المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل): - حصان طروادة الغارة الفكرية على الديار السنية

[عمرو كامل عمر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة بقلم الدكتور محمد بن موسى الشريف

- ‌تعقيب

- ‌{مقدمة المؤلف}

- ‌الباب الأول حصان رومي

- ‌الفصل الأول: المسلك المختار لدعوة الحوار

- ‌الاتجاه الأول (وحدة الأديان):

- ‌الاتجاه الثاني (توحيد الأديان):

- ‌الاتجاه الثالث (التقريب بين الأديان):

- ‌الخصائص الفكرية التي يقوم عليها هذا الاتجاه والملاحظ عليها:

- ‌مفهوم التقريب لدى مجلس الكنائس العالمي:

- ‌الدولة الفاطمية الثانية:

- ‌تأييد آية الله التسخيري:

- ‌دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بين الماضي والحاضر:

- ‌تجارب فردية للتقريب حفظها لنا التاريخ:

- ‌1 - مصطفى السباعي:

- ‌2 - محمد رشيد رضا:

- ‌3 - علماء السعودية في عهد الملك فيصل:

- ‌4 - محمد الأمين الشنقيطي:

- ‌5 - يوسف القرضاوي:

- ‌دافعي لبحث مسألة التشيع:

- ‌الفصل الثاني: بين أوربانية الماضي والحاضر

- ‌فتح القسطنطينية وتبعاته:

- ‌اختلال موازين القوى الغربية بين ضفتي الأطلسي:

- ‌الارتباك الفكري يهدد القيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد:

- ‌العالم من الثنائية إلى الأحادية القطبية:

- ‌زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر):

- ‌صمويل هنتجتون يتقدم:

- ‌نظرة على علاقة المجتمع الغربي المعاصر بالإسلام:

- ‌هل المجتمع الغربي علماني أم مسيحي

- ‌غزوة مانهاتن

- ‌عودة إلى ساحة التنظير السياسي:

- ‌أوربان الأمريكي يعلن حربًا صليبية جديدة:

- ‌حرب العراق:

- ‌فرصة ذهبية:

- ‌بلاكووتر والاتحاد الكاثوليكي الپروتستانتي:

- ‌تعديل في المسار:

- ‌حرب الأفكار: معركة القلوب والعقول:

- ‌شيريل بينارد و (الإسلام المدني الديمقراطي):

- ‌توماس فريدمان و (حرب الأفكار):

- ‌أندرو ترنبُل و (عملية المنافسة):

- ‌أنچل راباسا و (بناء شبكات إسلامية معتدلة):

- ‌الفصل الثالث: الصهيونية، رؤية مغايرة

- ‌{مدخل}

- ‌الاستمرار اليهودي من منظور إسلامي:

- ‌پروتوكولات حكماء صهيون:

- ‌{الصهيونية .. رؤية مغايرة}

- ‌اصطفاء مشروط لبني إسرائيل:

- ‌وعد أولاهما:

- ‌ورسولا إلى بني إسرائيل:

- ‌وعد الآخرة:

- ‌فائدة:

- ‌يهود الدياسپورا:

- ‌نظرة على المجتمعات اليهودية الأوروپية من الداخل:

- ‌العقيدة المشَّيحانية Messianism:

- ‌علاقة اليهود بالأغيار:

- ‌الجيتو اليهودي:

- ‌واقع العلاقة بين اليهود والنصارى في المجتمعات الأوروپية:

- ‌الصَدْع اللوثري:

- ‌ورهبانية ابتدعوها:

- ‌الكنيسة تجني أرباحًا كبيرة:

- ‌صراع الأباطرة والبابوات:

- ‌تسرب مظاهر الضعف والانحراف إلى المراكز الدينية:

- ‌مهزلة صكوك الغفران:

- ‌عصر الإصلاح الكنسي: جيرولامو سافونارولا:

- ‌مارتن لوثر: ترجمة:

- ‌مارتن لوثر واليهود:

- ‌أفكار لوثر أحدثت ثغرًا لا يزال يتسع حتى اليوم:

- ‌المجتمع النصراني الغربي في بداية عصر النهضة: بداية التزوير التاريخي:

- ‌ظهور أول أثر أدبي مطبوع عن التفكر في العصر الألفي السعيد:

