المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌{مقدمة المؤلف} إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌ ‌{مقدمة المؤلف} إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من

{مقدمة المؤلف}

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَاّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (1)

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (2)

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3)

أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وبعد ..

«فقد بعث الله سبحانه وتعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل، وقد "مقت أهل الأرض، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب"(4)

ماتوا - أو أكثرهم - قبيل مبعثه.

(1) آل عمران: 102

(2)

النساء: 1

(3)

الأحزاب: 70 - 71

(4)

الحديث رواه مسلم (204 - 261هـ)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: 2865، من حديث العِياض بن حِمار المُجاشِعي رضي الله عنه. وقال النووي رحمه الله (631 - 676هـ) في شرحه:«والمراد ببقايا أهل الكتاب الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل» [شرح النووي على صحيح مسلم (17/ 198)]. وللمهندس فاضل سليمان رسالة ماچيستير كبيرة النفع، يكشف فيها زيف ادعاء المؤرخين الذين روجوا لهذه البقايا من أهل الكتاب على أنهم (هراطقة آريوسيين)، وهم في حقيقة الأمر طائفة من النصارى الموحدين، يُنسبون لآريوس Arius كاهن كنيسة بوكلى بالإسكندرية (256 - 336م). وفي بحثه القيم ينقل عن الباحث اللاهوتي الإنجليزي موريس وايلز (1929 - 2005م) قوله العجيب:«عزل الآريوسيين للعيش في مجتمعات منفصلة ومهمشة، ويكشف (الكاتب) عن خصائص عقلية هؤلاء المرحَّلين للعيش في جيتو Ghetto ويواسون أنفسهم على سوء حظهم الاجتماعي بالنظر إلى أنفسهم على أنهم بقايا المؤمنين في عالم مادي» [انظر، فاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد صلى الله عليه وسلم، ص (93)، نقلًا عن: الهرطقات المتعلقة بالنماذج الأصلية (أو التوراتية)، الآريوسية عبر العصور، لموريس وايلز، ص (40). Maurice Wiles: Archetypal Heresy، Arianism Through the Centuries]، و (الكاتب) الذي يقصده وايلز هو أحد الآريوسيين الذين عاشوا في مطلع القرن الخامس الميلادي، وكتابه هو شرح لإنجيل متَّى يعرف باسم Opus Imperfectum [انظر: وايلز، ص (38)] .. وقد قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله (239 - 321هـ) في عرض حديثه عن الآريوسيين:«وجاز بذلك أن تكون هذه الفرقة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عياض بن حمار» اهـ[الطحاوي: شرح مشكل الآثار (5/ 232)].

ص: 9

والناس إذ ذاك أحد رجلين: إما كتابي معتصم بكتاب: إما مبدَّل، وإما مبدَّل منسوخ، ودين دارس (1)، بعضه مجهول، وبعضه متروك .. وإما أمِّي من عربي وعجمي، مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن، أو قبر، أو تمثال، أو غير ذلك.

والناس في جاهلية جهلاء، من مقالات يظنونها علمًا وهي جهل، وأعمال يحسبونها صلاحًا وهي فساد، وغاية البارع منهم علمًا وعملًا أن يُحَصِّل قليلًا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع، وأكثره مبتدَع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلًا، أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة، فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية، وإصلاح الأخلاق، حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف، إلى نزر قليل مضطرب، لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه - إن حصل - وأنَّى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله، والاضطراب وتعذر الأدلة عليه والأسباب.

فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من البينات والهدى، هداية جلت عن وصف الواصفين، وفاقت معرفة العارفين، حتى حصل لأمته المؤمنين عمومًا، ولأولي العلم منهم خصوصًا، من العلم النافع، والعمل الصالح، والأخلاق العظيمة، والسنن المستقيمة، ما لو جمعت حكمة سائر الأمم علمًا وعملًا، الخالصة من كل شوب، إلى الحكمة التي بعث بها، لتفاوتا تفاوتًا يمنع معرفة قدر النسبة بينهما، فلله الحمد كما يحب ربنا ويرضى» (2).

(1) أي مندثر.

(2)

من كلام شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله (661 - 728هـ)، انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، ص (8 - 9).

ص: 10

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (1).

وقال عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُوا مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2).

وقال جل جلاله مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} (3).

وبعد، فإنه لما اجتاح الإسكندر الأكبر Alexander the Great (356 - 323 ق. م) بلاد الشرق، فارس والهند ومصر، كتب له أستاذه أرسطو Aristotle (384 - 322 ق. م) ينهاه عن هذا الغزو؛ لأن من شأنه القضاء على تميز الجنس اليوناني حين يحتك اليونانيون بالشرقيين. ولكن جاءه رد الإسكندر قائلًا إنه يغزو الشرق «لأجل أن يجعل الثقافة والفكر اليونانيين هما فكر العالم وثقافته» اهـ.

