الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتن، وهذا ما أخبر به حذيفة رضي الله عنه حينما سُئل «من الباب؟ قال: عمر» (1). فبمقتله رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة فيروز المجوسي لعنه الله (2)، خرجت إلينا فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرا (3)، فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي (4)،
فتن يرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مُهْلِكَتي! ثم تنكشف، ثم تجيء فتنة فيقول المؤمن: هذه هي، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر (5).
حقيقة موقف كعب الأحبار من مقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
-:
كعب الأحبار، أبو إسحاق، هو - كما يذكر الذهبي - «كعب بن ماتع الحِمْيَريُّ اليماني العلامة الحبر، الذي كان يهوديًا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه، فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحدِّثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة. وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء
…
توفي بحمص ذاهبًا للغزو في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه،
(1) السابق.
(2)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأبو لؤلؤة كافر باتفاق أهل الإسلام كان مجوسيًا من عباد النيران وكان مملوكًا للمغيرة بن شعبة
…
وكان قد رأى ما عمله المسلمون بأهل الذمة وإذا رأى سبيهم يقدم إلى المدينة يبقى في نفسه من ذلك
…
فقتل عمر بغضًا في الإسلام وأهله وحبًا للمجوس وانتقامًا للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم وقتل رؤساءهم وقسم أموالهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الحديث الصحيح حيث يقول: «إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله» ، وعمر هو الذي أنفق كنوزهما، وهذا الحديث الصحيح مما يدل على صحة خلافته وأنه كان ينفق هذين الكنزين في سبيل الله الذي هو طاعته وطاعة رسوله وما يقرب إلى الله، لم ينفق الأموال في أهواء النفوس المباحة فضلًا عن المحرمة» اهـ[ابن تيمية: منهاج السنة النبوية (6/ 371 - 2) باختصار، والحديث رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير: 2864].
(3)
الحديث رواه مسلم، كتاب الإيمان: 118
(4)
الحديث رواه الترمذي، كتاب الفتن: 2194، وصححه الألباني ..
(5)
الحديث رواه مسلم، كتاب الإمارة: 1844
فلقد كان من أوعية العلم» (1).
وقد اتهم كعب الأحبار بالتآمر لقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث جاءت رواية في الطبري تشير إلى هذا الاتهام، فتقول الرواية (2): «
…
ثم انصرف عمر إلى منزله، فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له: يا أمير المؤمنين، اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام، قال: وما يدريك؟ قال: أجده في كتاب الله عز وجل التوراة. قال عمر: آلله إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا، ولكني أجد صفتك وحليتك، وأنه قد فنى أجلك، قال: وعمر لا يحس وجعًا ولا ألمًا، فلما كان من الغد جاءه كعب، فقال: يا أمير المؤمنين، ذهب يومان وبقي يوم وليلة، وهي لك إلى صبيحتها، قال: فلما كان الصبح، خرج إلى الصلاة، وكان يوكل بالصفوف رجالًا، فإذا استوت، جاء هو فكبَّر. قال: ودخل أبو لؤلؤة في الناس، في يده خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فضرب عمر ست ضربات، إحداهن تحت سرته، وهي التي قتلته» اهـ.
وقد بنى بعض المفكرين المحدثين على هذه الرواية نتيجة، مفادها اشتراك كعب الأحبار في مؤامرة قتل أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وهذا الاتهام باطل لأمور كثيرة، من أهمها:
1 -
أن هذه القصة لو صحت لكان من المنتظر من عمر رضي الله عنه أن لا يكتفي بقول كعب، ولكن لجمع طائفة ممن أسلم من اليهود وله إحاطة بالتوراة مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، ويسألهم عن هذه القصة، وهو لو فعل لافتضح أمر كعب، وظهر للناس كذبه، ولتبين لعمر رضي الله عنه أنه شريك في مؤامرة دبرت لقتله، أو أنه على علم بها، وحينئذ يعمل عمر رضي الله عنه على الكشف عنها بشتى الوسائل.
2 -
أن هذه القصة لو صحت أيضًا لكان معناها أن كعبًا يكشف عن نفسه بنفسه، وذلك باطل لمخالفته لطباع الناس، إذ المعروف أنه من اشترك في مؤامرة، يبالغ في كتمانها بعد وقوعها، تفاديًا من تحمل تبعاتها.
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء (3/ 489 - 91) باختصار.
(2)
ابن جرير الطبري: تاريخ الرسل والملوك (4/ 191).