- ‌يوحنا وابن عازر كارترايت وإعادة اليهود إلى إنجلترا:

- ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

- ‌الصهيونية منذ عصر الاستنارة (القرن الثامن عشر) إلى ظهور المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌بوناپارت وتلاقي المسألتين اليهودية والشرقية:

- ‌إنجلترا تتلقف الراية:

- ‌جذور المسألة اليهودية:

- ‌ونعود إلى إنجلترا

- ‌لورد پالمرستون الثالث:

- ‌كانت الأهداف الثلاثة على النحو التالي:

- ‌حلقة الوصل بين الصهيونيتين (اليهودية وغير اليهودية): بنيامين زئيف:

- ‌هرتزل: ترجمة:

- ‌الموقف اليهودي الأرثوذكسي تجاه (البدعة) الصهيونية:

- ‌المرحلة البلفورية:

- ‌الصهيونية والنازية، وفاق أم شقاق

- ‌أمريكا تتلقف الراية:

- ‌الصهيونية في أمريكا: نبذة تاريخية:

- ‌ثلاثة مؤشرات (1948 - 1967

- ‌نظرة إلى داخل المجتمع الإسرائيلي:

- ‌قضية تامارين:

- ‌الموقف حيال يشوع والجيش الإسرائيلي

- ‌الموقف حيال القتل الجماعي

- ‌زواج مصالح…ولكن

- ‌العلاقة (الأمريكية-الإسرائيلية) أشبه بالزواج الكاثوليكي:

- ‌اللوبي الإسرائيلي وتأثيره في قرارات الولايات المتحدة:

- ‌الباب الثاني حصان فارسي

- ‌الفصل الأول: تشيع أم رفض؟ وقفة تاريخية تأصيلية

- ‌أيُكسَر الباب أم يُفتَح

- ‌حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه

- ‌جذور البلاء:

- ‌القذيفة الأولى:

- ‌بيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌وهذه المسائل الأربعة هي:

- ‌ أولًا: تدوين التاريخ

- ‌ثانيًا: عدالة الصحابة:

- ‌تعريف الصحابي:

- ‌طبقات الصحابة:

- ‌عدالة الصحابة:

- ‌عقيدتنا في الصحابة:

- ‌حكم سب الصحابة:

- ‌ثالثًا: حقيقة الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

- ‌وقعة الجمل (36ه

- ‌معركة صِفِّين (37ه

- ‌قضية التحكيم (37 ه

- ‌رابعًا: موقف أهل السنة والجماعة من الفتنة:

- ‌عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه

- ‌ولكن من هم (الشيعة الأولى)

- ‌تبرؤ شيعي:

- ‌عام الجماعة (41ه

- ‌مناقب أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه

- ‌الشيعة بعد عام الجماعة:

- ‌وفاة أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وخلافة يزيد:

- ‌ولماذا أوصى معاوية رضي الله عنه لابنه يزيد بالخلافة

- ‌موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية:

- ‌رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين رضي الله عنه

- ‌جيش التوابين:

- ‌أسباب فشل حركة التوابين:

- ‌في ثقيف كذاب ومبير:

- ‌انحراف عقدي:

- ‌مع الاثني عشرية:

- ‌وبداية: متى كانت بداية ظهورهم

- ‌الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه

- ‌الأصابع الخفية المؤسسة لعقيدة الشيعة الإمامية:

- ‌الفصل الثاني: عقيدة أهل المذهب الفقهي الخامس

- ‌«والأدلة على بطلان مذهب الرافضة لا تُحصى إلا بالمشقة، ألا فليدخلوا في الإسلام!» [الحذيفي]

- ‌عقيدة الإمامة:

- ‌أصل عقيدة الإمامة:

- ‌ولماذا اثنا عشر إمامًا

- ‌اعتقاد الرافضة في أئمتهم:

- ‌مغالطات واضحة:

- ‌المتتبع لسلسلة الأئمة يلاحظ الآتي:

- ‌حيرة

- ‌ولماذا اختفى

- ‌في السرداب:

- ‌كم مدة غيبته

- ‌وعرفت هذه بالغيبة الكبرى

- ‌الثورة الخمينية وولاية الفقيه:

