الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسباب فشل حركة التوابين:
يحصرها الدكتور علي الصلابي في عدة نقاط، نذكر منها (1):
- قلة عددهم إذا قورنوا بجيش الشام، فكان عدد التوابين أربعة آلاف مقاتل، بينما كان جيش خصومهم الذين اشتبكوا معهم عشرين ألفًا، عدا من كان ينتظر مع عبيد الله بن زياد على سبيل الاحتياط.
- ضعف التوابين من الناحية العسكرية، فلا نستطيع أن نقارن أي واحد من قادة التوابين بقدرة ابن زياد من حيث الخبرة والقدرة العسكرية.
- تخاذل بعض التوابين عن الاشتراك، فعندما أحصى ابن صرد من بايعوا وجدهم ستة عشر ألفًا عدا أهل المدائن والبصرة الذين لم يتم تنسيقهم مع الآخرين، مع أن المشتركين في القتال هم أربعة آلاف.
- تثبيط المختار الثقفي الناس عن سليمان بن صرد رضي الله عنه.
في ثقيف كذاب ومبير:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (2): «وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سيكون في ثقيف كذاب ومبير" (3)، فكان الكذاب المختار بن أبي عبيد [1 - 67هـ]، وكان يتشيع للحسين، ثم أظهر الكذب والافتراء على الله. وكان فيها الحجاج بن يوسف [41 - 95هـ]، وكان في انحراف عن علي وشيعته، وكان مبيرًا» اهـ.
ولقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي على مسرح الأحداث بعد موت يزيد بن معاوية، وكان ممن وقعوا في شباك السبئية، فأظهر نفس العقائد التي تلقنها من عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر الخبيث، ولم يجد ورقة رابحة لنشر أفكاره سوى الادعاء بالمطالبة بدم الحسين رضي الله عنه وآل البيت، فتولى قيادة جيش التوابين بعد مقتل سليمان بن
(1) د. علي الصلابي: خلافة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، ص (96) باختصار.
(2)
ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، ص (349).
(3)
مسلم، كتاب فضائل الصحابة: 2545، والمبير: المهلك.
صرد رضي الله عنه، وادعى أن لديه تفويضًا بذلك من محمد بن علي بن أبي طالب الملقب بمحمد بن الحنفية، وكان على جانب من الذكاء والفطنة مراوغًا ماكرًا غير صادق في تشيعه، بل قرر أن يركب تيار التشيع ليصل إلى هدفه وهو الحكم والسلطان بأي وجه. وإليه تنسب الفرقة الكيسانية، ولقب كيسان المنسوب إليه مختلف في أصله، يقول عبد القاهر البغدادي (ت. 429هـ) (1):«وكان المختار يقال له كيسان، وقيل إنه أخذ مقالته عن مولى لعلي رضي الله عنه كان اسمه كيسان» .
ويقول النوبختي (2): «وهو [المختار] الذي طالب بدم الحسين بن علي وثأره، حتى قتل قتَلَتَه
…
وادَّعى أن محمد بن الحنفية أمره بذلك، وأنه الإمام بعد أبيه. وإنما لقِّب المختار كيسان بصاحب شرطته المكنى بأبي عمرة، وكان اسمه كيسان، وكان أشد إفراطًا في القول والفعل والقتل من المختار، وكان يقول إن محمد بن الحنفية وصي علي بن أبي طالب، وإنه الإمام، وإن المختار وصي محمد بن الحنفية وعامله» اهـ.
(1) عبد القاهر البغدادي: الفرق بين الفِرَق، ص (27).
(2)
النوبختي: فرق الشيعة، ص (33 - 4).
(3)
ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 264) بتصرف يسير.
(4)
كان قد حبسه عبيد الله بن زياد وضربه مائة جلدة لعزمه على نصرة مسلم بن عقيل، فأرسل ابن عمر رضي الله عنه إلي يزيد بن معاوية يتشفع فيه، فأرسل يزيد إلى ابن زياد فأطلقه.
ثم يعلق رحمه الله بقوله (1): «وهذا المقام للشيعة فيه غرام وأي غرام، إذ فيه الأخذ بثأر الحسين وأهله من قتلتهم والانتقام منهم، ولا شك أن قتل قتلته كان متحتمًا، والمبادرة إليه كانت مغنمًا، ولكن إنما قدَّره الله على يد المختار الكذاب الذي صار بدعواه إتيان الوحي إليه كافرًا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر "(2)، وقال تعالى في كتابه الذي هو أفضل ما يكتبه الكاتبون:{وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (3)، وقال بعض الشعراء:
ما من يد إلا يد الله فوقها
…
ولا ظالم إلا سيُبلى بظالم
وسيأتي في ترجمة المختار ما يدل على كذبه وافترائه، وادعائه نصرة أهل البيت، وهو في نفس الأمر متستر بذلك ليجمع عليه رعاعًا من الشيعة الذين بالكوفة، ليقيم لهم دولة ويصول بهم ويجول على مخالفيه صولة».