فحينما تدبرت هذه الرواية، لاحت في خاطري حقائق ومسائل ..

الأولى: هي أنه عند التأمل في سنن الله تعالى في خلقه، تجد ميلًا إنسانيًا غير محدود إلى ما اصطُلِح على تسميته بالعولمة Globalization وتوسيع النفوذ وبسط السلطان، وتجد أحلامًا فطرية بالحركة في عالم واحد بعيد عن الحدود والقيود، حالت الحقائق الجغرافية وتباين الثقافات والمصالح دون تحقيقها، مصداقًا لقول الله تعالى:{وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم} (4)، وذلك من إرادته الكونية القدرية:{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (5).

والثانية: هي أن الشارع الحكيم جل جلاله بحكمته وإرادته الدينية الشرعية حضنا على الوحدة وعدم الاختلاف، فقال عز وجل:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (6)، بل جعل الاختلاف من صفات غير المرحومين، وذلك في قوله تعالى:

(1) آل عمران: 164

(2)

المائدة: 19

(3)

هود: 112 - 113

(4)

المائدة: 48

(5)

الأنبياء: 23

(6)

آل عمران: 103

ص: 11

{وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (1)، وأوجب علينا كأفراد اتِّباع الشرع والإيمان بالقدر، وليس ترك الشرع والاحتجاج بالقدر.

وعند استحضار هذين الأمرين تتبين لك حكمة الخالق تبارك وتعالى من وضعه هذه الغريزة في الإنسان، ثم ترشيدها بتوظيفها في غاية عليا وهي وظيفة (التبليغ عن الله)، والتي منها كانت بعثة الرسل والرسالات. حتى تُوِّجَت هذه الوظيفة في رسالة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، وأُخْرِجَت من الخصوص إلى العموم بقول الله جل وعلا:{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} (2)، وبقوله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (3)، وأُطِّرَت هذه الوظيفة بإطار الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، بل جُعِلَ هذا الإطار هو الحد الشرعي للاتفاق والاختلاف بين البشر.

أما الثالثة: فهي أن الحق واحد لا يتجزأ، والباطل ظلمات بعضها فوق بعض:{هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (4).

والرابعة: أن الله تبارك وتعالى قضى بانقسام البشر إلى فريقين: مؤمن وكافر: {وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} (5)، وقد جعل الأرض دارًا يتقاسمها ويتعايش فيها الفريقان، وجعل الأيام بينهما دولًا، حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ويُسكِن كلاهما داره الأبدية:{فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (6)، جزاء بما قدمت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد؛ فلقد هدى الله تعالى الإنسان السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا، وأخبر بأنه:{مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (7).

(1) هود: 118 - 119. فائدة: يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله (1347 - 1421هـ): «أما حديث: اختلاف أمتي رحمة، فهو حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى يقول: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَاّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [هود: 118 - 119]، فجعل الله عز وجل الاختلاف من صفة غير المرحومين، فالأمة لا يمكن أن تختلف، بل رحمة بها ألا تختلف، لا أقول: لا تختلف أقوالها، فإن الأقوال قد تختلف، لكن لا تختلف قلوبها» اهـ. [ابن عثيمين: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع، ص (38)].

(2)

آل عمران: 110

(3)

الأعراف: 158

(4)

الرعد: 16

(5)

الأنعام: 35

(6)

الشورى: 7

(7)

الليل: 5 - 10

ص: 12

والخامسة: أن الخطوط العريضة التي قام عليها الصراع الأزلي تأسست على قول المولى عز وجل: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (1).

وعند استحضار مشهد الصراع القديم وتبعاته بين القوى العظمى الثلاثة: (الرومية/النصرانية)، و (الفارسية/المجوسية)، و (العربية/الإسلامية)، تجد مصداق هذه الحقائق مجتمعة؛ حتى وإن ضاقت هذه الدوائر الثلاثة الكبرى تجد نفس الحقائق تتجلى في دوائر (طائفية) داخلية صغرى .. فدل ذلك على أن السلوك الإنساني العولمي الفطري يدفعه محرك ثقافي هُوِيَّاتي في المقام الأول، وكما يذكر العلامة أبو فهر رحمه الله (1327 - 1418هـ/1909 - 1997م)، فإن «رأس كل ثقافة هو الدين بمعناه العام» (2)، والإنسان هو أحد رجلين: إما داع أو مدعو، ولذلك تجد أن الثقافة المفروضة هي ثقافة الغالب عادة.