- ‌أولًا: بيان رابطة العالم الإسلامي:

- ‌ثانيًا: بيان مفتي جمهورية تونس الحبيب بلخوجة:

- ‌ثالثًا: فتوى علماء المغرب:

- ‌رابعًا: بيان رابطة العلماء في العراق:

- ‌خامسًا: فتوى الشيخ الألباني:

- ‌متى تكون التقية

- ‌التقية عند الرافضة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة البداء:

- ‌من أقوال الرافضة في البداء:

- ‌عقيدة الرافضة في القرآن:

- ‌عقيدة الطينة:

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌عقيدة الرافضة في أهل السنة:

- ‌اعتقاد أهل السنة في آل البيت رضي الله عنهم

- ‌ثناء آل البيت على الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:

- ‌وماذا عن باقي الأئمة آل البيت رحمهم الله

- ‌بل أنتم الناصبة

- ‌واقرأ معي هذه النصوص:

- ‌موافقة الرافضة اليهود في استباحة دم المخالف:

- ‌عقيدة الرجعة:

- ‌من الراجعون

- ‌وما مهام المهدي الراجع

- ‌إباحة الرافضة زواج المتعة:

- ‌من أدلة تحريم المتعة:

- ‌نظرية الخُمس:

- ‌الخمس عند الرافضة:

- ‌من أقوال علماء أهل السنَّة في الرافضة:

- ‌الفصل الثالث: شبهات وردودها

- ‌الشبهة الأولى: حديث الغدير:

- ‌الشبهة الثانية: حادثة فَدَك والإرث:

- ‌الشبهة الثالثة: آية المودة:

- ‌الشبهة الرابعة: آية التطهير:

- ‌الشبهة الخامسة: آية الولاية:

- ‌الشبهة السادسة: حديث المنزلة:

- ‌الشبهة السابعة: «علي مني وأنا من علي»:

- ‌الشبهة الثامنة: «يا رب أصحابي

- ‌الشبهة التاسعة: آية الفتح:

- ‌الشبهة العاشرة: في صلح الحديبية:

- ‌الشبهة الحادية عشرة: «إنكن صواحب يوسف»:

- ‌الشبهة الثانية عشرة: «هلم أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده»:

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

بدخول إنجلترا جنبًا إلى جنب. وكان تفسير فقرات معينة من العهد القديم، التي تتضمن أن تشتت اليهود قبل بعثهم شرط ضروري لخلاص إسرائيل النهائي وعودة المسيح المنتظر، تؤكد هذا التناقض الظاهري. وهكذا كان على إنجلترا، البلد الوحيد الذي ليس فيه وجود يهودي ظاهري، أن تكون عونًا لله القوي في الإسراع بالحادث المنتظر. لكن الحركتين من أجل البعث اليهودي والسماح لليهود بدخول إنجلترا لم تكونا من أجل اليهود أنفسهم، بل من أجل الوعد المعطى لهم؛ فقد كان ينظر إلى العودة على أنها اعتناق اليهود للمسيحية لأن هذه هي علامة تحقيق الوعد، وكان الكثير من الپيوريتانيين يعتقدون بدافع من عبريتهم أن من اليسير على اليهود أن يتحولوا للمسيحية وهو الموقف الذي رأيناه في حب لوثر للسامية في المرحلة الأولى من حياته» اهـ.

‌مناسح بن إسرائيل و (أمل إسرائيل):

وباقتناع تام منه بأنه مكلف مهمة التعجيل بقدوم المسيح، نشر اليهودي مناسح بن إسرائيل Menasseh Ben Israel (1604 - 1657 م) كبير حاخامات أمستردام، عام 1652م، كتابًا مهمًا بعنوان (أمل إسرائيل Hope of Israel) يدعو فيه إلى إيصال اليهود إلى إنجلترا حتى يكتمل شتاتهم في العالم، قبل أن يبدأ تجمعهم في إسرائيل. وكما شرح في خطاب له لاحق:«فقد كشف سفر التثنية، الإصحاح (28: 64): "ويشتتكم الرب في جميع الشعوب من أقاصي الأرض إلى أقاصيها"، ولقد اقتنعت أن أقصى الأرض قد يكون هو هذه الجزيرة» ، أي إنجلترا!

