المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌صمويل هنتجتون يتقدم: - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

الإسلامي - على قبول مزاعم الديمقراطية الليبرالية بأنها أكثر صور الحكم عقلانية» اهـ.

إذن فلكي يستمر الصراع في هذه الساحة الإسلامية، فلا بد أن يتخذ استراتيچية مغايرة؛ إذ صار البديل الحضاري الجديد، بقوامه الرأسمالي الليبرالي وصبغته المسيحية، صار في مواجهة مكشوفة مع الإسلام، وهذا يعني ضرورة التعديل في المرجعية الأيديولوچية الغربية لمواجهة هذا (الخطر الأخضر) الإسلامي! (1) ..

‌صمويل هنتجتون يتقدم:

وفي هذا التوقيت، يبرز على الساحة السياسية مُنَظِّر آخر، يدلو بدلوه في مستنقع الأيديولوچيات الغربية، طارحًا نظريته (التشاؤمية) حول اصطدام الحضارات، وهو الأمريكي صامويل هنتنجتون ..

كان هنتنجتون قد وضع الخطوط الأولى - أيضًا - لنظريته في مقالة له نشرتها صحيفة (الشئون الخارجية) الأمريكية في صيف عام 1993م.

حملت المقالة عنوان (اصطدام الحضارات؟)(2)، وجاءت ردًا على إصدار فوكوياما لكتابه في عام 1992م (3). ولقد اقتبس هنتنجتون العبارة نفسها (اصطدام الحضارات) من مقالة للمستشرق الإنجليزي-الأمريكي برنارد لويس (4) نشرتها صحيفة (الأطلنطي الشهرية

(1) حقيقةً لم أقف على مبرر واضح لاختيار المنظِّرين الغربيين اللون الأخضر للتعبير عن (الخطر) الإسلامي - كما يزعمون -، ولعلهم ينسبونه إلى أهل التصوف المتمسكين بهذا اللون لقولهم أنه يرمز إلى لون السندس في الجنة، وعليه فإنه إسقاط خاطئ.

(2)

Samuel P. Huntington: The Clash of Civilizations?، Foreign Affairs، Summer 1993

(3)

انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Clash of Civilizations.

(4)

والذي شنَّ عليه إدوارد سعيد الغارة في ذيل كتابه (الاستشراق)، وكان مما قاله فيه: «ما يلجأ إليه لويس من حشو وتطويل لا يكاد يُخفي الأسس الأيديولوچية لموقفه، وقدرته الفذة على الخطأ في كل شيء يقوله تقريبًا

إنه يمضي في تشويه الحقيقة، وفي إقامة القياس الفاسد، وفي التلميح، في المناهج التي يكسوها بقشرة من سلطة من يَعلَم كل شيء، ويتحدث بنبرات هادئة واثقة، ويفترض أن ذلك كله من سمات الباحثين»، ثم يقول:«فإن عمل لويس يعتبر جزءًا من المناخ السياسي الراهن لا المناخ العلمي الحديث» اهـ[انظر، إدوارد سعيد: الاستشراق، تذييل ط. 1995م، ص (519 - 20)].

ص: 114

The Atlantic Monthly) في عدد سپتمبر 1990م، بعنوان (جذور الغضب الإسلامي)(1).

ووفقًا لما قاله محررو الصحيفة، فإن مقالة هنتنجتون «أثارت نقاشًا طيلة ثلاث سنوات أكثر من أية مقالة قاموا بنشرها منذ الأربعينات» (2).

وبعد ثلاث سنوات من الجدل والمناقشات - ولا تزال - عزز هنتنجتون نظريته في كتابه الضخم الذي أصدره عام 1996م بعنوان (صراع الحضارات وإعادة بناء النظام الدولي).

يذهب هنتنجتون في أطروحته إلى أن «السنوات التي أعقبت الحرب الباردة شهدت البدايات لتغيرات مثيرة في هويات الشعوب والرموز التي تعود لتلك الهويات. وأخذت السياسات العالمية يُعاد صياغتها بما ينسجم مع الخطوط الثقافية» (3).

