الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلامي - على قبول مزاعم الديمقراطية الليبرالية بأنها أكثر صور الحكم عقلانية» اهـ.
إذن فلكي يستمر الصراع في هذه الساحة الإسلامية، فلا بد أن يتخذ استراتيچية مغايرة؛ إذ صار البديل الحضاري الجديد، بقوامه الرأسمالي الليبرالي وصبغته المسيحية، صار في مواجهة مكشوفة مع الإسلام، وهذا يعني ضرورة التعديل في المرجعية الأيديولوچية الغربية لمواجهة هذا (الخطر الأخضر) الإسلامي! (1) ..
صمويل هنتجتون يتقدم:
وفي هذا التوقيت، يبرز على الساحة السياسية مُنَظِّر آخر، يدلو بدلوه في مستنقع الأيديولوچيات الغربية، طارحًا نظريته (التشاؤمية) حول اصطدام الحضارات، وهو الأمريكي صامويل هنتنجتون ..
كان هنتنجتون قد وضع الخطوط الأولى - أيضًا - لنظريته في مقالة له نشرتها صحيفة (الشئون الخارجية) الأمريكية في صيف عام 1993م.
حملت المقالة عنوان (اصطدام الحضارات؟)(2)، وجاءت ردًا على إصدار فوكوياما لكتابه في عام 1992م (3). ولقد اقتبس هنتنجتون العبارة نفسها (اصطدام الحضارات) من مقالة للمستشرق الإنجليزي-الأمريكي برنارد لويس (4) نشرتها صحيفة (الأطلنطي الشهرية
(1) حقيقةً لم أقف على مبرر واضح لاختيار المنظِّرين الغربيين اللون الأخضر للتعبير عن (الخطر) الإسلامي - كما يزعمون -، ولعلهم ينسبونه إلى أهل التصوف المتمسكين بهذا اللون لقولهم أنه يرمز إلى لون السندس في الجنة، وعليه فإنه إسقاط خاطئ.
(2)
Samuel P. Huntington: The Clash of Civilizations?، Foreign Affairs، Summer 1993
(3)
انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Clash of Civilizations.
(4)
والذي شنَّ عليه إدوارد سعيد الغارة في ذيل كتابه (الاستشراق)، وكان مما قاله فيه: «ما يلجأ إليه لويس من حشو وتطويل لا يكاد يُخفي الأسس الأيديولوچية لموقفه، وقدرته الفذة على الخطأ في كل شيء يقوله تقريبًا
…
إنه يمضي في تشويه الحقيقة، وفي إقامة القياس الفاسد، وفي التلميح، في المناهج التي يكسوها بقشرة من سلطة من يَعلَم كل شيء، ويتحدث بنبرات هادئة واثقة، ويفترض أن ذلك كله من سمات الباحثين»، ثم يقول:«فإن عمل لويس يعتبر جزءًا من المناخ السياسي الراهن لا المناخ العلمي الحديث» اهـ[انظر، إدوارد سعيد: الاستشراق، تذييل ط. 1995م، ص (519 - 20)].
The Atlantic Monthly) في عدد سپتمبر 1990م، بعنوان (جذور الغضب الإسلامي)(1).
ووفقًا لما قاله محررو الصحيفة، فإن مقالة هنتنجتون «أثارت نقاشًا طيلة ثلاث سنوات أكثر من أية مقالة قاموا بنشرها منذ الأربعينات» (2).
وبعد ثلاث سنوات من الجدل والمناقشات - ولا تزال - عزز هنتنجتون نظريته في كتابه الضخم الذي أصدره عام 1996م بعنوان (صراع الحضارات وإعادة بناء النظام الدولي).
يذهب هنتنجتون في أطروحته إلى أن «السنوات التي أعقبت الحرب الباردة شهدت البدايات لتغيرات مثيرة في هويات الشعوب والرموز التي تعود لتلك الهويات. وأخذت السياسات العالمية يُعاد صياغتها بما ينسجم مع الخطوط الثقافية» (3).
(1) See، Bernard Lewis: The Roots of Muslim Rage، Policy، vol. 17، no. 4، p(24)
(2)
انظر، صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (12).
(3)
السابق، ص (18).
(4)
السابق، ص (19 - 20) بتصرف يسير.
من الملاحظ أن هنتجتون رغم استعراضه في كتابه لنماذج الحضارات المنبعثة - التي وصفها بـ (الثقافات الأهلية) -، والتي يذكر أن انبعاثها يمثل رفضًا، بل وتهديدًا للثقافة الغربية من نواحي عدة، فإنه يعطي اهتمامًا خاصًا لانبعاث الصحوة الإسلامية؛ فعلى الرغم من أنه قَرَنَ في عدة مواضع بين الخطر الإسلامي والخطر (الأصفر) الكونفوشيوسي (2)، إلا أنه يخصص الإسلام دون غيره بقوله (3):«أزال انهيار الشيوعية العدو المشترك للغرب والإسلام وجعل كل منهما يرى الآخر هو الخطر الأكبر» ، ولقد كان محددًا حينما حصر المسألة في قوله (4):«إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الغرب هي ليست الأصولية الإسلامية المتطرفة، بل إنها الإسلام نفسه» اهـ.
ولقد أيده الكثيرون في مقالته تلك؛ فكما تذكر الصحافية الأمريكية باربرا فيكتور أنه «منذ سقوط الإمپراطورية السوفيتية، تغيرت ذهنية الأمريكيين تغيرًا قويًّا؛ فقد أصبح الإسلام المتشدد، بدلًا من الشيوعية، هو الشر الأقصى» (5)، كذلك فقد وصف القس
(1) السابق، ص (169).