ومما دعم رؤية مناسح هو ما قد استنتجه الرحالة اليهودي الپرتغالي أنتونيو دي مونتيزينوس Antonio de Montezinos - الذي التقى به مناسح في عام 1644م - من أن القبائل الهندية في جزر الهند الغربية، هم في الأصل قبيلة رأوبين العبرانية، إحدى القبائل اليهودية العشر المفقودة، وذلك بسبب ممارستهم للطقوس اليهودية على حسب زعمه. وبناءً على طلب المجمع اليهودي الهولندي، وقَّع مونتيزينوس قسمًا على صحة روايته.

كذلك كان مبشرو المسيحية الإسپان إلى أمريكا الجنوبية يرددون بأن الهنود الحمر هم

ص: 289

القبائل اليهودية العشر المفقودة والذين عبروا آسيا غربًا إلى الصين ثم إلى أمريكا، بينما يؤيد علماء الإنسانيات نظرية أن الهنود الحمر هم الميكادو Mikado، أي الجيش المغولي الذي عبر مضيق بيرينج Bering Strait.

ولكن سرعان ما انتشرت هذه الرواية بين الهولنديين الپيوريتانيين، وتحمست لها طائفة الألفيين الذين كانوا ينتظرون مملكة القديسين، وتبعًا لتفسيرهم لنبوءة الكتاب المقدس، فيجب أن تشمل العودة من المنفى القبائل العشرة المفقودة التي اختفت في القرن العاشر قبل الميلاد. فعند التقائهم مع بني يهوذا، كما كان الحال أيام داود وسليمان، يستطيع المسيح بن داود الظهور على الأرض (1).

ولقد ربط كتاب مناسح (أمل إسرائيل) بين التفكير اللاهوتي والسياسة العملية؛ فلم يكن يرى أن إعادة السماح لليهود بدخول إنجلترا هدف في حد ذاته ولكنه خطوة نحو إعادة استيطانهم النهائي في فلسطين. ولقد راجت الترجمة الإنجليزية لكتابه ونفدت ثلاث طبعات منه قبل أن تطأ قدما المؤلف أرض إنجلترا عام 1655م، مما يدل على سيطرة الأفكار الصهيونية على عقلية الرأي العام الإنجليزي (2).

تقول باربرا تخمان (3): «هذا الحرص من إنجلترا الپيوريتانية في الاهتمام باستعادة إسرائيل، أصله ديني بلا جدال، كنتاج لسيطرة العهد القديم على العقل والإيمان الخاص بحكم منتصف القرن التاسع عشر، ولكن الدين لم يكن كافيًا، ولم يكن إخاء البريطانيين الروحي مع بني إسرائيل وأفكارهم عن التسامح وآمالهم بعهد المسيح الجديد ستثمر، لولا تدخل السياسة والاقتصاد للتعجيل بالأمور» اهـ.

ومما لا شك فيه أن نشر النصوص التوراتية بشكلها الأصلي الذي لم يعد مشوبًا بالتفسيرات الكنسية الرسمية أتاح لبعض الپروتستانت أن يضفوا على الكتاب المقدس صبغة سياسية.

ومن المفارقات أن اليهود أنفسهم كانوا يحاولون خلال هذه الفترة أن يجردوا الكتاب

(1) باربرا تخمان: الكتاب المقدس والسيف (1/ 157 - 8) باختصار وتصرف.

(2)

انظر، د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (39 - 40).

(3)

باربرا تخمان: الكتاب المقدس والسيف (1/ 168 - 9).

ص: 290

المقدس من الصبغة السياسية؛ ففكرة المسيح المنتظر بين اليهود، التي كانت مرتبطة بشكل وثيق بحركة الإصلاح الديني، كانت تعارض التدخل البشري أو الدنيوي لتحقيقها، وتتوقع بدلًا من ذلك أن تتحقق عن طريق التدخل السماوي (1).