يقول (4): «وللفلسفة التي تتبصر في مصير العالم نظرة مثيرة للاشمئزاز إلى العصر الجديد، أجاد في التعبير عنها مايكل ديبدن Michael Dibdin [1947 - 2007 م] في روايته (البحيرة الميتة Dead Lagoon)، حين يقول: "لا يمكن أن يكون ثمة أصدقاء حقيقيون، من دون أعداء حقيقيين. فما لم نكره غيرنا لا يمكن أن نحب أنفسنا". هاتيك الحقائق العتيقة نعود فنكتشفها الآن بألم بعد قرن وأكثر من الانحراف الوجداني. أما أولئك الذين ينكرونها فإنهم ينكرون عائلتهم وتراثهم وثقافتهم وحق ولادتهم، بل ينكرون جوهر أنفسهم! ولن يغفر لهم في شيء. إن الحقيقة المشئومة من بين هذه الحقائق العتيقة التي لا يمكن أن يتجاهلها رجال الدولة والعلماء هي أنه في السبيل الذي تسلكه الشعوب التي تسعى لإثبات هويتها وإحياء العرقية يكون الأعداء ضرورة جوهرية. وتحدث أخطر العداوات على الإطلاق وعلى نحو محتمل عبر خطوط الصدع بين حضارات العالم الرئيسة» .

(1) See، Bernard Lewis: The Roots of Muslim Rage، Policy، vol. 17، no. 4، p(24)

(2)

انظر، صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (12).

(3)

السابق، ص (18).

(4)

السابق، ص (19 - 20) بتصرف يسير.

ص: 115

ويرى هنتنجتون أن «السياسات العالمية بعد أن حفزتها حركة (التعصير)، يجري إعادة تركيبها الآن لتكون منسجمة مع الخطوط الثقافية. فتتقارب الشعوب والدول ذات الثقافات المتشابهة لتجتمع معًا. بينما تتباعد الشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة فتفترق. فالتكتلات التي حددتها العلاقات بالأيديولوچية وبالقوة العظمى تنهار فتخلي السبيل لقيام تكتلات تحددها الثقافة والحضارة. ويجري إعادة رسم الحدود السياسية، على نحو يزداد يومًا بعد يوم، لتتلاءم مع الحدود الثقافية: العرقية، والدينية، والحضاراتية. وتحل التجمعات الثقافية الآن محل كتلة الحرب الباردة، وتصير خطوط الصدع بين الحضارات أكثر فأكثر هي الخطوط المحورية للصراع في السياسات العالمية» اهـ (1).

من الملاحظ أن هنتجتون رغم استعراضه في كتابه لنماذج الحضارات المنبعثة - التي وصفها بـ (الثقافات الأهلية) -، والتي يذكر أن انبعاثها يمثل رفضًا، بل وتهديدًا للثقافة الغربية من نواحي عدة، فإنه يعطي اهتمامًا خاصًا لانبعاث الصحوة الإسلامية؛ فعلى الرغم من أنه قَرَنَ في عدة مواضع بين الخطر الإسلامي والخطر (الأصفر) الكونفوشيوسي (2)، إلا أنه يخصص الإسلام دون غيره بقوله (3):«أزال انهيار الشيوعية العدو المشترك للغرب والإسلام وجعل كل منهما يرى الآخر هو الخطر الأكبر» ، ولقد كان محددًا حينما حصر المسألة في قوله (4):«إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الغرب هي ليست الأصولية الإسلامية المتطرفة، بل إنها الإسلام نفسه» اهـ.

ولقد أيده الكثيرون في مقالته تلك؛ فكما تذكر الصحافية الأمريكية باربرا فيكتور أنه «منذ سقوط الإمپراطورية السوفيتية، تغيرت ذهنية الأمريكيين تغيرًا قويًّا؛ فقد أصبح الإسلام المتشدد، بدلًا من الشيوعية، هو الشر الأقصى» (5)، كذلك فقد وصف القس

(1) السابق، ص (169).

(2)

نسبة إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس Confucius (551 - 479 ق. م).

(3)

صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (299).

(4)

السابق، ص (308).

(5)

باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (24).

ص: 116

الإنجيلي هال ليندسي Hal Lindsey المسلمين بأنهم «كالشيوعيين، في أعماق فلسفتهم توق شديد لدفننا جميعًا» (1)، والأمثلة أكثر من أن تحصى ..

ويعكس هذا التأييد مدى نجاح المنظِّرين السياسيين أمثال لويس وهنتنجتون وغيرهما من فرض رؤيتهم على الوعي الجماهيري الغربي، فكما يقول الباحث فاضل الربيعي (2):«المثير للاهتمام أن معظم ما يُنشر ويُبَث ويُذاع من مواد فكرية وثقافية وسياسية عن العرب، وعالمهم الروحي والسياسي، ومشكلاتهم ومعتقداتهم الدينية وطقوسهم وشعائرهم الدينية، وحتى ملابسهم الغريبة، بات يرتكز على تصورات ومزاعم وأفكار عنصرية عن صدام حقيقي محتمل بين الحضارات» .