وحتى لما تمرد الإنسان الغربي وتحرر من السلطة الدينية المهيمنة عليه، المناقضة لصريح فطرة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، وفصل دينه عن دنياه، وظل ماضيًا في طريقه سعيًا لتحقيق طموحاته التوسعية، وصارت له القوة والغلبة، طغى شرقًا وغربًا بفكره المتحرر من قيود الأخلاق والدين، داعيًا إلى ثقافة (السلام الإنساني) المشبوهة، بمصطلحاتها المائعة كالتقريب والتعايش والحوار وما شابه، وخارت له قوى كثيرة ودارت في فلكه على غير هدى، ولكنه في ظل دعوته تلك لم يتمكن من التخلص من شبح الصراع القديم الذي لا يزال يتسكع في لاشعوره، فلم ينفك الصراع عن صورته الأولى، ولكنه تنكر في ديباجة بيضاء، تحمل في طياتها صفحات دموية سوداء.

والحديث ذو شجون، والمسألة أراها مركَّبة يشوبها بعض المتناقضات!؛ ففي الوقت الذي تجد فيه أصواتًا (غير مسلمة) تحذر من خطر الإعصار العولمي العَلْماني النفعي الكاسح، وتنادي بضرورة التمسك بالجذور الثقافية الدينية، تجد هذه الأصوات تجتمع مع ضدها لاقتلاع جذور الصحوة الإسلامية الصاعدة. ولكن سرعان ما ينجلي هذا التناقض حينما نراجع الحقائق السالفة، ونستوعب معنى (الأمم) في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكَلَةُ إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن

(1) البروج: 8

(2)

أبو فهر محمود شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص (31).

ص: 13

يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن. فقال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت» (1)، فالإنسان جبل على حب السيادة، والكفر ملة واحدة.

والذي أثار شجوني هو ما أشاهده من غفلة وانجراف إسلامي غير واع مع إعصار العولمة الكاسح. وحقيقة، فإن ما استثارني لنزول هذه الساحة وتسطير هذه الكلمات هو موقف التقى في ذهني مع اثنان أخر:

والأول: كان في الثاني من إپريل عام 2005م، حينما هلك الپولندي كارول چوزيف فويتيالا Karol Jozef Wojtyla (1920 - 2005 م)، الملقب بيوحنا پولس الثاني بابا الفاتيكان Pope John Paul II. فما زلت أذكر ما أبداه بعض دعاة المسلمين من بالغ مشاعر الحزن والأسى على داعية السلام الفريد، والدعاء له بالمغفرة والرحمة وقبول صالح الأعمال! بل وما عبرت به بعض الصحف عن موقف الدعاة بأنه «انعكاس للصورة الحقيقية لإسلامنا العظيم» .

فالتقى هذا الأمر في ذهني بآخر: وهو ما صار يروج إليه البعض من قول بأن عداءنا ليس مع اليهود، إنما هو فقط مع الصهاينة منهم؛ وهذا القول على إطلاقه غير مقبول، فقد نتفق معه من جانب ونعارضه من جانب آخر، وَندَع التفصيل إلى موضعه. ولكن الأدهى أنك تجد من بين المسلمين من يتجاوز هذه الدعوة ويرى تطبيع العلاقات مع الدولة الصهيونية اللقيطة ومسايرة الواقع وكأن شيئًا لم يحدث، وكأن الحل (الإسراطيني) لقيام دولتين أو العودة إلى (حدود 67) هو النصر المبين.

ونهاية الملتقى: كان مع ما تواتر على لسان بعض دعاة أهل السنة، خاصة بعد أحداث (الوعد الصادق)! (12/ 7 - 15/ 8/2006م) بين حزب (اللات) الرافضي والكيان الصهيوني، من قول:«أمازلنا نقول سنة وشيعة؟!» .

علمًا بأنه ليس مقام تعيين أحد بجرح أو تعديل، فهذا لا يكون لأمثالي، وقد قال

(1) رواه أبو داود (202 - 275هـ)، كتاب الملاحم: 4297، وصححه الألباني.

ص: 14

الإمام الذهبي رحمه الله (673 - 748هـ)(1): «الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع» اهـ.

وأنا لست هذا أو ذاك، أسأل الله الستر والمغفرة، وعفا الله عن الجميع.

ولكن، ولكي نحصر المسألة، فإن ما أثار حفيظتي هو أنه في ظل هذا الانجراف الإسلامي مع الإعصار العولمي العَلْماني الذي ضرب بشدته ديار أهل السنة - إلا ما رحم الله - تجد أنه لم يغفل عن هذا الخطر قطبا الصراع القديم؛ أعني الكيان الفاتيكاني القديم المتصدِّع، وأئمة الرفض أصحاب العمائم السوداء ..