ويترجم ابن كثير للمختار الثقفي فيقول (4): هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عميرة بن عوف بن عفرة بن عميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي، أسلم أبوه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، فلهذا لم يذكره أكثر الناس في الصحابة، وإنما ذكره ابن الأثير في الغابة (5).
وقد كان عمر رضي الله عنه بعثه في جيش كثيف في قتال الفرس سنة ثلاث عشرة، فقتل يومئذ شهيدًا وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين. وكان له من الولد صفية بنت أبي عبيد، وكانت من الصالحات العابدات. وهي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان عبد الله لها مكرمًا ومحبًا وماتت في حياته. وأما أخوها المختار هذا فإنه كان أولًا ناصبيًا (6) يبغض عليًا بغضًا شديدًا، فما زالت الشيعة تبغضه حتى كان من أمر مسلم بن عقيل بن أبي طالب ما كان.
(1) ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 274).
(2)
رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير: 3062
(3)
الأنعام: 129
(4)
ابن كثير: البداية والنهاية (8/ 289 - 91) باختصار.
(5)
انظر، ابن الأثير: أسد الغابة (5/ 207).
(6)
النصب لغة: إقامة الشيء ورفعُهُ، ومنه ناصب ناصِبة الشر والحرب. والنواصب هم المتدينون ببغض علي رضي الله عنه، لأنهم نصبوا له، أي عادوه، وهذا أصل التسمية، فكل من أبغض آل البيت فهو من النواصب.
وكان يظهر المدح لابن الزبير في العلانية ويسبه في السر، ويمدح محمد بن الحنفية ويدعو إليه، وما زال حتى استحوذ على الكوفة بطريق التشيع وإظهار الأخذ بثأر الحسين، وبسبب ذلك التفَّت عليه جماعات كثيرة من الشيعة، وأخرج ابن المطيع عامل ابن الزبير منها، واستقر ملك المختار بها، ثم كتب إلى ابن الزبير يعتذر إليه ويخبره أن ابن مطيع كان مداهنًا لبني أمية، وقد خرج من الكوفة وأنا ومن بها في طاعتك، فصدقه ابن الزبير لأنه كان يدعو إليه على المنبر يوم الجمعة على رءوس الناس ويظهر طاعته. ثم شرع في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابن زياد، فقتل منهم خلقًا كثيرا، وظفر برءوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتل الحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي وخلق غير هؤلاء، وما زال حتى بعث سيف نقمته إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفًا إلى ابن زياد وكسر جيشه، واحتاز ما في معسكره، ثم بعث برأس ابن زياد ورءوس أصحابه مع البشارة إلى المختار، ففرح بذلك فرحًا شديدًا، وطابت نفس المختار بالملك، وظن أنه لم يبق له عدو ولا منازع، فلما تبين ابن الزبير خداعه ومكره وسوء مذهبه، بعث أخاه مصعبًا أميرًا على العراق، فسار إلى البصرة فجمع العساكر فما تم سرور المختار حتى سار إليه مصعب بن الزبير من البصرة في جيش هائل فقتله واحتز رأسه.
ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن، وفرح المسلمون بزوالها، وذلك لأن الرجل لم يكن في نفسه صادقًا، بل كان كاذبًا يزعم أن الوحي يأتيه على يد جبريل. قال الإمام أحمد: حدثنا ابن نمير حدثنا عيسى القارئ أبو عمير بن السدي عن رفاعة القبابي قال: دخلت على المختار فألقى لي وسادة وقال: لولا أن أخي جبريل قام عن هذه لألقيتها لك، قال: فأردت أن أضرب عنقه، قال: فذكرت حديثًا حدثنيه أخي عمر بن الحمق، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن أمن مؤمنًا على دمه فقتله فأنا من القاتل بريء» (1)، وقد قيل لابن عمر: إن المختار يزعم أن الوحي يأتيه، فقال: صدق، قال تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ} (2).
(1) رواه أحمد في مسنده (5/ 224) من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي رضي الله عنه.
(2)
الأنعام: 121