الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصح الرجوع عنها بعد تصرف المتهب في الموهوب، ولم تكن فدك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصرف فاطمة رضي الله عنها، بل كانت في يده صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها تصرف المالك، فلم يكذبها أبو بكر في دعوى الهبة، ولكن يبين لها أن الهبة لا تكون سببًا للملك ما لم يتحقق القبض، فلا حاجة حينئذ إلى الشهود» اهـ.
أيضًا، فإن في هذا اتهامًا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفرِّق بين أولاده صلى الله عليه وسلم، وكيف يكون ذلك وقد جاء البشير بن سعد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«يا رسول الله، أشهد الله أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي، فقال: أَكُلّ بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟ فقال: لا، قال صلى الله عليه وسلم: فأشهد على هذا غيري، ثم قال: أيسُرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا، إذًا» . وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: «فلا تُشهِدني إذًا، فإني لا أشهَد على جور» (1).
ويذكر الرافضة أن فاطمة عليها السلام لما مُنِعَت فدك غضبت وذهبت إلى قبر أبيها تشتكي إليه، وهذا كذب، بل ولا يليق بفاطمة رضي الله عنها، فإن الله تعالى يقول عن العبد الصالح النبي الكريم يعقوب عليه السلام:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2)، فكيف يليق بفاطمة رضي الله عنها أن تشكو بثها وحزنها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته، بل نحن نجلُّ فاطمة عليها السلام ونقول: هي لا تشكو بثها وحزنها إلا إلى الله تبارك وتعالى.
…
الشبهة الثالثة: آية المودة:
قال تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (3). يقول محمد مرعي الأنطاكي (ت. 1383هـ)(4): «فقد اتفق المفسرون من الشيعة جميعًا على نزول هذه الآية الكريمة خاصة في أهل البيت عليهم السلام: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام،
(1) رواه مسلم، كتاب الهبات: 1623
(2)
يوسف: 86
(3)
الشورى: 23
(4)
محمد مرعي الأنطاكي: لماذا اخترت مذهب الشيعة، الفصل الثاني (الشيعة والكتاب والسنة)، آية المودة.
وهكذا جاء في تفاسير السنة والجماعة، وصحاحهم ومسانيدهم»، ثم ذكر الحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سُئِل عن قوله تعالى:{إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فقال سعيد بن جبير: «قُربى آل محمد صلى الله عليه وسلم» (1)، وبتر الحديث هنا ولم يكمله!
وجواب هذا: أن بقية رواية البخاري تذكر أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لسعيد بن الجبير: «عَجِلت! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» (2). قال ابن حجر (3): «قال ابن عباس: عَجِلت، أي أسرعت في التفسير. وهذا الذي جزم به سعيد بن جبير قد جاء عنه من روايته عن ابن عباس مرفوعًا، فأخرج الطبري وابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟
…
الحديث، وإسناده ضعيف، وهو ساقط لمخالفته هذا الحديث الصحيح، والمعنى: إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش خاصة، والقربى قرابة العصوبة والرحم، فكأنه قال احفظوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة
…
والحاصل أن سعيد بن جبير ومن وافقه كعلي بن الحسين والسدي وعمرو بن شعيب فيما أخرجه الطبري عنهم حملوا الآية على أمر المخاطبين بأن يواددوا أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عباس حملها على أن يواددوا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل القرابة التي بينهم وبينه
…
ويؤيد ذلك أن السورة مكية
…
ويحتمل أن يكون هذا عامًّا خص بما دلت عليه آية الباب، والمعنى أن قريشًا كانت تصل أرحامها، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال: صلوني كما تصلون غيري من أقاربكم» اهـ.
وقال ابن تيمية (4): «جميع ما في القرآن من التوصية بحقوق ذوي قربى النبي صلى الله عليه وسلم وذوي قربى الإنسان، إنما قيل فيها (ذوي القربى)(5)، ولم يقل (في القربى)، فلما ذكر هنا
(1) البخاري، كتاب تفسير القرآن: 4818
(2)
السابق.
(3)
ابن حجر: فتح الباري (8/ 464 - 5) باختصار.
(4)
ابن تيمية: منهاج السنة (7/ 101).
(5)
مثال ذلك قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (الأنفال: 41).