فالفاتيكان الذي بدأ يستشعر انسحاب بساط السيادة من تحت قدميه، وانفلات شعبه الذي لم يعد يخشى منه حَجْبًا أو حرمانًا، وجد نفسه في مطلع النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم أمام ثلاثة مواقف ليختار منها، وهي كما عددها البابا پولس السادس Pope Paul VI (1897 - 1978 م) وقتها:

1 -

موقف (الجيتو) الهارب إلى عالمه الخاص، والمنكفئ على ذاته.

2 -

موقف التحريم، والاقتراب من العالم فقط بهدف إدانته.

3 -

موقف الحوار (2).

ولا ريب أن المصلحة اقتضت ترجيح الثالث. ولكن هذا (الانقلاب الكوپرنيكي) - كما تصفه الكتابات الكاثوليكية - (3)

لم يكن من باب التسليم بالأمر الواقع حيادًا عن الرسالة

(1) شمس الدين الذهبي: ميزان الاعتدال (5/ 60).

(2)

انظر، ألكسي چورافسكي Alexei Jouravski: الإسلام والمسيحية، من التنافس والتصادم إلى آفاق الحوار والتفاهم، ص (140).

(3)

نسبة إلى عالم الفلك والرياضيات الپروسي ميكواي كوپرنيك Mikolaj Kopernik (1473 - 1543 م)، صاحب نظرية (مركزية الشمس)، والتي نقض بها نظرية (مركزية الأرض) الكنسية التي تجعل الأرض مركز الكون والأجرام السماوية كافة تدور حولها. وكوپرنيكوس بنظريته تلك قد أحدث انقلابًا تاريخيًا زعزع سلطة الكنيسة التي كانت هي المصدر الوحيد للمعرفة. ولم ينج كوپرنيكوس من قبضة محاكم التفتيش إلا لأن المنية قد أدركته بعد طبع كتابه (عن دوران الأجرام السماوية De revolutionibus orbium coelestium) بقليل، والذي منعت الكنيسة تداوله وقالت أن ما فيه هو «وساوس شيطانية مغايرة لروح الإنجيل» . ولذلك أشير إلى استخدامي لمصطلح (العَلْمانية) هكذا (بفتح العين وسكون اللام) نسبة إلى العَلْم، بمعنى العالَم، أي الخلق كله، لا (بكسر العين) نسبة إلى العِلْم التجريبي الذي انتصر على الكنيسة بعد صراع مرير سالت فيه الدماء وأزهقت فيه الأرواح، لأن الكنيسة كانت بالمرصاد لكل رأي علمي يعارض التفسير الديني للكتاب المقدس. وذلك لأن الإسلام في حل من هذا كله؛ فكما يقول جوستاف لوبون (1841 - 1931م):«والإسلام (من) أكثر الديانات ملاءمة لاكتشافات العلم، و (من) أعظمها تهذيبًا للنفوس وحملًا على العدل والإحسان والتسامح» [جوستاف لوبون: حضارة العرب، ص (126). Gustave Le Bon: La Civilisation des Arabes] .. فالترويج لمصطلح (العِلْمانية) بالكسر ينطوي على قدر كبير من الخطأ والتلبيس: وذلك لأن الكلمة في جذورها الأوروپية لا علاقة لها بالعلم؛ فـ (العَلْمانية) تعرف في اللغة الإنجليزية بـ (Secularism)، وكما جاء في دائرة المعارف البريطانية:«Secular: Non Spiritual، having no concern with religious or spiritual matters» ، أي:«غير روحي، غير متعلق بالأمور الدينية والروحية» [Encyclopadia Britannica: vol. 23، p(572)]. ولو كان المصطلح المراد به النسبة إلى (العِلْم Science) لكان يعرف في اللغة الإنجليزية بـ (Scientism). وعلى هذا كله، وكما يذكر الدكتور صلاح الصاوي:«فإن المعنى الصحيح لهذا التعبير هو الفصل بين الدين والدولة، بل بتعبير أدق الفصل بين الدين والحياة، وعدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، ونزع القداسة عن المقررات الدينية والتعامل معها كمواريث بشرية بحتة، وقصر الدين على جانب الشعائر التعبدية الفردية البحتة باعتباره علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه» اهـ[د. صلاح الصاوي: أصول الإيمان، ص (191)].

ص: 15

(الشاءولية/الپولسية) التبشيرية، إنما لجوءًا للحيلة (الطروادية) الأسطورية القديمة (1)، فكان الأمر كما وصفه اللاهوتي الفرنسي الأرثوذكسي أوليفييه كليمون Olivier Clément (1921 - 2009 م) بقوله:«إن هذا الحوار عبارة عن عملية تغليف مذهَّبة عصرية لحبة قديمة كانوا يفرضونها قهرًا على الشعوب فيما مضى» اهـ (2).