ويلاحظ أن المفهوم السياسي بدأ في التسرب داخل الأفكار الصهيونية غير اليهودية بصورة واضحة في عهد الإنجليزي أوليفر كرومويل Oliver Cromwell (1599 - 1658 م)، والذي ترأس الكومنولث الإنجليزي (2) لمدة عشر سنوات (1649 - 1658م)؛ وكان كرومويل حينها في حرب مع الپرتغال، وهي أولى الحروب التجارية من أجل استعادة سيادة بريطانيا البحرية لإصلاح جسور التجارة مع المستعمرات. وقد أفقدت الحرب الأهلية بريطانيا صدارتها التجارية. وكانت طبقة رجال الأعمال والتجار، وأغلبهم من الپيوريتانيين، يغارون من الهولنديين الذين استغلوا الفرصة واقتنصوا مركز الصدارة في التجارة مع المشرق والشرق الأقصى والمستعمرات والأمريكتين. ولقد ساعد على نجاح الهولنديين التجار اليهود الذين جلبوا الفرص من خلال علاقاتهم بجنوب أمريكا وبالمشرق، ولم يغب ذلك عن كرومويل، فاستغل عائلات يهود الأندلس المارانو Marranos (3) المقيمين بإنجلترا.

وبدأ الاتصال الرسمي مع مناسح في عام 1650م بعد انتشار كتابه مباشرة. وأُرسلت بعثة إلى هولندا لعقد تحالف مع الهولنديين، وكُلفت البعثة التفاوض الجانبي مع مناسح،

(1) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (35) بتصرف.

(2)

الكومنولث الإنجليزي: هو الاسم الذي أطلق على الحكومة المشتركة التي حكمت (إنجلترا وأيرلندا واسكتلندا) في الفترة من عام 1649 إلى 1660م. [للتوسع، انظر، موسوعة ويكيپيديا، مادة: Commonwealth of England].

(3)

تطلق كلمة مارانو على اليهود المتخفين، في إسپانيا والپرتغال، الذين تراجعوا ظاهريًا عن اليهودية وادعوا اعتناق الكاثوليكية حتى يتمكنوا من البقاء في شبه جزيرة أيبريا مع تراجع الحكم الإسلامي وبعد طرد يهود الپرتغال عام 1480م وطرد يهود إسپانيا عام 1492م. وكلمة مارانو التي أحرزت شيوعًا في القرن السادس عشر ليست معروفة الأصل على وجه التحديد، ولعل الأكثر رجوحًا هو أنها كلمة باللهجة العامة الإسپانية القديمة معناها (خنزير). [للتوسع، انظر، د. عبد الوهاب المسيري: اليد الخفية، ص (81) وما بعدها].

ص: 291

والذي قدم على أثر هذه المفاوضات طلبًا رسميًا لمجلس الدولة لإعادة السماح لليهود بدخول إنجلترا.

وتسارعت الأحداث نحو ذروتها. ورفضت هولندا المغرورة الاتحاد مع بريطانيا المبتدئة - حيث لم تكن إمپراطورية بعد -. وبناءً على ذلك، عملت بريطانيا بمبدأ (إن لم تستطع الانضمام إليهم فاهزمهم)، فأصدرت فورًا القانون البحري الذي يمنع السفن الأجنبية من الاتجار مع إنجلترا ومستعمراتها. وأصاب هذا الهولنديين في معيشتهم، وبدأت الحرب مع إنجلترا بعد ذلك بعام. ولتوقعه لذلك، أرسل كرومويل إلى مناسح بن إسرائيل جواز سفر داعيًا إياه للدفاع عن قضيته بنفسه في نفس يوم صدور القانون البحري. وكما أشار المؤرخ الإنجليزي اليهودي سيسل رُوثّ Cecil Roth (1899 - 1970 م)، فإن هذه الصدفة تستحق التدوين. وكان كرومويل متحمسًا لنقل تجار أمستردام اليهود إلى لندن، كإجراء سيفيد إنجلترا في سباقها مع هولندا.

