الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن هنا تجدر الإشارة إلى أمر مهم؛ وهو أن الموقف الأمريكي تجاه المسألة الإسلامية العامة والفلسطينية الخاصة لا يختلف الكثير بين الديمقراطيين الليبراليين والجمهوريين المحافظين. ولذا فإن الخلاف الداخلي الكائن بالفعل بين الاتجاهين لا يعنينا كثيرًا في هذا الباب، فإن الغاية الخارجية واحدة وإن اختلفت السياسات، والغاية - وفق المذهب المكيافيللي - تسوِّغ الوسيلة! ولقد فصَّلنا الحديث عن الموقف تجاه المسألة الإسلامية في الفصل الأول، أما فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فلنا في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2008م خير برهان ..
العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:
يقول ستيفن والت، عميد كلية كنيدي في جامعة هارفارد، وچون ميرشايمر، پروفيسور العلوم السياسية في جامعة شيكاجو، في بحثهما البالغ الأهمية (اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية) - وكان تاريخ صدوره 27 أغسطس 2007م - (1): «يمكننا أن نكون واثقين من أن المرشحين سيتكلمون بصوت واحد حول موضوع واحد؛ ففي 2008م، كما في أعوام الانتخابات السابقة، سيذهب المرشحون الجديون إلى أعلى منصب في البلاد، إلى أبعد ما يكون في التعبير عن التزامهم الشخصي العميق بدولة أجنبية واحدة - إسرائيل -، بالإضافة إلى تصميمهم على الحفاظ على الدعم الأمريكي الذي لا يلين للدولة اليهودية
…
: أعلن السيناتور چون ماكين John McCain (الجمهوري عن أريزونا Arizona) أنه "عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن إسرائيل، لا يمكننا ببساطة المساومة"
…
وتحدثت السيناتور هيلاري كلينتون Hillary Clinton (الديمقراطية عن نيويورك) في نيويورك أمام المجلس المحلي لـ (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية، أيپاك American Israel Public Affairs Committee AIPAC)،
(1) والت وميرشايمر: اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية، ص (17 - 9) باختصار.
ذات النفوذ الكبير في كل من إسرائيل والولايات المتحدة (1)،
وقالت إن "ما هو حيوي
…
في هذه اللحظة من الصعوبة الكبرى التي تواجهها إسرائيل والمخاطر الكبرى عليها
…
هو أن نؤازر صديقتنا وحليفتنا، وأن نقف إلى جانب قيمنا الخاصة. فإسرائيل منارة لما هو حق في محيط تظلله أخطاء راديكالية، والتطرف، والاستبداد، والإرهاب". وتحدث أحد منافسيها على تسمية الحزب الديمقراطي لانتخاب الرئاسة، السيناتور باراك [حسين] أوباما Barack Hussein Obama (الديمقراطي عن إيلينويز Illinois)(2) ، بعد ذلك بشهر أمام حضور للأيپاك في شيكاجو. فأوباما، الذي سبق وأدلى بإشارة موجزة إلى المعاناة الفلسطينية، في ظهور له في إحدى الحملات في مارس 2007م، لم يحمل لبسًا في إشادته بإسرائيل، وأوضح في شكل ظاهر أنه لن يفعل أي شيء لتغيير السياسة الأمريكية-الإسرائيلية» اهـ.