ولحق بركب الكاثوليك باقي الطوائف النصرانية متمثلة في (مجلس الكنائس العالمي

(1) أسطورة حصان طروادة: هي جزء من أساطير حرب طروادة. تقول الأسطورة إن الجنود الإغريق حاصروا مدينة طروادة Troy لمدة عشر سنين، ولما تعذر عليهم فتحها ابتدعوا حصانًا خشبيًا ضخمًا أجوف ملئوه بالمحاربين، ثم تظاهر سائر الجيش بالانسحاب تاركين الحصان الذي فهم الطرواديون أنه عرض سلام، خاصة بعد أن أقنعهم جاسوس إغريقي بأنه هدية، فقاموا بجره إلى داخل المدينة رغم تحذير لاكون Laocoon وكاساندرا Cassandra، وشرعوا يحتفلون بانتهاء الحصار، ولما خرج الجنود من الحصان، وجدوا السكان في حالة السكر، ففتحوا بوابات المدينة ليدخل باقي جيشهم، فنهبت المدينة، وقتل رجالها بلا رحمة، واستعبد النساء والأطفال.

(2)

انظر، د. زينب عبد العزيز: تنصير العالم، مناقشة لخطاب البابا يوحنا پولس الثاني، ص (97).

ص: 16

World Council of Churches WCC)، وفي المسألة تفصيل سيأتي .. ولكن ما يحزن له القلب أنه، وكما قال الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله (1365 - 1429هـ) (1):«ما كادت شعارات هذه النظرية تلوح في الأفق، وتصل إلى الأسماع، إلا وقد تسربت إلى ديار الإسلام، فطاشت بها أحلام، وعملت من أجلها أقلام، وفاهت بتأييدها أفمام، وانطلقت بالدعوة إليها ألسن من بعد أخرى، وعلت الدعوة لها سدة المؤتمرات الدولية، وردهات النوادي الرسمية والأهلية ..» ، وإلى الله المشتكى.

أما أئمة دولة الرافضة الاثني عشرية، الإسلامية اسمًا، (المجوسية-اليهودية) ضمنًا؛ فطموحاتهم التوسعية في المنطقة طمعًا في إعادة المجد الفارسي القديم، قد عاقها انبعاث الصحوة الإسلامية السنِّية من جهة، والتهديد (الرومي) الإمپريالي (2) الأمريكي من جهة أخرى، الأمر الذي ألجأهم إلى تمرير حصان طروادي آخر إلى الشعوب العربية السنِّية الغافلة، لاعبين على وتر الوحدة الإسلامية في مواجهة الخطر الصليبي المتصهين. وهي دعوة ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قِبَلِهِ العذاب؛ ذلك لأن القوم ما دعوا إليها إلا من أجل تحقيق مصلحة وقتية، وهي نيل تأييد وتعاطف الرأي (العامِّي) الذي يظن في دولتهم أنها حصن الإسلام المنيع المتصدي لهذا الخطر (3)، وأن حسن نصر الذي بات يهدد ليل نهار بضرب إسرائيل هو «رجل في زمن الأنوثة» ، وأنه تأويل قول الله تعالى:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ} (4) وقوله عز وجل: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} !!! (5).

(1) د. بكر أبو زيد: الإبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان، ص (29).

(2)

الإمپريالية Imperialism: أي الاستعمار (أو الاستخراب على الصحيح!)، وهي تعني في المصطلح السياسي توسيع السيطرة أو السلطة على الوجود الخارجي بما يعني اكتساب وصيانة الإمپراطوريات.

(3)

قال حسين شريعتمداري - أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي ورئيس تحرير صحيفة (كيهان)، وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران - في افتتاح له في مطلع أغسطس 2006م (أي بعد حرب لبنان الأخيرة) تحت عنوان (هذه حربنا):«إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء ولا من أجل مزارع شبعا أو حتى القضايا العربية أيًا كانت في أي وقت، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي» اهـ. [انظر، عبد المنعم شفيق: حقيقة المقاومة، حزب الله رؤية مغايرة، مقدمة ط. الثالثة].

(4)

الروم: 4 - 5

(5)

النصر: 1 .. ويرُد ادعاء حسن نصر ما قاله المجرم أرييل شارون Ariel Sharon (1928 - 2014 م) في مذكراته، قال:«لم أر يومًا في الشيعة أعداء إسرائيل في المدى البعيد، ولا حتى في الدروز» [مذكرات أرييل شارون، ص (584)]، وقال في أحداث حرب لبنان 1981م:«سنحرص حتى لا تطال هذه العملية الشيعة والدروز والمسيحيين» اهـ[نفسه، ص (575)].

