الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند أهل الحق كفرًا يخرج به من الملة إلا إذا استحله» اهـ.
وختامًا: اعلم - عَلَّمَنِي الله وإياك - أن الخوض في هذه المسألة مشروط بالآتي: إخلاص في النية، وصفاء في العقيدة، وسلامة في الفهم، ودقة في النقل، بيانًا للحق بأسانيده، وإبطالًا للباطل، وذبًا عن أعراض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ودفعًا للشبهات التي شاعت بين الناس، وتلطخت بها مناهج التعليم، واستغلها أعداء الإسلام للطعن في أصول الدين. أما الخوض فيها بلا داعي مثلما يفعله بعض الدعاة من تخصيص مجالس لعوام الناس للخوض فيما شجر بين الصحابة فهو مخالف لهدي السلف، والله المستعان.
…
عودة إلى البدء: استمالة السبئية لشيعة علي رضي الله عنه
-:
شيعة الرجل كما يقول الزبيدي (1): «أتباعه وأنصاره، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم الشيعة وكل من عاون إنسانًا وتحزب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة» اهـ.
وقد شاع استعمال الكلمة عند اختلاف معاوية مع علي بعد مقتل عثمان رضي الله عنهم، فكان يقال عن أنصار علي رضي الله عنه إنهم شيعته، كما كان الحال مع أنصار معاوية رضي الله عنه. ثم اختص بهذه اللفظة كل من يوالي عليًا وأولاده ويعتقد الاعتقادات المخصوصة والمستقاة من دسائس عبد الله بن سبأ اليهودي وغيره من الذين أرادوا هدم عمارة الإسلام وكيانه وتشويه عقائده وتعليماته، كما قال ابن الأثير (2):«وأصل الشيعة الفرقة من الناس وتقع على الواحد والاثنين والجمع والذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى عليًا رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسمًا خاصًا» اهـ.
لقد كان الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما فرصة ذهبية لكل حاقد متربص للإسلام؛ فبعد
(1) الزبيدي: تاج العروس (11/ 257)، مادة:(ش ي ع).
(2)
ابن الأثير: النهاية، ص (500).
أن أشعل ابن السوداء لعنه الله نار الفتنة، تبعه مدعو الإسلام من المجوس واليهود وتظاهروا بنصرة علي رضي الله عنه، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم أمير المؤمنين، ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن طريق الهدى ..
ويخُصُّ رحمه الله جماعة من أتباع ابن سبأ بالذكر فيقول: «جماعة ممن ضعف إيمانهم من أهل النفاق، وهم قتلة عثمان الذين انخرطوا في عسكر الأمير وعدوا أنفسهم من شيعته خوفًا من عاقبة ما صدر منهم من تلك الجناية العظمى، وهذه الفرقة هم رؤساء الروافض وأسلافهم ومسلمو الثبوت عندهم، فإنهم وضعوا بناء دينهم وإيمانهم في تلك الطبقة على رواية هؤلاء الفساق المنافقين ومنقولاتهم، فلذا كثرت روايات هذه الفرقة عن الأمير بواسطة هؤلاء الرجال. وقد ذكر المؤرخون سبب دخول أولئك المنافقين في هذا الباب، وقالوا إنهم - أي المنافقين - قبل وقوع التحكيم كانوا مغلوبين لكثرة (الشيعة الأولى) في عسكر الأمير وتغلبهم، ولما وقع التحكيم رجع الشيعة الأولى من دومة الجندل - التي كانت محل التحكيم - إلى أوطانهم وشرعوا في ترويج أحكام الشريعة والإرشاد ورواية الأحاديث وتفسير القرآن المجيد، كما أن الأمير رضي الله عنه دخل الكوفة واشتغل بمثل هذه الأمور، ولم يبق في ركاب الأمير إذ ذاك من الشيعة الأولى إلا القليل ممن كانت له دار في الكوفة، فلما رأت هاتيك الفرقة الضالة المجال في إظهار ضلالتهم أظهروا ما كانوا
(1) محمود شكري الألوسي: مختصر التحفة الاثني عشرية (المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الاثنى عشرية)، ص (61 - 3) باختصار وتصرف يسير.
يخفونه من إساءة الأدب في حق الأمير وسب أصحابه وأتباعه الأحياء منهم والأموات، ومع هذا كان لهم طمع في المناصب أيضًا لأن العراق وخراسان وفارس والبلاد الأخرى الواقعة في تلك الأطراف كانت باقية بعد في تصرف الأمير وحكومته، والأمير رضي الله عنه عاملهم كما عاملوه، كما وقع ذلك لموسى عليه السلام مع اليهود ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع المنافقين» اهـ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1): «ولما أحدثت البدع الشيعية في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ردها، وكانت ثلاثة طوائف: غالية وسبابة ومفضلة:
فأما الغالية: فإنه حرقهم بالنار، فإنه خرج ذات يوم من باب كندة فسجد له أقوام فقال: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو الله، فاستتابهم ثلاثًا فلم يرجعوا، فأمر في الثالث بأخاديد فخدت وأضرم فيها النار ثم قذفهم فيها وقال:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرا
…
أججت ناري ودعوت قنبرا (2)
وأما السبابة: فإنه لما بلغه من سب أبا بكر وعمر طلب قتله، فهرب منه إلى قرقيسيا وكلمه فيه، وكان علي يداري أمراءه لأنه لم يكن متمكنًا ولم يكونوا يطيعونه في كل ما يأمرهم به.
وأما المفضلة: فقال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفترين، وروي عنه من أكثر من ثمانين وجهًا أنه قال:"خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر". وفي صحيح البخاري عن محمد بن الحنيفة أنه قال لأبيه: "يا أبت، من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر، قال ثم من؟ قال عمر"(3).
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (35/ 184 - 6).
(2)
قال ابن حزم: «يريد قنبرًا مولاه وهو الذي تولى طرحهم في النار نعوذ بالله من أن نفتتن بمخلوق أو يفتتن بنا مخلوق فيما جل أو دق فإن محنة أبي الحسن رضي الله عنه من بين أصحابه رضي الله عنهم كمحنة عيسى صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من الرسل عليهم السلام» اهـ[ابن حزم: الفِصَل (4/ 142)]، وفي صحيح البخاري أنه لما بلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه» [البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم: 6922].
(3)
البخاري، كتاب فضائل الصحابة: 3671