وقد أشار إلى ذلك بوضوح أيضًا خبير شئون الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ستيفن كوك Steven A. Cook في حواره مع جريدة (المصري اليوم) في عدد الجمعة 31/ 10/2008م، أي قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بأربعة أيام، والتي اكتسح فيها المرشح الديمقراطي أوباما خصمه الجمهوري ماكين (3)، حيث
(1) من بين مختلف المنظمات اليهودية التي تشكل السياسة الخارجية جزءًا مركزيًا من برنامجها، فإن الأيپاك هي بوضوح الأهم والأكثر شهرة. وعندما سألت مجلة (فورتشن Fortune) في 1997م أعضاء في الكونجرس وموظفيهم عن أقوى اللوبيات في واشنطن، حلَّت أيپاك الثانية بعد الاتحاد الأمريكي للأشخاص المتقاعدين American Association of Retired Persons AARP. وفي 1991م، قال الرئيس السابق للجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب، لي هاملتون Lee H. Hamilton، الذي خدم في الكونجرس على مدى 34 عامًا:«ما من مجموعة لوبي تضاهيها .... إنها من نسيج نادر» اهـ[انظر، والت وميرشايمر: اللوبي الإسرائيلي وسياسة أمريكا الخارجية، ص (179)].
(2)
في حواره مع صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قال: «قبل كل شيء يتوجب معرفة الحقائق كما هي، أنا لست مسلمًا ولم أكن أبدًا ولم أتعلم أبدًا في مدرسة دينية إسلامية، ولم أحلف على القرآن، بل أنا ملتزم بالمسيحية» . See، Yedioth Ahronoth (www.ynetnews.com): Obama: My commitment to Israel is unshakable، February 28، 2008
(3)
ولقد وصف الكاتب أنيس منصور (1924 - 2011م) مهمة أوباما الجديدة بأنها «مثل أعباء الأنبياء» !! قال الله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} . [هود: 24، وانظر مقالته في جريدة الأهرام، بتاريخ 20 يناير 2009م].
قال: «العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية لن تختلف سواء كان الرئيس المقبل أوباما أو ماكين» .
وحتى في ظل ما تردد كثيرًا في الأوساط السياسية والإعلامية - العربية على وجه أخص - بشأن توتر العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية ووصولها إلى درجات تدن غير مسبوقة منذ تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو المتعلقة باستمرار بناء المستوطنات، مزامنة مع زيارة چوبايدن Joe Biden نائب الرئيس الأمريكي للمنطقة في مارس من عام 2010م، مما وجه (صفعة) - برأي البعض - للإدارة الأمريكية بأكملها. فالصفعة الحقيقية كانت من نصيب مروجي الفكرة أنفسهم!؛ فقد كان واضحًا للعيان أن زيارة نتنياهو لأمريكا في 24/ 3/2010م وخطابه أمام المؤتمر السنوي لمنظمة أيپاك الصهيونية عكست دفء العلاقات الثنائية، كما أنها عززت قوة اللوبي الإسرائيلي داخل المجتمع الأمريكي، خاصة مع إلقاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون الكلمة الافتتاحية، رغم كل ما قيل عن انفعالها وغضبها ومكالمتها الهاتفية الثائرة ذات الثلاثة والأربعين دقيقة مع نتنياهو بسبب تصريحات المستوطنات .. حتى إنه عقَّب ناثان براون Nathan J. Brown، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة چورچ واشنطن، عقَّب على هذه الأحداث ولخص طبيعة العلاقات الثنائية بقوله:«لا شيء يغير صلابة وعمق العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، فلا تصدقوا أن هناك توترًا بل موازنات سياسية، وليس هناك انفصال أو شقاق، فالعلاقة أقرب إلى الزواج الكاثوليكي، الذي لا يمكن أن ينفصل فيه الزوجان، رغم كل خلافاتهما الزوجية البسيطة» اهـ (1).
وليس أوضح من اتخاذ أمريكا «المسار الحذر Cautious line» (2) في متابعة تداعيات المجزرة الإسرائيلية تجاه أسطول الحرية البحري Gaza Freedom Flotilla صبيحة يوم الاثنين 31 مايو 2010م، والذي توجه لكسر الحصار الشائن عن قطاع غزة
(1) انظر، جريدة (المصري اليوم)، عدد الاثنين 29/ 3/2010م، ص (15).
(2)
See، Reuters (www.reuters.com): Obama: Use flotilla tragedy for Mideast peace، June 3، 2010