ص: 17

وما عاد يصعب على من يتأمل ساحة الأحداث ملاحظة أن المصلحة الحقيقية تقتضي اتفاق القطب الرومي والفارسي على اقتلاع الكيان السنِّي من المنطقة، ودع عنك المناوشات والحرب الكلامية بين الطرفين، فهم إن صدقوا في بعضها فهو من باب سياسة (عض الأصابع) التي يلجئون إليها عادة في حال تغيُّر (قواعد اللعبة)! (1).

لقد تتابعت الأحصنة الخشبية في زماننا وتكاثرت؛ بين شرقية وغربية، رومية وفارسية، قومية عربية وتركية، كتابية ووثنية وإلحادية .. وكلها فُتحِت لها أبواب حصن (طروادة المسلمة)، دار السنَّة والجماعة .. وكان أخطرها فيما رأيت هما ما خصصت لهما القول. وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:«إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها فجعل ينزَعُهُن ويغْلِبْنَه فيقْتَحِمْنَ فيها فأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تَقَحَّمون فيها» (2).

ورحم الله الشيخ الندوي (1332 - 1420هـ) إذ يقول (3): «إن الشعوب الإسلامية

(1) ولعل من القرائن الدالة على ذلك إجماع ثلاثة من أشهر المحللين الأمريكيين المهتمين بقضايا الشرق الأوسط على أن تقارب واشنطن وطهران أمر وارد، في عهد إدارة (أوباما Obama) الأمريكية الجديدة [انظر، جريدة (المصري اليوم)، عدد الثلاثاء 2/ 6/2009م، ص (6)]. كذلك فإن من القرائن الدالة على النوايا الفارسية المخبأة، ذلك التهديد الإيراني بمنع شركات الطيران من استخدامها مجالها الجوي إذا استعملت مصطلح (الخليج العربي) بدلًا من (الخليج الفارسي)؛ فكما نقلت وكالة (رويترز Reuters) الإخبارية عن صحيفة (إيران) اليومية في 22 فبراير 2010م ما قاله وزير الطرق والمواصلات الإيراني حامد بهبهاني أنه «تم التنبيه على شركات الطيران في الدول الواقعة جنوب الخليج (الفارسي)، التي تطير إلى إيران باستخدام مصطلح (الخليج الفارسي) على لوحات العرض الإلكترونية بها» ، وأضاف:«وإذا لم تفعل فستمنع من دخول المجال الجوي الإيراني لمدة شهر في البداية، وإذا تكرر ذلك فستجبر طائراتها على الهبوط في إيران وستلغى تصاريح القيام برحلات إلى إيران» .

(2)

رواه البخاري (194 - 256هـ)، كتاب الرقاق: 6118

(3)

أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص (252).

ص: 18

والبلاد العربية - مع الأسف - ضعيفة الوعي، إذا تحرجنا أن نقول: فاقدة الوعي، فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملهما معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة (1) ولا تعتبر بالحوادث والتجارب، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة، وهي ضعيفة في الوعي الديني والوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي، وذلك ما جر عليها ويلًا عظيمًا وشقاءً كبيرًا وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة» اهـ.

إذن، فمحاولة لإعادة تقويم وعي الأمة وتجاوز هذا الجحر اللادغ! سطَّرت هذه الكلمات، عملًا بقول ربنا جل جلاله:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (2). ورضي الله عن حذيفة إذ يقول: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني» (3)، وعن عمر إذ يقول:«إنما تُنقَض عُرَى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لم يعرف الجاهلية» ؛ قال ابن القيم رحمه الله (691 - 751هـ)(4): «وهذا لأنه إذا لم يعرف الجاهلية والشرك وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره، ودعا إليه وصوَّبه وحسَّنه. وهو لا يعرف أنه هو الذي كان عليه أهل الجاهلية أو نظيره، أو شر منه أو دونه، فينقض بذلك عرى الإسلام عن قلبه ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويُكَفَّر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويُبَدَّع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حيٌّ يرى ذلك عيانًا، والله المستعان» اهـ.

(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُلْدَغ المؤمن من جحر واحد مرتين» [رواه البخاري، كتاب الأدب: 5782].

(2)

الأنعام: 55

(3)

رواه البخاري، كتاب المناقب: 3606

(4)

ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين (1/ 344). يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله (1906 - 1966م): «الجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة ولكنها طابع روحي وعقلي معين، طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية لحياة البشرية كما أرادها الله» اهـ. [قاله في تقديمه لكتاب أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين].

