانية: تشجيع انتقال الأراضي من العرب إلى اليهود بالطرق المختلفة: كشراء الأراضي، ومنح القروض لليهود، وتقديم المساعدات لتشييد المستعمرات. ومن ناحية أخرى، شجعت سلطات الانتداب تأسيس المنظمات العسكرية الصهيونية، مثل: الهاجاناه Haganah، إتسل Etsel، وليحي Lehi. وشاركت هذه السلطات في تدريب أفرادها وتطوير وسائلها، وتسترت على نشاطها الإرهابي ضد السكان العرب [المسلمين]» (1).

(1) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (6/ الانتداب) بتصرف يسير.

ص: 353