ويقول إدوارد سعيد - وذلك بعد وصفه لنظرية هنتنجتون بـ «غير المقنعة على الإطلاق» - (3): «

ولا يعني ذلك أن هنتنجتون، ومن خلفه جميع أصحاب النظريات والمبررات للتقاليد الغربية المتهلِّلة فرحًا، مثل فرانسيس فوكوياما، لم يعودوا يتمتعون بجانب كبير من سيطرتهم على الوعي الجماهيري، بل لا يزالون يتمتعون به» اهـ.

كذلك يذكر روبرت كيجن أنه في استطلاع للرأي رعاه صندوق مارشال الألماني The German Marshall Fund GMF ومجلس شيكاجو للعلاقات الخارجية The Chicago Council on Global Affairs، بين الأول من يونيو والسادس من يوليو 2002م، للتعرف على (التهديدات المحتملة للمصالح الحيوية الأشد خطورة)، جاءت النتيجة عند السؤال عن تهديد (الأصولية الإسلامية) بالإيجاب لدى 61% من الأمريكيين مقابل 49% من الأوروپيين (4).

(1) انظر، محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (60).

(2)

فاضل الربيعي: ما بعد الاستشراق، الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء، ص (9). ويُعَرِّف الربيعي مفهوم (ما بعد الاستشراق) بقوله:«هو تطوير، بأدوات جديدة، للاستشراق الكلاسيكي نفسه، وأن الميدان الحيوي لنشاطه يقع داخل حقل السياسة، لا خارجها، وداخل حقل الثقافة، لا خارجها أيضًا» اهـ[السابق].

(3)

إدوارد سعيد: الاستشراق، ذيل ط. 1995م، ص (526 - 7).

(4)

انظر، روبرت كيجن: عن الفردوس والقوة، ص (42) الهامش.

ص: 117

ولا أظنه يخفى ما تحمله هذه الرؤية الهنتنجتونية من مقاصد خفية لنيل التأييد الشعبي للتحركات التوسعية الأمريكية من أجل السيطرة على موارد النفط ولأمركة الشرق الأوسط (التاريخي) وجعله سوقًا كبيرًا تابعًا للغرب .. وهذا من براعة القوم في الصد عن سبيل الله، ويذكرني بفعل أثو دي لاچيري Otho de Lagery، أو البابا أوربان الثاني كما يحلو لهم تسميته، حينما جيَّش الجيوش الهمجية تحت راية الصليب، دافعًا بها لغزو بلاد المسلمين، مرتكزًا على خلفية ثقافية مشوهة كما تقدم الذكر. وحقيقة أعجبني تلخيص الدكتور چورچ قُرم للمسألة في قوله (1):«الدول الغربية عائدة إلى أهوائها الاستعمارية السابقة بغطاء التنظير حول ظاهرة (عودة الدين) والصراع المحتم بين الحضارات» اهـ.

ورصْد المسألة من هذه الزاوية يجعلنا نعير الاهتمام لما تبنته مجلة (المنابر والنصوص الرمزية Tribunes et Décryptages) في عدد 14/ 12/2005م، من القول بأن «صدام الحضارات لم تكن نظرية بسيطة حول تطور العلاقات الدولية، إنها برنامج أنشأ في داخل مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة، وفي الأمن الوطني، وهو مرتبط بالمجتمع الصناعي العسكري الموجه نحو خلق عدو استراتيچي وهمي ودائم، لتبرير الاعتمادات العسكرية المتزايدة وتحفيز مبدأ التدخلية العسكرية في المناطق ذات الاحتياطات الپترولية الهائلة، وسهلة الاستخراج والاستثمار. وحول هذه القاعدة فقد تم ابتداع، وبشكل مخادع، مؤامرة إسلامية عالمية واسعة، في حرب ضد الغرب. واعتبرت أحداث 11 سپتمبر 2001م بمثابة إعلان حرب ذات آلية استراتيچية مساوية للحرب الباردة، وإن (القاعدة) تمثل تهديدًا مشابهًا لما كان يمثله الاتحاد السوفيتي (لا بل أكثر خطورة) على النظام الدولي» (2).

(1) د. چورچ قُرم: المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين، ص (14) بتصرف يسير. Georges Corm: La Question Religieuse au XXIe Siècle

(2)

انظر نص المقال على الرابط: www.voltairenet.org/article132524.html، والترجمة العربية نقلناها من: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، للدكتور ناظم الجاسور، انظر ص (48 - 9).

ص: 118