ص: 19

والإشكال الذي نواجهه هنا هو أنه، وكما يصف الأستاذ عبد المنعم شفيق (1):«بين مُسلَّمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول» . إلا أنه يحضرني قول أختم به للدكتور حسن ظاظا رحمه الله (1919 - 1999م)، أستاذ العبرية بجامعة الإسكندرية، حيث قال (2):«قد يستطيع الإنسان تزييف الحقائق، وقد يسهل عليه أن يكذب حتى يصدِّق هو نفسه كل أكاذيبه، وينسى أنه مخترعها الأصلي. ولكن رغم هذا يبقى دائمًا شيء واحد: الكلمة المكتوبة منذ آلاف السنين، والآثار التي تحدد بالضبط عمر الأشياء وعمقها، ومخطوطات التاريخ التي تظل دائمًا هي المرجع وكلمة الصدق الوحيدة التي لا تميل مع أهواء البشر، وحتى إذا حدث ومالت، فبين سطورها تستطيع الحقيقة دائمًا أن تجد لها مكانًا» اهـ.

وقد سميت الرسالة: (حصان طروادة: الغارة الفكرية على الديار السُّنِّية).

وقسمتها إلى مقدمة وبابين وخاتمة:

الباب الأول: وقد عنونته بـ (حصان رومي)، ويتكون من ثلاثة فصول:

- الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار: ونوضح فيه معنى الحوار لغة واصطلاحًا، ومتى كانت بِداءةُ تداوله كمصطلح سياسي أيديولوچي (3)، ثم نميِّز مستويات هذا الحوار وننقب عن البواعث الخفية للحوار العالمي المسيَّس للتقريب بين الإسلام والنصرانية من خلال طرح ما يسمى بـ (إشكالية الحوار والبشارة)، ثم نبين ضوابط الحوار الشرعي المحمود بين المسلمين وغيرهم. ونقيس على ذلك مساعي التقريب بين أهل السنة والجماعة والشيعة الإمامية، وقد رأيت دمجهما في فصل واحد لاتصال قواعد المسألتين نسبيًا.

(1) عبد المنعم شفيق: حزب الله رؤية مغايرة، ص (13).

(2)

نقله ظفر الإسلام خان في كتابه: التلمود، تاريخه وتعاليمه، ص (92)، عن حديث للدكتور حسن ظاظا نشرته جريدة (أخبار اليوم) في عدد 18/ 7/1970م، بعنوان: لغة العدو ماذا تقول؟

(3)

أيديولوچيا Ideology: مصطلح لاتيني معناه (علم الأفكار)، أي العلم الذي يهتم بدراسة الأفكار والآراء والتصورات من حيث أصولها ونشأتها وخصائصها وأشكالها وقوانينها وعلاقاتها بالعلامات والألفاظ الدالة عليها. وقد استعمله لأول مرة الفيلسوف الفرنسي ديستوت دي تراسي Destutt de Tracy (1754 - 1836 م) عام 1796م.

ص: 20

- الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر: ننتقل فيه إلى مناقشة واقع الرؤية الغربية للعالم الإسلامي والمسلمين، والجذور الفكرية العميقة الداعمة لهذه الرؤية، والتي أثمرت عن حروب صليبية متصلة قديمًا وحديثًا على عدة مستويات.

- الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة: وفيه نستكمل ما ناقشناه في الفصل الثاني ولكن من زاوية أخرى، وذلك ببيان واقع العلاقة بين اليهود والنصارى على مر التاريخ، والتي طُمِسَ عن عمد - غالبًا - الكثير من معالمها وغُلِّب عليها الرؤية الصهيونية المحصورة في دائرة (المؤامرة اليهودية العالمية) من جهة، و (معاداة السامية) من جهة أخرى. ثم نقدم عرضًا تاريخيًا تحليليًا أكثر عمقًا لهذه البدعة الصهيونية، وكيف أنها في حقيقتها امتداد للحرب الصليبية القديمة، ونبين كيف اجتمع القوم على كلمة سواء للقضاء على أمة الإسلام، عملًا بقاعدة:«أن نجتمع فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه» !

أما الباب الثاني: وقد عنونته بـ (حصان فارسي): ننتهج فيه نهجًا مغايرًا لما اتخذناه في الباب الأول، يقوم على دراسة (تاريخية-عقائدية) لفرقة الشيعة الرافضة الاثني عشرية؛ فقد رأيت أن رصد الجانب العقدي وإبراز بعض المسائل التاريخية التي شابها التحريف قد يكون كافيًا لوضع التصور العام لما ينبغي أن يكون عليه الحوار والتعايش، بعيدًا عن الدخول في متاهات ودهاليز سياسية مختصر النصيحة فيها قول القائل:«الأحضان الإيرانية ليست دائمًا دافئة!» .