(2)
نسبة إلى الفيلسوف الصيني كونفوشيوس Confucius (551 - 479 ق. م).
(3)
صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات، ص (299).
(4)
السابق، ص (308).
(5)
باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (24).
الإنجيلي هال ليندسي Hal Lindsey المسلمين بأنهم «كالشيوعيين، في أعماق فلسفتهم توق شديد لدفننا جميعًا» (1)، والأمثلة أكثر من أن تحصى ..
ويعكس هذا التأييد مدى نجاح المنظِّرين السياسيين أمثال لويس وهنتنجتون وغيرهما من فرض رؤيتهم على الوعي الجماهيري الغربي، فكما يقول الباحث فاضل الربيعي (2):«المثير للاهتمام أن معظم ما يُنشر ويُبَث ويُذاع من مواد فكرية وثقافية وسياسية عن العرب، وعالمهم الروحي والسياسي، ومشكلاتهم ومعتقداتهم الدينية وطقوسهم وشعائرهم الدينية، وحتى ملابسهم الغريبة، بات يرتكز على تصورات ومزاعم وأفكار عنصرية عن صدام حقيقي محتمل بين الحضارات» .
ويقول إدوارد سعيد - وذلك بعد وصفه لنظرية هنتنجتون بـ «غير المقنعة على الإطلاق» - (3): «
…
ولا يعني ذلك أن هنتنجتون، ومن خلفه جميع أصحاب النظريات والمبررات للتقاليد الغربية المتهلِّلة فرحًا، مثل فرانسيس فوكوياما، لم يعودوا يتمتعون بجانب كبير من سيطرتهم على الوعي الجماهيري، بل لا يزالون يتمتعون به» اهـ.
كذلك يذكر روبرت كيجن أنه في استطلاع للرأي رعاه صندوق مارشال الألماني The German Marshall Fund GMF ومجلس شيكاجو للعلاقات الخارجية The Chicago Council on Global Affairs، بين الأول من يونيو والسادس من يوليو 2002م، للتعرف على (التهديدات المحتملة للمصالح الحيوية الأشد خطورة)، جاءت النتيجة عند السؤال عن تهديد (الأصولية الإسلامية) بالإيجاب لدى 61% من الأمريكيين مقابل 49% من الأوروپيين (4).
(1) انظر، محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (60).
(2)
فاضل الربيعي: ما بعد الاستشراق، الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء، ص (9). ويُعَرِّف الربيعي مفهوم (ما بعد الاستشراق) بقوله:«هو تطوير، بأدوات جديدة، للاستشراق الكلاسيكي نفسه، وأن الميدان الحيوي لنشاطه يقع داخل حقل السياسة، لا خارجها، وداخل حقل الثقافة، لا خارجها أيضًا» اهـ[السابق].
(3)
إدوارد سعيد: الاستشراق، ذيل ط. 1995م، ص (526 - 7).
(4)
انظر، روبرت كيجن: عن الفردوس والقوة، ص (42) الهامش.
ولا أظنه يخفى ما تحمله هذه الرؤية الهنتنجتونية من مقاصد خفية لنيل التأييد الشعبي للتحركات التوسعية الأمريكية من أجل السيطرة على موارد النفط ولأمركة الشرق الأوسط (التاريخي) وجعله سوقًا كبيرًا تابعًا للغرب .. وهذا من براعة القوم في الصد عن سبيل الله، ويذكرني بفعل أثو دي لاچيري Otho de Lagery، أو البابا أوربان الثاني كما يحلو لهم تسميته، حينما جيَّش الجيوش الهمجية تحت راية الصليب، دافعًا بها لغزو بلاد المسلمين، مرتكزًا على خلفية ثقافية مشوهة كما تقدم الذكر. وحقيقة أعجبني تلخيص الدكتور چورچ قُرم للمسألة في قوله (1):«الدول الغربية عائدة إلى أهوائها الاستعمارية السابقة بغطاء التنظير حول ظاهرة (عودة الدين) والصراع المحتم بين الحضارات» اهـ.
ورصْد المسألة من هذه الزاوية يجعلنا نعير الاهتمام لما تبنته مجلة (المنابر والنصوص الرمزية Tribunes et Décryptages) في عدد 14/ 12/2005م، من القول بأن «صدام الحضارات لم تكن نظرية بسيطة حول تطور العلاقات الدولية، إنها برنامج أنشأ في داخل مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة، وفي الأمن الوطني، وهو مرتبط بالمجتمع الصناعي العسكري الموجه نحو خلق عدو استراتيچي وهمي ودائم، لتبرير الاعتمادات العسكرية المتزايدة وتحفيز مبدأ التدخلية العسكرية في المناطق ذات الاحتياطات الپترولية الهائلة، وسهلة الاستخراج والاستثمار. وحول هذه القاعدة فقد تم ابتداع، وبشكل مخادع، مؤامرة إسلامية عالمية واسعة، في حرب ضد الغرب. واعتبرت أحداث 11 سپتمبر 2001م بمثابة إعلان حرب ذات آلية استراتيچية مساوية للحرب الباردة، وإن (القاعدة) تمثل تهديدًا مشابهًا لما كان يمثله الاتحاد السوفيتي (لا بل أكثر خطورة) على النظام الدولي» (2).
(1) د. چورچ قُرم: المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين، ص (14) بتصرف يسير. Georges Corm: La Question Religieuse au XXIe Siècle
(2)
انظر نص المقال على الرابط: www.voltairenet.org/article132524.html، والترجمة العربية نقلناها من: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، للدكتور ناظم الجاسور، انظر ص (48 - 9).