ولكن قبل أن يأتي مناسح، اندلعت الحرب الهولندية الإنجليزية، وفي أثناء اندلاعها، لم يُتخذ أي إجراء حيال اقتراحه، حتى انتهت الحرب الهولندية، ولاحت الحرب الإسپانية في الأفق بسبب التنافس التجاري كذلك. وظل كرومويل يضغط لأجل إصدار قرار بشأن إعادة اليهود لبريطانيا، الذين ظلت علاقاتهم التجارية وثيقة بإسپانيا والپرتغال. وفي عام 1654م، دعا كرومويل مناسح مجددًا للقدوم لإنجلترا، وقَبِل الأخير وحضر بصحبة ثلاثة أحبار زملائه بدفاعات جديدة لصالح هدفه. وكان مما ركز عليه مناسح هو «الربح الذي هو أقوى الدوافع على الإطلاق» ، وأشار إلى كم يمكن أن تكون أهمية اليهود كقنوات للتأثير في التجارة أمام هولندا وإسپانيا والپرتغال، وتكلم عن الحب الذي يكنه اليهود للكومنولث بسبب كونه أكثر تسامحًا من الممالك الأخرى، وردَّ على الاتهامات التقليدية التي تثار ضد اليهود كتهمة الدم وسعيهم في قتل المسيح وغيرها .. وأثار طبع خطاب مناسح دوامة من الجدل أغرقت فيها العيوب المزايا، وأثيرت التهم القديمة مع تهم جديدة، بما فيها أن كرومويل يهودي وأن اليهود سوف يشترون كنيسة (القديس) پولس ومكتبة بودليان Bodleian Library (1) .

(1) باربرا تخمان: الكتاب المقدس والسيف (1/ 159 - 64) باختصار وتصرف.

ص: 292

تقول باربرا تخمان (1): «وأيًا كان ما حدث، ففي العاشر من ديسمبر عام 1655م جمع كرومويل لجنة من القضاة ورجال الدين والتجار للنظر في طلب مناسح (2). وعلى مدى أربعة عشر يومًا، ظل أعضاء اللجنة منقسمين بين معارض ومؤيد. ولم يتفقوا سوى على أنه لا يوجد سبب قانوني يمنع دخول اليهود إلى إنجلترا

أما فيما يختص بشروط وشكل تواجد اليهود وإقامتهم، فقد ظلوا غير متفقين؛ فكان رجال الدين الذين كانوا يريدون عودة اليهود يقولون بأن الناس الطيبين في إنجلترا كانوا يصدقون في عودة المسيح، ويصلون من أجلها أكثر من أي شعب آخر، وأنه يجب السماح لليهود بالدخول لأجل تحقيق ظهور المسيح أو التحول، وأنه يجب على إنجلترا أن تكفر عن ذنوبها تجاه اليهود الذين هم أقارب المسيحيين بالدم، وإن لم يكن بالروح والإيمان، وينحدرون من نفس الأب إبراهام.

وكان التجار ضد هذا الأمر بشدة، فقد نشر عملاء الهولنديين والإسپان إشاعات عن العواقب الوخيمة لدخول اليهود، والمتمثلة في أن تجارة اليهود ستثري الغرباء وتفقر الإنجليز. وقالوا: إنه فيما يختص بالتحول، فإن الأحرى أن ما سيحدث هو تحول المسيحيين إلى اليهودية وليس العكس، بفعل ميل الشباب الإنجليزي للدعوات الجديدة. وفي نهاية الأمر، لم يُتفق إلا على السماح بعودة دخول اليهود إلى إنجلترا، ولكن بشروط مقيدة ماليًا وتجاريًا، مما جعل الأمر عديم الجدوى لكرومويل

أما بالنسبة لمناسح، فلم تكن التسوية تعد نجاحًا مرضيًا على الإطلاق. وعاد إلى هولندا مُسِنًّا ومفلسًا ومهزومًا، وبعد أقل من عامين مات عن ثلاثة وخمسين عامًا، وربما بسبب كسر قلبه

ونتيجة لغياب الحل الحاسم، لم يهاجر الكثير من اليهود إلى إنجلترا. ولكن في عام 1656م، حين دخلت إنجلترا حربها مع إسپانيا، تمكن المارانو من الخروج من تنكرهم الإسپاني وسُمح لهم برغم القلاقل المثارة حولهم بإقامة معابد علانية، كما سُمح لهم

(1) السابق (1/ 165 - 8) باختصار وتصرف يسير.

(2)

تذكر ريچينا الشريف أن المؤتمر المنعقد هو مؤتمر وايت هول Whitehall Conference، والذي عُقد في الفترة من 4 إلى 18 ديسمبر عام 1655م لبحث شرعية وظروف تلك العودة. [انظر، د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (41 - 2)].

ص: 293