وقد قسمت الباب إلى ثلاثة فصول:

- الفصل الأول: تشيُّع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية: وفيه نلقي نظرة تاريخية عامة على تاريخ التشيع ومراحل تطوره والمحطات التي أخرجته من دائرة السياسة إلى الانحراف العقدي إلى أن ظهرت فرقة الرافضة الاثني عشرية، ذلك مع بيان حال الشيعة الأوائل وتسليط الضوء على بعض الوقائع التاريخية التي وقع فيها التشويه المتعمد لسيرة السادة صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم، مع إدراج تأصيل علمي لمعنى الصحبة لغة واصطلاحًا وبيان حكم الإسلام فيمن تناول الصحابة رضي الله عنهم بسوء.

- الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس: ونراجع فيه بعض الأصول

ص: 21

والاعتقادات التي تفردت بها الشيعة الإمامية نقلًا عن كتبهم المعتمدة رأسًا، وبيان مخالفتها لصريح الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، وفيه رد على من اختزل دينهم وجعله مذهبًا فقهيًا خامسًا يجوز للعامِّي المُتَّبِع التعبد به، ثم بيان العلاقة الحميمة بين صحابة الرسول وآل بيته الأطهار رضي الله عنهم من كتب الإمامية كذلك، ثم بيان موقف علماء الإسلام المتقدمين والمتأخرين من هذه الفرقة ومعتقداتها.

- الفصل الثالث: شبهات وردودها: ونتناول فيه بعض أهم الشبهات التي يروج لها القوم إجمالًا فيما يتعلق بإمامة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيما يتناول الطعن في عدالة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

ثم الخاتمة.

وأنا أُشهِد الله تعالى وأعلم من نفسي أنني لست أهلًا لهذا المقام، ولكن لعل دافعي كان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رُب مُبَلَّغ أوعى من سامع» (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (2).

يقول الشيخ العثيمين رحمه الله (3): «إذا كان الإنسان على بصيرة فيما يدعو إليه، فلا فرق بين أن يكون عالمًا كبيرًا يُشار إليه، أو طالب علم مُجِد في طلبه، أو عامِّيًا لكنه عَلِم المسألة علمًا يقينيًا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "بلِّغوا عني ولو آية" (4)، ولا يشترط في الداعية أن يبلغ مبلغًا كبيرًا في العلم، لكن يشترط أن يكون عالمًا بما يدعو إليه» اهـ.

فخذ بعلمي وإن قصَّرتُ في عملي

ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

ولا يفوتني بعد حمد الله تعالى جل ثناؤه، حمدًا كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه - لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك - لا يفوتني أن أتقدم بشكر واجب لكل من أعان على نشر هذه الرسالة وأسهم فيها بالرأي والنصح، فقد علَّمنا

(1) رواه الترمذي (209 - 279هـ)، كتاب العلم: 2657، وصححه الألباني.

(2)

رواه الترمذي، كتاب العلم: 2656، وصححه الألباني.

(3)

ابن عثيمين: تعاون الدعاة وأثره في المجتمع، ص (32).

(4)

رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: 3461

ص: 22

رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه «لا يشكُرُ اللهَ من لا يشكُرُ الناس» (1)، وأخص بالذكر: الفقيد الحبيب الدكتور محمد يسري سلامة (1974 - 2013م)، الذي كان له الأثر القوي في إخراج هذا البحث على هذا الحال، لاسيما الباب الأول منه، والذي أفادني فيه بنصائحه الثاقبة ودعمه الكبير، ووصفه بالبحث الممتاز، رحمه الله تعالى وغفر له.

وللجميع أقول: إن لسان حالي يعجز عن شكركم، ولكن عزائي أن «من صُنِعَ إليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء» (2).

فجزاكم الله خيرًا ..

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله

والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله الأطهار، وصحبه الأخيار، وسلم تسليمًا كثيرًا

وكتبه

عمرو كامل عمر

غفر الله له ولوالديه وللمسلمين

وكانت بداءته في القاهرة، عصر يوم الخميس

24 من شهر الله المحرم 1427هـ

الموافق 23 فبراير/شباط 2006م

وكان الفراغ منه في الإسكندرية، عصر يوم النَحْر

الثلاثاء 10 من ذي الحجة 1431هـ

الموافق 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2010م

[email protected]

(1) رواه أبو داود، كتاب الأدب: 4811، وصححه الألباني.

(2)

رواه الترمذي، كتاب البر والصلة: 2035، وصححه الألباني.

ص: 23